أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثامنة عشرة - صـ 1034

جلسة 30 من أكتوبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محفوظ، وحسين سامح، ومحمود العمراوي، ومحمود عطيفة.

(212)
الطعن رقم 1282 لسنة 37 القضائية

(أ، ب) قتل عمد. "نية القتل". "سبق الإصرار". قصد جنائي. إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(أ) إدراك قصد القتل في ظروف الدعوى ومما يأتيه الجاني من أمارات ومظاهر تنم عما يضمره.
(ب) استخلاص سبق الإصرار من وقائع الدعوى وظروف خارجية.
(ج) عقوبة. "تقديرها". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير العقوبة".
تقدير العقوبة في الحدود المقررة قانوناً موضوعي.
(د، هـ) دعوى مدنية. مسئولية مدنية. "أركانها". ضرر. "الضرر المادي. الضرر الأدبي". تعويض. "تقديره. انقسامه". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(د) في إثبات الحكم لوقوع الفعل الضار من المتهمين ما يتضمن بذاته الإحاطة بأركان المسئولية المدنية ويوجب الحكم على مقارفة بتعويض الضرر المادي والأدبي.
(هـ) انقسام الالتزام بالتعويض على الدائنين بحسب الرؤوس عند عدم تعيين الحكم نصيب كل منهم ما لم يعين الاتفاق أو القانون هذا النصيب.
(و) أسباب الإباحة. دفاع شرعي. محكمة الموضوع.
مرد قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها. لمحكمة الموضوع.
(ز، ح) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع. إثبات. "إثبات بوجه عام".
(ز) عدم التزام محكمة الموضوع بتتبع المتهم في مناحي دفاعه المختلفة.
(ج) خطأ الحكم في بيان واقعة لم يكن لها أثر في منطقه. لا يعيبه.
1 - قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحبس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه.
2 - سبق الإصرار حالة ذهنية بنفس الجاني قد لا يكون له في الخارج أثر محسوس يدل عليه مباشرة، وإنما يستفاد من وقائع الدعوى وظروف خارجية يستخلص منها القاضي توافره، ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج.
3 - من المقرر أن تقدير العقوبة في الحدود المقررة في القانون مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع وبغير أن تكون ملزمة ببيان الأسباب التي دعتها إلى توقيع العقوبة بالقدر الذي ارتأته.
4 - لا يعيب الحكم عدم بيانه الضرر بنوعيه المادي والأدبي الذي يكون قد حاق بالمدعيين بالحقوق المدنية، ذلك أن في إثبات الحكم لوقوع الفعل الضار من المتهمين على المجني عليه ما يتضمن بذاته الإحاطة بأركان المسئولية المدنية، ويوجب بمقتضاه الحكم على مقارفه بالتعويض.
5 - عدم تعيين الحكم لنصيب كل من المدعيين بالحقوق المدنية في التعويض المقضي به لا يعيبه، ما دام أن الالتزام بالتعويض ينقسم على الدائنين بحسب الرؤوس "أي بأنصبة متساوية" ما لم يعين الاتفاق والقانون نصيب كل منهم.
6 - تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى، لمحكمة الموضوع الفصل فيه بلا معقب ما دام استدلالها سليماً يؤدي إلى ما انتهى إليه.
7 - لا تلتزم المحكمة بأن تتبع المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم.
8 - لا يعيب الحكم خطؤه في بيان واقعة لم يكن لها من أثر في منطقه أو النتيجة التي انتهى إليها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 30 أغسطس سنة 1965 بدائرة مركز رشيد محافظة البحيرة: قتلا محمد حسين حمودة الشهير بجللوا عمداً ومع سبق الإصرار بأن بيتا النية على قتله وأعدا لذلك وتوجه إلى منزله وما أن ظفرا به حتى انهال عليه الأول بآلة حادة "سكين" والثاني بآلة راضة "عصا" قاصدين قتله فأحدثا إصاباته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمادتين 230 و231 من قانون العقوبات. فصدر قراره بذلك، وادعت زوجة المجني عليه وأخوه بصفته وصياً على ولديه القاصرين مدنياً بمبلغ 4000 ج على سبيل التعويض قبل المتهمين متضامنين. ومحكمة جنايات دمنهور قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة ومعاقبة المتهم الثاني بالأشغال الشاقة عشر سنين وإلزامهما متضامنين بأن يدفعا إلى المدعيين بالحق المدني بصفتهما مبلغ ألفي جنيه والمصروفات المدنية و500 قرش أتعاباً للمحاماة. فطعن المحكوم عليه هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

