أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 180

جلسة 6 من فبراير سنة 1977

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: يعيش محمد رشدي، ومحمد محمد وهبه، وأحمد علي موسى، وأحمد طاهر خليل.

(39)
الطعن رقم 515 لسنة 46 القضائية

حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". ما يعيبه في نطاق التدليل. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "بوجه عام". سرقة.
وجوب بناء الحكم الجنائي على الجزم واليقين. لا على الظن والاحتمال. مثال.
من المقرر أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين من الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر، ولا تؤسس على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة، لما كان ذلك. وكان يبين أنه لم يثبت بوجه قطعي أن المتهم اختلس الأخشاب من حمولة السيارة أو اشترك في هذا الفعل بوسيلة ما بل أن حالة الإعياء التي كان عليها هو وزميله حينما أبلغ الشرطة وسوء حالتهما الصحية الثابتة بالتقرير الطبي والتي تسمح باستجوابهما عند دخولهما للمستشفى تشير إلى احتمال صدق أقوال المتهم أن مجهولاً دس لهما مادة أفقدتهما وعيهما وعند افاقتهما اكتشفا سرقة كمية من الأخشاب – والتي صادقه عليها زميله وصاحب السيارة أمام هذه المحكمة. لما كان ذلك، فإن الاتهام المسند إلى المتهم يضحى محوطاً بالشك ولا تطمئن إليه المحكمة مما يتعين معه إلغاء الحكم المستأنف والقضاء ببراءة المتهم مما اسند إليه عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية وبلا مصاريف جنائية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة......... الطاعن وآخر حكم ببراءته بأنهما في يوم 20 من ديسمبر سنة 1972 بدائرة قسم بنها محافظة القليوبية سرقا كمية الأخشاب المبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات والمملوكة للشركة التجارية للأخشاب من إحدى وسائل النقل البرية "سيارة" وطلبت عقابهما بالمادة 316/ 1مكرراً ثالثاً من قانون العقوبات. ومحكمة قسم بنها الجزئية حضورياً عملاً بمادة الاتهام بحبس المتهم سنة مع الشغل والنفاذ. فاستأنف. ومحكمة بنها الابتدائية ـ بهيئة استئنافية ـ قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف إلى حبس المتهم ستة شهور مع الشغل والنفاذ. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض. وبتاريخ 24من مارس سنة 1972 قضت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة بنها الابتدائية لتفصل فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى. ومحكمة بنها الابتدائية ـ بهيئة استئنافية ـ أخرى قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن الأستاذ........ المحامي بصفته وكيلاً عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..إلخ


المحكمة

حيث إن النيابة العامة اسندت إلى الطاعن وآخر ـ قضى الحكم المستأنف ببراءته ـ بأنهما في يوم 20 من ديسمبر سنة 1972 بدائرة قسم بنها سرقا كمية الأخشاب المبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات والمملوكة للشركة التجارية للأخشاب من إحدى وسائل النقل البرية، وقد ارتكنت النيابة في إثبات الاتهام إلى استلام المتهم للأخشاب من مخزن الشركة المجني عليها بالإسكندرية لنقلها إلى القاهرة ثم ثبوت وجود نقص بها قيمته 1800 ج، وإلى اتهام صاحب السيارة له بالسرقة، وإلى تكذيب روايته بما أسفر عنه تقرير التحليل من خلو متحصلات معدته من المواد المخدرة أو المنومة التي ادعى بأنها دست فيما تقدم إليه من حلوى أثناء الطريق.
وحيث إن حاصل واقعة الدعوى – على ما يبين من الأوراق ومما دار بالجلسة أن المتهم تسلم أخشاباً من مخزن الشركة المجني عليها بالإسكندرية لنقلها بالسيارة قيادته إلى فرعها بالقاهرة، وكان برفقته....... ابن صاحب السيارة، وفى ظهر اليوم التالي تقدما لقسم شرطة بنها وأبلغ المتهم بأنه أثناء قيادته السيارة ببداية الطريق الزراعي أشار له شخص مجهول ورجاه أن يصحبه إلى القاهرة فسمح له بالركوب كما سمح لصبى آخر بالركوب من نقطة المرور الأولى، وبعد فترة قدم له الشخص الأول فاكهة وحلوى تناول منها وزميله الذي نام على سرير خلف مقعده، ولدى وصوله مدينة كفر الزيات شعر بدوار ثم غاب عن وعيه وحينما أفاق تبين أنه وزميله راقدان على سريرين بكابينة السيارة التي كانت تقف بمدينة بنها، فأيقظ زميله واكتشفا سرقة كمية من الأخشاب المحملة على السيارة فسارعا إلى قسم الشرطة حيث أبلغا الواقعة. وقد أثبت الملازم أول......... رئيس وحدة البحث بمحضره أن المتهم وزميله حضرا للقسم مترنحين وفى حالة إعياء تام فقام بنقلهما إلى المستشفى حيث أجري لهما غسيل معدة وأخذت عينات من متحصلاتها. وورد بالكشف الطبي الموقع عليهما أنهما مصابان بتسمم من مادة منومة وأن حالتهما لا تسمح باستجوابهما. وبمعاينة السيارة تبين وجود نقص بحمولتها كما عثر بأرضية "الكابينة" على فتات من الحلوى. وقرر....... بمضمون ما تقدم ثم عاد واسند للمتهم الاشتراك في الحادث ثم عدل عن ذلك أمام هذه المحكمة ونفى عن المتهم الإسهام فيه. وبسؤال مالك السيارة....... و........ مقاول النقل اسند للمتهم الاشتراك في تدبير الحادث ثم عدل أولهما عن هذا الاتهام أمام هذه المحكمة مقرراً أن اتهامه السابق له كان بإيحاء من ضابط المباحث وتفادياً لاتهام ابنه. وقد تبين من تقرير تحليل متحصلات معدة المتهم وزميله وفتات الحلوى التي عثر عليها بكابينة السيارة خلوها من المواد المخدرة أو المنومة أو السامة. وورد بمحضر تحريات الشرطة أن نتيجة التحليل تكشف عن عدم صحة رواية المتهم.
وحيث إن المتهم أنكر ما نسب إليه وأصر على أقواله التي أدلى بها منذ بلاغه وبالتحقيقات من أنه لا يعرف كيفية وقوع الحادث ومرتكبه كما نفى علاقته به. إلا أن الحكم المستأنف عول في إدانته على كذب ما يدعيه استناداً إلى أنه لم يقم دليل على صحة روايته وإلى خلو متحصلات معدته من المواد المخدرة أو المنومة لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين من الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر، ولا تؤسس على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة. وكان يبين مما تقدم أنه لم يثبت بوجه قطعي أن المتهم اختلس الأخشاب من حمولة السيارة أو اشترك في هذا الفعل بوسيلة ما، بل إن حالة الإعياء التي كان عليها هو وزميله حينما أبلغ الشرطة وسوء حالتهما الصحية الثابتة بالتقرير الطبي التي لم تسمح باستجوابهما عند دخولهما للمستشفى تشير إلى احتمال صدق أقوال المتهم والتي صادقه عليها زميله وصاحب السيارة أمام هذه المحكمة. لما كان ذلك، فإن الاتهام المسند إلى المتهم يضحى محوطاً بالشك ولا تطمئن إليه المحكمة مما يتعين معه إلغاء الحكم المستأنف والقضاء ببراءة المتهم مما اسند إليه عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بلا مصاريف جنائية.