بأحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 264

جلسة 14 من فبراير سنة 1977

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صلاح الدين الرشيدي، وإسماعيل محمود حفيظ، والسيد محمد شرعان، ومحمد علي بليغ.

(58)
الطعن رقم 1198 لسنة 46 القضائية

(1) محكمة الموضوع. "الإجراءات أمامها". إجراءات. "إجراءات محاكمة". إثبات. "شهود".
وجوب بناء الأحكام الجنائية على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بالجلسة وتسمع فيه شهادة الشهود في مواجهة المتهم. ما دام سماعهم ممكناً.
(2) إجراءات. "إجراءات محاكمة". إثبات "شهود". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
نزول الطاعن عن طلب سماع الشهود لا يسلبه حقه في العدول عن هذا النزول ويتمسك بتحقيق ما يطلب. ما دامت المرافعة دائرة. أساس ذلك؟
(3) محكمة الموضوع. "الإجراءات أمامها". إثبات. "شهود". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
حق المحكمة في عدم إجابة المتهم إلى طلب سماع شهود النفي ما دام لم يسلك السبيل الذي رسمه قانون الإجراءات الجنائية في المادتين 186 و187. شرطه. أن يكون مستنداً للأسباب المبينة بالمادة 185 إجراءات.
(4) إعلان. إثبات. "شهود". محكمة الموضوع. "الإجراءات أمامها".
عدم إعلان المتهم لشهوده وفق القانون. ليس سبباً لعدم سماعهم. وجوب سماع الشاهد متى رأت المحكمة أنه يدلي بأقوال من شأنها إظهار الحقيقة.
(5) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". "الإجراءات أمامها". إثبات. "شهود". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
عدم جواز الالتفات عن سماع الشهود. إلا إذا رؤى أن الغرض من سماعهم إنما هو المطل والنكاية.
(6) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إجراءات. "إجراءات محاكمة". إثبات. "شهود".
خوض المحكمة في الموضوع المراد الاستشهاد به والقول بعدم جدوى سماع الشهود. افتراض من عندها. قد يدحضه الواقع.
تقدير أقوال الشاهد يراعى فيها كيفية أدائه للشهادة والمناقشات التي تدور حول شهادته.
(7) إثبات. "بوجه عام". إجراءات. "إجراءات المحاكمة".
اعتبار التحقيقات التي جرت أمام هيئة سابقة من عناصر الدعوى. شأن محاضر التحقيق الأولية.
(8) إثبات. "شهود". إجراءات. "إجراءات محاكمة. إنابة قضائية". إعلان.
وجوب سؤال الشاهد طبقاً لما رسمه قانون المرافعات. ولو كان خارج البلاد.
(9) إجراءات. محكمة الموضوع. "الإجراءات أمامها". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
إغفال المحكمة سماع شهود النفي دون إثبات تعذر سماعهم. إخلال بحق الدفاع.
1- الأصل في الأحكام الجنائية أنها تبنى على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة في الجلسة وتسمع فيه الشهود ما دام سماعهم ممكناً، ولا يجوز الافتئات على هذا الأصل الذي افترضه الشارع في قواعد المحاكمة لأية علة مهما كانت إلا بتنازل الخصوم صراحة أو ضمناً.
2- حق الدفاع الذي يتمتع به المتهم يخول له إبداء ما يعن له من طلبات التحقيق ما دام باب المرافعة لا زال مفتوحاً، فنزول الطاعن عن طلب سماع الشهود لا يسلبه حقه في العدول عن ذلك النزول والتمسك بتحقيق ما يطلبه ما دامت المرافعة دائرة ولو أبدى هذا الطلب بصفة احتياطية لأنه يعتبر طلباً جازماً تلتزم المحكمة بإجابته متى كانت لم تنته إلى القضاء بالبراءة.
