أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 21 - صـ 115

جلسة 18 من يناير سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد الوهاب خليل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نصر الدين عزام، وسعد الدين عطيه، ومحمود عطيفه، وأنور خلف.

(28)
الطعن رقم 1663 لسنة 39 القضائية

إثبات. "شهادة". "إثبات بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". مسئولية جنائية. مواد مخدرة. نقض. "حالات الطعن. الفساد في الاستدلال".
حق محكمة الموضوع إطراح أقوال الشاهد. دون بيان سبب إطراحها. إفصاحها عن الأسباب التي من أجلها لم تعول على تلك الأقوال. خضوعها في هذه الحالة لرقابة محكمة النقض.
تمهل الضابط في إجراء التفتيش المأذون له به. حتى تقدم له المتهمة ما لديها من مخدرات. لا يدعو إلى الشك في تصرفه.
عدم دقة الشاهد في إحصاء ما ضبط من نقود. لا يؤثر في مسئولية المتهمة عن إحرازها مخدراً. تقديم ضابط محضر الضبط للنيابة العامة. لا يفيد حتماً حضوره إجراءات التفتيش المحرر عنها هذا المحضر. حضوره تلك الإجراءات. لا يدعو إلى الشك فيها ما دام أن المتهمة لم تنسب إليه الاشتراك في ذلك التفتيش.
لئن كان لمحكمة الموضوع أن تزن أقوال الشاهد وتقدرها التقدير الذي تطمئن إليه، دون أن تكون ملزمة ببيان سبب إطراحها لها، إلا أنه متى أفصحت المحكمة عن الأسباب التي من أجلها لم تعول على أقوال الشاهد، فإن لمحكمة النقض أن تراقب ما إذا كان من شأن هذه الأسباب أن تؤدي إلى النتيجة التي خلصت إليها [(1)]، وإذ كان ما تقدم، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه، تبريراً لإطراحه لأقوال شاهد الإثبات في الدعوى غير سائغ وليس من شأنه أن يؤدي إلى ما رتب عليه، ذلك أن تريث الضابط الشاهد حتى قيام المتهمة بتقديم ما لديها من مخدرة وهو بداخل سكنها، لا يدعو إلى الشك في تصرفه، كما أن عدم دقته في إحصاء النقود المضبوطة، لا أثر له في مسئولية المتهمة عن واقعة إحراز المخدر، كما أنه ليس بلازم حتماً أن يكون الضابط الذي قدم محضر الضبط إلى النيابة قد حضر إجراءات التفتيش، بل أن حضوره هذه الإجراءات على فرض حصوله، ليس من شأنه أن يدعو إلى الشك فيها، طالما أن المتهمة لم تنسب إليه أنه اشترك في التفتيش ولم توجه طعناً إلى تصرف من تصرفاته. لما كان ما تقدم، فإن الحكم يكون قد انطوى على فساد في الاستدلال بما يعيبه ويوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدها بأنها في يوم 8 فبراير سنة 1968 بدائرة قسم الدرب الأحمر محافظة القاهرة: أحرزت بقصد الاتجار جوهراً مخدراً "حشيشا وأفيونا" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتها إلى محكمة الجنايات لمحاكمتها طبقاً للقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهمة مما أسند إليها ومصادرة الجواهر المخدرة المضبوطة. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض إلخ....