(أولاً) تقرير الأسباب الأول المودع بتاريخ 21 يناير سنة 1967:
حيث إن مبنى أوجه الطاعن الثلاثة الأول هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجناية القتل العمد مع سبق الإصرار قد أخطأ في الإسناد وشابه الفساد في الاستدلال. ذلك بأن ما أورده من حصول مشاجرة بين المجني عليه والطاعنين سابقة على يوم الحادث كسبب لحصوله، يعيبه أن أقوال الشهود في هذا الخصوص سماعية وأن أحداً منهم لم يقرر بحضوره لتلك المشاجرة. هذا وأن الحكم قد أثبت أن الطاعنين أعدا سكيناً كبيرة في حين أن الأوراق جاءت خلواً من الدليل من نسبة السكين المضبوطة إلى أي منهما. هذا فضلاً عن الشك القائم في أن تكون تلك السكين هي التي استعملت في القتل خاصة وأنه لم يثبت من التقرير الطبي ما يفيد أن الدماء التي وجدت عليها هي لدماء آدمية. ثم إن الحكم تصور أن الطاعن الثاني تعمد إلقاء المجني عليه في حفرة في حين أن مؤدى أقوال الشهود تفيد أن هذا الطاعن هو الذي سقط أولاً في الحفرة ثم سقط المجني عليه فوقه. وقد أثبت الحكم أيضاً أن الطاعنين ذهبا إلى المجني عليه وفاجآه بالاعتداء عليه مع أن الثابت من أقوال زوجة المجني عليه والمعاينة أن منازل الطاعنين تقع بالقرب من مكان الحادث ولابد لهما من المرور بهذا المكان عند ذهابهما إلى حانوتهما. كما أن ما استدل به الحكم على توافر نية القتل لدى الطاعنين لا يوفر قيامها في حقهما، يؤيد ذلك أن النيابة العامة وصفت التهمة بأن الطاعن الأول أعد سكيناً للقتل في حين أن عمله كجزار يقتضي حمل مثل هذه السكين ثم إن لدى الطاعن الثاني مسدساً مرخصاً له بحمله، فهو ليس بحاجة إلى استعمال العصا في القتل لكي يكون منتوياً القتل بها. وأخيراً فإن استناد الحكم في التدليل على توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعنين على سبق حصول مشاجرة فإنه على ما سبق بيانه لا دليل على تلك المشاجرة مضافاً إلى ذلك أن تحريات المباحث دلت على أن الطاعن الأول حضر على أثر مشاجرة بين الطاعن الثاني والمجني عليه وأنه طعن الأخير عندما وجده ممسكاً بشقيقه مما يؤكد حصول الحادث فجأة وهو ما ينتفي به ظرف سبق الإصرار مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: "إن المجني عليه تشاجر مع المتهمين (الطاعنين) قبل الحادث بحوالي ثلاثة أيام وتبادل الطرفان السباب في السوق فعز ذلك على المتهمين وأسراه في نفسيهما وحقدا على المجني عليه اجتراءه عليهما بالسب في سوق عام فبيتا النية على قتله ودبرا الأمر في روية وهدوء ورتبا لتنفيذ الجريمة بأن أعدا سكيناً كبيرة وتخيرا الصباح الباكر الذي اعتاد فيه المجني عليه الخروج لعمله فذهبا إليه وفاجآه وضربه المتهم الثاني بعصا ثم أمسك به وألقاه في حفرة وتمكن بذلك المتهم الأول من أن يطعنه عدة طعنات قاتلة بالسكين أودت بحياته" وساق الحكم للتدليل على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة في حق الطاعنين أدلة مستمدة من أقوال الشهود وهم زوجة المجني عليه ومحمد محمد الصعيدي والسيد السيد ريكو وخليل إبراهيم زيدان ومما أثبته تقرير الصفة التشريحية وهي أدلة سائغة لها أصولها الثابتة في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكان يبين من الرجوع إلى محضر جلسة المحاكمة أن ما أثبته الحكم عن قيام مشاجرة بين المتهمين والمجني عليه قبل يوم الحادث له أصله من أقوال زوجة المجني عليه والسيد السيد ريكو، كما أن ما أورده الحكم عن وصف السكين بأنها كبيرة له سنده من أقوال زوجة المجني عليه أيضاً ومن أقوال الشاهدين محمد محمد الصعيدي وخليل إبراهيم زيدان ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الخصوص من قالة الخطأ في الإسناد لا يكون له محل، هذا ولا يعيب الحكم خطؤه فيما أثبته في بيانه لواقعة الدعوى من أن الطاعن الثاني ألقى بالمجني عليه في حفرة - بفرض صحة ذلك - ما دام أن الواضح من الحكم أن تلك الواقعة لم يكن لها من أثر في منطقة أو النتيجة التي انتهى إليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر القصد الخاص لجريمة القتل العمد في قوله: "وحيث إن المستفاد من الأوراق ومما اطمأنت إليه المحكمة من أقوال شهود الإثبات المذكورين أن نية المتهمين قد انصرفت