أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثامنة عشرة - صـ 904

جلسة 2 من أكتوبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ مختار رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح، ومحمود عطيفة.

(182)
الطعن رقم 1223 لسنة 37 القضائية

حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". عقوبة. "العقوبة المبررة". نقض. "المصلحة في الطعن". إثبات. "شهود. معاينة". إجراءات المحاكمة. تجمهر. اتفاق. قتل. "شروع في قتل". دفاع. الإخلال بحق الدفاع. "ما لا يوفره".
(أ) من غير المجدي النعي على الحكم إغفاله بيان عناصر اشتراك المتهمين في جريمتي التجمهر والاتفاق على ارتكاب القتل، ما دام أنه آخذهم بجريمة الشروع في القتل المتيقنة في حقهم وأنزل عليهم عقوبتها.
(ب) إذا كان ثبوت الفعل المكون للجريمة في حق أحد المتهمين لا يؤدي إلى تبرئة الآخر من التهمة المسندة إليه. فلا محل لأن يتولى الدفاع عن كل منهما محام.
(ج) من حق المحكمة رفض طلب المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة أو إثبات استحالة حصول الواقعة.
(د) حق المحكمة في الاطمئنان إلى أقوال الشاهد وإطراح ما ساقه الدفاع من اعتبارات لعدم التعويل عليها، متى كان لا تعارض بين هذه الأقوال وتقرير الصفة التشريحية.
(هـ) أخذ المحكمة بأدلة الثبوت يفيد أنها أطرحت الاعتبارات التي ساقها الدفاع لعدم الأخذ بها.
(و) عدم جواز مصادرة محكمة الموضوع في عقيدتها أو المجادلة في الأدلة أمام النقض.
(ز) تجزئة أقوال الشاهد وأخذ المحكمة بما تطمئن إليه منها. مرده سلطتها في تقدير الأدلة.
1 - من غير المجدي النعي على الحكم إغفاله بيان عناصر اشتراك المتهمين في جريمتي التجمهر والاتفاق على ارتكاب القتل ما دام أن الثابت من الأدلة التي أوردها أن القدر المتيقن في حقهم هو أن كلاً منهم شرع في قتل المجني عليهم. وكانت العقوبة المقضي بها وهي الأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة مبررة لتلك الجريمة.
2 - إذا كان الواضح من الأدلة التي استند إليها الحكم أن ثبوت الفعل المكون للجريمة في حدود القدر المتيقن وهو الشروع في القتل في حق أحد المتهمين لا يؤدي إلى تبرئة الآخر من التهمة التي نسبت إليه - فإن مصلحة كل منهما في الدفاع لا تكون متعارضة مع مصلحة الآخر - فلا يقتضي أن يتولى الدفاع عن كل منهما محام خاص.
3 - لا تثريب على المحكمة إن هي رفضت إجابة طلب المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة أو إثبات استحالة حصول الواقعة - بل إلى مجرد التشكيك فيما اطمأنت إليه من أدلة الثبوت.
4 - إذا كانت المحكمة قد اطمأنت للأسباب السائغة التي أوردتها في حكمها إلى أقوال الشاهدة وأطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم التعويل عليها، وكان لا تعارض بين أقوال الشاهدة وتقرير الصفة التشريحية فإن ما ينعاه الطاعنون في هذا الصدد لا يكون سديداً.
5 - مفاد أخذ المحكمة بأدلة الثبوت أنها طرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
6 - من المقرر أنه لا يجوز مصادرة محكمة الموضوع في اعتقادها أو المجادلة في الأدلة أمام النقض.