3- أنه وإن كانت محكمة الموضوع في حل من عدم إجابة المتهم إلى طلب سماع شهود النفي ما دام لم يسلك السبيل الذي رسمه قانون الإجراءات الجنائية في المادتين186، 187 إلا أن هذا مشروط بأن يكون استنادها في الرفض هو الأساس المبين في المادة 185 من القانون المشار.
4- إن القانون لم يجعل الإعلان شرطاً لسماع الشاهد. لمحكمة الجنايات أن تسمع أقواله ولو لم يتم إعلانه بالحضور طبقاً للقانون متى رأت أنه يدلي بأقوال من شأنها إظهار الحقيقة. فأوجب القانون سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وطلبات التحقيق المنتجة وإجابته أو الرد عليه، ولم يتجه مراده حين رسم الطريق الذي يتبعه المتهم في إعلان الشهود الذين يري مصلحة في سماعهم أمام محكمة الجنايات إلى الإخلال بالأسس الجوهرية للمحاكمة الجنائية التي تقوم أساسا على شفوية المرافعة ضماناً للمتهم الذي تحاكمه لا إلى الافتئات على حق الدفاع.
5- لا يجوز إذا كان موضوع الشهادة متعلقاً بالواقعة أو منتجاً فيها أن ترفض المحكمة سماع شهود النفي إلا إذا رأت أن الغرض من طلب سماعهم إنما هو المطل أو النكاية.
6- لما كانت المحكمة إذ رفضت سماع شهود النفي الذين لم يعلنهم الطاعن وفقاً للمادتين 186 و187 من قانون الإجراءات الجنائية قد خاضت في الموضوع المراد الاستشهاد بهم عليه وعللت رفض الطلب بما قالته من كذب الشاهدة الأولى.
......... والتي سبق سماع شهادتها أمام هيئة سابقة، وعدم الجدوى من سماع الشاهدين الآخرين........ والشرطي......... على افتراض أنهم سوف يقولون إذا ما سئلوا أقوالاً معينة أو أنها سوف تنتهي على كل حال إلى حقيقة معينة بغض النظر عن الأقوال التي يدلون بها أمامها، فإن المحكمة في هذه الحالة إنما تبني حكمها على افتراضات تفترضها وقد يكون الواقع على غير ما افترضت فيدلي الشهود بشهادتهم أمامها بالجلسة بأقوال من شأنها أن تغير النظر الذي بدا لها قبل أن تسمعهم، كما أن تقدير المحكمة لشهادة الشاهد لا يقتصر على الحكم على أقواله المجردة بل وبالمناقشات التي تدور حول شهادته أثناء الإدلاء بها وكيفية أداء الشهادة. فحق الدفاع في سماع الشاهد لا يتعلق بما أبداه في التحقيقات الأولى بما يطابق أو يخالف غيره من الشهود بل بما يبديه في جلسة المحاكمة ويسمع الدفاع مناقشته إظهاراً لوجه الحقيقة، فالقانون يوجب سؤال الشاهد أولاً وبعدئذ يحق للمحكمة أن تبدي ما تراه في شهادته وذلك لاحتمال أن تجئ هذه الشهادة التي يسمعها ويتاح للدفاع مناقشتها بما يقنعها بحقيقة قد يتغير بها وجه الرأي في الدعوى.
7- التحقيقات التي جرت في جلسة سابقة بالنسبة لشاهدة النفي الأولى بمعرفة هيئة أخرى لا تخرج عن كونها من عناصر الدعوى المعروضة على المحكمة شأنها في ذلك شأن محاضر التحقيق الأولية، والأصل في الأحكام أن تبنى على التحقيق الشفوي الذي أجراه نفس القاضي الذي أصدر الحكم.
8- أن وجود الشاهد الثاني....... في بعثة دراسية بانجلترا لا يجعل سؤاله غير ممكن حيث نظم قانون المرافعات طريق إعلانه.
