أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثامنة عشرة - صـ 915

جلسة 2 من أكتوبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح، ومحمود عطيفه.

(183)
الطعن رقم 1276 لسنة 37 القضائية

(أ، ب) محكمة الجنايات."تشكيلها". بطلان.
(أ) بقاء ولاية القضاء المقررة لرؤساء المحاكم الابتدائية بموجب المادتين 367، 372 من قانون الإجراءات الجنائية اللتين تكملان أحكام القانون 43 لسنة 1965 في شأن السلطة القضائية.
(ب) بطلان تشكيل دائرة الجنايات في حالة اشتراك أكثر من واحد من غير المستشارين في عضويتها. المادة 367 إجراءات.
(ج) محكمة الجنايات. "الإجراءات أمامها". ارتباط. إجراءات المحاكمة.
جواز إحالة الجنحة المرتبطة بجناية من محكمة الجنايات مشروط بأن لا تكون قد أجرت تحقيقاً فيها.
(د) محكمة الجنايات. "الإجراءات أمامها". ارتباط.
تقدير ارتباط الجنحة بالجناية. موضوعي.
(هـ) دفوع. عاهة مستديمة. رابطة سببية.
الدفع بانقطاع رابطة السببية بين اعتداء المتهم على المجني عليه وتخلف عاهة مستديمة لدى الأخير - يجب أن يكون صريحاً وإلا فلا يعد مطروحاً على المحكمة.
(و) نقض. "المصلحة في الطعن". عقوبة. "العقوبة المبررة". عاهة مستديمة. ضرب.
عدم جدوى النعي على الحكم الصادر في جناية إحداث عاهة مستديمة ما دام أنه عاقب المتهم بعقوبة جنحة الضرب البسيط.
1 - القانون رقم 43 لسنة 1965 في شأن السلطة القضائية لم ينسخ فيما أورده من أحكام - أحكام المادتين 367، 372 من قانون الإجراءات الجنائية فبقيت هاتان المادتان معمولاً بهما تكمل أحكامهما أحكام القانون الجديد. ومن ثم يبقى لرؤساء المحاكم الابتدائية ولاية القضاء المخولة لهم بموجب هاتين المادتين.
2 - لم يرتب القانون بطلان تشكيل دائرة الجنايات إلا في الحالة التي تشكل فيها من أكثر من واحد من غير المستشارين على ما ورد بالفقرة الأخيرة من المادة 367 من قانون الإجراءات الجنائية.
3 - أجازت المادة 383 من قانون الإجراءات الجنائية لمحكمة الجنايات إذا أحيلت إليها جنحة مرتبطة بجناية ورأت قبل تحقيقها أن لا وجه لهذا الارتباط أن تفصل الجنحة وتحيلها إلى المحكمة الجزئية.
4 - تقدير ارتباط الجنحة بالجناية من الأمور التي تخضع لتقدير المحكمة.
5 - الدفع بانقطاع رابطة السببية بين اعتداء المتهم على المجني عليه والعاهة التي تخلفت لديه يتعين أن يكون صريحاً وإلا فلا تلتزم المحكمة بالرد عليه - ويكون غير مطروح أمامها.
6 - لا مصلحة للمتهم من النعي على الحكم الصادر ضده في تهمة إحداث عاهة مستديمة ما دام أن العقوبة المقضي بها عليه تدخل في حدود جنحة الضرب البسيط.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم أول سبتمبر سنة 1964 بدائرة قسم الساحل محافظة القاهرة: أحدث عمداً بحسن عبد الصادق علي عامر الإصابة المبينة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد معظم إبصار العين اليمنى. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل سنة واحدة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول هو بطلان الحكم المطعون فيه لصدوره من هيئة مشكلة من مستشارين ورئيس محكمة منتدب على خلاف ما نصت عليه المادة السادسة من القانون رقم 43 لسنة 1965 في شأن السلطة القضائية من ضرورة تشكيل محكمة الجنايات من ثلاثة من مستشاري محكمة الاستئناف ولا محل للاحتجاج بما ورد في نص المادتين 367 و372 من قانون الإجراءات الجنائية من جواز ندب رئيس محكمة ابتدائية أو وكيل عند الاستعجال أو الضرورة، ذلك لأن قانون السلطة القاضية نص في المادة الأولى من مواد إصداره على إلغاء كل نص آخر يخالف أحكامه، وفضلاً عن ذلك فهو قانون خاص صدر في تاريخ لاحق على قانون الإجراءات الجنائية مما من شأنه أن ينسخ ضمناً حكم هاتين المادتين. ومن جهة أخرى فإنه لم يعد ثمة محل لتطبيق هذين النصين بعد أن أصبح رئيس المحكمة الابتدائية مستشاراً وألغيت درجة وكيل المحكمة.
