أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة الثامنة عشرة - صـ 833

جلسة 19 من يونيه سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ حسين السركي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: جمال المرصفاوي، ومحمد محفوظ، وحسين سامح، ومحمود عطيفة.

(167)
الطعن رقم 755 لسنة 37 القضائية

تزوير "التزوير في الأوراق الرسمية". أوراق رسمية. توثيق. إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(أ) مناط رسمية الورقة. صدورها من موظف عام مختص. تغيير الحقيقة فيما أعدت الورقة لإثباته أو في بيان جوهري متعلق بها. تزوير في ورقة رسمية.
(ب) افتراض الضرر في تزوير الأوراق الرسمية لما فيه من إخلال بالثقة فيها.
(ج) توجب المادة السابعة من المرسوم الصادر في 3 نوفمبر سنة 1947 باللائحة التنفيذية للقانون رقم 68 سنة 1947 التأكد من شخصية المتعاقدين. وسائل ذلك؟
(د) لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، يستوي في ذلك الأدلة المباشرة أو غيرها من طرق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية، ما دام ذلك سائغا.
1 - مناط رسمية الورقة هو صدورها من موظف عام مختص بتحريرها - ووقوع تغيير الحقيقة فيما أعدت الورقة لإثباته أو في بيان جوهري متعلق بها.
2 - الضرر في تزوير الأوراق الرسمية مفترض لما في التزوير من تقليل الثقة بها، على اعتبار أنها من الأوراق التي يعتمد عليها في إثبات ما فيها.
3 - المادة السابعة من المرسوم الصادر في 3 من نوفمبر سنة 1947 باللائحة التنفيذية للقانون رقم 68 سنة 1967 بشأن التوثيق والمعدلة بقرار رئيس الجمهورية رقم 820 لسنة 1963 - توجب على الموثق التأكد من شخصية المتعاقدين غير المعروفين له ببطاقة الحالة المدنية الشخصية أو العائلية أو بأي سند رسمي آخر، وإلا بشهادة شاهدين بالغين عاقلين ثابتة شخصيتهما بمستند رسمي.
4 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها - وهي في ذلك ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة، إنما لها أن تستخلص تلك الصورة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية، ما دام استخلاصها سائغا متفقا مع العقل والمنطق.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنهم في يوم 12/ 12/ 1955 بدائرة مركز كفر الدوار محافظة البحيرة: (أولاً) المتهمين جميعًا: اشتركوا بطريق التحريض والاتفاق فيما بينهم، وبطريق المساعدة مع موظف عمومي حسن النية هو علي فؤاد جميعي مأمور الشهر العقاري بكفر الدوار في ارتكاب تزوير في محرر رسمي هو التوكيل رقم 890 بدفتر التصديق على التوقيعات حالة تحريره المختص بوظيفته بجعلهم واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة إذ انتحل الأول شخصية محمد محمد عوض الشهير الإسكندراني، والثانية شخصية صابحة محمد عوض والثالثة شخصية نبوية محمد عوض والرابعة شخصية شاهنده محمد عوض على خلاف الحقيقة ووقعوا بالإمضاء والبصمة والختم الذي صنعه وقدمه لهم المتهم الخامس الذي وقع والمتهم الثامن مقرين بصحة شخصيات الأربعة الأول المنتحلة وتمت الجريمة بناءً على هذا التحريض وذلك الاتفاق وتلك المساعدة. (ثانيا) والمتهمين الخامس والسابع: استعملا التوكيل المزور سالف الذكر مع علمهما بتزويره بأن قدماه إلى الأستاذ أمين عمارة المحامي الذي قدمه بحسن نية مستندا للتوكيل في القضية رقم 376 سنة 1955 مدني كفي الدوار. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 40/ 1 و2 و3 و41/ 1 و211 و212 و214 و215 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات دمنهور قضت حضوريًا في 14 فبراير سنة 1967 عملاً بالمواد 40/ 1 و2 و41 و211 و212 و213 و214 و17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين جميعا مع تطبيق المواد 32 بالنسبة إلى الخامس والسابع و55 و56 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين عدا المتهم الخامس بمعاقبة كل من المتهمين بالحبس مع الشغل سنة واحدة وأمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنين تبدأ من تاريخ الحكم بالنسبة إلى جميع المتهمين عدا المتهم الخامس، وقدرت مبلغ ثلاثة جنيهات أتعابا للمحامي المنتدب. