أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 21 - صـ 129

جلسة 19 من يناير سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمود العمراوي، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، ومصطفى الأسيوطي، ومحمد ماهر حسن.

(31)
الطعن رقم 1318 لسنة 39 القضائية

(أ، ب) نقض. "أسباب الطعن. ميعادها". "نطاق الطعن". محكمة النقض. "سلطتها في الرجوع عن أحكامها. نطاقها". طعن. "نطاق الطعن". قتل عمد.
( أ ) حق محكمة النقض في الرجوع في قضائها بعدم قبول الطعن شكلاً لعدم تقديم الطاعن أسباباً لطعنه. متى ظهر لها بعد ذلك أن أسباب الطعن قدمت في الميعاد.
(ب) عدم جواز التعرض لموقف طاعن فصل في طعنه بناء على تقريره بالطعن وعرض النيابة العامة. بمناسبة نظر طعن من متهم آخر معه في الدعوى.
(ج، د، هـ) إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". قرائن. "اعتراف". "خبرة". إكراه. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ج) العبرة في المحاكمات الجنائية. باقتناع القاضي. عدم صحة مطالبته. بالأخذ بدليل معين. إلا إذا نص القانون.
(د) تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات. موضوعي. متى أقيم على أسباب سائغة.
(هـ) حق محكمة الموضوع في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء.
(و) نيابة عامة. تحقيق. مأمورو الضبط القضائي. إثبات. "بوجه عام". دعوى جنائية.
مباشرة النيابة التحقيق. عدم اقتضائها قعود مأموري الضبط عن القيام بواجباتهم. المادة 24 إجراءات. عليهم إرسال محاضرهم للنيابة. لتكون عنصراً من عناصر الدعوى.
(ز) نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
إثارة الجدل الموضوعي أمام محكمة النقض. غير جائزة. مثال.
1 - متى تبين أن التقرير بالطعن وتقرير الأسباب مقدمان في الميعاد القانوني، فإن الطعن بالنقض يكون مقبولاً شكلاً، ويتعين الرجوع في الحكم الصادر بعدم قبول الطعن شكلاً لعدم تقديم الطاعن أسباباً لطعنه، ما دام قد تبين أنه قدم هذه الأسباب في الميعاد، ولم تعرض على المحكمة بسبب تقصير يرجع إلى قلم الكتاب.
2 - إذا كان قد سبق التعرض لموقف أحد الطاعنين، وقضت المحكمة بقبول طعنه شكلاً وقبول عرض النيابة للقضية بالنسبة له وبرفض الطعن وإقرار الحكم المطعون فيه الصادر بإعدامه، فإنه لا محل للتعرض لموقف هذا الطاعن عند نظر الطعن المرفوع من الطاعن الآخر.
3 - العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أية بينة أو قرينة يرتاح إليها، دليلاً لحكمه، إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه.
4 - الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلها تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن اعترافه نتيجة إكراه، بغير معقب، ما دامت تقيمه على أسباب سائغة.
5 - لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة إليها.
6 - قيام النيابة العامة بإجراء التحقيق بنفسها، لا يقتضي قعود مأموري الضبط القضائي عن القيام إلى جانبها في الوقت ذاته بواجباتهم التي فرض الشارع عليهم أداءها بمقتضى المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية، وكل ما في الأمر، أن ترسل هذه المحاضر إلى النيابة لتكون عنصراً من عناصر الدعوى تحقق النيابة ما ترى وجوب تحقيقه منها.
7 - إذا كان ما ضمنه الطاعن في دفاعه، لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً حول تقدير المحكمة لأدلة الدعوى، ومصادرة لها في عقيدتها، فإنه لا يجوز له إثارة ذلك أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في ليلة 20 فبراير سنة 1964 بدائرة قسم الضواحي محافظة الإسماعيلية: قتلاً عمداً ملك عطا الله عبد الملاك مع سبق الإصرار بأن بيتا النية على قتله واصطحباه معهما في سيارة قيادة الأول وأثناء سير السيارة جذباً من حول رقبته شالاً قاصدين من ذلك خنقه فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنهما في الزمان والمكان سالفي الذكر سرقا معاً مبلغ النقود المبينة القدر بالمحضر والمملوك للمجني عليه حالة كون أحدهما يحمل سلاحاً "سكيناً" الأمر المنطبق على المادة 316 من قانون العقوبات. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 230 و231 و234/ 2 من قانون العقوبات فقرر بذلك، وادعى بحق مدني 1 - عطا الله عبد الملاك حنا عن نفسه وبصفته ولياً طبيعياً على أولاد المجني عليه القصر عواطف وعاطف وعزت 2 - سنيورة جرجس حنا والدة المجني عليه 3 - سيدة رزق الله عبد الملاك "زوجته" وطلبوا الحكم لهم قبل المتهمين متضامنين مع كميل غالي بصفته مسئولاً عن الحقوق المدنية بمبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض مع المصاريف وأتعاب المحاماة. وبتاريخ 13 أكتوبر سنة 1964 سمعت محكمة جنايات الإسماعيلية الدعوى وقررت النطق بالحكم فيها لجلسة 2 ديسمبر سنة 1964 مع إحالة أوراق القضية إلى مفتي الديار المصرية بالنسبة إلى المتهمين. ثم قضت بتلك الجلسة حضورياً وبإجماع الآراء عملاً بمواد الاتهام بمعاقبة كل من المتهمين بالإعدام وبإحالة الدعوى المدنية إلى محكمة أسيوط الابتدائية. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض، وقضى بقبول الطعن المقدم من الطاعنين شكلاً وقبول عرض النيابة العامة للقضية وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه بالنسبة إلى كل من الطاعنين وإحالة القضية إلى محكمة جنايات الإسماعيلية لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. والمحكمة المذكورة - مشكلة من دائرة أخرى - قضت حضورياً وبإجماع الآراء بمعاقبة كل من المتهمين بالإعدام وبإحالة الدعوى المدنية إلى محكمة أسيوط الابتدائية. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية في يوم صدوره وقضت محكمة النقض بعدم قبول الطعن المقدم من الطاعن الثاني شكلاً وبقبول الطعن المقدم من الطاعن الأول شكلاً وقبول عرض النيابة للقضية وفي الموضوع برفض الطعن وإقرار الحكم المطعون فيه الصادر بإعدام....... استناداً إلى أن الطاعن الثاني قرر بالنقض ولم يقدم أسباباً. ثم تبين أنه قدم مذكرة بأسباب طعنه ولم ترفق بملف الطعن ولم تعرض على المحكمة. فقررت المحكمة إعادة القضية لنظرها من جديد...... إلخ.