وحيث إنه لما كان الشارع قد وضع قاعدة تنظيمية عامة لتشكيل محاكم الجنايات فنص في الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 43 لسنة 1965 في شأن السلطة القضائية على أنه تشكل في كل محكمة استئناف محكمة أو أكثر لنظر قضايا الجنايات وتؤلف كل منها من ثلاثة من مستشاري محكمة الاستئناف، وهي قاعدة سبق أن وردت في المادة الرابعة من القانون رقم 147 لسنة 1949 الخاص بنظام القضاء ثم في الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 56 لسنة 1959 في شأن السلطة القضائية الملغى بالقانون المتقدم كما وردت في المادة 366 من قانون الإجراءات الجنائية وقد ردد الشارع في الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 43 لسنة 1965 في شأن السلطة القضائية ما سبق أن استحدثه من حكم جديد في قانون السلطة القضائية الملغي من أنه "يرأس محكمة الجنايات رئيس المحكمة أو أحد رؤساء الدوائر وعند الضرورة يجوز أن يرأسها أحد المستشارين بها" وقد اقتصر الشارع على ذلك في قانون السلطة القضائية الجديد والملغي ولم يعرض فيها لحالة الضرورة التي قد تطرأ على أحد مستشاري محكمة الجنايات أسوة بما فعل بالنسبة إلى رئيس الدائرة مكتفياً بما تكلفت به المادتان 367 و372 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلتين بالقانون رقم 535 لسنة 1953 من تنظيم لذلك الحكم الخاص إذ نصت أولاهما على أنه "... إذ حصل مانع لأحد المستشارين المعينين لدور من أدوار انعقاد محكمة الجنايات يستبدل به آخر من المستشارين يندبه رئيس محكمة الاستئناف ويجوز عند الاستعجال أن يجلس مكانه رئيس المحكمة الابتدائية الكائنة بالجهة التي تنعقد بها محكم الجنايات أو وكيلها ولا يجوز في هذه الحالة أن يشترك في الحكم أكثر من واحد من غير المستشارين" ونصت المادة الأخرى على أنه "يجوز لوزير العدل عند الضرورة بناءً على طلب رئيس محكمة الاستئناف أن يندب أحد رؤساء المحاكم الابتدائية أو وكلائها للجلوس بمحكمة الجنايات مدة دور واحد من أدوار انعقادها ويجوز له ندبه لأكثر من دور واحد بموافقة مجلس القضاء الأعلى" لما كان ذلك، وكان القانون رقم 43 لسنة 1965 في شأن السلطة القضائية وإن نصت المادة الأولى منه على أنه "يلغي القانون رقم 56 لسنة 1959 في شأن السلطة القضائية والقانون رقم 147 لسنة 1949 بشأن نظام القضاء والقوانين المعدلة لهما ويستعاض عنهما بنصوص القانون المرافق ويلغى كل نص آخر يخالف أحكامه" إلا أنه لم يشر في ديباجته إلى إلغاء المادتين 367 و372 من قانون الإجراءات الجنائية ولم يرد بنصوصه ما يغاير أحكامهما مما مؤداه أنه قد اكتفى بتنظيم ما أشار إليه في المادة السادسة منه بما لا يتعارض مع أحكام المادتين 367 و372 المشار إليهما فبقيت هاتان المادتان معمولاً بهما تكمل أحكامهما أحكام القانون الجديد وهذا المعنى هو المعنى ذاته الذي ذهب إليه قانون السلطة القضائية رقم 56 لسنة 1959 الملغى في أحكام وأوضحته مذكرته الإيضاحية وهو ما لم ينسخه قانون السلطة القضائية الجديد الصادر به القانون رقم 43 لسنة 1965 فيما أورده من أحكام مما يكشف بجلاء عن قصد المشرع ويتمشى مع مفهوم النصوص وليس من شأنه كما ذهب الطاعن في طعنه أن ينسخ ضمناً حكم المادتين 367 و372 من قانون الإجراءات الجنائية ولا يغير من هذا النظر أن يكون القانون قد نص على أن تكون رئاسة المحكمة الابتدائية معقودة لمستشار يندب من مستشاري محكمة الاستئناف لأن هذا الإسناد المستحدث في رئاسة المحكمة الابتدائية لمستشار ليس من شأنه أن يرفع عن رؤساء المحاكم بالمحاكم الابتدائية بعد إلغاء وظائف الوكلاء بها ولاية القضاء التي خولها قانون الإجراءات الجنائية في مادتيه 367 و372 لوكلاء المحاكم. لما كان ذلك، وكان القانون على ما سلف بيانه لم يرتب البطلان إلا في الحالة التي تشكل فيها الدائرة من أكثر من واحد من غير المستشارين على ما ورد بالفقرة الأخيرة من المادة 367 من قانون الإجراءات الجنائية، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه صدر من دائرة شكلت من مستشارين من محكمة الاستئناف ورئيس محكمة بالمحكمة الابتدائية، فإنه يكون قد صدر من هيئة مشكلة وفق القانون، ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم المطعون فيه في هذا الوجه من بطلان تشكيل المحكمة يكون بلا سند في القانون متعين الرفض.