أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثامنة عشرة - صـ 891

جلسة 2 من أكتوبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح، ومحمود عطيفة.

(178)
الطعن رقم 887 لسنة 37 القضائية

(أ، ب، ج، د) إجراءات المحاكمة. بطلان. "البطلان المتعلق بالنظام العام". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". تحقيق. "التحقيق التكميلي". دعوى جنائية. نيابة عامة. قتل خطأ.
(أ) دخول الدعوى في حوزة المحكمة يوجب عليها عند تعذر تحقيق دليل أمامها أن تندب لذلك أحد أعضائها أو قاضياً آخر. ليس لها أن تندب لذلك النيابة العامة لزوال ولايتها وانتهاء اختصاصها. المادة 294 من قانون الإجراءات الجنائية.
(ب) بطلان الدليل المستمد من التحقيق التكميلي الذي تجريه النيابة العامة - بناءً على ندب المحكمة لها أثناء سير الدعوى - بطلاناً متعلقاً بالنظام العام.
(ج) وجوب قيام المحكمة بنفسها أو بمن تندبه من أعضائها باستيفاء التحقيق إذا رأت إجابة الدفاع إلى طلبه في هذا المنحى. ليس لها أن تندب النيابة العامة للقيام بالإجراء المذكور - وإلا كان ذلك إخلالاً بحق الدفاع. لا يغير منه عدم استنادها إلى ذلك الإجراء.
(د) إيراد الحكم صوراً متعارضة لكيفية وقوع الحادث وأخذه بها جميعاً. أثره: تناقض الحكم وتخاذله وقصوره.
1 - من المقرر أنه ليس للمحكمة أن تحيل الدعوى إلى النيابة العامة - بعد أن دخلت في حوزتها، بل لها أن تعذر تحقيق دليل أمامها أن تندب أحد أعضائها أو قاضياً آخر لتحقيقه على ما جرى به نص المادة 294 من قانون الإجراءات الجنائية - ذلك لأنه بإحالة الدعوى من سلطة التحقيق على قضاة الحكم تكون ولاية السلطة المذكورة قد زالت وفرغ اختصاصها.
2 - يكون الدليل المستمد من التحقيق التكميلي الذي تقوم به النيابة العامة - بناءً على ندب المحكمة إياها في أثناء سير المحاكمة - باطلاً وهو بطلان متعلق بالنظام العام لمساسه بالتنظيم القضائي ولا يصححه رضاء المتهم أو المدافع عنه بهذا الإجراء.
3 - متى رأت المحكمة إجابة طلب الدفاع إلى استيفاء التحقيق بإجراء معاينة لمكان الحادث، فإنه كان يتعين عليها أن تقوم بهذا الإجراء بنفسها أو بمن تندبه من أعضائها - فإذا كانت قد تقاعدت عن اتخاذ هذا الإجراء على الوجه القانوني - وندبت النيابة لإجرائه فإنها تكون قد أخلت بحق الدفاع ولو لم تعول على المعاينة التي أجرتها النيابة.
4 - إذا كان الحكم قد أورد صوراً متعارضة لكيفية وقوع الحادث وأخذ بها جميعاً، فإن ذلك يدل على اختلال فكرته عن عناصر الواقعة وعدم استقرارها في عقيدة المحكمة الاستقرار الذي يجعلها في حكم الوقائع الثابتة - الأمر الذي يجعله متخاذلاً متناقضاً بعضه مع بعض معيباً بالقصور.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 20 ديسمبر سنة 1964 بدائرة مركز دمياط: تسبب خطأ في موت فاطمة حسين سيد أحمد، وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احترازه بأن قاد سيارة بسرعة دون أن يتخذ الحيطة الكافية فصدم المجني عليها فأحدث بها إصابات المبينة بالتقرير الطبي المرفق والتي أودت بحياتها. وطلبت عقابه بالمادة 238/ 1 من قانون العقوبات. ومحكمة دمياط الجزئية قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام بحبس المتهم سنة مع الشغل، وكفالة عشرة جنيهات عن التهمة المسندة إليه. فاستأنف المحكوم عليه هذا الحكم. ومحكمة دمياط الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً في أول نوفمبر سنة 1966 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... الخ.


