أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 21 - صـ 110

جلسة 18 من يناير سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد الوهاب خليل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نصر الدين عزام، وسعد الدين عطيه، وأنور خلف، ومحمود كامل عطيفه.

(27)
الطعن رقم 1658 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج) دعارة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". دفوع. "الدفع بانتفاء العلم". جريمة. "أركانها". قصد جنائي. إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
( أ ) دفاع المتهمة بممارسة الدعارة بعدم توافر الاعتياد والبغاء قبلها. جوهري. وجوب الرد عليه. ممارسة الفحشاء مع الناس بغير تمييز. بغاء. الدفع بانتفاء العلم في جريمة تأجير مسكن يدار للدعارة مع العلم بذلك. وجوب تحقيقه والرد عليه.
(ب) متى يتوافر ركن الاعتياد في جرائم العادة؟
(ج) تساند الأدلة في المواد الجنائية؟
1 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعنتين دون أن يعني بتحقيق ما أثارته الطاعنة الثانية من عدم توافر ركن الاعتياد على ممارسة الدعارة لعدم تجريم الفعل الأول الخاص بفض بكارتها من خطيبها السابق ومضي أكثر من ثلاث سنوات عليه، وما أثارته الطاعنة الثالثة من عدم علمها بإدارة المسكن المؤجر منها للطاعنة الأولى للدعارة، وهو دفاع يعد هاماً ومؤثراً في مصير الدعوى المطروحة بالنسبة لهاتين الطاعنتين، ذلك بأن البغاء كما هو معرف به في القانون هو مباشرة الفحشاء مع الناس بغير تمييز، كما أن جريمة ممارسة الدعارة من جرائم العادة التي لا تقوم إلا بتحقيق ثبوتها، وكان دفاع الطاعنة الثالثة قد قصد به نفي الركن المعنوي للجريمة المسندة إليها، فإن ما تقدم يقتضي من المحكمة حتى يستقيم قضاؤها أن تعمل على تحقيق دفاع الطاعنتين بلوغاً إلى غاية الأمر فيه، وأن ترد عليه بما يبرر رفضه، أما وهي لم تفعل فإن حكمها يكون مشوباً بالإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب.
2 - جرى قضاء محكمة النقض في جرائم الاعتياد، على وجوب الاعتداد في توافر ركن الاعتياد بجميع الوقائع التي لم يمض بين كل واحدة منها والتي تليها وكذلك بين آخر واقعة وتاريخ بدء التحقيق في الدعوى أو رفعها، مدة ثلاث سنوات.
3 - إن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1 - (الطاعنة الأولى) 2 - ....... (الطاعنة الثانية) 4 - ......... 5 - (الطاعنة الثالثة) بأنهن في يوم 26/ 2/ 1965 بدائرة قسم قصر النيل: الأولى: سهلت الدعارة للثانية والثالثة والرابعة حالة كونهن لم يبلغن من العمر إحدى وعشرين سنة ميلادية 2 - استغلت بغاء الثانية والثالثة والرابعة 3 - أدارت مسكنها للدعارة. والثانية والثالثة والرابعة: اعتدن ممارسة الدعارة. والخامسة أجرت مكاناً "مسكناً" يدار للدعارة مع علمها بذلك. وطلبت عقابهن بالمواد 1/ أ - جـ و6 جـ و8 و9/ أ - جـ و15 من القانون رقم 10 لسنة 1961. ومحكمة الآداب الجزئية قضت حضورياً للمتهمات الأولى والثانية والخامسة وغيابياً للثالثة والرابعة ببراءتهن مما أسند إليهن. فاستأنفت النيابة العامة هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً للمتهمتين الأولى والخامسة وغيابياً لباقي المتهمات بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وبمعاقبة المتهمات على النحو الآتي: (أولاً) بحبس المتهمة الأولى سنة مع الشغل وتغريمها مائة جنيه ووضعها تحت مراقبة الشرطة لمدة سنة أخرى تبدأ من يوم انتهاء عقوبة الحبس وذلك عن التهم الثلاث المسندة إليها. (ثانياً) بحبس كل من المتهمات الثانية والثالثة والرابعة ستة شهور وتغريم كل منهن خمسين جنيهاً مع وضع كل منهن تحت مراقبة الشرطة لمدة ستة شهور أخرى تبدأ من يوم انتهاء تنفيذ عقوبة الحبس. (ثالثاً) بحبس المتهمة الخامسة ثلاثة شهور وتغريمها خمسة وعشرين جنيهاً ووضعها تحت مراقبة الشرطة لمدة ثلاث شهور أخرى تبدأ من يوم تنفيذ عقوبة الحبس. (رابعاً) إغلاق الشقة موضوع الجريمة ومصادرة الأمتعة والأثاث الموجود فيها على نفقة المتهمات. فطعنت المحكوم عليهما الأولى والخامسة في هذا الحكم بطريق النقض. كما عارضت في هذا الحكم باقي المتهمات، وقضى في معارضتهن بقبولها شكلاً، وفي الموضوع وبإجماع الآراء برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم عملاً بالمادتين 55 و56 من قانون العقوبات. فقررت المحكوم عليها الثالثة (الطاعنة الثانية) الطعن في الحكم الأخير بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما تنعاه الطاعنتان الثانية والثالثة على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان الأولى بجريمة اعتياد ممارسة الدعارة والثانية بجريمة تأجير مكان يدار للدعارة مع