9- لما كانت المحكمة قد غضت الطرف عن طلب سماع شهود نفى الطاعن ولم يثبت أنه امتنع عليها سماعهم، فإن حكمها يكون مشوباً بالإخلال بحق الدفاع بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بدائرة قسم باب شرقي محافظة الإسكندرية: أحرز بقصد الاتجار جوهرين مخدرين (أفيوناً وحشيشاً) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 1 و2 و7/ 1 و34/ 1 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 و البندين 1 و12 من الجدول رقم 1 المرافق. فصدر قرارها بذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة خمس عشر سنة وتغريمه ثلاث آلاف جنيه ومصادرة الجوهرين المخدرين المضبوطين والسيارة المضبوطة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض في يوم صدوره وقيد طعنه قضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات الإسكندرية لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت في الدعوى حضورياً للمرة الثانية بمعاقبة المتهم بالسجن مدة سبع سنوات وتغريمه مبلغ 1000 ج ألف جنيه ومصادرة المخدرات والسيارة المضبوطة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم للمرة الثانية بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز جواهر مخدرة (أفيوناً وحشيشاً) بغير قصد الاتجار قد انطوى على إخلال بحق الدفاع لمخالفة مبدأ شفوية المرافعة التي توجب على المحكمة تحقيق الدليل بنفسها وإلا تبني قضاءها على دليل لم يطرح عليها، ذلك أنه وإن كان الدفاع قد تنازل في صدور مرافعته عن سماع شاهدة النفي الأولى"........." إلا أنه عاد وأصر في ختام المرافعة على ضرورة سماع أقوالها وأقوال شاهدي النفي الثاني والثالث ".........." والشرطي "........." ولكن المحكمة رفضت الاستجابة لهذا الطلب واعتمدت على أقوال الشاهدة الأولى في جلسة سابقة أمام هيئة أخرى، مع أن التنازل على طلب سماع الشاهد لا يمنع من معاودة التمسك به ما دامت المرافعة لا زالت دائرة ولو أبدى على سبيل الاحتياط إذ يعتبر بمثابة الطلب الجازم طالما أن المحكمة اتجهت إلى القضاء بغير البراءة وقد بررت المحكمة ذلك بأسباب غير سائغة بعد أن خاضت في الموضوع المراد الاستشهاد بهم عليه مما يعد تقديراً لأقوالهم قبل سماعهم، ويعيب حكمها بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة التي سمعت فيها الدعوى أن الدفاع عن الطاعن وإن تنازل في صدر مرافعته عن سماع شاهدة النفي........ إلا أنه عاد وأصر في ختام مرافعته على ضرورة سماعها وشاهدي النفي....... والشرطي....... إذا لم تقض المحكمة بالبراءة وقد عرض الحكم لهذا الطلب ورد عليه في قوله: "أما عن طلب استدعاء السيدة....... أو........ أو الشرطي....... فمردود بأن المتهم لم يقم بإعلان أي منهم للحضور كشاهد نفي لجلسة اليوم وقد سمعت أقوال السيدة....... بجلسة 1/ 4/ 1972 وهى جلسة المحاكمة الأولى بوصفها شاهدة نفى للمتهم وبعد الحادث بأكثر من سنتين فقررت بأنها تقيم بالعمارة المقابلة للعقار رقم 11 شارع حداد والمملوك لحماة ابنها والتي كان المدعو...... مستأجر مسكناً بها بموجب عقد إيجار صادر منها إليه بتاريخ يوم 15 من شهر لا تذكره من حوالي ثلاث سنوات وفى مساء اليوم التالي شاهدت تلك الشقة مضاءة ثم سمعت ضوضاء ثم شاهدت بعض رجال الشرطة واثنين لابسين أوفرولات وواحد مع........... المستأجر مكبلاً بالحديد وآخر يحمل صندوقاً ثم علمت من زوجة......... أنه ضبط ومعه مخدرات وهى أقوال جاءت متأخرة كثيراً ومن أرملة مسنة يسهل التأثير عليها وبالتالي فلا تعتد بها مع أقوال نفس......... الذي أنكر معرفته بالمتهم. وأقوال........ المقيم بالشقة المقابلة لشقة......... والذي سمعت أقواله في اليوم التالي للضبط والثابتة بمحضر المعاينة الأولى المؤرخ 17/ 1/ 1996. أما عن طلب استدعاء....... فقد ثبت من محضر المعاينة الأولى أن شقة....... وجدت مغلقة وأن....... الذي يسكن في الشقة رقم 2 في مواجهة شقة....... سئل بمعرفة وكيل النيابة الذي أجرى المعاينة فقرر أن ساكن الشقة رقم 1 المقابلة لسكنه واسمه....... غادرها منذ صباح يوم 16/ 1/ 1969 ولا يعرف له محل إقامة مما يقطع بأنه لم يكن موجوداً ساعة الضبط بمسكنه كما يدعي المتهم أما عن طلب استدعاء الشرطي........ الذي انتقل اثر بلاغ........ فلا جدوى منه إذ الثابت من صورة البلاغ رقم 65 الساعة 9 و35 يوم 16/ 1/ 1969 المقدمة من محامي المتهم أن المدعو........ الذي أبلغ شرطة النجدة بوجود مشاجرة بسبب الجيرة بشارع حداد رقم 11 دون أي بيان لأي من طرفي المشادة أو سببها وأن الشرطي....... انتقل لفحص ذلك البلاغ وعاد في الساعة 10 و35 مساء ذات اليوم وقرر بأنه لم يجد شيئاً بمعنى أنه لم يجد المبلغ أو أحد من طرفي المشادة المبلغ عنهما... وقد أقر محامي المتهم كالثابت في صدر محضر الجلسة اليوم بأنه بالنسبة لشهود النفي فالسيدة........ سبق سماع أقوالها بجلسة المحاكمة الأولى وأنه يكتفي لذلك بأقوالها السابقة وبالنسبة للشاهد الثاني....... فرغم إعلانه لجلسات سابقة فقد تبين أنه في بعثة دراسية بانجلترا وهو عذر يحول دون حضوره وبأنه لا يستطيع إعلانه حتى في مقر بعثته لأنه غير معلوم له عنوانه الحالي كما أقر المتهم نفسه بذات المحضر بأنه لم يستطع معرفة محل إقامته الحالي. وهذا الذي أورده الحكم ينطوي على الإخلال بحق الدفاع، ذلك أن الأصل في الأحكام الجنائية أنها تبنى على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة في الجلسة وتستمع فيه للشهود ما دام سماعهم ممكناً، ولا يجوز الافتئات على هذا الأصل الذي افترضه الشارع في قواعد المحاكمة لأية علة مهما كانت إلا بتنازل الخصوم صراحة أو ضمناً. كما أنه من المقرر أن حق الدفاع الذي يتمتع به المتهم يخول له إبداء ما يعن له من طلبات التحقيق ما دام باب المرافعة لا زال مفتوحاً، فنزول الطاعن عن طلب سماع الشهود لا يسلبه حقه في العدول عن ذلك النزول والتمسك بتحقيق ما يطلبه ما دامت المرافعة دائرة ولو أبدى هذا الطلب بصفة احتياطية لأنه يعتبر طلباً جازماً تلتزم المحكمة بإجابته متى كانت لم تنته إلى القضاء بالبراءة. وأنه وإن كانت محكمة الموضوع في حل من عدم إجابة المتهم إلى طلب سماع شهود النفي ما دام لم يسلك السبيل الذي رسمه قانون الإجراءات الجنائية في المادتين 186، 187 إلا أن هذا مشروط بأن يكون استنادها في الرفض هو الأساس المبين في المادة 185 من القانون المشار إليه، الذي لم يجعل الإعلان شرطاً لسماع الشاهد، بل لمحكمة الجنايات أن تسمع أقواله ولو لم يتم إعلانه بالحضور طبقاً للقانون متى رأت أنه يدلي بأقوال من شأنها إظهار الحقيقة. فأوجب القانون سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وطلبات التحقيق المنتجة وإجابته أو الرد عليه.