7 - لمحكمة الموضوع أن تجزئ أقوال الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم في يوم 25 يوليه سنة 1961 بدائرة مركز أشمون محافظة المنوفية: المتهمين من الأول إلى الحادي عشر: اشتركوا في تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص الغرض منه ارتكاب جرائم القتل مستعملين في ذلك القوة والعنف مع علمهم بالغرض المقصود منه حالة كونهم حاملين أسلحة نارية وآلات من شأنها إحداث الموت إذا استعملت بصفة أسلحة فوقعت الجرائم الآتية تنفيذاً للغرض المقصور في التجمهر 1 - المتهمان الأول والثاني - قتلا جميل إبراهيم شاهين عمداً بأن أطلقا عليه أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. - 2 - المتهمان الأول والثالث - قتلا إسماعيل إبراهيم شاهين عمداً بأن أطلقا عليه أعيرة نارية قاصدين قتله فأحدثا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. 3 - المتهمون الرابع والخامس والسادس - قتلوا إبراهيم شاهين عمداً بأن أطلقوا عليه أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. 4 - المتهمون من السابع إلى الحادي عشر - اشتركوا بطريق المساعدة مع المتهمين من الأول إلى السادس في ارتكاب جرائم القتل السالفة بأن توجهوا معهم إلى مكان الحادث لشد أزرهم فوقعت الجرائم بناءً على هذه المساعدة. 5 - المتهم الثاني عشر - قتل عبد القول علي يوسف عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيت النية على قتله واعد لهذا الغرض آلة صلبة "فأساً" وترصد له في المكان الذي اعتاد التوجه إليه حتى إذا ما ظفر به انهال عليه ضرباً بالفأس قاصداً قتله فأحدث به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. 6 - المتهم الثالث عشر - اشترك مع المتهم الثاني عشر بطريق الاتفاق والمساعدة في ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بأن اتفق معه على ارتكابها ورافقه إلى مكان الحادث لشد أزره فوقعت الجريمة بناءً على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. 7 - المتهم الأول أيضاً: حاز سلاحاً نارياً مششخناً بغير ترخيص. وطلبت إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 1 و2 و3 من القانون رقم 10 لسنة 1914 والمواد 40/ 2 - 3 و41 و230 و231 و232 و234/ 1 من قانون العقوبات والمواد 1 و26/ 2 و30 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والبند (ب) من القسم الأول من الجدول رقم 3 الملحق به. وادعى ورثة المجني عليهم مدنياً بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهمين جميعاً متضامنين عدا الأخيرين. ومحكمة جنايات شبين الكوم قضت حضورياً بتاريخ 17/ 1/ 1963 عملاً بالمواد 40/ 2، 3 و41 و234/ 1 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 30/ 1 من القانون المذكور بالنسبة إلى المتهمين الخمسة الأول. (أولاً) بمعاقبة كل منهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة وبمصادرة البنادق المضبوطة. (وثانياً) بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا إلى المدعين بالحقوق المدنية مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية المناسبة ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. (وثالثاً) ببراءة باقي المتهمين من السادس إلى الثالث عشر مما أسند إليهم وتبرئة المتهم الأول من تهمة إحراز السلاح بدون ترخيص مع مصادرة هذا السلاح وذلك على اعتبار أن المتهمين في الزمان والمكان سالفي الذكر اتفقوا مع مجهولين من بينهم في قتل المجني عليهم سالفي الذكر بأن اتفقوا على قتلهم فتوجهوا إلى منزلهم واقتحموا الدار بعد كسر بابها وأطلقوا عليهم النار قاصدين قتلهم فأحدثوا بهم الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتهم. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض، وقضى في الطعن بتاريخ 26 أكتوبر سنة 1964 بقبوله شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات شبين الكوم لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى وإلزام المطعون ضدهم المصاريف ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. والمحكمة المذكورة - بهيئة أخرى - قضت غيابياً بالنسبة إلى المتهم الثاني وحضورياً بالنسبة إلى الباقين بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة وإلزامهم بأن يدفعوا متضامنين مبلغ قرش صاغ واحد تعويضاً مؤقتاً إلى المدعين بالحقوق المدنية والمصاريف المدنية ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة وأمرت بمصادرة البندقية المرخص بها للمحكوم عليه الأول. فطعن المحكوم عليهم - عدا الثاني - للمرة الثانية في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

من حيث إن الطعن المقدم من الطاعنين قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
(أولاً) تقرير الأسباب الأول المودع بتاريخ 3 يونيه سنة 1966.
