أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة الثامنة عشرة - صـ 875

جلسة 26 من يونيه سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: جمال المرصفاوي، ومحمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمود عطيفة.

(176)
الطعن رقم 957 لسنة 37 القضائية

قتل عمد. "نية القتل". سبق الإصرار. ترصد. عقوبة. "تقدير العقوبة". إثبات. "اعتراف". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الجنايات. "تشكيلها".
(أ) لرؤساء المحاكم الابتدائية ولاية القضاء المخولة لهم بموجب المادتين 367، 372 من قانون الإجراءات الجنائية. القانون رقم 43 لسنة 1965 في شأن السلطة القضائية لم ينسخ هذه الولاية.
(ب) تشكيل دائرة الجنايات من أكثر من واحد من غير المستشارين. أثره: البطلان.
(ج) تعمد القتل أمر داخلي. تقدير توافره. موضوعي.
(د) توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد. استقلال قاضي الموضوع بتقديره.
(هـ) تقدير العقوبة في الحدود المقررة قانوناً. موضوعي.
(و) لمحكمة الموضوع الأخذ باعتراف متهم في حق متهم دون آخر.
(ز) حق محكمة الموضوع في تجزئة الدليل. لها أن تأخذ به في حق متهم دون آخر.
(ح) لا يشترط قانوناً في الأدلة التي يعول عليها الحكم أن ينبئ كل منها ويقطع في كل جزئية. كفايتها مجتمعة لتكوين عقيدة المحكمة.
(ط) الدليل في المواد الجنائية. لا يشترط فيه أن يكون صريحاً ومباشراً. كفاية استخلاصه عن طريق الاستنتاج.
1 - القانون رقم 43 لسنة 1965 في شأن السلطة القضائية لم ينسخ فيما أورده من أحكام - أحكام لمادتين 367، 372 من قانون الإجراءات الجنائية فبقيت هاتان المادتان معمولاً بهما تكمل أحكامهما أحكام القانون الجديد - ومن ثم يبقى لرؤساء المحاكم الابتدائية ولاية القضاء المخولة لهم بموجب المادتين سالفتي الذكر.
2 - لم يرتب القانون بطلان تشكيل دائرة الجنايات إلا في الحالة التي تشكل فيها من أكثر من واحد من غير المستشارين على ما ورد بالفقرة الأخيرة من المادة 367 من قانون الإجراءات الجنائية.
3 - تعمد القتل أمر داخلي يرجع تقدير توفره أو عدم توفره إلى سلطة قاضي الموضوع وحريته في تقدير الوقائع.
4 - البحث في توافر ظرف سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج.
5 - تقدير العقوبة في الحدود المقررة في القانون هو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع.
6 - من حق المحكمة أن تأخذ باعتراف متهم في حق متهم دون آخر.
7 - لمحكمة تجزئة الدليل - فلها أن تأخذ به في حق متهم دون الآخر لما هو مقرر لها من سلطة وزن عناصر الدعوى وأدلتها بما لا معقب عليها.