ولم يتجه مراده حين رسم الطريق الذي يتبعه المتهم في إعلان الشهود الذين يرى مصلحة في سماعهم أمام محكمة الجنايات إلى الإخلال بالأسس الجوهرية للمحاكمة الجنائية التي تقوم أساساً على شفوية المرافعة ضماناً للمتهم الذي تحاكمه لا إلى الافتئات على حقه في الدفاع. ومن ثم فلا يجوز إذا كان موضوع الشهادة متعلقاً بالمرافعة أو منتجاً فيها أن ترفض المحكمة سماع شهود النفي إلا إذا رأت أن الغرض من طلب سماعهم إنما هو المطل أو النكاية. ولما كانت المحكمة إذ رفضت سماع شهود النفي الذين لم يعلنهم الطاعن وفقاً للمادتين 186 و187 من قانون الإجراءات الجنائية قد خاضت في الموضوع المراد الاستشهاد بهم عليه وعللت رفض الطلب بما قالته من كذب الشاهدة الأولى ".........." والتي سبق سماع شهادتها أمام هيئة سابقة، وعدم الجدوى من سماع الشاهدين الآخرين "..........." والشرطي "..........." على افتراض أنهم سوف يقولون إذا ما سئلوا أقوال معينة أو أنها سوف تنتهي على كل حال إلى حقيقة معينة بغض النظر عن الأقوال التي يدلوا بها أمامها، فإن المحكمة في هذه الحالة إنما تبنى حكمها على افتراضات تفترضها وقد يكون الواقع على غير ما افترضت فيدلي الشهود بشهادتهم أمامها بالجلسة بأقوال من شأنها أن تغير النظر الذي بدا لها قبل أن تسمعهم، كما أن تقدير المحكمة لشهادة الشاهد لا يقتصر على الحكم على أقواله المجردة بل وعلى المناقشات التي تدور حول شهادته عند الإدلاء بها وكيفية أداء الشاهدة. فحق الدفاع في سماع الشاهد لا يتعلق بما أبداه في التحقيقات الأولى بما يطابق أو يخالف غيره من الشهود بل بما يبديه في جلسة المحاكمة ويسع الدفاع مناقشته إظهاراً لوجه الحقيقة، والقانون يوجب سؤال الشاهد أولاً وبعدئذ يحق للمحكمة أن تبدي ما تراه في شهادته وذلك لاحتمال أن تجئ هذه الشهادة التي يسمعها ويتاح للدفاع مناقشتها بما يقنعها بحقيقة قد يتغير بها وجه الرأي في الدعوى". كما أن من المقرر أن التحقيقات التي جرت في جلسة سابقة بالنسبة لشاهدة النفي الأولى بمعرفة هيئة أخرى لا تخرج عن كونها من عناصر الدعوى المعروضة على المحكمة شأنها في ذلك شأن محاضر التحقيق الأولية، والأصل في الأحكام أن تبنى على التحقيق الشفوي الذي أجراه نفس القاضي الذي أصدر الحكم، فضلاً عن أن وجود الشاهد الثاني "............." في بعثة دراسية بانجلترا لا يجعل سؤاله غير ممكن حيث نظم قانون المرافعات طريق إعلانه للحضور ومن ثم فإن رفض المحكمة سماع شهود نفي الطاعن يكون لغير العلة التي خولها القانون هذا الحق من أجلها وهو قضاء مسبق منها على أدلة لم تطرح عليها. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد غضت الطرف عن طلب سماع شهود نفى الطاعن ولم يثبت أنه امتنع عليها سماعهم، فإن حكمها يكون مشوباً بالإخلال بحق الدفاع بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن. مع تحديد جلسة لنظر الموضوع طالما أن الطعن مقدماً من الطاعن للمرة الثانية عملاً بالمادة 45 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959.