أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 138

جلسة 30 من يناير سنة 1977

برياسة السيد المستشار جمال صادق المرصفاوي رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد فؤاد جنينه، ويعيش محمد رشدي، وأحمد طاهر خليل، ومحمد وجدي عبد الصمد.

(30)
الطعن رقم 1056 لسنة 46 القضائية

1- إثبات "شهادة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حق المحكمة الأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة إطراح ما يخالفها. دون بيان العلة.
2- إثبات "بوجه عام".
متى لا يضيع الخطأ في مصدر الدليل. أثره؟
3- إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". التحريات لا تصلح بذاتها دليلاً أو قرينة. جواز التعويل عليها كمعززة لغيرها من أدلة.
4- أسباب الإباحة وموانع العقاب "دفاع شرعي". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي".
تقدير قيام أو انتفاء حالة الدفاع الشرعي. وكذا تقدير التزام المدافع حدود الدفاع أو تعديلها. موضوعي ما دام سائغاً. مثال.
1- لمحكمة الموضوع أن تأخذ بقول للشاهد في أية مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة، متى اطمأنت إليه وأن تلتفت عما عداه دون أن تلتزم ببيان العلة في ذلك.
2- أن الخطأ في مصدر الدليل أو إغفاله لا يضيع أثره ما دام له أصل صحيح في أوراق الدعوى.
3- لا تثريب على المحكمة إذ هي لم تشر إلى ما لم تطمئن إليه من تحريات معاون المباحث – التي ضمنها تقريره وشهد بها في التحقيق – مما لم يؤيد بدليل ما، ذلك لأنه وإن كان لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات – باعتبار كونها معززة فحسب لما ساقته من أدلة – إلا أنها لا تصلح وحدها لأن تكون دليلاً بذاته أو قرينة بعينها على الواقعة المراد إثباتها.
4- من المقرر أن تقدير الوقائع المؤدية إلى قيام حالة الدفاع الشرعي أو إلى انتفائها وتقدير القوة اللازمة لرد الاعتداء – لتقرير ما إذا كان المدافع قد التزم حدود هذا الدفاع فلا جريمة فيما أتاه طبقاً لنص المادة 245 من قانون العقوبات، أم أنه تعدى حدوده بنية سليمة فيعامل بمقتضى المادة 251 من هذا القانون، كل ذلك من الأمور الموضوعية البحت، التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها – وفق الوقائع المعروضة عليها – بغير معقب، ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها في حكمها، وإذ كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة قد أحاطت بواقعة الدعوى وألمت بكافة الظروف والملابسات التي كانت الطاعنة محفوفة بها وقت وقوعها - عن بصر وبصيرة، وكانت الأدلة التي استند الحكم إليها من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من اعتبار الطاعنة قد تعدت بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي عن المال أثناء استعمالها إياه، تأسيساً على أن الوسيلة التي سلكتها - بطعنها المجني عليها بالسكين في صدرها - لم تكن لتتناسب، في تلك الظروف والملابسات، مع الاعتداء الواقع – نهاراً – على حيازتها الفعلية للشقة التي تسكنها، بما في ذلك قيام المجني عليها بجذبها لمحاولة إخراجها منها، بل أنها زادت عن الحد الضروري والقدر اللازم لرد هذا الاعتداء، فإن ما تعيبه الطاعنة على الحكم لا يعدو – في حقيقته – أن يكون مجادلة في تحصيل محكمة الموضوع فهم الواقع في الدعوى في حدود سلطتها التقديرية وفى ضوء الفهم الصحيح للقانون، وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنة بأنها في يوم 21 يونيه سنة 1967 بدائرة قسم باب شرقي محافظة الإسكندرية أحدثت عمداً بـ........ الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم تقصد من ذلك قتلاً ولكن إصابتها أفضت إلى موتها. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتها إلى محكمة الجنايات لمعاقبتها بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهمة مما اسند إليها. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض، وقضى فيه بقبوله شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات الإسكندرية لتفصل فيها من جديد دائرة أخرى. والمحكمة المذكورة – مشكلة من دائرة أخرى – قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام بمعاقبة المتهمة بالحبس مع الشغل لمدة سنتين ومصادرة السلاح المضبوط. فطعنت المحكوم عليها في الحكم الأخير بطريق النقض للمرة الثانية.