8 - من المقرر أنه لا يلزم في الأدلة التي يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي - فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصد منها الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
9 - لا يشترط في الدليل في المواد الجنائية أن يكون صريحاً ودالاً مباشرة على الواقعة المراد إثباتها - بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج بما يتكشف من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم في يوم 17 يناير سنة 1961 بدائرة مركز الصف محافظة الجيزة: المتهمين السبعة الأول: - قتلوا عمداً مع سبق الإصرار والترصد عبود محمود أبو طالب بأن بيتوا النية على قتله فتتبع الأول خطاه منذ خروجه من مركز الصف حتى إذا ما وقفت السيارة الأتوبيس التي كان يركبها بالقرب من بلدته وباقي المتهمين السبعة نادى عليهم حيث صعدوا السيارة وجذبوا المجني عليه خارجها إلى الزراعات المجاورة وانهالوا عليه ضرباً بالحجارة والعصى والآلات الحادة قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. المتهمين الثامن والتاسع: - 1 - حازا سلاحاً نارياً (بندقية مششخنة الماسورة) بغير ترخيص - 2 - حازا ذخائر مما تستعمل في الأسلحة النارية دون أن يكون مرخصاً لهما في حمل السلاح. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للوصف والقيد الواردين بقرار الاتهام، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الجيزة عدلت وصف التهمة إلى أن المتهمين الأول والثاني والتاسع في الزمان والمكان سالفي الذكر. (أولاً) المتهمين الأول والثاني قتلا مع آخرين عمداً عبود محمود أبو طالب بأن اتفقا مع الآخرين على قتله وتتبع الأول خطاه منذ خروجه مفرجاً عنه من سجن مركز الصف وركب سيارة الأتوبيس التي استقلها من الصف وظل يراقبه حتى وصول السيارة إلى محطة الأتوبيس القريبة من بلدته فامسك به ونادى المتهم الثاني والآخرين الذين كانوا رابضين معه في انتظار المجني عليه المحطة فصعدوا إلى داخل السيارة وجذبوه إلى خارجها ثم قادوه إلى المزارع القريبة وانهالوا عليه ضرباً بالحجارة والعصى والآلات الراضة ذات الحافة الحادة قاصدين بذلك قتله فأحدثوا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وكان ذلك مع سبق الإصرار بالنسبة إليهما ومع الترصد بالنسبة إلى المتهم الثاني. (ثانياً) المتهم التاسع (أ) أحرز سلاحاً نارياً (بندقية مششخنة الماسورة) بغير ترخيص. (ب) أحرز ذخائر مما تستعمل في السلاح الناري المذكور دون أن يكون مرخصاً له بحمل ذلك السلاح. وقررت بتاريخ 23 فبراير سنة 1967 إحالة أوراق الدعوى إلى مفتى الجمهورية بالنسبة إلى المتهم الأول، وحددت جلسة 16 مارس سنة 1967 للنطق بالحكم. وبهذه الجلسة قضت عملاً بالمواد 10 و13 و230 و231 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 381/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى المتهم الأول، والمواد 230 و231 و232 و17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الثاني، والمواد 1 و2 و6 و26/ 2 - 4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 والجدول رقم 3 الملحق به والمادة 32/ 2 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم التاسع والمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى المتهمين الرابع والخامس والسادس والسابع والمادة 14 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى المتهمين الثالث والثامن. (أولاً) وبإجماع آراء أعضائها بمعاقبة المتهم الأول (الطاعن الأول) بالإعدام شنقاً (ثانياً) بمعاقبة المتهم الثاني (الطاعن الثاني) بالأشغال الشاقة المؤبدة. (ثالثاً) بمعاقبة المتهم التاسع (الطاعن الثالث) بالأشغال الشاقة مدة خمس سنوات. (رابعاً) ببراءة كل من المتهمين الرابع والخامس والسادس والسابع مما أسند إليهم. (خامساً) بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة إلى كل من المتهمين الثالث والثامن لوفاتهما. (سادساً) بمصادرة المضبوطات. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

