أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 21 - صـ 94

جلسة 18 من يناير سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد الوهاب خليل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نصر الدين عزام، وسعد الدين عطية، وأنور أحمد خلف، ومحمود عطيفة.

(24)
الطعن رقم 1580 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج، د) اختصاص. "رجال الرقابة الإدارية". رقابة إدارية. مأمورو الضبط القضائي. "اختصاصهم". موظفون عموميون. جريمة. إثبات. "إثبات بوجه عام". تلبس. حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". بطلان. طعن. "المصلحة في الطعن". نقض. "المصلحة في الطعن". رشوة.
( أ ) اختصاص رجال الرقابة الإدارية. مقصور على الجرائم التي يقارفها الموظفون أثناء مباشرتهم لوظائفهم. عدم امتداد هذا الاختصاص إلى آحاد الناس. ما لم يكن طرفاً في الجريمة التي ارتكبها الموظف.
مناط منح أعضاء الرقابة الإدارية صفة الضبطية القضائية. هو وقوع جريمة الموظف أثناء مباشرته وظيفته، أو أن تكون الجريمة على وشك الوقوع.
(ب) انحسار صفة الضبطية القضائية عن رجل الرقابة الإدارية. إذا ارتكب الجريمة أحد من الناس.
(ج) مشاهدة رجل الرقابة الإدارية واقعة تسليم مبلغ الرشوة. تلبس. حقه في تسليم المتهم إلى أقرب مأمور ضبط. المادة 38 إجراءات.
(د) سماح صاحب المسكن بدخول رجل الرقابة الإدارية لتسهيل مشاهدة الجريمة وتسمع الحديث عنها. مشروع.
(هـ، و) رقابة إدارية. نيابة عامة. دعوى جنائية. "القيود التي ترد على رفعها". بطلان. رشوة. اختصاص. موظفون عموميون. إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(هـ) نص المادة الرابعة من القانون 54 لسنة 1964 بشأن إعادة تنظيم الرقابة الإدارية. لا يشكل قيداً على حرية النيابة في تحريك الدعوى الجنائية. مخالفته. لا بطلان.
(و) كفاية استظهار الحكم اختصاص الموظف بالعمل المعروض من أجل الإخلال به الرشوة.
(ز) مسئولية جنائية. "موانعها". أسباب الإباحة وموانع العقاب. حكم. "الطعن فيه". رشوة.
حالة الضرورة المانعة للمسئولية. شروطها؟
الطعن في الأحكام. ليس عملاً جائراً. يسوغ منعه أو الخلاص منه اقتراف جريمة.
(ح) جريمة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". رشوة.
كفاية ارتكاب الجريمة عن إرادة حرة.
متابعة الطاعن في دفاعه الموضوعي والرد عليه استقلالاً. غير لازم.
1 - مؤدى الفقرة (ج) من المادة الثانية والمادة 61 من القانون رقم 54 لسنة 1964 بإعادة تنظيم الرقابة الإدارية، أن اختصاص رجال الرقابة الإدارية مقصور على الجرائم التي يقارفها الموظفون العموميون أثناء مباشرتهم لوظائفهم، فلا تنبسط ولايتهم على آحاد الناس، ما لم يكونوا أطرافاً في الجريمة التي ارتكبها الموظف، فعندئذ تمتد إليهم ولاية أعضاء الرقابة الإدارية إعمالاً لحكم الضرورة، ومن ثم فإن مناط منح أعضاء الرقابة الإدارية سلطة الضبط القضائي، هو وقوع جريمة من موظف أثناء مباشرته لواجبات وظيفته أو أن تكون هذه الجريمة بسبيل الوقوع.