المحكمة

حيث إن المحكوم عليها تنعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانها بجريمة ضرب أفضى إلى الموت، قد خالف الثابت بالأوراق وشابه قصور وفساد في الاستدلال وخطأ في تطبيق القانون. ذلك بأنه أغفل أجزاء هامة من الشهادة حاصلها ما قرره مطلقها – زوج المجني عليها – في التحقيق بشأن عنف التماسك الحاصل في غضون محاولة المجني عليها إخراج الطاعنة من سكنها، وما شهد به معاون المباحث من أن تحرياته دلت على أن المجني عليها وزوجها وأخريات قاموا بضرب الطاعنة في هذه الأثناء. كما أغفل الحكم حقائق ثابتة بالأوراق تدور حول ما ورد بتقرير معاون المباحث في هذا الخصوص، وما أثبته المحقق من إصابات شوهدت بالطاعنة. وقد أدى ذلك كله بالحكم إلى تصويره وقوع الواقعة نتيجة جذب المجني عليها للطاعنة من ملابسها فحسب، الأمر الذي رتب عليه اعتبار الطاعنة قد تعدت حدود حق الدفاع الشرعي عن المال، دون أن يلقى الحكم بالاً إلى الخطر الداهم الذي كان محيطاً بها والاعتداء الجسيم الواقع عليها وكلاهما يخولها حق الدفاع عن نفسها – علاوة على حقها في رد الاعتداء الواقع على مالها، والمتمثل في إجبارها على التخلي عن الشقة التي كانت تقضى فيها فترة العدة وإخراج المنقولات منها، من جمع بلغ أربعاً من النسوة وثلاثة رجال منهم مالك العقار والبواب اللذان كانا في انتظار تسلم العين أثر سلب حيازتها – ومن ثم فلا جريمة فيما أتت، ما دامت لم تجد – بعد ما استنفدت ما كان في مكنتها من وسائل بالاتصال بالنيابة العامة والشرطة – أية وسيلة للخروج من مأزقها، وفقاً لتقديرها هي في تلك الظروف الحرجة والملابسات الدقيقة، سوى ما ارتأته لازماً لرد العدوان. ولو تفطن الحكم المطعون فيه إلى الواقعة على حقيقتها هذه لما أخطأ في تكييفها ولإخضاعها لحكم المادة 245 من قانون العقوبات في شأن حق الدفاع الشرعي دون المادتين 236 فقرة أولى و251 منه اللتين أنزل الحكم بموجبهما العقاب على الطاعنة باعتبارها قد جاوزت حدود هذا الحق.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: "وفى يوم 21/ 6/ 1967 وهو يوم الحادث حضر طليق المتهمة – الطاعنة - لها بالشقة مكرراً محاولته لتركها الشقة فأصرت على موقفها من رفض طلبه فأخبرها بتنازله عن عقد الإيجار لصاحب العقار وإذ أحست بالخطر الداهم على حيازتها للشقة استغاثت تليفونياً بالنيابة لحماية وضع يدها الفعلي على الشقة إلا إنها فوجئت قبل وصول رجال الشرطة بحضور المجني عليها ومعها والدتها....... وقريبتها........ يقتحمن عليها وعلى والدتها الشقة ثم ما لبثت أن صعد إليها صاحب المنزل ومعه........ بواب العقار وبدأ النسوة في إنزال الأثاث ثم جمع حاجيات المتهمة الخاصة على حدة بعد أن فرغن من الأثاث وإذ أخذت المجني عليها في جذب المتهمة من ملابسها لإخراجها عنوة من الشقة فما كان من هذه إلا أن التقطت سكيناً كانت قريبة منها وعلى مرأى من الجميع طعنت بها المجني عليها في صدرها بدلاً من أن تدفعها عنها بيدها فنفذت الطعنة إلى قلب المجني عليها وأحدثت به إصابة أدت إلى وفاتها دون أن تقصد المتهمة قتلها". وبعد أن استدل الحكم على ثبوت الواقعة – وفق هذا التصوير – بشهادة كل من والدة المجني عليها وقريبتها وزوجها – مطلق الطاعنة – ومالك العقار والبواب ووالدة الطاعنة ومعاون المباحث وبما جاء بتقرير الصفة التشريحية، فضلاً عما ورد بمذكرة وكيل النيابة من أن الطاعنة اتصلت به تليفونياً يوم الحادث لحماية وضع يدها على الشقة فاتصل برجال الشرطة لفحص بلاغها، عرض إلى دفاع الطاعنة - بأنها كانت في حالة دفاع شرعي – ورد عليه بقوله: "كما لا تجارى المحكمة الدفاع في أن المتهمة – الطاعنة – كانت في حالة تبرر لها الاعتداء على المجني عليها بطعنها بالسكين حتى وان لم تقصد قتلها لأن كل ما فعلته المجني عليها بالمتهمة أنها كانت تجذبها من ملابسها فكان يكفى لرد هذا الاعتداء دفعها عنها بيدها خاصة وليس بالأوراق