(أولاً) تقرير الأسباب المقدم من الطاعنين الثلاثة:
حيث إن مبنى الوجهين الأول والثاني هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين الأول والثاني بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار لكليهما والترصد بالنسبة إلى الثاني ودان الطاعن الثالث بجريمتي إحراز سلاح ناري مششخن وذخيرته قد شابه التناقض والقصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، والإخلال بحق الدفاع ذلك بأنه أغفل الرد على ما نعاه الطاعن الأول على اعترافه من أنه لا يمثل الحقيقة، واستند إلى هذا الاعتراف كدليل ضد الطاعنين الأول والثاني بينما استبعده بالنسبة إلى باقي المتهمين. وأوقع الحكم على الطاعن الثالث عقوبة مغلظة على خلاف ما جرت به الأحكام في مثل جريمته. كما عول الحكم في إدانة الطاعنين الأول والثاني بجريمة قتل المجني عليه على أقوال الشهود واعتراف الطاعنين المذكورين مع أن بعضاً من هؤلاء الشهود لا تقبل شهادته لأنه كان محكوماً عليه مع المجني عليه في جريمة تبديد ولم ير واقعة قتل المجني عليه وإنما شهد بوقائع سابقة عليها، والبعض الآخر من رجال الحفظ جاءت شهادتهم مقصورة على ما تم بعد القتل، وأما الاعتراف المعزو إلى الطاعنين الأول والثاني فقد صدر منهما تحت تأثير إكراه من رجال الشرطة بدلالة ما ثبت من تحقيق النيابة العامة من أن الطاعن الأول كان منكراً في بادئ الأمر ولم يعترف إلا بعد أن أخرجه المحقق من حجرة التحقيق وأعاده إليها بمناسبة سماع شاهد مما يؤكد أن اعترافه كان بتأثير رجال الشرطة لوجوده بين أيديهم وهو خارج حجرة التحقيق. وأما ما ساقه الحكم في التدليل على عدم وقوع ذلك الإكراه فغير سائغ. ثم إنه وقد سجل حصول اعتداء على الطاعن الثالث بالضرب المبرح الذي ترك به إصابات، لم يستبعد الدليل المستمد من اعترافه، ولم يعرض إلى دفاعه القائم على قوله بأنه كان في حالة "ضرورة" تبيح له حمل السلاح المضبوط معه لأنه لم يحمله إلا عرضاً لمنع وقوع جريمة كان شقيق الطاعن الأول في طريقه إلى ارتكابها - مما يعيب الحكم المطعون فيه ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مجمله أن الطاعنين الأول والثاني وآخرين من أفراد أسرتهم عقدوا عزمهم على الفتك بالمجني عليه "عبود محمود أبو طالب" اعتقاداً منهم بأنه قاتل قريبهم عبد الواحد ضلع وما أن علموا بتاريخ الإفراج عنه بعد تنفيذ العقوبة التي قضى عليه بها في جنحة تبديد حتى أعدوا عدتهم للقائه لدى مروره ببلدتهم في طريقه إلى بلدته وترصدوه في صباح يوم الحادث عند محطة السيارات العامة المجاورة لبلدتهم وبعثوا بالطاعن الأول إلى بلدة الصف ليتتبع خطواته ويرافقه في السيارة إلى بلدته دون أن يثير ريبته فمضى الطاعن الأول إلى تنفيذ خطتهم وما أن لمح المجني عليه عقب خروجه من السجن حتى أقبل عليه محيياً ومتظاهراً بالمسالمة وركب مع المجني عليه ورفاقه في السيارة العامة وقد أوجس الشاهد عبد المحسن محمد الصغير خيفة من وجود الطاعن بين ركاب السيارة لما يعلمه عن الخصومة المحتدمة بين أسرتيهما فأفضى بمخاوفه للمجني عليه، ولكنه لم يأبه لذلك فطلب الشاهد إلى سائق السيارة عدم الوقوف في محطة بلدة الطاعن الأول غير أنه عند وصول السيارة إلى تلك البلدة سارع الطاعن الأول إلى السائق وأمره بالوقوف وهدده بوجود كمين مسلح أمامه فأذعن السائق لتهديده خوفاً على نفسه واتجه الطاعن الأول إلى المجني عليه وطلب