أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثامنة عشرة - صـ 986

جلسة 16 من أكتوبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني.

(200)
الطعن رقم 1558 لسنة 37 القضائية

(أ، ب، ج) رشوة. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". جريمة. "أركان الجريمة". محكمة الموضوع.
(أ) مجرد إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في نطاق اختصاصه. إفادته ضمناً الزعم بالاختصاص.
(ب) صدور الزعم بالاختصاص من الموظف المتهم. تقديره: موضوعي.
(ج) اختصاص الموظف بالعمل الذي طلبت الرشوة من أجله أو الزعم باختصاصه به. واجب المحكمة تمحيص ذلك لتعلقه بركن من أركان الجريمة.
(د، هـ) وصف التهمة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
(د) عدم تقيد المحكمة بالوصف الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم. حقها في رد الواقعة إلى الوصف القانوني السليم.
(هـ) ابتناء الوصف الذي دين به الطاعن على ذات الوقائع المرفوعة بها الدعوى عليه دون إضافة جديد إليها لا يستأهل لفت نظر الدفاع.
(و) دفوع. "الدفع بتلفيق التهمة".
الدفع بتلفيق التهمة. دفع موضوعي. عدم استلزامه رداً صريحاً. كفاية أدلة الإدانة رداً عليه.
(ز، ح) إثبات. "شهادة" حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ز) اختلاف شهود الإثبات في بعض تفصيلات. عدم إيراد الحكم لها أو الاستناد إليها. لا يعيبه. ما دام قد حصل أقوالهم بما لا تناقض فيه.
(ح) كفاية الشهادة أن تؤدي إلى الحقيقة المراد إثباتها باستنتاج سائغ تجريه المحكمة مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها.
1 - الزعم بالاختصاص يتوافر ولو لم يفصح به الموظف صراحة بل يكفي مجرد إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في نطاق اختصاصه لأن ذلك السلوك منه يفيد ضمناً زعمه بذلك الاختصاص.
2 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد دلل تدليلاً سائغاً على صدور الزعم بالاختصاص من جانب الطاعن بما أثبته في حقه من أنه ادعى للشاهد المبلغ أن بوسعه إلغاء الأمر الصادر بنقله وزميليه لقاء مبلغ الرشوة فإن ما يثيره الطاعن في شأن القصور في التدليل يكون مردوداً.
3 - تصدي المحكمة لشرط الاختصاص لبيان ما إذا كان العمل الذي طلبت الرشوة من أجله يتصل بأعمال وظيفة الطاعن بما يقع تحت طائلة المادة 103 من قانون العقوبات، أو أن هذا العمل لا يدخل في نطاق وظيفته وإنما هو قد ادعى كذباً باختصاصه به الأمر المؤثم بالمادة 103 مكرراً من قانون العقوبات هذا التصدي هو من قبيل تمحيص الوقائع المطروحة على المحكمة بقصد استجلاء حقيقة ركن من أركان الجريمة وليس فيه إضافة لعناصر جديدة لم تكن معلومة للطاعن أو محاميه أثناء المحاكمة.
4 - الأصل هو أن المحكمة لا تتقيد بالوصف الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم بل هي مكلفة بأن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانوني السليم المنطبق عليها ما دام أن الواقعة المادية المثبتة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها الواقعة التي اتخذتها المحكمة أساساً للوصف الجديد.
5 - إذا كان الوصف الذي دين الطاعن به لم يبن على وقائع جديدة غير التي كانت أساساً للدعوى المرفوعة عليه، دون أن تضيف المحكمة إليها جديداً يستأهل لفت نظر الدفاع - فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد.
6 - الدفع بتلفيق التهمة دفع موضوعي لا يستأهل بحسب الأصل رداً صريحاً بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من الأدلة التي استند عليها الحكم في الإدانة.
7 - لا يعيب الحكم ما يثيره الطاعن من أن شهود الإثبات قد اختلفت أقوالهم في بعض تفصيلات معينة ما دام الثابت أنه قد حصل تلك الأقوال بما لا يتناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يستند إليها في تكوين عقيدته.