المحكمة

حيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل الخطأ، قد شابه بطلان في الإجراءات وإخلال بحق الدفاع وقصور في التسبيب، ذلك بأن المحكمة عهدت إلى النيابة العامة بمعاينة مكان الحادث مع أن المعاينة إجراء من إجراءات التحقيق أصبح - بعد أن اتصلت المحكمة بالدعوى - منوطاً بها القيام به وحدها دون سواها. كما لم يعن الحكم بالرد على دفاع جوهري للطاعن مؤداه أنه فوجئ بعبور المجني عليها للطريق واصطدامها بالجانب الأيسر للسيارة وأن هذا الخطأ من جانبها هو وحده سبب وقوع الحادث.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محضر جلسة 7 ديسمبر سنة 1965 أمام محكمة ثاني درجة أن الدفاع عن الطاعن طلب استيفاء التحقيقات بإجراء معاينة لمكان الحادث تبين عرض الجانب الترابي من الطريق والمسافة بين مبنى السواحل والطريق المرصوف، وقد قررت المحكمة إجابة هذا الطلب وندبت النيابة العامة لإجراء المعاينة. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس للمحكمة أن تحيل الدعوى على سلطة التحقيق بعد أن دخلت في حوزتها، بل لها إذا تعذر تحقيق دليل أمامها أن تندب أحد أعضائها أو قاضياً آخر لتحقيقه على ما جرى به نص المادة 294 من قانون الإجراءات الجنائية، ذلك لأنه بإحالة الدعوى من سلطة التحقيق على قضاة الحكم تكون ولاية السلطة المذكورة قد زالت وفرغ اختصاصها ومن ثم يكون الدليل المستمد من التحقيق التكميلي الذي تقوم به النيابة العامة بناءً على ندب المحكمة إياها في أثناء سير المحاكمة باطلاً، وهو بطلان متعلق بالنظام العام لمساسه بالتنظيم القضائي لا يصححه رضاء المتهم أو المدافع عنه بهذا الإجراء، وكانت المحكمة قد أجابت الدفاع إلى طلبه استيفاء التحقيق بإجراء معاينة لمكان الحادث مما يبين منه أنها قدرت جدية هذا الطلب، فإنه كان يتعين عليها أن تقوم بهذا الإجراء بنفسها أو بمن تندبه من أعضائها، فإذا كانت قد تقاعدت عن اتخاذ هذا الإجراء على الوجه القانوني، فإن الحكم المطعون فيه وإن لم يستند في قضائه إلى ذلك الدليل الباطل يكون في الواقع قد انطوى على إخلال بحق الدفاع مما يعيبه. لما كان ذلك، وكان الحكم المستأنف المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى - أخذاً بأقوال الشاهد عويس حفظي عويس - بما مؤداه أن السيارة قيادة الطاعن كانت متجهة إلى ناحية عزبة البرج وتسير بسرعة وإذ تصادف عبور المجني عليها للطريق الزراعي من الناحية اليسرى بالنسبة للقادم من دمياط إلى الجانب الأيسر، وكادت السيارة أن تصطدم بأحد أعمدة النور، فقد حاول المتهم تفادي اصطدامه به وانحرف بالسيارة إلى الجانب الأيمن إلا أن المجني عليها اصطدمت بالرفرف الأمامي الأيمن وسقطت على الأرض. ثم بعد أن أورد الحكم أقوال الشاهد إبراهيم محمد علي بما مفاده أن المتهم انحرف بسيارته - حال رؤيته للمجني عليها - إلى أقصى اليمين فاصطدم بالمجني عليها بالرفرف الأمامي الأيسر عاد إلى اعتناق أقوال عويس حفظي عويس بالجلسة وأورد محصلها بأن المجني عليها جرت مسرعة إلى أقصى اليمين على الجزء الترابي الواقع على يمين الطريق المسفلت فاصطدمت الرفرف الأمامي الأيسر للسيارة. ثم انتهى الحكم إلى أن ما تستخلصه المحكمة من مطالعتها للأوراق هو أن المتهم (الطاعن) كان يقود السيارة مسرعاً وكادت أن تصطدم به وانحرف من أجل ذلك إلى أقصى اليمين اصطدم بالمجني عليها من الجانب الأمامي. لما كان ذلك، فإن هذا الذي أورده الحكم من صور متعارضة لكيفية وقوع الحادث وأخذه بها جميعها لما يدل على اختلاف فكرته عن عناصر الواقعة وعدم استقرارها في عقيدة المحكمة الاستقرار الذي يجعلها في حكم الوقائع الثابتة، فضلاً عن أن ذلك الحكم لكل هذا الذي أورده يجعله متخاذلاً في أسبابه متناقضاً بعضه مع بعض، مما يعجز محكمة النقض عن تفهم مراميه والاستيثاق من أن القانون قد طبق تطبيقاً صحيحاً على واقعة الدعوى، مما يعيب الحكم بالقصور الذي يتعين معه نقصه والإحالة.