2 - إذا كان الثابت من مدونات الحكم أن الطاعن ليس موظفاً، بل هو من آحاد الناس وأن الموظف المعروض عليه الرشوة، هو الذي أبلغ عنها وسعى بنفسه إلى الرقابة الإدارية بالقاهرة طالباً ضبط الواقعة وصرح لعضوي الرقابة بالدخول إلى منزله والاستخفاء فيه لتسمع ما سوف يدور بينه وبين المتهم من حديث، مما لا يمكن معه القول بمقارفة هذا الموظف لجريمة، ومن ثم فقد انحسرت عن عضوي الرقابة الإدارية اللذين قاما بضبط الواقعة صفة الضبطية القضائية في هذا الصدد، وإذ جانب الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
3 - متى كان مؤدى الوقائع التي أوردها الحكم أن عضوي الرقابة الإدارية قد شاهداً بنفسيهما واقعة تسلم المتهم مبلغ الرشوة إلى الموظف المبلغ تنفيذاً لاتفاق سابق بينهما، فإن الواقعة تكون في حالة تلبس تجيز لهما إحضار المتهم وتسليمه وجسم الجريمة إلى أقرب مأمور ضبط قضائي عملاً بنص المادة 38 من قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فلا جدوى مما يتذرع به المتهم من بطلان إجراءات الضبط لانتفاء المصلحة.
4 - تتوافر حالة التلبس بتسمع عضوي الرقابة الإدارية للحديث الذي دار بين المتهم وبين الموظف المبلغ في مسكن هذا الأخير، ورؤيتهما واقعة تسليم مبلغ الرشوة من خلال ثقب باب حجرة الاستقبال، ما دامت تلك الحالة قد جاءت عن طريق مشروع، وهو دعوة الموظف عضوي الرقابة إلى الدخول إلى منزله وتسهيله لهما رؤية الواقعة توصلاً إلى ضبط مقارفها، بما لا منافاة فيه لحرية شخصية أو انتهاك لحرمة مسكن.
5 - إن ما نصت عليه المادة الرابعة من القانون رقم 54 لسنة 1964 من أنه إذا أسفرت التحريات أو المراقبة التي يجريها رجال الرقابة الإدارية عن أمور تستوجب التحقيق أحيلت الأوراق إلى النيابة الإدارية أو النيابة العامة حسب الأحوال، بإذن من رئيس الرقابة الإدارية أو نائبه، لا يعدو أن يكون إجراء منظماً للعمل في هيئة الرقابة الإدارية ولا يترتب على مخالفته أي بطلان، ولا يقيد من حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية ومباشرتها.
6 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد استظهر اختصاص الموظف المبلغ بصفته مديراً للشئون القانونية بمحافظة أسيوط، بإبداء الرأي في الأحكام التي تصدر في غير صالحها وفي الطعن فيها بالطرق القانونية المقررة، فإنه يستقيم بذلك الرد على دفاع المتهم حول عدم اختصاص المبلغ بالطعن في الأحكام.
7 - إنه يشترط لتوافر حالة الضرورة أو حالة الإكراه الأدبي التي تمنع المسئولية الجنائية، أن يثبت أن الجاني قد أراد الخلاص من شر محيق به، وأنه كان يبغي دفع مضرة لا يبررها القانون، ولا يتصور أن يكون الطعن في حكم صادر ضد مصلحة الدولة بالطرق القانونية المقررة للطعن في الأحكام، عملاً جائراً يتغيا المتهم منعه أو الخلاص منه، باقتراف جريمة.
