أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثامنة عشرة - صـ 1023

جلسة 23 من أكتوبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، وأنور أحمد خلف.

(209)
الطعن رقم 1614 لسنة 37 القضائية

محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". إثبات. "خبرة".
الشهادة المرضية دليل من أدلة الدعوى. خضوعها لتقدير محكمة الموضوع. إبداء المحكمة الأسباب التي من أجلها رفضت التعويل على تلك الشهادة. لمحكمة النقض مراقبة ما إذا كان من شأن هذه الأسباب التي ساقها الحكم أن تؤدي إلى النتيجة التي رتبها عليها. مثال.
من المقرر أن الشهادة المرضية وإن كانت لا تخرج عن كونها دليلاً من أدلة الدعوى تخضع لتقدير محكمة الموضوع كسائر الأدلة، إلا أن المحكمة متى أبدت الأسباب التي من أجلها رفضت التعويل على تلك الشهادة فإن لمحكمة النقض أن تراقب ما إذا كان من شأن هذه الأسباب التي ساقها الحكم أن تؤدي إلى النتيجة التي رتبها عليها. ولما كان دفاع الطاعن يقوم في فحواه على أن الأمراض التي تضمنتها الشهادة كانت قائمة به في تاريخ الواقعة وأن من شأنها أن تحول بينه وبين ارتكاب الحادث والفرار من مكانه عدواً على الصورة التي قال بها شاهد الرؤية في الدعوى، وكانت المحكمة قد أطرحت الشهادة الطبية على النظر المار ذكره على الرغم مما دلت عليه من أن مرض الطاعن يعوقه عن العمل والسير دون أن تستند في تفنيدها إلى أسباب فنية تحمله وأن تتخذ ما تراه من الوسائل بلوغاً إلى غاية الأمر فيها، أما وهي لم تفعل فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يستوجب نقضه والإحالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 22 يناير سنة 1964 بدائرة مركز جرجا محافظة سوهاج: قتلا أبا العلا محمد خليل عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتا النية على قتله وأعد أولهما سلاحاً نارياً معمراً "طبنجة" وأعد الثاني آلة صلبة راضة "عصا" وكمنا له في الطريق الذي أيقنا مروره فيه حتى إذا ما ظفرا به انهال عليه ثانيهما ضرباً بعصاه وأطلق عليه الأول عدة أعيرة نارية من طبنجته قاصدين من ذلك قتله وأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته - الأول أيضاً (أ) أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً مششخناً "طبنجة أوتوماتيكية" (ب) أحرز ذخيرة مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له في حيازة السلاح وإحرازه. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما على محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و6 و26/ 2 - 4 و30 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 546 لسنة 1958 و75 لسنة 1958 والبند أ من القسم الأول من الجدول رقم 3 المرفق به. فقرر بذلك. وادعى علي محمد خليل - شقيق المجني عليه - مدنياً بمبلغ قرش صاغ واحد تعويضاً مؤقتاً قبل المتهمين متضامنين. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضورياً بتاريخ 4 فبراير سنة 1967 عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32/ 1 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الأول والمادة 17 من القانون ذاته بالنسبة إلى المتهمين بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً وإلزامهما متضامنين أن يدفعا إلى المدعى بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليهما هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن الأول على الحكم المطعون فيه الذي دانه هو والطاعن الثاني بجرمية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، هو القصور والفساد في الاستدلال، ذلك بأن المدافع عنهما أثار في مرافعته أن الطاعن الأول كان مصاباً بمرض حال دون اقترافه للحادث والفرار عدواً من مكانه وقدم شهادة طبية تكشف عن إصابته بنزلة شعبية ولغط في القلب وشيخوخة، وأنها أمراض تعوقه عن المشي أو القيام بعمله الشخصي، فرد الحكم على هذا الدفاع رداً مرسلاً غير سائغ قوامه أن الشهادة الطبية حديثة التاريخ وأن المرض الذي كشفت عنه ليس من شأنه أن يمنع الطاعن من ارتكاب الحادث، مع أنه كان يتعين على المحكمة أن تتحقق من قيام المرض بالطاعن وقت الحادث وتبين سندها فيما رأته من أنه لا يعجزه عن مقارفة الجريمة.
وحيث إنه من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه بعد أن حصل دفاع الطاعن الأول في خصوص مرضه وأشار إلى أنه قدم بالجلسة شهادة طبية تتضمن أنه بالكشف عليه وجد مصاباً بنزلة شعبية ولغط بالقلب وشيخوخة مما يعوقه عن العمل أو المشي، رد على هذا الدفاع بقوله: "وحيث إنه فيما يختص بما ورد بالشهادة الطبية فإن المتهم - الطاعن الأول - لم يتقدم منذ وقوع الحادث في 22/ 1/ 1964 أي منذ ثلاث سنين وقت توجيه الاتهام له بأنه مريض أو أن هناك مانع مادي يحول دون ارتكابه الحادث فضلاً عن أن وصف المرض الذي انطوت على وصفه الشهادة المذكورة لا يحول دون قدرة المتهم على ارتكاب الجريمة". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الشهادة المرضية وإن كانت لا تخرج عن كونها دليلاً من أدلة الدعوى تخضع لتقدير محكمة الموضوع كسائر الأدلة، إلا أن المحكمة متى أبدت الأسباب التي من أجلها رفضت التعويل على تلك الشهادة فإن لمحكمة النقض أن تراقب ما إذا كان من شأن هذه الأسباب التي ساقها الحكم أن تؤدي إلى النتيجة التي رتبها عليها. ولما كان ما تقدم، وكان دفاع الطاعن يقوم في فحواه على أن الأمراض التي تضمنتها الشهادة كانت قائمة به في تاريخ الواقعة وأن من شأنها أن تحول بينه وبين ارتكاب الحادث والفرار من مكانه عدواً على الصورة التي قال بها شاهد الرؤية في الدعوى، وكانت المحكمة قد أطرحت الشهادة الطبية على النظر المار ذكره على الرغم مما دلت عليه من أن مرض الطاعن يعوقه عن العمل والمشي دون أن تستند في تفنيدها إلى أسباب فنية تحمله وأن تتخذ ما تراه من الوسائل بلوغاً إلى غاية الأمر فيها، أما وهي لم تفعل فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يستوجب نقضه والإحالة بالنسبة إلى الطاعنين وذلك نظراً لوحدة الواقعة ولحسن سير العدالة، دون حاجة إلى بحث باقي أوجه طعنهما الأخرى.