منه النزول من السيارة للاقتصاص منه بعد أن واجهه بتهمة قتله جده "عبد الواحد ضلع" فأبى المجني عليه النزول منكراً التهمة الموجهة إليه وأقسم على براءته منها، إلا أن الطاعن الأول شدد قبضته عليه وهتف بأفراد فريقه الواقفين بالمحطة وكان من بينهم الطاعن الثاني معلناً وصول قاتل جده فاندفعوا إلى السيارة وانتزعوه منها بعد أن جهروا بعزمهم على قتله وهبطوا به من السيارة في وضح النهار وعلى مشهد من ركابها الذين استولى عليهم الرعب واقتادوه أمامهم بقيادة الطاعن الأول دون أن يلقى المجني عليه أية مساعدة من أحد وما أن وصلوا به إلى مكان بين المزارع اختاروه لتنفيذ حكمهم فيه، أخذوا يرشقونه بالحجارة وينهالون عليه ضرباً في رأسه وجسمه بآلات راضة ذات حافة حادة قاصدين من ذلك قتله فأثخنوه بجراح بالغة هشمت رأسه وهتكت مخه وحطمت عنقه وشطرت ذقنه وأحدثت الكسور والإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وذهب بهم اللدد إلى حد أن سحلوا عينيه شفاءاً لحزازاتهم ولم يكتفوا بذلك بل أشعلوا النار في جثته وملابسه بعد أن فارق الحياة ... ومضى الحكم إلى أنه - بينما كان النقيب محمد حسن المدبوح متجهاً بعد ذلك إلى كمين من النخيل لتطهيره من الجناة التقى بالطاعن الثالث يحمل بندقية "لي أنفيلد" وما أن طلب منه الوقوف وتسليم نفسه حتى تلفظ بعبارات تهديد وجهها للضابط وأطلق من بندقيته عياراً في الهواء وإذ لم يذعن فقد استنجد الضابط بزميله النقيب فاروق عبد الرزاق الذي حضر على الفور وعاونه في محاصرة الطاعن المذكور وتمكنا ومن معهما من رجال الشرطة من ضبطه ومعه البندقية التي يحملها وبها طلقة حية. وساق الحكم للتدليل على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة في حق الطاعنين أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن اعتراف كل من الطاعنين الأول والثاني على نفسه أمام النيابة العامة بارتكاب جريمة قتل المجني عليه وما دلت عليه المعاينة وما أثبته التقرير الطبي الشرعي وتقرير فحص البندقية المضبوطة، وبعد أن حصل الحكم مؤدى هذه الأدلة ومن بينها اعتراف الطاعنين الأول والثاني بما يتطابق مع ما أورده عن واقعة الدعوى وبما يتفق والثابت بأوراقها - عرض إلى ما أثاره الطاعنان سالفي الذكر من دفاع في شأن التشكيك في صحة أقوال شهود الإثبات، ومن أن اعترافهما بتحقيق النيابة كان وليد إكراه من رجال الشرطة ورد عليه تفصيلاً مدللاً على صحة اعتراف الطاعنين المشار إليهما أمام النيابة العامة، وخلو اعترافهما من شوائب الرضا وأخصها الإكراه، ومطابقته للحقيقة مستنداً في ذلك على أدلة صحيحة لها أصولها الثابتة في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكان لا تعارض بين ما قرره الطاعنان من أن الاعتداء على المجني عليه كان بالعصي والحجارة وبين ما أثبته التقرير الطبي الشرعي من أن إصابات المجني عليه حدثت من أجسام صلبة راضة بعضها ذو حافة حادة نوعاً. وكان من حق المحكمة أن تأخذ باعتراف متهم في حق متهم دون آخر، كما أنه من حقها أيضاً وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم والتعويل على أقوالهم مهما وجه إليهم من مطاعن وحام حولهم من الشبهات. ولما كان من المقرر أنه لا يلزم في الأدلة التي يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي ومن ثم فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصد منها الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن الثالث في شأن تعويل الحكم على اعترافه على الرغم مما أثبته من حصول اعتداء عليه مردوداً بما أورده الحكم بأدلة سائغة من أن ذلك الاعتداء لم يكن بقصد حمل الطاعن المشار إليه على الاعتراف وإنما كان بسبب ما وقع منه ضد رجال الشرطة أثناء مطاردتهم له من