حيث إن مبنى الأوجه الأول والثاني والرابع من هذا الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة الاشتراك بطريق المساعدة مع مجهول من بينهم في ارتكاب القتل العمد، قد شابه القصور والتخاذل في التسبيب والفساد في الاستدلال وعابه الخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع. ذلك بأن الحكم أطرح دفاع الطاعنين القائم على أن بلاغ مأمور المركز أسند الحادث إلى مجهولين وجاء خلواً من أسماء الطاعنين والحال أن هذا البلاغ صدر بعد أن وصل المأمور إلى مكان الحادث والتقى بالمجني عليه إسماعيل إبراهيم شاهين الذي ألفاه على قيد الحياة وسمع منه تعيينه لأسماء المعتدين وهو ما لا يتفق وتجهيل البلاغ من أسماء الجناه ويدل على كذب رواية الشاهدة كاملة علي سليمان. وما أورده الحكم من رد على دفاع الطاعنين في هذا الصدد غير سائغ ومشوب بالتخاذل. ثم إن الحكم لم يفند دفاع الطاعنين المستند إلى أن اتهاماً ما لم يوجه إليهم لحين إجراء وكيل النيابة المحقق معاينة مكان الحادث وتحريره محضراً بها في وجود الشاهدة كاملة علي سليمان التي لم تذكر أمامه بأنها رأت الحادث كما لم يذكر له أحد من رجال الحفظ الموجودين معه أثناء المعاينة بأن المجني عليه إسماعيل إبراهيم شاهين تكلم أو اتهم الطاعنين مما يقطع باصطناع الدليل في الدعوى رغم جوهرية هذا الدفاع وأثره الحاسم في الدعوى فإن الحكم لم يمحصه استجلاء لوجه الحق فيها كما أن الحكم دان الطاعنين بوصف أنهم اشتركوا مع مجهول من بينهم في قتل المجني عليهم في حين أن ما أورده الحكم بياناً لواقعة الدعوى لا يوفر ركن الاشتراك كما هو معرف به في القانون. ثم إن الحكم دان الطاعنين بهذا الوصف مع أن الدعوى كانت قد أحيلت إلى المحكمة بوصف أن الطاعنين وآخرين اشتركوا في تجمهر الغرض منه ارتكاب جرائم القتل مع علمهم بالغرض المقصود منه وكان من نتيجته قتل المجني عليهم، وفات المحكمة لفت نظر الدفاع إلى هذا التعديل الذي تبينته مع وجوب ذلك قانوناً. كما أن الحكم مسخ أقوال الشاهدة كاملة علي سليمان بأن حصلها على نحو يغاير المستفاد منها بأن أوردها على أنها شهدت بدخول الطاعنين وآخرين إلى منزل المجني عليهم وإطلاق النار عليهم دفعة واحدة وهو ما استخلصت منه المحكمة توافر ركن الاشتراك مع أن الثابت من أقوالها أن دخول الطاعنين المنزل وإطلاقهم النار كان على دفعات متباينة مما يؤكد استقلال فعل كل من الطاعنين وينفي معه ركن الاشتراك، كذلك فإن الحكم دان الطاعنين بغير أن تجيب المحكمة المدافع عن الطاعن الرابع إلى طلبه بإجراء معاينة لمكان الحادث، وما ساقه الحكم من رد على هذا الدفاع لا يصلح رداً عليه كما أن الدفاع عن الطاعنين تمسك بتكذيب الشاهدة كاملة علي سليمان بالاستناد إلى أنها شهدت بحصول الحادث وقت تناول الطاعنين الطعام في حين أن تقرير الصفة التشريحية أثبت أن هذا الطعام كان في دور الهضم وهو ما لا يحدث علمياً إلا بعد فترة من تناوله مما يدل على كذب الشاهدة المذكورة ورغم ذلك فقد أطرح الحكم هذا الدفاع الجوهري دون أن يفنده مما يعيب الحكم المطعون فيه بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أنه في صباح يوم الحادث الباكر قتل عبد القوي يوسف بحقله وهو والد المتهم الأول (الطاعن الأول) الذي ما أن علم بمقتل والده وأسماء الجناه من أسرة شاهين خصيمة أسرته حتى أسرع إلى منزله وحمل بندقيته المرخص له بحملها وبعد أن اجتمع بأفراد من أسرته التي علمت بالحادث حتى انعقد إجماعهم على الانتقام من أسرة شاهين وهاجموا منزل المجني عليهم إبراهيم