8 - الأصل أنه لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأنه شهادة الشاهد أن تؤدي إلى تلك الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 22 فبراير سنة 1965 بدائرة قسم ثان أسيوط محافظة أسيوط: بصفته موظفاً عمومياً "ملاحظ أشغال بالتحكم المركزي بهيئة السكة الحديد" طلب لنفسه وأخذ عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته وذلك بأن قبل من العامل محمد أحمد هاشم مبلغ ثلاثة جنيهات وستين قرشاً على سبيل الرشوة ليعمل على إلغاء أمر نقله وزميليه محمد عجلان وسيد محمد صالح. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقاً للمادة 103 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات أسيوط عدلت وصف التهمة إلى أن المتهم بصفته موظفاً عمومياً ملاحظ أشغال بالتحكيم المركزي بهيئة السكة الحديد طلب لنفسه وأخذ عطية لأداء عمل زعم أنه من أعمال وظيفته بأن قبل من العامل محمد أحمد هاشم مبلغ ثلاثة جنيهات وستين قرشاً على سبيل الرشوة بزعم العمل على إلغاء نقله وزميليه محمد عجلان وسيد محمد صالح وقضت في الدعوى حضورياً بتاريخ 15 من أبريل سنة 1967 عملاً بالمواد 103 مكرراً و110 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن ثلاث سنوات وتغريمه ألف جنيه ومصادرة مبلغ الثلاثة جنيهات والستين قرشاً. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة رشوة قد انطوى على إخلال بحق الدفاع وقصور في التسبيب وفساد في الاستدلال، ذلك بأن الدعوى الجنائية رفعت على الطاعن بالتطبيق لنص المادة 103 من قانون العقوبات وقام الدفاع عنه على أنه لا جريمة في الأمر لانتفاء اختصاص الطاعن بالعمل الذي قيل بأخذه الرشوة لأدائه إلا أن المحكمة دانته بمقتضى المادة 103 مكرراً على اعتبار أن الزعم بالاختصاص يكفي لمساءلة الجاني دون أن تنبه الدفاع إلى ما أجرته من تغيير في التهمة المسندة إلى الطاعن فضلاً عن عدم تدليلها على توافر ذلك الزعم بالاختصاص في حقه. كما أن المحكمة أطرحت دفاع الطاعن بتلفيق التهمة له لنزاع بينه وبين الشاهد الذي أبلغ بالواقعة - بأسباب غير سائغة. وعولت في قضائها على أقوال شهود الإثبات على الرغم مما شابها من تناقض لم تعرض له. واتخذت من شهادة توفيق محمد شرف سنداً لحكمها مع أنها لا تصلح دليل ثبوت مما يعيب حكمها بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الأصل هو أن المحكمة لا تتقيد بالوصف الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم بل هي مكلفة بأن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانوني السليم المنطبق عليها ما دام أن الواقعة المادية المثبتة بأمر الإحالة التي كانت مطروحة بالجلسة - هي بذاتها الواقعة التي اتخذتها المحكمة أساساً للوصف الجديد. لما كان ذلك، وكانت الواقعة المادية التي اتخذت أساساً لجريمة طلب الرشوة التي قدم الطاعن من أجلها للمحاكمة طبقاً للمادة 103 من قانون العقوبات هي أنه بصفته موظفاً عمومياً قبل عطية من العامل محمد أحمد هاشم للعمل على إلغاء الأمر الصادر بنقله وزميليه وقد دارت مرافعة الدفاع على هذه الواقعة أمام المحكمة التي انتهت في حكمها إلى اعتبار الطاعن مرتشياً طبقاً للمادة 103 مكرراً على أساس أنه طلب العطية لأداء عمل زعم أنه من أعمال وظيفته وهي بذلك لا يصح النعي عليها بأنها أجرت تعديلاً في التهمة دون تنبيه، ذلك بأن تصدي المحكمة لشرط الاختصاص لبيان ما إذا كان العمل الذي طلبت الرشوة من أجله يتصل بأعمال وظيفة الطاعن مما يقع تحت طائلة المادة 103 سالفة البيان أو أن هذا العمل لا