إطلاقه النار من البندقية التي يحملها لإرهابهم. وكان ما يعيبه الطاعن المذكور على الحكم من القصور لعدم رده على ما دفع به من أنه كان في حالة ضرورة مردوداً أيضاً بأن الحكم قد عرض إلى هذا الدفاع ورد عليه رداً سائغاً يستقيم به إطراحه. وكان ما ينعاه الطاعن المذكور على العقوبة المقضي بها عليه مردوداً بأن تقدير العقوبة في الحدود المقررة في القانون هو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع. ولما كانت عقوبة الأشغال الشاقة لمدة خمسة سنين التي أنزلها الحكم به تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة إحراز السلاح المششخن بغير ترخيص التي دين به، فإن مجادلته في هذا الخصوص لا تكون مقبولة.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث هو بطلان الحكم المطعون فيه لصدوره من هيئة مشكلة من مستشارين ورئيس محكمة منتدب على خلاف ما نصت عليه المادة السادسة من القانون رقم 43 سنة 1965 في شأن السلطة القضائية من ضرورة تشكيل محكمة الجنايات من ثلاثة من مستشاري محكمة الاستئناف، ولا محل للاحتجاج بما ورد في نص المادتين 367 و372 من قانون الإجراءات الجنائية من جواز ندب رئيس محكمة ابتدائية أو وكيلها عند الاستعجال أو الضرورة ذلك لأن قانون السلطة القضائية نص في المادة الأولى من مواد إصداره على إلغاء كل نص آخر يخالف أحكامه وفضلاً عن ذلك فهو قانون خاص صدر في تاريخ لاحق على قانون الإجراءات الجنائية مما من شأنه أن ينسخ ضمناً حكمي المادتين 367 و372 المشار إليهما. ومن جهة أخرى فإنه لم يعد ثمة محل لتطبيق هذين النصين بعد أن أصبح رئيس المحكمة الابتدائية مستشاراً وألغيت درجة وكيل المحكمة.
وحيث إنه لما كان الشارع قد وضع قاعدة تنظيمية عامة لتشكيل محاكم الجنايات فنص في الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 43 سنة 1965 في شأن السلطة القضائية على أنه "تشكل في كل محكمة استئناف محكمة أو أكثر لنظر قضايا الجنايات وتؤلف كل منها من ثلاثة من مستشاري محكمة الاستئناف" وهي قاعدة سبق أن وردت في المادة الرابعة من القانون رقم 147 سنة 1949 الخاص بنظام القضاء ثم في الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 56 سنة 1959 في شأن السلطة القضائية الملغي بالقانون المتقدم كما وردت المادة 366 من قانون الإجراءات الجنائية - وقد ردد الشارع في الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 43 لسنة 1965 في شأن السلطة القضائية ما سبق أن استحدثه من حكم جديد في قانون السلطة القضائية الملغي من أنه "ويرأس محكمة الجنايات رئيس المحكمة أو أحد رؤساء الدوائر وعند الضرورة يجوز أن يرأسها أحد المستشارين بها" وقد اقتصر الشارع على ذلك في قانوني السلطة القضائية الجديدة والملغي ولم يعرض فيهما لحالة الضرورة التي قد تطرأ على أحد مستشاري محكمة الجنايات أسوة بما فعل بالنسبة إلى رئيس الدائرة مكتفياً بما تكفلت به المادتان 367 و372 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلتين بالقانون رقم 535 سنة 1953 من تنظيم لذلك الحكم الخاص إذ نصت أولاهما على أنه "... وإذا حصل مانع لأحد المستشارين المعينين لدور من أدوار انعقاد محكمة الجنايات يستبدل به آخر من المستشارين يندبه رئيس محكمة الاستئناف ويجوز عند الاستعجال أن يجلس مكانه رئيس المحكمة الابتدائية الكائنة بالجهة التي تنعقد بها محكمة الجنايات أو وكيلها ولا يجوز في هذه الحالة أن يشترك في الحكم أكثر من واحد من غير المستشارين". ونصت المادة الأخرى على أنه "يجوز لوزير العدل عند الضرورة بناءً على طلب رئيس محكمة الاستئناف أن يندب أحد رؤساء المحاكم الابتدائية أو وكلائها للجلوس بمحكمة الجنايات مدة دور واحد من أدوار انعقادها ويجوز له ندبه لأكثر