علمها بذلك قد شابه قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع ذلك بأن الحكم الاستئنافي المعارض فيه المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه اعتد بواقعة فض بكارة الطاعنة الثانية التي ارتكبها خطيبها، في قيام ركن الاعتياد مع أن المدافع عنها أرجع تاريخ هذه الواقعة إلى سنة 1961 بما قدمه من مستندات أمام محكمة الموضوع مما يتعين معه إسقاط هذه الواقعة من عداد الوقائع التي يقوم ركن الاعتياد عليها سواء باعتبارها تخرج من دائرة الدعارة بإتيان الطاعنة لها مع من كان خطيبها أو باعتبار أنه قد مضى عليها المدة المقررة لتقادم الدعوى الجنائية، ثم أن الحكم المطعون فيه التفت عما أثاره المدافع عن الطاعنة الثالثة في دفاعه المكتوب من نفي علمها بإدارة المسكن للدعارة وما قدمه من مستندات دالة على ذلك باتخاذها إجراءات طرد الطاعنة الأولى المستأجرة من المسكن إثر علمها بأن مسلكها مريب.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى على النحو الذي استقر لديه عول في ثبوت الجريمتين اللتين دان الطاعنتين الثانية والثالثة بهما على أقوال شهود الحادث واعترافهما الذي حصله في قوله "وبسؤال المتهمة الثالثة........ (الطاعنة الثانية) أمام النيابة قررت أنها كانت مخطوبة لـ....... الضابط بالجيش وأنه فض بكارتها وأن العلاقة بينهما ووالديها قد ساءت... وقالت إن....... قد ارتكب الفحشاء معها مرة دون مقابل وبسؤال المتهمة الخامسة....... (الطاعنة الثالثة) قررت أنها أجرت الشقة موضوع الدعوى إلى المتهمة الأولى إلا أنها لا تعلم أنها تديرها للدعارة وقررت أن الشاهدة....... كانت خادمة لديها وأنها مقيمة في الشقة لأجل ملاحظتها وتعمل لدى من يسكن فيها ونفت أنها أبلغتها شيئاً عما يدور في الشقة وأنها تدار للدعارة وفقط كل ما ذكرته لها أن الساكنات متفرنجات ويخرجن مرتديات البنطلونات ويسهرن في الخارج. لما كان ذلك، وكان الثابت من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن أن المدافع عن الطاعنة الثانية قد تمسك بدفاعه المكتوب بمذكرته المقدمة منه والمعلاة برقم 13 ملف أن الواقعة الأولى والخاصة بفض بكارة هذه الطاعنة إنما حدثت في سنة 1961 ومع من كان خطيبها سالف الذكر مما لا تعد معه من جرائم ممارسة الفجور والدعارة أصلاً كما لا يجب الاعتداد بها في توافر ركن الاعتياد لأنه مضى عليها أكثر من ثلاث سنوات، وقدمت الطاعنة المذكورة تأييداً لهذا الدفاع حافظة مستندات معلاة برقم 14 ملف تحوي عدة رسائل غرامية مرسلة من الضابط... إليها محررة في سنة 1961 ونسخة من مجلة الجيل الصادرة في 28 من أغسطس سنة 1961 أشير فيها إلى سبق خطبة الضابط المذكور لها ثم فسخ الخطبة بينهما وبعض الصور الشمسية كما قدم المدافع عن الطاعنة الثالثة مذكرة معلاة برقم 17 ملف دفع فيها بعدم علم هذه الطاعنة بإدارة المسكن للدعارة، وقال إنه بمجرد أن علمت من........ الخادمة بسوء استغلال الطاعنة الأولى المستأجرة للشقة أنذرتها بوجوب الإخلاء وحصلت منها على تعهد بذلك في نهاية شهر فبراير سنة 1965 وقدم تأييداً لدفاعها هذا التعهد وأرفق بالأوراق. لما كان ذلك، وكان الحكم قد دان الطاعنتين دون أن يعني بتحقيق ما أثارته الطاعنة الثانية من عدم تجريم الفعل الأول الخاص بفض بكارتها من خطيبها السابق ومضى أكثر من ثلاث سنوات عليه، وما أثارته الطاعنة الثالثة من عدم علمها بإدارة المسكن المؤجر منها للطاعنة الأولى للدعارة وهو دفاع يعد هاماً ومؤثراً في مصير الدعوى المطروحة بالنسبة لهاتين الطاعنتين، ذلك بأن البغاء كما هو معرف به في القانون هو مباشرة الفحشاء مع الناس بغير تمييز كما أن جريمة ممارسة الدعارة من جرائم العادة التي لا تقوم إلا بتحقق ثبوتها وجرى قضاء هذه المحكمة في الجرائم ذات العادة على وجوب الاعتداد في توافر ركن الاعتياد بجميع الوقائع التي لم يمض بين كل واحدة منها والتي تليها وكذلك بين آخر واقعة وتاريخ بدء التحقيق في الدعوى أو رفعها مدة ثلاث سنوات كما أن دفاع الطاعنة الثالثة قصد به نفي الركن المعنوي للجريمة المسندة إليها وإثبات حسن نيتها باتخاذها إجراءات الطرد إثر علمها بالغرض الذي يدار المسكن من أجله مما كان يقتضي من المحكمة - حتى يستقيم قضاؤها - أن تعمل على تحقيق دفاع الطاعنتين بلوغاً إلى غاية الأمر فيه أو أن ترد عليه بما يبرر رفضه، أما وهي لم تفعل فإن حكمها يكون مشوباً بالإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب ولا يغني في ذلك ما أوردته المحكمة من أدلة أخرى ذلك بأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة بالنسبة للطاعنتين الثانية والثالثة وكذلك بالنسبة للطاعنة الأولى لحسن سير العدالة وذلك بغير حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.