من أي دليل يفيد أن أحداً ممن حضر كان يساعد المجني عليها في جذبها المتهمة لإخراجها منن الشقة وتكون المتهمة بفعلتها جاوزت حقها في الدفاع الشرعي عن حيازتها الفعلية للشقة وكان الحادث". ثم خلص الحكم من ذلك إلى إنزال العقاب على الطاعنة بموجب المادتين 236 فقرة أولى و251 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان ما نقلته المحكمة في حكمها عن زوج المجني عليها – واسندته إلى التحقيق – له سنده من شهادته بجلسة المحاكمة التي جاءت خلوا من التماسك الذي تشير إليه الطاعنة في منعاها، ومن ثم فلا يعيب الحكم أن تكون لهذا الشاهد – في هذا الصدد – رواية أخرى بالتحقيق، لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بقول للشاهد في أية مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة – متى اطمأنت إليه – وأن تلتفت عما عداه دون أن تلتزم ببيان العلة في ذلك، وأن الخطأ في مصدر الدليل أو إغفاله لا يضيع أثره ما دام له أصل صحيح في أوراق الدعوى. لما كان ذلك، وكان لا تثريب على المحكمة إذ هي لم تشر إلى ما لم تطمئن إليه من تحريات معاون المباحث – التي ضمنها تقريره وشهد بها في التحقيق – مما لم يؤيد بدليل ما، ذلك بأنه وإن كان لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات - باعتبار كونها معززة فحسب لما ساقته من أدلة – إلا أنها لا تصلح وحدها لأن تكون دليلاً بذاته أو قرينة بعينها على الواقعة المراد إثباتها. لما كان ذلك، وكان لا يقدح في سلامة الحكم سكوته عن الإشارة – في خصوصية الدعوى الماثلة – إلى ما أثبته وكيل النيابة المحقق من كدمات شوهدت بساعد الطاعنة، وهو كل ما حوته المفردات المضمومة بشأن إصابتها، ذلك بأن الثابت من الأدلة السائغة التي عول الحكم عليها – والتي لها معينها الصحيح من أوراق الدعوى – أن أحداً لم يحدث البتة أو يتسبب في إحداث أية إصابة بالطاعنة، ولم يساعد المجني عليها في جذبها من ملابسها – حسبما أثبت الحكم – مما مفاده انتفاء الصلة تماماً بين تلك الكدمات وبين فعل العدوان ، ومن ثم فلا يكون لإغفالها أي أثر في منطق الحكم ولا في النتيجة التي انتهى إليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الوقائع المؤدية إلى قيام حالة الدفاع الشرعي أو إلى انتفائها، وتقدير القوة اللازمة لرد الاعتداء – لتقرير ما إذا كان المدافع قد التزم حدود هذا الدفاع فلا جريمة فيما أتاه طبقاً لنص المادة 245 من قانون العقوبات، أم أنه تعدى حدوده بنية سليمة فيعامل بمقتضى المادة 251 من هذا القانون – كل ذلك من الأمور الموضوعية البحت، التي تستقل به محكمة الموضوع بالفصل فيها – وفق الوقائع المعروضة عليها – بغير معقب، ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها في حكمها، وإذ كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة قد أحاطت – على النحو المتقدم بيانه – وبواقعة الدعوى، وألمت بكافة الظروف والملابسات – التي كانت الطاعنة محفوفة بها وقت وقوعها - عن بصر وبصيرة، وكانت الأدلة التي استند الحكم إلهيا من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها من اعتبار الطاعنة قد تعدت بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي عن المال أثناء استعمالها إياه، تأسيساً على أن الوسيلة التي سلكتها – بطعنها المجني عليها بالسكين في صدرها – لم تكن لتتناسب، في تلك الظروف والملابسات، مع الاعتداء الواقع – نهاراً – على حيازتها الفعلية للشقة التي تسكنها، بما في ذلك قيام المجني عليها بجذبها لمحاولة إخراجها منها، بل إنها زادت عن الحد الضروري والقدر اللازم لرد هذا الاعتداء، فإن ما تعيبه الطاعنة على الحكم لا يعدو – في حقيقته – أن يكون مجادلة في تحصيل محكمة الموضوع فهم الواقع في الدعوى في حدود سلطتها التقديرية وفى ضوء الفهم الصحيح للقانون، وهو مالا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.