المحكمة

حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن حكمت بعدم قبول المحكمة الطعن المقدم من الطاعن الثاني بجلسة 13 أكتوبر سنة 1969 بناء على عدم تقديم أسباب له في الميعاد القانوني، إلا أنه تبين بعد ذلك أن هذه الأسباب قدمت في الميعاد ولم تعرض على المحكمة قبل صدور الحكم بعدم قبول الطعن شكلاً وذلك بسبب تقصير وقع من قلم الكتاب، وإذ تبين أن التقرير بالطعن والتقرير بالأسباب مقدمان في الميعاد القانوني فيكون الطعن مقبولاً شكلاً، ويتعين الرجوع في الحكم الصادر بعدم قبوله شكلاً بتاريخ 13 أكتوبر سنة 1969 ولا محل للتعرض لموقف الطاعن الأول.... إذ سبق الحكم بقبول طعنه شكلاً وقبول عرض النيابة للقضية بالنسبة له وبرفض الطعن وإقرار الحكم المطعون فيه الصادر بإعدامه.
وحيث إن النيابة العامة عرضت القضية على محكمة النقض بمذكرة برأيها في الحكم بالنسبة للطاعن الثاني عملاً بالمادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض وطلبت فيها إقراره فيما قضى به من إعدام المحكوم عليه الثاني وإن كانت قد جاوزت في هذا العرض الميعاد المنصوص عليه في المادة 34 من هذا القانون، إلا أن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن تجاوز هذا الميعاد لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة العامة.
وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجناية أخرى قد شابه قصور في التسبيب وبطلان وفساد في الاستدلال ذلك بأن المحكمة ردت الواقعة إلى أن الحادث وقع في التاسع عشر من فبراير سنة 1964 في الوقت المقول بمصاحبة الطاعن الثاني وزميله للمجني عليه في حين أن الجثة اكتشفت في الثالث والعشرين من ذات الشهر ولم ينبعث منها رائحة التعفن التي تظهر وفق الأصول المقررة فنياً عقب الوفاة باثنتي عشرة ساعة مما يفيد أنها حصلت في ميعاد آخر يغاير ذلك الذي رده الحكم إليه ولا ينال من ذلك ما أسفر عنه تقرير الصفة التشريحية من حصول الحادث في التاريخ الوارد بالحكم لاعتماده فيه على مذكرة النيابة الشارحة لحصول الحادث بدليل أنه لم يستظهر إصابات المجني عليه إذ لم يرد به شيء عن انخساف عظم الجبهة ولم يشر إلى وجود دماء أسفل الأنف وذكر أن طعنات البطن غير حيوية اعتماداً على ما جاء بمذكرة النيابة كما عول الحكم على تقرير الاستكتاب من أن جميل عطا الله هو محرر الكتاب المرسل بإيحاء من الطاعن الثاني وزميله لوالد المجني عليه مخبراً إياه بأن المجني عليه حبيس فدية رغم أن الخبير الفني خلص إلى رأيه اعتماداً على ما أحيط به علماً من سبق اعتراف جميل بهذه الواقعة مما يذهب بصلاحيته كدليل من أدلة الثبوت، هذا إلى أن الحكم لم يعن بالرد على دفاعه من أن اعترافه وزميله كان وليد إكراه وقع عليهما من رجال الشرطة، كما عول الحكم المطعون فيه على تحقيقات رجال الشرطة على الرغم من بطلانها لحصولها بعد أن تولت النيابة تحقيق الدعوى هذا إلى أن إقرارات الطاعن وزميله مرجعها فرار كل منهما من المساءلة فضلاً عن أن واقعات الدعوى تشير إلى مقارفتها من آخرين غير الطاعن وزميله إذ ثبت من المعاينة محاولة نقل الجثة من مكانها إلى مكان آخر وثبت أيضاً مواصلة الطاعن وزميله لسيرهما محملين بحمولة محددة بما يباعد بينها وبين شبهة ارتكاب حادث القتل فضلاً عما أبلغ به السجين محمد بدوي بداءة من ارتكاب آخرين للحادث بما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه قد حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن وزميله بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة تؤدي إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن في طعنه مردوداً بأن العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، وكان الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلها تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن اعترافه نتيجة إكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيمه على أسباب سائغة. ولما كان ذلك، وكانت المحكمة قد خلصت في استدلال سائغ إلى سلامة الدليل المستمد من اعتراف الطاعن وزميله إلى صدوره عنهما باختيارها فإنه لا يجوز مجادلة الطاعن في ذلك. لما كان ذلك، فإن ما ضمنه الطاعن في هذا الوجه من طعنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً حول تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرة لها في عقيدتها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه من الطعن لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان قيام النيابة العامة بإجراء التحقيق بنفسها لا يقتضي قعود مأموري الضبط القضائي عن القيام إلى جانبها في الوقت ذاته بواجباتهم التي فرض الشارع عليهم أداءها بمقتضى المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية، وكل ما في الأمر أن ترسل هذه المحاضر إلى النيابة العامة لتكون عنصراً من عناصر الدعوى تحقق النيابة ما ترى وجوب تحقيقه منها، وهذا هو الذي قامت النيابة بإجرائه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة إليها وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما أثبته التقرير الطبي الشرعي المقدم في الدعوى من أن سبب الوفاة هو اسفكسيا الخنق بواسطة الضغط على العنق بالتلفيحة المضبوطة وأن الجرح الموصوف بمقدم يسار جسم المجني عليه هو جرح قطعي حاد نافذ لتجويف الصدر والبطن ويحدث باستعمال آلة حادة كسكين أو مطواة ولم يشاهد مقابلة أي تجمعات مما يدل على أنه أجرى في الجثة بعد الوفاة وهو على غرار الشقوق التي يحدثها الجناة عادة بالجثة المزمع دفنها على أعماق قليلة تحت سطح الأرض لمنع انتفاخ الجثث وظهورها بسرعة على سطح الأرض وأن الوفاة حدثت في تاريخ الحادث، كما وأنها قد اطمأنت أيضاً إلى ما ورد في تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أن الكاتب لعبارات خطاب التهديد ومظروفه المرسلين إلى والد المجني عليه هو جميل عطا الله سدره. لما كان ذلك، فإن المحكمة تكون قد بنت حكمها بعد اقتناعها على صواب رأي الخبيرين سالفي الذكر، ومن ثم يكون هذا الوجه على غير أساس، أما سائر ما يثيره الطاعن في أسباب طعنه، فإنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً حول سلطة المحكمة في تقدير أدلة الدعوى واستخلاص ما تؤدي إليه مما تستقل به بغير معقب عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دين بها المحكوم عليه بالإعدام وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، كما أن إجراءات المحاكمة تمت وفقاً للقانون، وجاء الحكم سليماً من عيب مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو في تأويله، وقد صدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى يصح أن يستفيد منه المحكوم عليه طبقاً لما نصت عليه المادة الخامسة من قانون العقوبات، ومن ثم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً وإقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه.