أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 21 - صـ 157

جلسة 26 من يناير سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمد أبو الفضل حفني، وعضوية السادة المستشارين: محمد السيد الرفاعي، وطه الصديق دنانة، ومصطفى محمود الأسيوطي، ومحمد ماهر محمد حسن.

(38)
الطعن رقم 1634 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج، د) قتل عمد. جريمة. "أركانها". قصد جنائي. سبق إصرار. فاعل أصلي. مسئولية جنائية. "التضامن فيها". عقوبة. "العقوبة المبررة". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض. "أسباب. الطعن ما لا يقبل منها".
( أ ) تحقق سبق الإصرار بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيداً عن سورة الانفعال. ولو كانت خطة التنفيذ معلقة على شرط أو ظرف. أو كانت نية القتل لدى الجاني غير محددة قصد بها شخص معين أو غير معين صادفه. ولو أصاب بفعله شخصاً وجده غير ذلك الذي قصده.
(ب) تقدير توافر سبق الإصرار. موضوعي.
(ج) اتفاق المتهمين على القتل. يرتب بينهم تضامناً في المسئولية الجنائية. عرف محدث الإصابات القاتلة منهم أم لم يعرف. متى يعد المتهم في القتل فاعلاً أصلياً في جريمة القتل؟
(د) عدم جدوى النعي بتخلف سبق الإصرار. متى كانت العقوبة المقضي بها تدخل في الحدود المقررة لجناية القتل مجرد من أي ظرف مشدد.
(هـ) أسباب الإباحة. دفاع شرعي. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قتل عمد.
انتفاء موجب الدفاع الشرعي. بتوافر التدبير للجريمة.
الدفاع الشرعي لم يشرع للانتقام. بل لكف الاعتداء.
(و) قتل عمد. قصد جنائي. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". كفاية استخلاص الحكم قصد القتل. بما يحمل قضاءه.
(ز) إثبات. "شهادة". "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
كفاية عدم وجود تناقض بين الدليلين القولي والفني. يستعصى على التوفيق بينهما.
(ح) إثبات. "شهادة". إكراه. دفوع. "الدفع بإكراه الشاهد". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
شرط إطراح الدفع بإكراه الشاهد في عبارة محملة؟
(ط) إثبات. "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم قبول دعوى الخطأ في الإسناد. إذا كان ما حصله الحكم له صداه في الأوراق أساس ذلك؟
1 - من المقرر في تفسير المادة 231 من قانون العقوبات، أن سبق الإصرار - وهو ظرف مشدد عام في جرائم القتل والجرح والضرب - يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيداً عن سوّرة الانفعال، مما يقتضي الهدوء والروية قبل ارتكابها، لا أن تكون وليدة الدفعة الأولى في نفس جاشت بالاضطراب، وجمح بها الغضب حتى خرج صاحبها عن طوره، وكلما طال الزمن بين الباعث عليها وبين وقوعها، صح افتراض قيامه، وهو يتحقق كذلك ولو كانت خطة التنفيذ معلقة على شرط أو ظرف، بل ولو كانت نية القتل لدى الجاني غير محددة، قصد بها شخصاً معين أو غير معين صادفه، حتى ولو أصاب بفعله شخصاً وجده غير الشخص الذي قصده، وهو ما لا ينفي المصادفة أو الاحتمال، وسبق الإصرار بهذا المعنى ظرف مستقل عن نية القتل التي تلابس الفعل المادي المكون للجريمة.
2 - جرى قضاء محكمة النقض، على أن تقدير الظروف التي يستفاد منها توافر سبق الإصرار من الموضوع الذي يستقل به قاضيه بغير معقب، ما دام لاستخلاصه وجه مقبول. وإذ كان ذلك، وكان ما أثبته الحكم يسوغ به في مجموعه ما استنبطه من توافره، فإن قوله في بيانه بأن غرض المتهمين كان الاعتداء، يراد به الاعتداء المنصوص الموصوف بالقتل حسبما يبين من مدونات الحكم المتكاملة، لأن أداة التعريف تفيد التخصيص ولا يصح اقتطاع عبارته تلك من سياقها لصرفها عن معناها الذي قصده، كما أن عبارة الحكم بتدخل بعض أقارب الطرفين لتهدئة الموقف، إنما تنصرف إلى تأزمة ومحاولة إصلاح ذات بينهما، ولا شأن لها بنفوس المتهمين التي كانت مهيأة من قبل للاعتداء بعدته وأدواته، وسعوا إليه بكرة الصباح، سواء تشابكت الحوادث في رباط زمني متصل، أو وقعت بينها فرجة من الوقت تفسح لسبق الإصرار ولا تنفيه.