المحكمة

حيث إن مما تنعاه النيابة العامة على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضدها مع تهمة إحراز جوهر مخدر بقصد الاتجار قد شابه فساد في الاستدلال ذلك بأن المحكمة أطرحت بغير سند مقبول قول النقيب محمد فتحي عيد شاهد الإثبات بأن المتهمة قدمت له مختارة طربة حشيش ولفافة سلوفان بها أفيون بعد أن أقنعها في نقاش دار بنيهما بتسليمه ما لديها من مواد مخدرة كما افترضت المحكمة وجود عجز في النقود المضبوطة وعابت على الضابط المذكور أنه لم يعين أعضاء اللجنة التي وكل إليها حصر تلك النقود للرجوع إليهم لبيان حقيقة المبلغ في حين أن المتهمة نفسها نفت وجود عجز فيه ثم أن المحكمة قد استندت إلى أدلة غير سائغة فيما نسبته إلى ذلك الضابط من أنه أغفل ذكر وجود النقيب شاكر فهمي وقت إجراء الضبط والتفتيش.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله "من حيث إن وقائع هذه الجناية حسبما صورتها سلطة الاتهام تتحصل فيما أثبته النقيب محمد فتحي عيد في محضره المحرر في الساعة السادسة من مساء 8 فبراير سنة 1968 من أن تحرياته السرية دلته على أن......... (المطعون ضدها) المقيمة بشارع عبد الله بك رقم 16 ( أ ) قسم الدرب الأحمر تتجر في الجواهر المخدرة وإن هذا تأيد بالمراقبة السرية الدقيقة وتقدم بمحضره هذا إلى النيابة طالباً الإذن له بضبطها وتفتيشها ومسكنها وفي الساعة السادسة والنصف من مساء ذلك اليوم أذنت له النيابة على أن ينفذ لمرة واحدة خلال أسبوع من ساعة صدوره ويحرر محضراً بالإجراءات ويقرر الضابط في محضره المحرر في الساعة الحادية عشرة والنصف من مساء ذلك اليوم أنه استناداً إلى ذلك الإذن انتقل في حوالي التاسعة إلا ربع من مساء ذلك اليوم إلى منزل......... (المطعون ضدها) فوجد باب شقتها مغلقاً، فما أن طرقه حتى فتحته فكشف لها عن شخصيته وطلب منها السماح له بالتفتيش إلا أنها ثارت ورفضت فأخذها باللين ووعدها بالمساعدة إذا ما قدمت له ما عندها من مخدر وبعد حوالي النصف ساعة قررت له إنه ليس لديها سوى كيس من الحشيش وكمية صغيرة من الأفيون واتجهت إلى صيوان صغير في حجرة على يسار الداخل وفتحته قليلاً وأخرجت منه كيس الحشيش ماركة الهلال ولفافة من النايلون الأبيض الشفاف المتسخ بداخلها مادة الأفيون ثم أغلقت الصيوان بسرعة فطلب منها المفتاح فرفضت مما اضطره إلى استعمال القوة بالقدر الكافي لأخذ المفتاح من يدها ثم أخذ في تهدئتها وفتح الصيوان فعثر بداخله على خمس طرب حشيش ماركة الموتوسيكل وأربع طرب ماركة لإن شكرتم لأزيدنكم وطربة ماركة الهلال ومبالغ عديدة وبتفتيش الشقة لم يعثر على شيء آخر وبمواجهتها بالمخدر اعترفت به للاتجار كما اعترفت بملكيتها للمبلغ المضبوط الذي لا يعرف قدره وعاد للقسم وقامت لجنة من السادة الضباط بعد المبلغ فتبين أنه 8544 ج و350 م وكتب هذا المبلغ على أنه ثمانية آلاف وخمسمائة وأربعة وأربعين جنيهاً وثلاثة وخمسون قرشاً وبوزن الأفيون فكان 100 جم والحشيش 2.830 كج وأبلغ النيابة بالواقعة.... وقد أمرت النيابة بإيداع المبلغ خزينة المحكمة أمانات إلا أن النقيب محمد فتحي عيد عاد وقرر أن المبلغ ليس كما جاء بالمحضر وإنما 8498 ج و800 م". ثم عرض الحكم إلى أقوال الضابط محمد فتحي عيد شاهد الإثبات وتشكك في صحة أقواله استناداً إلى أنه كان يتعين عليه وقد استصدر إذناً من النيابة بتفتيش مسكن المتهمة للبحث عن المخدر أن يجرى التفتيش بمجرد دخوله المسكن دون تريث حتى تقدم له المتهمة المخدر بعد أن وعدها بالمساعدة وأنه ترك إحصاء النقود المضبوطة إلى لجنة من زملائه الضباط دون أن يعينهم حتى يمكن الرجوع إليهم لبيان حقيقة المبلغ وإنه كان يصطحب النقيب شاكر فهمي خليل وقت الضبط والتفتيش بدليل أن الأخير هو الذي عرض محضر ضبط الواقعة على وكيل النيابة المحقق وإغفال ذكر وجود هذا الضابط معه وقت الضبط يثير الشك في إجراءاته وأقواله.
وحيث إنه وإن كان لمحكمة الموضوع أن تزن أقوال الشاهد وتقدرها التقدير الذي تطمئن إليه دون أن تكون ملزمة ببيان سبب إطراحها لها إلا أنه متى أفصحت المحكمة على الأسباب التي من أجلها لم تعول على أقوال الشاهد فإن لمحكمة النقض أن تراقب ما إذا كان من شأن هذه الأسباب أن تؤدي إلى النتيجة التي خلصت إليها. ولما كان ما أورده الحكم المطعون فيه تبريراً لإطراحه لأقوال شاهد الإثبات في الدعوى غير سائغ وليس من شأنه أن يؤدي إلى ما رتب، عليه ذلك بأن تريث الضابط حتى قيام المتهمة بتقديم ما لديها من مخدر وهو بداخل مسكنها لا يدعو إلى الشك في تصرفه كما أن عدم دقته في إحصاء النقود المضبوطة لا أثر له في مسئولية المتهمة عن واقعة إحراز المخدر وليس بلازم حتماً أن يكون النقيب شاكر فهمي خليل قد حضر إجراءات الضبط والتفتيش لمجرد أنه هو الذي قدم محضر الضبط للنيابة كما أن حضوره هذه الإجراءات على فرض حصوله ليس من شأنه أن يدعو إلى الشك فيها طالما أن المتهمة لم تنسب إليه أنه اشترك في التفتيش ولم توجه طعناً إلى تصرف من تصرفاته. لما كان ما تقدم، فإن الحكم يكون قد انطوى على فساد في الاستدلال بما يعيبه ويوجب نقضه دون حاجة لبحث أوجه الطعن الأخرى.


[(1)] هذا المبدأ تقرر أيضاً في الطعون أرقام 1844، 1846، 1928، 1929، لسنة 40 ق جلسة 1/ 3/ 1971