محمد شاهين وولديه جميل وإسماعيل وأعمل فريق منهم في بابه الخارجي التكسير والإتلاف بينما اندفع فريق آخر نحو المنزل يتقدمه المتهم الأول ببندقيته غير المششخنة المرخص له بها ومعه باقي المتهمين عبد الخالق علي يوسف وفاروق عيد يوسف (الطاعن الثاني) وإبراهيم عمران يوسف (الطاعن الثالث) وسعيد يوسف علي (الطاعن الرابع) مسلحين بعدة القتل وهي أسلحة نارية مششخنة وغير مششخنة وما أن رأوا المجني عليهم جلوساً عزلاً في المنزل حتى أفرغوا فيهم مقذوفات نارية مما يحملون من أسلحة على مشهد من كاملة علي سليمان (زوجة المجني عليه إسماعيل إبراهيم شاهين) بغياً وعدواناً - قاصدين قتلهم وإزهاق روحهم بباعث الرغبة في الانتقام منهم لمقتل والد أولهم وقريب الآخرين متعاونين يشد الواحد أزر الآخر - وكل منهم يعلم بقصد الآخر وبنيته في القتل - عاملاً على البلوغ بالجريمة إلى غايتها من إزهاق روح المجني عليهم فأحدثت طلقاتهم النارية بالمجني عليهم الإصابات العديدة التي أشارت إليها مدونات الحكم والتي أودت بحياة المجني عليهما إبراهيم محمد شاهين وولده جميل فوراً بينما بقى المجني عليه إسماعيل على قيد الحياة فترة من الوقت تمكن خلالها النقيب إسماعيل مأمون عساكر من استجوابه قبل وفاته ومن سؤال كاملة علي سليمان التي أكدت أن الطاعنين حضروا إلى منزل المجني عليهم معاً حاملين بنادقهم واقتحموا بابه عنوة وأطلقوا النار على المجني عليهم قاصدين قتلهم. ثم عرض الحكم إلى دفاع الطاعنين بتجهيل بلاغ الحادث الصادر من مأمور المركز من أسماء الجناة وإلى خلو محضر ضبط الواقعة الذي حرره النقيب إسماعيل مأمون عساكر من إسناد الاتهام إلى الطاعنين وورد عليه الحكم في قوله: "وإن كان قد جاء في تلك الإشارة وذلك المحضر أن الفاعل للجريمة مجهول فإن هذا لا يفيد إلا أن مبلغ الإشارة ومحرر ذلك المحضر لم يكونا حتى وقت إبلاغ الإشارة وتحرير صدر محضر الضبط قد وصل إلى علمهما الشخصي بيان باسم الفاعل ولا يدل مطلقاً على أن هذا الفاعل مجهول لدى الكافة ويؤيد هذا النظر ما قرره الضابط إسماعيل مأمون عساكر أمام الهيئة السابقة بجلسة 14/ 1/ 1963 توضيحاً لما أثبته في محضر الضبط في صدد تجهيل الفاعلين أنه أثبت ذلك قبل أن يسأل المجني عليه إسماعيل إبراهيم شاهين وما قرره العقيد حسن محمد عبد الله في التحقيق وبجلسة 14/ 1/ 1963 أمام الهيئة السابقة - أنه إذ علم بقتل المجني عليهم لم يكن معنياً إلا بالعمل على صيانة الأمن ولم يتسع وقته قبل الإبلاغ بالحادث لفحص الواقعة ومن ثم فإن المحكمة لا ترى فيما أثبت بصدر محضر الضبط ولا في إشارة الإبلاغ بالحادث ما يقدح فيما اطمأنت إليه المحكمة من أدلة الإثبات السابق بيانها". لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أدلة الثبوت التي أوردتها في حكمها. وكان لما استخلصته أصل ثابت في الأوراق، وكان من المقرر أنه لا يجوز مصادرة محكمة الموضوع في اعتقادها أو المجادلة في تلك الأدلة أمام محكمة النقض فإن منعى الطاعنين في هذا الشأن لا يكون مقبولاً. لما كان ما تقدم، وكان يبين من مدونات الحكم أنه بعد أن استظهر الواقعة برمتها واستبعد جريمة التجمهر ونفى عن الطاعنين اتفاقهم السابق على ارتكاب القتل، أثبت أن كلاً منهم قد أتى فعلاً يعتبر في ذاته شروعاً في ارتكاب جرائم القتل التي وقعت بأن أطلق كل منهم النار صوب المجني عليهم قاصداً قتلهم، فإنه لا جدوى من النعي على الحكم إغفاله بيان عناصر اشتراكهم في تلك الجرائم ما دام أن الثابت من الأدلة السائغة التي أوردها أن القدر المتيقن في حقهم