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني بحق الدفاع والقصور في التسبيب، ذلك بأن المحكمة قررت فصل جنحة الضرب المنسوبة إلى الطاعن واقتصرت على نظر الجناية المسندة إليه على الرغم مما يبن هاتين الجريمتين من ارتباط لا يقبل التجزئة ويقتضي توقيع عقوبة واحدة وهي عقوبة الجريمة الأشد الأمر الذي يترتب عليه بالضرورة معاقبة الطاعن عن كل جريمة على حدة مما يخالف حكم المادة 32 من قانون العقوبات. ثم إنه على الرغم من أن الطاعن كان قد دفع بانقطاع رابطة السببية بين الفعل المسند إليه وبين العاهة التي تخلفت بالمجني عليه استناداً إلى أن هذا الأخير كشف عليه بالمستشفى فلم يوجد به ما يستأهل علاجه ولذا صرف منه فوراً مما يدل على أن العاهة التي حدثت له إنما كانت نتيجة خطأ جسيم إما من المستشفى وإما من المجني عليه ومع ذلك فلم يعرض الحكم المطعون فيه إلى هذا الدفاع الجوهري بما يفنده مما يعيبه بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إنه لما كانت المادة 383 من قانون الإجراءات الجنائية قد أجازت لمحكمة الجنايات إذا أحيلت إليها جنحة مرتبطة بجناية ورأت قبل تحقيقها أن لا وجه لهذا الارتباط أن تفصل الجنحة وتحيلها إلى المحكمة الجزئية. وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة قررت فصل جنحتي الضرب المنسوبتين إلى الطاعن وآخر، ومضت في نظر تهمة الجناية الموجهة إلى الطاعن دون أن يبدي اعتراضاً على ذلك ودون أن يثير وجود ارتباط بين الجناية والجنحة المسندتين إليه من شأنه أن يؤثر على الحكم في الدعوى. ولما كان تقدير هذا الارتباط من الأمور التي تخضع لتقدير المحكمة ولا ضرر على الطاعن من هذا الفصل ما دام له أن يناقش أمام محكمة الجنايات أدلة الدعوى برمتها بما في ذلك ما تعلق منها بالجنحة كما يكون من حقه ألا توقع عليه محكمة الجنح عقوبة على الجنحة، إذا تبين من التحقيق الذي تجريه أنها مرتبطة بالفعل المكون للجناية التي عوقب عليها ارتباطاً لا يقبل التجزئة. لما كان ذلك، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من قالة الإخلال بحق الدفاع لا يكون مقبولاً. لما كان ما تقدم، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الموضوع بما يثيره الطاعن في طعنه عن انقطاع رابطة السببية بين اعتدائه على المجني عليه وبين العاهة التي تخلفت به لإهماله أو إهمال المستشفى في العلاج وكان كل ما قاله في هذا الشأن: "أن المجني عليه بعد الكشف الطبي ظل بالخارج مدة طويلة". وهو ما لا يشكل دفعاً صريحاً بانقطاع رابطة السببية. لما كان ذلك، فإن المحكمة يغر ملزمة بالرد على دفاع لم يطرح أمامها.. وإذا ما كان الحكم قد أثبت من مجموع الأدلة المطروحة على بساط البحث أن الطاعن اعتدى على المجني عليه بأن ضربه بقبضة يده في عينه اليمنى فأحدث به الإصابة التي تخلفت عنها العاهة المستديمة وهو ما يتحقق به رابطة السببية بين الفعل المسند إليه وبين النتيجة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل، ومع ذلك فإنه لا مصلحة له من النعي على الحكم في هذا الخصوص ما دام أن العقوبة المقضي بها عليه تدخل في حدود عقوبة جنحة الضرب البسيط الذي لم يتخلف عنه عاهة مستديمة.
وحيث إنه لكل ما تقدم جميعه، يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.