8 - إذا كان الثابت من مدونات الحكم أن المتهم هو الذي سعى بنفسه إلى مكتب الموظف المبلغ ثم إلى منزله وعرض وقدم مبلغ الرشوة بناء على اتفاق سابق بينهما، فإن مفاد ذلك أن الطاعن هو بنفسه الذي انزلق إلى مقارفة الجريمة وكان ذلك منه عن إرادة حرة طليقة، ولا يعدو ما يثيره في شأن استدراجه إلى منزل الموظف بقصد خلق الجريمة، أن يكون دفاعاً متعلقاً بموضوع الدعوى لا تلتزم المحكمة بمتابعة الطاعن فيه والرد عليه استقلالاً، إذ الرد مستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يومي 10 و25/ 3/ 1966 بدائرة بندر أسيوط محافظة أسيوط: عرض رشوة على موظف عمومي للإخلال بواجبات وظيفته بأن عرض على السيد عبد العظيم عثمان أحمد القباني مدير الشئون القانونية بمحافظة أسيوط دفع مبلغ مائة وخمسين جنيهاً قدم له منها خمسة وثلاثين جنيهاً وذلك على سبيل الرشوة مقابل توانيه في مخابرة إدارة قضايا الحكومة للطعن في حكم صادر لصالحه من محكمة القضاء الإداري في مواجهة المحافظة وذلك لحين فوات ميعاد الطعن المقرر قانوناً، ولكن الموظف العمومي لم يقبل الرشوة منه. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته على محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 104 و109 مكرر و110 من قانون العقوبات، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المواد 17 و55 و56 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وتغريمه ألف جنيه والمصادرة وأمرت بإيقاف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ صدور الحكم. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة عرض رشوة، قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب ذلك بأن الطاعن دفع ببطلان إجراءات الضبط وبطلان الدليل المستمد منها تأسيساً على أن اختصاص رجال الرقابة الإدارية وبالتالي صفتهم كرجال ضبط قضائي محدد في نطاق الجرائم التي تقع من الموظفين أثناء مباشرتهم لواجبات وظائفهم، وأنه لما كان الطاعن ليس من الموظفين العموميين، فإنه لا ولاية للرقابة الإدارية على الواقعة. كما دفع ببطلان إحالة الأوراق إلى النيابة العامة لعدم صدور إذن بالإحالة من رئيس الرقابة الإدارية أو نائبه. ونازع الطاعن في اختصاص الموظف المبلغ بالطعن في الأحكام وهو العمل الذي قيل بأن مبلغ الرشوة قد دفع من أجله. وأضاف الطاعن أنه بفرض صحة الواقعة المسندة إليه، فإنه كان مدفوعاً إلى الجريمة للتخلص من عمل جائر هو إغلاق جهة الإدارة سوقاً يملكه ورفضها تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة لمصلحته كما قام دفاعه على أنه استدرج إلى منزل ذلك الموظف بقصد خلق الجريمة والإيقاع به إلا أن الحكم المطعون فيه لم يعرض لبعض هذه الأوجه من الدفاع ورد على البعض الآخر منها رداً قاصراً لا يتفق وصحيح القانون.
وحيث إن المادة الثانية فقرة (جـ) من القانون رقم 54 لسنة 1964 الخاص بتنظيم الرقابة الإدارية قد نصت على اختصاص الرقابة الإدارية بالكشف عن المخالفات الإدارية والمالية والجرائم التي تقع من الموظفين أثناء مباشرتهم لواجبات وظائفهم والعمل على منع وقوعها وضبط ما يقع منها وخولت المادة 61 من هذا القانون سلطة الضبطية القضائية في جميع أنحاء الجمهورية العربية المتحدة لرئيس الرقابة الإدارية ونائبه ولسائر أعضاء الرقابة على أن يكون لهم في سبيل مباشرة اختصاصهم مزاولة جميع السلطات التي تخولها صفة الضبطية القضائية المقررة لبعض الموظفين في دائرة اختصاصهم. ولما كان مؤدى هذه النصوص أن اختصاص رجال الرقابة الإدارية مقصور على جرائم معينة هي تلك التي يقارفها الموظفون العموميون أثناء مباشرتهم لوظائفهم فلا ينبسط ولايتهم على آحاد الناس ما لم يكونوا أطرافاً في الجريمة التي ارتكبها الموظف فعندئذ تمتد إليهم ولاية أعضاء الرقابة الإدارية إعمالاً لحكم الضرورة، ومن ثم فإن مناط منح أعضاء الرقابة الإدارية سلطة الضبط القضائي هو وقوع جريمة من موظف أثناء مباشرته لواجبات وظيفته أو أن تكون هذه الجريمة بسبيل الوقوع. لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم أن الطاعن ليس موظفاً بل هو من آحاد الناس وأن الموظف المعروض عليه الرشوة هو الذي أبلغ عنها وسعى بنفسه إلى الرقابة الإدارية بالقاهرة طالباً ضبط الواقعة وصرح لعضوي الرقابة بالدخول إلى منزله والاستخفاء فيه لتسمع ما سوف يدور بينه وبين الطاعن من حديث مما لا يمكن معه القول بمقارفة هذا الموظف لجريمة ما، فقد انحسرت عن عضوي الرقابة الإدارية اللذين قاما بضبط الواقعة صفة الضبطية القضائية في صدد هذه الدعوى المطروحة. وإذ جانب الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون غير أنه لما كان مؤدى الوقائع التي أوردها الحكم أن عضوي الرقابة الإدارية قد شاهدا بنفسيهما واقعة تسليم الطاعن مبلغ الرشوة إلى الموظف المبلغ تنفيذاً لاتفاق سابق بينهما فإن الواقعة تكون في حالة تلبس تجيز لهما إحضار المتهم وتسليمه وجسم الجريمة إلى أقرب مأمور ضبط قضائي عملاً بنص المادة 38 من قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فلا جدوى فيما يتذرع به الطاعن من بطلان إجراءات الضبط لانتفاء المصلحة ولا ينال من هذا النظر أن تكون حالة التلبس قد توافرت بتسمع عضوي الرقابة الإدارية للحديث الذي دار بين الطاعن وبين الموظف المبلغ في مسكن هذا الأخير ورؤيتهما واقعة تسليم مبلغ الرشوة من خلال ثقب باب حجرة الاستقبال ما دامت تلك الحالة قد جاءت عن طريق مشروع هو دعوى الموظف عضوي الرقابة إلى الدخول إلى منزله وتسهيله لهما رؤية الواقعة توصلاً إلى ضبط مقارفها بما لا منافاة فيه لحرية شخصية أو انتهاك لحرمة مسكن. لما كان ذلك، وكان ما نص عليه القانون رقم 54 لسنة 1964 من أنه إذا أسفرت التحريات أو المراقبة التي يجريها رجال الرقابة الإدارية عن أمور تستوجب التحقيق أحيلت الأوراق إلى النيابة الإدارية أو النيابة العامة حسب الأحوال بإذن من رئيس الرقابة الإدارية أو نائبه لا يعدو أن يكون إجراء منظماً للعمل في هيئة الرقابة الإدارية لا يترتب على مخالفته أي بطلان ولا يقيد من حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية ومباشرتها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر اختصاص الموظف المبلغ بصفته مديراً للشئون القانونية بالمحافظة بإبداء الرأي في الأحكام التي تصدر في غير صالحها وفي الطعن فيها بالطرق القانونية المقررة، بما يستقيم به الرد على دفاع الطاعن فان دعوى القصور تكون في غير محلها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما أثاره الطاعن من أنه اضطر إلى مقارفة الجريمة للتخلص من عمل جائر ورد عليه بقوله وغني عن الإيضاح أنه ليس ثمة جور أو حيف في أن تتخذ جهة إدارية قراراً بإلغاء رخصة لإدارة المحل أو ترخيص لسوق وهي صاحبة المنح وصاحبة المنع في حدود ما تراه من تحقيق للصالح العام والصالح العام يفرق كل اعتبار فإن هذا الذي ذهب إليه الحكم يتفق وصحيح القانون ذلك بأنه يشترط لتوافر حالة الضرورة أو حالة الإكراه الأدبي التي تمنع المسئولية الجنائية أن يثبت أن الجاني قد أراد الخلاص من شر محيق وأنه كان يبغي دفع مضرة لا يبررها القانون، ولا يتصور أن يكون الطعن في حكم صادر ضد مصلحة الدولة بالطرق القانونية المقررة للطعن في الأحكام عملاً جائراً يتغيا الطاعن منعه أو الخلاص منه باقتراف جريمة. لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم أن الطاعن هو الذي سعى بنفسه إلى مكتب الموظف المبلغ ثم إلى منزله وعرض وقدم مبلغ الرشوة بناء على اتفاق سابق بينهما فإن مفاد ذلك أن الطاعن هو بنفسه الذي انزلق إلى مقارفة الجريمة وكان ذلك منه عن إرادة حرة طليقة ولا يعدو ما يثيره في شأن استدراجه إلى منزل الموظف بقصد خلق الجريمة أن يكون دفاعاً متعلقاً بموضوع الدعوى لا تلتزم المحكمة بمتابعة الطاعن فيه والرد عليه استقلالاً إذ الرد عليه مستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم. لما كان ذلك. وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة عرض رشوة على موظف التي دان الطاعن بها وأقام عليها في حقه أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.