يدخل في نطاق وظيفته وإنما هو قد ادعى كذباً باختصاصه به الأمر المؤثم بالمادة 103 مكرراً - هذا التصدي هو من قبيل تمحيص الوقائع المطروحة على المحكمة بقصد استجلاء حقيقة ركن من أركان الجريمة وليس فيه إضافة لعناصر جديدة لم تكن معلومة للطاعن أو محاميه أثناء المحاكمة - وإذ كان الوصف الذي دين الطاعن به لم يبن على وقائع جديدة غير التي كانت أساساً للدعوى المرفوعة عليه، دون أن تضيف المحكمة إليها جديداً مما يستأهل لفت نظر الدفاع ومن ثم يكون ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص غير سديد. أما ما يثيره في شأن القصور في التدليل على صدور الزعم منه فمردود بأن الحكم المطعون فيه قد دلل تدليلاً سائغاً على صدور هذا الزعم من جانب الطاعن بما أثبته في حقه من أنه ادعى للشاهد المبلغ أن بوسعه إلغاء الأمر الصادر بنقله وزميليه لقاء مبلغ الرشوة، ذلك بأن الزعم الاختصاص يتوافر ولو لم يفصح به الموظف صراحة بل يكفي مجرد إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في نطاق اختصاصه لأن ذلك السلوك منه يفيد ضمناً زعمه بذلك الاختصاص. لما كان ما تقدم، وكان البين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة دللت على ثبوت التهمة في حق الطاعن تدليلاً سائغاً يرتد إلى أصوله الثابتة في الأوراق أفصحت به عن اطمئنانها إلى أقوال شهود الإثبات التي اتفقت على جوهر الواقعة وهي أن الطاعن أخذ مبلغ الرشوة بالفعل من الشاهد المبلغ ثم تخلص منه بإلقائه على الأرض عند مفاجأة الضابطين له ومن ثم تكون قد أطرحت زعمه بتلفيق الاتهام عليه، ذلك بأن الدفع بتلفيق التهمة دفع موضوعي لا يستأهل بحبس الأصل رداً صريحاً بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من الأدلة التي استند عليها الحكم في الإدانة. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من أن شهود الإثبات قد اختلفت أقوالهم في بعض تفصيلات معينة - بفرض صحته - لا يعيب الحكم ما دام الثابت أنه قد حصل تلك الأقوال بما لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يستند إليها في تكوين عقيدته. لما كان ذلك، وكان الأصل أنه لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن شهادة الشاهد أن تؤدي إلى تلك الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد من أقوال الشاهد توفيق محمد الشريف أن الطاعن دعاه إلى مكتبه يوم الحادث وسلمه ستين قرشاً في حضور الشاهد محمد أحمد هاشم كي يحفظه معه فأخفاه حيث قدمه بعد ذلك إلى الضابطين عند سؤالهما إياه عنه وكان من دلالات هذه الرواية السائغة عقلاً صدق ما شهد به الأخير من أن الطاعن قد أخذ منه هذا المبلغ على ذمة مصاريف السفر لإلغاء أمر النقل ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إن هي تزودت من رواية الشاهد توفيق محمد الشريف في استمداد عقيدتها في الدعوى واطمئنانها إلى صدق الواقعة كما رواها شهود الإثبات. هذا فضلا عن أن الحكم لم يقتصر في إثبات التهمة على الطاعن على مجرد هذا الدليل بل ارتكن أيضاً على عناصر الإثبات الأخرى التي أوردها متساندة مع ذلك الدليل، ومن ثم فلا يقبل من الطاعن المجادلة فيه على استقلال بقولة إنه بذاته لا يؤدي إلى الإدانة لما هو مقرر من أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة إذ يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما رتب عليها ومنتجة كوحدة في إثبات اقتناع القاضي واطمئنانه إلى ما انتهى إليه كما هو الشأن في الدعوى المطروحة. لما كان كل ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.