هو أن كلاً منهم شرع في قتل المجني عليهم على النحو السالف ذكره. ولما كانت العقوبة المقضي بها عليهم وهي الأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة مبررة لتلك الجريمة فإن منعاهم في هذا الشأن يضحى لا محل له. لما كان ما تقدم، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشاهدة كاملة علي سليمان بأن الطاعنين أطلقوا النار على المجني عليهم وارتأت المحكمة أن ما شهدت به هذه الشاهدة من دخول الطاعنين إلى المنزل على دفعات متباينة كان تزيدا منها بغية توكيد الاتهام ضدهم حسب وجهة نظرها. ولما كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزئ أقوال الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى، فإن ما ينعاه الطاعنون في طعنهم حول أقوال تلك الشاهدة يكون في حقيقته مصادرة للمحكمة في سلطتها في هذا الخصوص مما تستقل هي به بغير معقب ولا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن المتهم الخامس (الطاعن الرابع) حاول التشكيك في أقوال الشهود وطلب إعادة إجراء المعاينة للكشف عن الماديات التي تعينه في مهمته واختتم مرافعته بطلب البراءة دون أن يصر على طلبه هذا، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه عرض إلى هذا الطلب وأطرحه فيما مؤداه أنه لا جدوى من إعادة معاينة مكان الحادث ما دام أن الثابت من المعاينة التي أجرتها النيابة العامة حصول الحادث بمنزل المجني عليهم وتخلف دماء بهذا المنزل وأن عنصر المفاجأة شل تفكير المجني عليهم في الهرب، ومنعهم من سلوك المنفذ الآخر المؤدي إلى الأسطح المجاورة وهو ما يرمي الدفاع إلى تحقيقه من إجراء إعادة المعاينة. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم فيما تقدم سائغاً في تبرير رفض هذا الطلب الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة أو إثبات استحالة حصول الواقعة بل إلى مجرد التشكيك فيما اطمأنت إليه المحكمة من أدلة الثبوت. لما كان ما تقدم، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي رفضت إجابة هذا الطلب، ومن ثم فإن منعى الطاعنين في هذا الخصوص لا يكون سديداً. وأما ما يثيره الطاعنون بخصوص شبهة التناقض بين تقرير الصفة التشريحية وتصوير الشاهدة كاملة علي سليمان للحادث في خصوص واقعة هضم الطعام المتخلف بمعدة المجني عليهم، فإنه لما كان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن الرابع حاول التشكيك في أقوال تلك الشاهدة استناداً منه إلى أن تقرير الصفة التشريحية أثبت أن الطعام المختلف بمعدة المجني عليه لم يكن له رائحة تنبئ عن حداثة تناوله، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه عرض في مدوناته لأقوال الشاهدة المذكورة وحصلها بوقوع الحادث أثناء تناول المجني عليهم الطعام ثم أورد تقرير الصفة التشريحية مشتملاً على تخلف جزء الطعام بمعدة المجني عليهم وأنه كان في دور الهضم مما ارتأت معه المحكمة ما يعزز أقوال الشاهدة. ولما كان ما أثبته الحكم فيما تقدم سائغ ومؤداه أن المحكمة اطمأنت إلى أقوال الشاهدة كاملة علي سليمان وأطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم التعويل عليها، وكان لا تعارض بين أقوال الشاهدة وتقرير الصفة التشريحية، فإن ما ينعاه الطاعنون في هذه الصدد لا يكون سديداً.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث من هذا الطعن هو أن إجراءات المحاكمة قد شابها بطلان أثر في الحكم وذلك بأن تولى محام واحد المرافعة عن الطاعنين الأولين رغم تعارض صوالحهما في الدفاع.