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتي الاشتراك في تزوير محرر رسمي واستعماله قد انطوى على خطأ في الإسناد وفي تطبيق القانون وعلى فساد في الاستدلال، ذلك بأنه ذهب - دون سند من الأوراق - إلى أن الطاعن اصطنع لدى صانع مجهول أختاما لأخوته وصحب باقي المتهمين إلى مكتب التوثيق لتوثيق توكيل منسوب صدوره منهم وقدم هذا التوكيل للمحامي الموكل فيه، ورتب على ذلك إعتبار الطاعن صاحب الدور الرئيسي في اصطناع التوكيل، في حين أن الأوراق تنبئ عن أن أبيه هو الذي أعد التوكيل ودعا المتهم الثامن للشهادة على صحة التوقيعات، وأنه هو الذي قدمه إلى المحامي واتفق معه على إقامة الدعوى وكان يمثل في جلساتها بنفسه، أما مجرد مصاحبته الطاعن إياه إلى مكتب المحامي فلا يفيد أنه هو الذي قدم له التوكيل، هذا إلى أنه بافتراض صحة الواقعة فإنها لا تعدو تزويرا في محرر عرفي وغير مؤثم لانتفاء الضرر، ذلك لأن التوكيل معد لبيان الموكل والوكيل ومحل الوكالة، ولم يوقع الطاعن على بيان من ذلك، وإنما اقتصر دوره على الشهادة على صحة التوقيعات فقط ولا يعني علمه ببيانات التوكيل، هذا فضلاً عن تجرد التوكيل من أية قيمة لوقوعه على غير محل، وانتفاء الحاجة إليه لكون رافع الدعوى في صحة وكان يباشر إجراءاتها بنفسه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أن المتهم الخامس - الطاعن - اصطنع لأخوته أختاما لدى صانع مجهول وصحب باقي المتهمين إلى مأمور التوثيق حيث حرضهم واتفق معهم على تزوير توكيل لمحام، فمثلوا أمام المأمور طالبين إليه توثيق التوكيل منتحلين شخصيات آخرين. هو أخوة الطاعن - ووقع المتهمون الأربعة الأول بإمضاءات وأختام مزورة لمن انتحلوا شخصياتهم ووقع الطاعن والمتهم الثامن بصحة شخصيات هؤلاء المتهمين، فأثبت المأمور هذه البيانات في الدفتر الخاص، واستخدم الطاعن والمتهم السابع التوكيل المزور مع علمهما بتزويره بأن قدماه للمحامي فقدمه في دعوى مدنية، وقد استمد الحكم ثبوت هذه الواقعة من قول شاهد الإثبات بأن المتهم الأول انتحل شخصيته ووقع على الدفتر بإمضاء مزور عليه، ومما ثبت من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أن ذلك المتهم هو مزور هذا التوقيع، وأن بصمات الأختام نقشت جميعا بسنة هجرية واحدة وبطريقة متماثلة، وما ثبت من تقرير مصلحة تحقيق الشخصية من أن البصمتين المنسوبتين لأختي الطاعن هما للمتهمتين الثانية والثالثة ومن إقرار المتهم الأول بتوجهه وباقي المتهمين إلى مكتب التوثيق بناءً على تحريض الطاعن، وتوقيعه بإمضاء نسبها لشاهد الإثبات وانتحال المتهمات الثانية والثالثة والرابعة شخصيات أخوات الطاعن، وإقرار المتهمة الثانية بما يتفق وإقرار الأول وأنها بصمت بختم تسلمته من الطاعن، وإقرار المتهم السادس بأن الطاعن اصطنع أختاما مزورة وسلمها إلى المتهمات المذكورات وأنه اصطحبهم جميعا إلى مكتب التوثيق حيث وقعت بأسماء من انتحلن شخصياتهن، ومن أن تلك الدعوى المدنية مقامة من الطاعن وأخوته - بصفتهم ورثة أبيهم، وأن محاميا حضر عنهم بمقتضى ذلك التوكيل. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أبان أن ما قيل من أن أصحاب الشخصيات المنتحلة قد أجازوا التوكيل مردود بأن شاهد الإثبات لم يقل بذلك، وأن ما قيل من أن الطاعن حضر أخيرا عند إجراء التوكيل. وطلب منه أبوه التوقيع عليه كشاهد، مرود بما اطمأنت إليه المحكمة مما أوردته من أدلة من أنه هو الذي اصطنع أختام أخوته، وحرض المتهمين واتفق معهم على مقارفة الجريمة. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وهي في ذلك ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة وإنما لها أن تستخلص تلك الصورة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية، ما دام استخلاصها سائغا متفقا مع العقل والمنطق، وهو ما لم يخطئ في تقديره الحكم المطعون فيه، ومن ثم يكون ما ينعاه الطاعن عليه من خطأ في الإسناد أو فساد في الاستدلال غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن مناط رسمية الورقة هو صدورها من موظف عام مختص بتحريرها ووقوع تغيير الحقيقة فيما أعدت الورقة لإثباته أو في بيان جوهري متعلق بها، وأن الضرر مفترض في تزوير هذه الورقة لما في ذلك من تقليل للثقة بها باعتبارها من الأوراق التي يعتمد عليها في إثبات ما فيها. ولما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر أن التوكيل الذي دين الطاعن بالاشتراك في تزويره باستعماله، قد وثقه المأمور المختص بذلك، وكانت المادة السابعة من المرسوم الصادر في 3 من نوفمبر سنة 1947 - باللائحة التنفيذية للقانون رقم 68 لسنة 1947 بشأن التوثيق - المعدلة بقرار رئيس الجمهورية رقم 820 لسنة 1963 - توجب على الموثق التأكد من شخصية المتعاقدين غير المعروفين له ببطاقة الحالة المدنية الشخصية أو العائلية أو بأي مستند رسمي آخر، وإلا فبشهادة شاهدين بالغين عاقلين ثابتة شخصيتهما بمستند رسمي، وكان توقيع كل من الطاعن والمتهم الثامن على التوكيل محل الاتهام قد انصب على توكيد شخصية الموكلين، فإن قول الطاعن بعدم رسمية التوكيل أو بعدم جدوى توقيعه عليه، يكون غير سديد. لما كان ذلك، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعين الرفض.