إلى إزهاق روج المجني عليه إذ الثابت على ما تقدم أن المتهمين قد أعد سكيناً مما يستعمل في الجزارة وهي بذاتها آلة من شأن الطعن بها أن يحدث القتل وانهال بها أولهما طعناً في المجني عليه بعدة طعنات في مواضع قاتلة وبشدة أدت إلى نفوذها بالتجويف الصدري على نحو ما أثبته بالتقرير الطبي الشرعي ومن ثم يكون المتهمان قد أفصحا بهذا الاعتداء على أن نيتهما انصرفت إلى إزهاق روح المجني عليه لا مجرد إيذائه" ولما كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. وإذ ما كان الحكم قد دلل على قيام هذه النية تدليلاً سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدي الطاعنين، فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان الحكم قد دلل على توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعنين في قوله: "وحيث إنه سبق الإصرار فهذا ثابت في حق المتهمين من الضغينة السابقة التي قامت بينهما والمجني عليه منذ حوالي ثلاثة أيام سابقة على يوم الحادث حيث تشاجرا مع المجني عليه وتبادلا السباب والشتائم بالسوق ولما اطمأنت إليه المحكمة من شهادة شهود الإثبات من أن المتهمين فاجآ المجني عليه بالاعتداء في يوم الحادث الأمر الذي يدل على أن المتهمين بعد الضغينة السابقة وفي فسحة من الوقت سمحت للنفوس أن تهدأ وللتفكير أن يكون بعد روية أن بيتا النية على قتل المجني عليه فأعدا لذلك السكين القاتلة وتوجها معاً يؤازر أحدهما الآخر إلى حيث يعلمان بوجود المجني عليه في كل صباح وما أن ظفرا به حتى نفذا ما بيتاه...." وما ساقه الحكم فيما تقدم، سائغ ويتحقق به ظرف سبق الإصرار كما هو معرف به في القانون. ذلك بأن سبق الإصرار حالة ذهنية بنفس الجاني قد لا يكون له في الخارج أثر محسوس يدل عليه مباشرة، وإنما هو يستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلص منها القاضي توافره، ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن لا يكون مقبولاً.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع من الطعن هو القصور في التسبيب، ذلك بأن دفاع الطاعنين قام أساساً على إنكار ارتكاب الحادث وأن للمجني عليه أعداء كثيرين ورواية الشهود ملفقة ضدهما، واستدلا على صحة دفاعهما بقرائن وشواهد أورداها طعنهما هذا فضلاً عما تناقض فيه الشهود في شأن كيفية اعتداء الطاعنين على المجني عليه ومكان حصول هذا الاعتداء ورغم ما أوضحه الطاعنان من مظاهر هذا التناقض فإن الحكم المطعون فيه لم يعرض إلى هذه الأوجه من الدفاع بالرد عليها بما يفندها مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه عرض إلى ما أثاره الطاعنان في شأن تناقض الشهود ورد عليه في قوله: أما القول بتناقض الشهود فإن الواقعة التي استقروا عليها جميعاً والتي تطمئن إليها المحكمة وتستند إليها في إثبات التهمة هي أن المتهمين قدما معاً وكان يحمل أولهما سكيناً كبيراً والثاني عصا وأنهما فاجآ المجني عليه بالاعتداء أما التفصيل فليس فيه خلاف جوهري يباعد من شهادتهم وواقع الحال هذا فضلاً عن أنها توافقت وتطابقت وماديات الدعوى التي لا تكذب فقد قالوا جميعاً أن الاعتداء بدأ عند باب الإسطبل ثم في الحفرة ثم قام المجني عليه بعد هرب المتهمين وسار حتى سقط في الموضع الذي وجدت فيه الجثة وثبت من معاينة النيابة أن دماء القتيل وجدت أمام الإسطبل وفي الحفرة وما مساره منها حتى كان سقوطه الأمر الذي تطمئن معه المحكمة إلى صدق أقوالهم) وما قاله الحكم من ذلك سائغ ومن شأنه أن يؤدي إلى ما رتب عليه من إطراح ما أثاره الطاعنان من دعوى تناقض الشهود. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بأن تتبع المتهم في مناحي دفاعه المختلفة وبالرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ الرد عليه يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم، فإن جميع ما ينعاه الطاعنان في هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجه الخامس من الطعن هو الفساد في الاستدلال ذلك بأن الحكم المطعون فيه أورد في إطراحه لدفاع الطاعنين المؤسس على أن الطاعن الأول كان في حالة دفاع شرعي لأنه لم يطعن المجني عليه بالسكين لا حينما رآه جاثماً على شقيقه الطاعن الثاني في الحفرة وهو يعتدي عليه - وقوله بأن الطاعنين هما الباغيان استناداً إلى ما افترضه الحكم من أنهما توجها معاً إلى المجني عليه للاعتداء عليه، في حين أن الشارع الذي وقع فيه الحادث هو الطريق الوحيد الموصل نحو منزليهما ومحل عملهما. كما أن التحريات دلت على أن الاعتداء حدث على أثر مناقشة دارت بين المجني عليه والطاعن الثاني في يوم الحادث مما ينتفي معه عن الطاعنين وصفهما بالبغي.