وحيث إنه لما كان يبين من محضر جلسة المحاكمة الحاصلة بتاريخ 25 يوليه سنة 1966 أنه حضر بهذه الجلسة الأستاذ محمد عبد الباري منتدباً مع الطاعن الأول وحضر الأستاذ مصطفى القللي موكلاً عنه وعن الطاعن الثاني (المتهم الثالث) وترافع عنهما ثم انضم إليه المحامي المنتدب وبعد ذلك صدر الحكم المطعون فيه الذي أثبت فيما أثبته دخول الطاعنين وهم يحملون أسلحتهم النارية عنوة منزل المجني عليهم وإطلاقهم النار عليهم فأصيب المجني عليهم بالإصابات التي أودت بحياتهم واستند في إدانتهم إلى أقوال الشهود، ولما كان الواضح من الأدلة التي استند إليها الحكم أن ثبوت الفعل المكون للجريمة في حدود القدر المتيقن وهو الشروع في القتل - في حق أحد المتهمين (الطاعنين الأول والثاني) لا يؤدي إلى تبرئة الآخر من التهمة التي نسبت إليه، فإن مصلحة كل منهما في الدفاع لا تكون متعارضة مع مصلحة الآخر فلا يقتضي أن يتولى الدفاع عن كل منهما محام خاص به، فإن ما جاء بهذا الوجه لا يكون سديداً.
(ثانياً) تقرير الأسباب الثاني المودع بتاريخ 5 يوليه سنة 1966.
وحيث إن مبنى الوجهين الأول والثاني من هذا الطعن هو بمعنى ما جاء بالوجه الثاني من تقرير الأسباب الأول وقد سبق الرد عليه بما لا محل لتكراره.
وحيث إن مبنى الوجهين الثالث والرابع هو القصور في التسبيب والاضطراب في فهم واقعة الدعوى، والفساد في الاستدلال، ذلك بأن المدافع عن الطاعنين دفع بتناقض أقوال الشاهدة كاملة علي سليمان بالنسبة إلى تحديدها مكان الحادث باعتبار أنها شهدت مرة بحصوله في حجرة داخلية بالمنزل ومرة أخرى في الردهة ولم يعن الحكم بتفنيد هذا الدفاع وفوق ذلك اضطراب عند بيانه لواقعة الدعوى في هذا الخصوص فتارة أوردها بوقوع الفعل في الحجرة الداخلية وطوراً آخر أثبتها بوقوعه في الردهة كما دفع المدافع عن الطاعنين بعدم معقولية تصوير الشاهدة كاملة علي سليمان للحادث لبقاء المجني عليهم في مكانهم وعدم فرارهم من المنزل عندما حضر الطاعنون إليهم وأطلقوا النار عليهم ومع ذلك فإن الحكم قد أطرح هذا الدفاع بما لا يسوغ به إطراحه - واستند في الإدانة على أقوال تلك الشاهدة رغم تجافيها لمقتضى العقل والمنطق مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة اطمأنت إلى جوهر أقوال الشاهدة كاملة علي سليمان من دخول الطاعنين إلى منزل المجني عليهم وإطلاقهم النار عليهم فيه وأوردت واقعة الدعوى بما يتفق وهذا المعنى وعززت معتقدها في هذا الشأن بأقوال المجني عليه إسماعيل إبراهيم شاهين وإقرار الطاعن الأول على نفسه بحصول الحادث في هذا المكان وما أسفرت عنه المعاينة من تخلف دماء به ووجود المجني عليهم قتلى فيه. لما كان ذلك، وكان ما أثبته الحكم مرة من حصول الحادث بالحجرة الداخلية وأخرى في الردهة أمر غير مؤثر في جوهر الواقعة من أن القتل تم في المنزل. ولما كان هذا الخطأ لم يكن له أثر في عقيدة المحكمة لحصول الحادث على النحو الذي أوردته في حكمها في منزل المجني عليهم، وكان مفاد أخذ المحكمة بأدلة الثبوت أنها طرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. لما كان ذلك، فإن الحكم يكون سليماً في بيانه لواقعة الدعوى ويتضمن الرد على دفاع الطاعنين في هذا الخصوص، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنون في هذا الصدد لا يكون سليماً. ولما كان ما يثيره الطاعنون في طعنهم عن عدم معقولية تصوير الشاهدة كاملة علي سليمان للحادث ينحل في حقيقته إلى جدل موضوعي حول سلطة المحكمة في تقدير أدلة الدعوى واستخلاص ما تؤدي إليه، وكان في إيراد المحكمة لأدلة الثبوت ما يتضمن الرد على دفاع الطاعنين في هذا الخصوص، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنون في هذين الوجهين لا يكون له محل.
وحيث إنه لكل ما تقدم، فإن الطعن المقدم من الطاعنين برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.