من دور واحد بموافقة مجلس القضاء الأعلى). لما كان ذك، وكان القانون رقم 43 لسنة 1965 في شأن السلطة القضائية وإن نصت المادة الأولى منه على أنه "يلغى القانون رقم 56 لسنة 1959 في شأن السلطة القضائية والقانون رقم 147 لسنة 1949 بشأن نظام القضاء والقوانين المعدلة لهما ويستعاض عنهما بنصوص القانون المرافق ويلغى كل نص آخر يخالف أحكامه". إلا أنه لم يشر في ديباجته إلى إلغاء المادتين 367 و372 من قانون الإجراءات الجنائية ولم يرد بنصوصه ما يغاير أحكامهما مما مؤداه أنه قد اكتفى بتنظيم ما أشار إليه في المادة السادسة منه بما لا يتعارض مع أحكام المادتين 367 و372 المشار إليهما - فبقيت هاتان المادتان معمولاً بهما تكمل أحكامهما أحكام القانون الجديد. وهذا هو المعنى ذاته الذي هب إليه قانون السلطة القضائية رقم 56 لسنة 1959 الملغي في أحكامه وأوضحته مذكرته الإيضاحية وهو ما لم ينسخه قانون السلطة القضائية الجديد - الصادر به القانون رقم 43 سنة 1965 - فيما أورده من أحكام، مما يكشف بجلاء عن قصد المشرع ويتمشى مع مفهوم النصوص وليس من شأنه كما ذهب الطاعنون في طعنهم أن ينسخ ضمناً حكم المادتين 367 و372 من قانون الإجراءات الجنائية. ولا يغير من هذا النظر أن يكون القانون قد نص على أن تكون رياسة المحكمة الابتدائية معقودة لمستشار يندب من مستشاري محكمة الاستئناف لأن هذا الإسناد المستحدث في رياسة المحكمة الابتدائية لمستشار ليس من شأنه أن يرفع من رؤساء المحاكم بالمحاكم الابتدائية - بعد إلغاء وظائف الوكلاء بها - ولاية القضاء التي خولها قانون الإجراءات الجنائية في مادتيه 367 و372 لوكلاء المحاكم. لما كان ذلك، وكان القانون على ما سلف بيانه لم يرتب البطلان إلا في الحالة التي تشكل فيها الدائرة من أكثر من واحد من غير المستشارين - على ما ورد بالفقرة الأخيرة من المادة 367 من قانون الإجراءات الجنائية. وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه صدر من دائرة شكلت من مستشارين من محكمة الاستئناف ورئيس محكمة بالمحكمة الابتدائية فإنه يكون قد صدر من هيئة مشكلة وفق القانون. ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعنون على الحكم المطعون فيه في هذا الوجه بطلان تشكيل المحكمة يكون بلا سند في القانون متعين الرفض.
تقرير الأسباب المقدم من الطاعن الثاني:
حيث إن مبنى أوجه الطعن المقدمة من الطاعن الثاني هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد قد شابه الفساد في الاستدلال والتناقض في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه استند في قضائه إلى أقوال الشهود واعتراف الطاعن الثاني على نفسه من أنه كان مترصداً مع فريقه عندما أنزل الطاعن الأول المجني عليه من السيارة وساهم في قتله مع أقوال هؤلاء الشهود كما أوردها الحكم لم يرد بها ما يدل على أن الطاعن الثاني كان مع من قال الحكم بأنهم أجمعوا أمرهم على الفتك بالمجني عليه وأنه كان مترصداً له. كما أن اعترافه بارتكاب القتل مع سبق الإصرار والترصد بالصورة التي استخلصها الحكم لا سند له من أقواله إذ الثابت منها لا يعدو حد التوافق على التعدي مما يجعل مسئوليته مقصورة على فعل الضرب الذي أوقعه على المجني عليه. كما استند الحكم في إدانة الطاعن إلى أقوال الطاعن الأول والشهود النقيب فاروق عبد الرازق وجنيدي محمد يوسف ورشاد سليمان أبو زيد مع أنه أطرحها بالنسبة إلى متهمين آخرين قضى ببراءتهم من تهمة قتل المجني عليه مما يشكل تناقضاً في التسبيب يعيب الحكم. ولا يرفع هذا التناقض استناد الحكم إلى اعتراف الطاعن على نفسه لأن اعترافه لم ينصرف إلى واقعة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد التي دين بها وإنما انصرف إلى مجرد التوافق الفوري على