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض إلى ما أثاره الطاعنان في دفاعهما من قيام حالة الدفاع الشرعي ورد عليه في قوله: "وحيث إن هذا الدفاع مردود بأن حالة الدفاع الشرعي لا تقوم إطلاقاً من قبل من بغي والثابت أن المتهمين هما اللذان دبرا أمر قتل المجني عليه وتوجها إليه عند منزله وانهالا عليه بالاعتداء دون أن يبدر منه شيء وبذلك كان المتهمان هما الباغيان فإذا كان المتهم الثاني قد سقط نتيجة تماسكه بالمجني عليه فلا يمكن في العقل بأن ذلك كان يبيح للمتهم الأول الذي دبر أيضاً القتل أن ينتهز الفرصة فيجهز على المجني عليه بمقولة الدفاع الشرعي عن أرضه وزميله في تبرير الجرم ومن ثم يكون الدفاع بأن المتهمين كانا في حالة دفاع شرعي غير سديد في القانون" وما أثبته الحكم فيما تقدم سائغ وكان لتبرير ما انتهى إليه من نفي قيام حالة الدفاع الشرعي. ولما كان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى لمحكمة الموضوع الفصل فيه بلا معقب ما دام استدلالها سليماً يؤدي إلى ما انتهى إليه كما هي الحال في الدعوى. لما كان ذلك، فإن ما ينعاه الطاعنان في هذا الشأن لا يكون له أساس وهو لا يعدو أن يكون جدلاً في الموضوع مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض.
(ثانياً) تقرير الأسباب الثاني المودع بتاريخ 23 يناير سنة 1967:
وحيث إن مبنى أوجه هذا الطعن هو الخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال والقصور والخطأ في القانون والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الحكم المطعون فيه أثبت أن المجني عليه تشاجر مع الطاعنين قبل الحادث بثلاثة أيام وأن الطاعنين فاجآ المجني عليه بالاعتداء عليه بالصورة التي حصلها في حين أنه ليس في الأوراق أي دليل يؤيد هذا التصوير ورغم ذلك فإن الحكم رتب على ما تقدم، توافر ظرف سبق الإصرار ونفى حالة الدفاع الشرعي وإسقاط ما شهد به ضابط المباحث من أن الاعتداء كان وليد مشادة حصلت وقت الحادث وأن الطاعن الأول حينما طعن المجني عليه كان يخلص شقيقه من المجني عليه الذي أوقعه في الحفرة، ثم أن البين من العقوبة التي أوقعها الحكم على كل من الطاعنين أنه لم يعمل ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن الثاني الذي اعتدى على المجني عليه بعصا. هذا وأنه على الرغم مما أثاره الطاعنان من أوجه الدفاع العديدة أمام المحكمة إلا أن الحكم اقتصر في تحصيل دفاعهما على مجرد إنكارهما للتهمة وأنهما عابا على أقوال الشهود بالتناقض دون أن يعرض الحكم إلى باقي أوجه الدفاع الأخرى التي ردداها بأسباب هذا الطعن، هذا وأن الحكم إذ قضى بالتعويض لم يحدد عناصر التعويض أو نصيب كل من المدعيين بالحقوق المدنية مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إنه لما كان من المقرر أن تقدير العقوبة في الحدود المقررة في القانون مما يدخل من سلطة محكمة الموضوع، وهي غير ملزمة ببيان الأسباب التي دعتها إلى توقيع العقوبة بالقدر الذي ارتأته، وكان في إثبات الحكم لوقوع الفعل الضار من الطاعنين على المجني عليه ما يتضمن بذاته الإحاطة بأركان المسئولية المدنية ويوجب بمقتضاه الحكم على مقارفه بالتعويض، فإنه لا يعيب الحكم عدم بيانه الضرر بنوعيه المادي والأدبي الذي يكون قد حاق بالمدعيين بالحقوق المدنية. كما أن عدم تعيين الحكم لنصيب كل من المدعيين بالحقوق المدنية في التعويض المقضي به لا يعيبه أيضاً ما دام أن الالتزام بالتعويض ينقسم على الدائنين بحسب الرؤوس أي بأنصبة متساوية ما لم يعين الاتفاق والقانون نصيب كل منهم، ثم إنه من ناحية أخرى فلا مصلحة للطاعنين في التمسك بمثل هذا العيب، وأما باقي ما ينعاه الطاعنان في هذا التقرير من الأسباب فإنه سبق معالجته في تقرير الأسباب الأول فلا محل للتكرار.
وحيث إنه لكل ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.