أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 21 - صـ 83

جلسة 12 من يناير سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمد أبو الفضل حفني، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم أحمد الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، وطه الصديق دنانه، ومحمد ماهر محمد حسن.

(21)
الطعن رقم 1714 لسنة 39 القضائية

(أ، ب) تموين. جريمة. " أركانها". قصد جنائي. إثبات. " إثبات بوجه عام". حكم. " تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. " سلطتها في تقدير الدليل". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره" نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
( أ ) عدم التزام الحكم بالتحدث استقلالاً عن القصد الجنائي. مثال في جريمة التصرف في المواد التموينية لغير مستحقيها. مصادرة محكمة الموضوع في عقيدتها أو المجادلة فيها. غير مقبولة.
(ب) تعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي. غير لازم.
أخذ المحكمة بالأدلة. يفيد إطراح جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. دون التزام من المحكمة ببيان علة إطراحها.
1 - إذا كان ما أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى وفي رده على دفاع الطاعن في شأن تهمة التصرف في المواد التموينية لغير مستحقيها، يتحقق به توافر القصد الجنائي، فإنه لا يكون ملزماً من بعد بالتحدث عنه استقلالاًً. وإذ كان ذلك، وكانت المحكمة في حدود ما هو مقرر لها من وزن عناصر الدعوى وأدلتها قد بينت الواقعة ودللت تدليلاً سائغاً على ثبوتها وعلى ثبوت تهمة حيازة الطاعن كمية من الزيت غير تلك المصرح له بالاتجار فيها، فإنه لا يقبل من الطاعن مصادرة المحكمة في عقيدتها أو مجادلتها في عناصر اطمئنانها.
2 - إن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في كل جزئية يثيرها في مناحي دفاعه الموضوعي إذ في اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها ما يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها إياها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعن بما أورده من أدلة منتجة ما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة عدم استيفائه البيانات المقررة قانوناً في سجلات توزيع المواد التموينية، فإن النعي على الحكم بقالة الخطأ في تطبيق القانون، يكون غير سديد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 23 أغسطس سنة 1967 بدائرة مركز الفشن محافظة بني سويف: (أولاً) تصرف في مقررات التموين (الشاي) إلى غير المستحقين. (ثانياً) بصفته تاجر تجزئة حاز كمية من الزيت غير الكميات المرخص له بالاتجار فيها. (ثالثاً) عرض للبيع مواد دوائية في محل غير مرخص له بذلك. (رابعاً) اتجر بالمواد الدوائية سالفة الذكر دون أن يكون مرخصاً له بذلك. (خامساً) لم يستوف البيانات المقررة قانوناً للدفاتر والسجلات المخصصة لتوزيع المقررات التموينية. وطلبت عقابه بالمواد 2/ 1 و54 و56 من المرسوم بقانون رقم 59 لسنة 1945، ومحكمة الفشن الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بحبس المتهم ستة شهور مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات وتغريمه مائة جنيه عن كل من التهمتين الأولى والثانية والمصادرة وتغريمه مائتي قرش والمصادرة عن كل من التهمة الثالثة والرابعة والمصادرة وتغريمه مائة جنيه عن التهمة الخامسة. فاستأنف، ومحكمة بني سويف الابتدائية "بهيئة استئنافية" قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع (أولاً) برفضه بالنسبة إلى التهم الأولى والثالثة والخامسة وتأييد الحكم المستأنف بالنسبة لهما. (ثانياً) بتعديل الحكم المستأنف بالنسبة إلى العقوبة المقضي بها عن التهمتين الثالثة والرابعة والاكتفاء بتغريم المتهم 200 قرش مائتي قرش عن التهمتين المذكورتين والمصادرة. فطعن وكيل المحكوم عنه في هذا الحكم بطريق النقض وقضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة بني سويف الابتدائية لتفصل فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى. والمحكمة المذكورة نظرت الدعوى من جديد وقضت حضورياً عملاً بالمادة 54 من القرار 504 لسنة 1945 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع (أولاً) بطلان الحكم المستأنف (ثانياً) حبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وتغريمه مائة جنيه والمصادرة عن كل من التهمتين الأولى والثانية وتغريمه مائتي قرش والمصادرة عن التهمتين الثالثة والرابعة وتغريمه مائة جنيه عن التهمة الخامسة. فطعن وكيل المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع والخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال، ذلك أن الحكم المطعون فيه اعتبر مجرد وجود عجز لدى الطاعن في كميات الشاي المقررة عن شهر أغسطس سنة 1967 كافياً لتوافر جريمة التصرف في مواد التموين لغير المستهلكين دون أن يدلل على قيام القصد الجنائي لدى الطاعن، هذا كما أنه دانه عن جريمة حيازته كمية من الزيت غير تلك المصرح به بالاتجار فيها وأطرح دفاعه من أن الكمية الحقيقية مردها الوفورات المتجمعة لديه عن الثمانية أشهر السابقة على أغسطس سنة 1967 مضافاً إليها الكمية المستحقة له بموجب بطاقته التموينية وعول في قضائه على بيانات سجل توزيع الزيت عن شهر أغسطس سنة 1967 وإلى عدم إخطار الطاعن عن الرصيد المتبقي لديه من كمية الزيت المسموح بها قانوناً وعدم إثبات هذا الإخطار بالسجل في حين أنها اعتبارات لا صلة لها بالجريمة المرفوع بها الدعوى. كما أن الحكم إذ دانه بجريمة عدم استيفائه البيانات المقررة قانوناً في السجلات المخصصة لتوزيع المقررات التموينية قد أخطأ في القانون وشابه قصور في التسبيب ذلك أنه أغفل الرد على دفاعه من أن المشرع لم يستلزم استيفاء تلك البيانات فور صرف المقررات التموينية وإنما وقت مراجعة السجلات، وأنه استوفى فعلاً تلك البيانات. كل ذلك يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجرائم التي دين الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها. وقد عرض لدفاع الطاعن في شأن الجريمة الأولى وأطرحه في قوله "إن الثابت بمحضر ضبط الواقعة ومن شهادة محررة أمام المحكمة أن المتهم في 25 أغسطس سنة 1967 لم يكن قد سلم الشاي الخاص بمائة وواحد وثلاثين فرداً ومقرراتهم تبلغ 6.550 كيلو جرام بينما الكمية التي وجدت بالمحل 4.680 كيلو جرام فيكون هناك نقص يبلغ 1.870 كيلو جرام يعادل مقررات سبعة وثلاثين فرداً ولم يعلل المتهم سبب هذا النقص بأي تعليل ويعتبر هذا النقص قرينة على أنه تصرف فيه لغير المستهلكين المخصصين له لأنه لا يجوز له التصرف فيه إلا بتسليمه لأصحابه وإن كانت قرينة تقبل إثبات العكس ولكنه لم يثبت ما ينفيها. أما ما زعمه المتهم من أنه كانت هناك كمية من الشاي في إحدى الفاترينات فلا دليل عليه وقد كذبه محرر المحضر وواجهه بهذا التكذيب في المحضر. لهذا كله ترى المحكمة أن تلك التهمة ثابتة قبل المتهم..." ثم قال الحكم فيما يتصل بالتهمة الثانية "وأن كمية الزيت الزائدة التي وجدت بمحل المتهم فإنه لا ينازع في ضبطها لديه على النحو الذي أورده مفتش التموين في محضره وتبلغ 5.380 كيلو جرام وبفرض احتفاظه بالزيت المقرر لبطاقته في شهر أغسطس سنة 1967 - كما هو ثابت بالسجل المقدم منه - كان 1.950 كيلو جرام ولو كان الرصيد 3.960 كيلو جرام كما زعم في مذكرته لأخطر عنه وأثبته بالسجل، ولما كانت المادة الثانية من القانون رقم 173 لسنة 1960 قد حظرت على تجار التجزئة حيازة كمية من الزيت غير الكميات المرخص لهم بالاتجار فيها فإن التهمة تكون ثابتة قبل المتهم". كما عرض الحكم لدفاع الطاعن في شأنه التهمة الأخيرة وأطرحه في قوله: "وحيث إن الفقرة الثانية من المادة الرابعة من القرار رقم 504 لسنة 1945 أوجبت على تجار التجزئة أن يمسكوا سجلا يثبتون فيه أرقام البطاقات وأسماء المستهلكين المخصصين لكل منهم ومقررات كل مستهلك والمقادير التي ترد إليهم وما يبيعون منها مع بيان اسم المشتري وصفته وتوقيعه ومقدار المبيع وتاريخ البيع - ومن الواضح من صياغة هذا النص أن الحكمة من وضعه لا تتحقق إلا إذا كان إثبات تلك البيانات يتم أولا بأول لأن المقصود منه إحكام الرقابة على تجار التجزئة وذلك لا يأتي إلا بالمفاجأة وليس عند المراجعة عند نهاية كل شهر كما زعم المتهم في مذكرته، ولما كان كثير من تلك البيانات لم يكن ثابتاً بالسجلات الثلاثة وقت الضبط والذي أورده مفتش التموين في محضره واعترف المتهم في التحقيقات فإن التهمة الخامسة تكون ثابتة قبله..." لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أطرح دفاع الطاعن في خصوص التهمتين الأولى والثانية لما أفصح عنه من أن الواقع لا يشهد له ولا يسانده واطمئناناً منه إلى ما ورد بمحضر الضبط المؤرخ 23 أغسطس سنة 1967 وإلى شهادة محررة أمام محكمة أول درجة، وكان ما أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى وفي رده على دفاع الطاعن في شأن التهمة الأولى يتحقق به توافر القصد الجنائي في جريمة تصرف الطاعن في مادة تموينية لغير المستحقين لها، ولم يكن ملزماً من بعد بالتحدث عنه استقلالاً. لما كان ذلك، وكانت المحكمة في حدود ما هو مقرر لها من وزن عناصر الدعوى وأدلتها قد بينت الواقعة ودللت تدليلاً سائغا على ثبوت جريمتي التصرف في مواد التموين لغير المستحقين وحيازة الطاعن لكمية من الزيت غير تلك المصرح له بالاتجار فيها، فإنه لا يقبل من الطاعن مصادرة المحكمة في عقيدتها أو مجادلتها في عناصر اطمئنانها. لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في كل جزئية يثيرها في مناحي دفاعه الموضوعي إذ في اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها ما يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها المتهم لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها إياها... وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعن بما أورده من أدلة منتجة ما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة عدم استيفاء الطاعن للبيانات المقررة قانوناً في سجلات توزيع المواد التموينية. فإن النعي على الحكم بقالة الخطأ في تطبيق القانون يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.