الضرب. وفضلاً عن ذلك فإن الحكم قد جاوز حدود ذلك الاعتراف فيما أورده نقلاً عن أقوال الطاعن التي لم تتضمن وجود اتفاق سابق بينه وبين المتهمين الآخرين على القتل أو أنه انتوى قتل المجني عليه مما كان يتعين على المحكمة أن تأخذه بالقدر المتقين في حقه وهو فعل الضرب - وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به في حق الطاعن الثاني كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد التي دانه بها وأورد مؤدى الأدلة على ثبوتها في حقه - عرض في استقلال إلى ظرفي سبق الإصرار والترصد وكشف عن توافرها لدى هذا الطاعن والطاعن الأول وساق لإثباتهما من الدلائل والقرائن ومن نص اعترافهما ما يكفي لتحققهما طبقاً للقانون. لما كان ذلك، وكان البحث في توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج. وكان لا يشترط في الدليل في المواد الجنائية أن يكون صريحاً ودالاً مباشرة على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما يتكشف من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم من أقوال الشهود النقيب فاروق عبد الرزاق وعبد المحسن محمد الصغير وعبد الله بيومي عبد الرحيم ومحمد محمود الكبير وسائق السيارة العامة ومحصلها واعتراف كل من الطاعنين الأول والثاني يسوغ به في مجموعه ما استخلصه الحكم عن توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد لدى الطاعن الثاني، فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان تعمد القتل أمراً داخلياً متعلقاً بالإرادة يرجع تقرير توفره أو عدم توفره إلى سلطة قاضي الموضوع وحريته في تقدير الوقائع. وكان ما أورده الحكم تدليلاً على قيام تلك النية لدى الطاعن الثاني من الظروف والملابسات التي أوضحها في هذا الشأن سائغاً وكافياً لإثبات توافرها لديه فإن منعاه في هذا الشأن لا يعدو أن يكون عوداً منه إلى مناقشة أدلة الدعوى التي اقتنعت بها المحكمة مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. وكان ما يعيبه الطاعن على الحكم من تناقضه في التسبيب لاستناده في إدانته إلى أقوال الطاعن الأول والشهود النقيب فاروق عبد الرازق وجنيدي محمود يوسف ورشاد سليمان عبد العزيز مع أنه أطرح تلك الأقوال في قضائه ببراءة متهمين آخرين في الدعوى مردوداً بأن الأصل أن لمحكمة الموضوع تجزئة الدليل فلها أن تأخذ به في حق متهم دون الآخر بما هو مقرر لها من سلطة وزن عناصر الدعوى وأدلتها بما لا معقب عليها فيه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذه الأوجه لا يكون سديداً.
وحيث إنه لكل ما تقدم فإن الطعن المقدم من الطاعنين الثلاثة برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إن النيابة العامة عرضت القضية على هذه المحكمة طبقاً لما هو مقرر في المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض وقدمت مذكرة برأيها في الحكم انتهت فيها إلى طلب إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه الأول "محمد خليل ضلع".
وحيث إنه يبين من الاطلاع على أوراق القضية أن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دين بها المحكوم عليه بالإعدام وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها كما أن إجراءات المحاكمة قد تمت وفقاً للقانون وصدر الحكم بإجماع آراء أعضاء المحكمة وبعد استطلاع رأي مفتي الجمهورية وقد جاء الحكم سليماً من عيب مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله، وصدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعتها يصح أن يستفيد منه المحكوم عليه طبقاً لما نصت عليه المادة الخامسة من قانون العقوبات، فإنه يتعين لذلك إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه الأول "محمد خليل ضلع".