3 - إذا كان ما أثبته الحكم كاف بذاته للتدليل على اتفاق المتهمين على القتل، من معيتهم في الزمان والمكان، ونوع الصلة بينهم، وصدور الجريمة عن باعث واحد، واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها وأن كلاً منهم قصد قصد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه، ومن ثم يصح طبقاً للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبارهم فاعلين أصليين في جناية القتل العمد المقترن بجناية قتل أخرى، ويرتب بينهم في صحيح القانون تضامناً في المسئولية الجنائية عرف محدث الإصابات القاتلة منهم أو لم يعرف.
4 - متى كانت العقوبة الموقعة على الطاعنين وهي الأشغال الشاقة خمس عشرة سنة، تدخل في الحدود المقررة لجناية القتل مجردة عن أي ظرف مشدد، فلا مصلحة للطاعنين فيما أثاروه من تخلف سبق الإصرار.
5 - من المقرر في صحيح القانون أنه متى أثبت الحكم التدبير للجريمة، سواء بتوفر سبق الإصرار أو انعقاد الاتفاق على إيقاعها، أو التحيل لارتكابها، انتفى حتماً موجب الدفاع الشرعي الذي يفترض رداً حالا لعدوان حال دون الإسلاس، وإعمال الخطة في إنفاذه، لهذا، ولأن الدفاع الشرعي لم يشرع للانتقام من الغرماء بل لكف الاعتداء، وهو ما أثبته الحكم بغير معقب، فلا محل لما أثاره الطاعنون بهذا الصدد.
6 - إذا كان الحكم قد استفاد نية القتل من استعمال آلات قاتلة، واستهداف المتهمين مقاتل المجني عليهما وتعدد الضربات المزهقة للحياة، فإن ذلك يكفي لإقامة قضائه.
7 - لا يلزم لصحة الحكم بالإدانة أن تقع رواية الشهود مطابقة للدليل الفني مطابقة تامة، بل يكفي أن لا يكون بينهما تناقض يستعصى على الملائمة والتوفيق.
8 - متى كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أطرح شهادة من عدل من الشهود، وأخذ بأقوال الشاهدين اللذين ثبتاً على شهادتهما وصرح بأنه لم يستبن وقوع أي تأثير عليهما، مما تنتفي به دعوى الإكراه، وكان الثابت أيضاً من المفردات أن الشاهدين المذكورين سئلا في أكثر من معرض في تحقيق النيابة وفي غير رقبة من رجال الشرطة بعيداً عن مظنة التأثير والإكراه، ولم يزعم أي منهما في أي مرحلة من مراحل القضية، وقوع أي تأثير عليه من أي نوع، فإن دعوى الإكراه تكون ظاهرة البطلان لا يساندها الواقع حسبما تشهد به الأوراق، فلم يكن بالحكم حاجة في إطراحها إلى أكثر مما ذكره في عبارته المجملة.
9 - إذا كان لما حصله الحكم صداه في الأوراق، ولا يعدو الطعن، بدعوى الخطأ في الإسناد أن يكون مجادلة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين، تأدياً من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان قاضي الموضوع بالدليل الصحيح، فإن دعوى الخطأ في الإسناد لا تكون مقبولة لدى محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم في يوم 20 فبراير سنة 1965 بدائرة مركز دكرنس محافظة الدقهلية: قتلوا أحمد متولي أحمد عمداً ومع سبق الإصرار بأن بيتوا النية وعقدوا العزم على قتله وأعدوا لذلك عصياً وآلات حادة من شأنها إحداث الوفاة وتعقبوه في طريقه إلى زراعته وانهالوا عليه ضرباً قاصدين قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنهم في الزمان والمكان سالفي الذكر قتلوا فتحي أحمد متولي عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك آلات صلبة حادة وعصياً وانتظروه في مكان ذهابه إلى الحقل وما أن رأوه حتى انهالوا عليه طعناً وضرباً قاصدين قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً لمواد الإحالة فقرر بذلك. وادعت مدنياً نفيسة إبراهيم العدل وطلبت القضاء لها قبل المتهمين متضامنين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231، 234/ 2 و17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الأول والثاني والرابع والمادتين 304 و381 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى المتهم الثالث (أولاً) بمعاقبة كل من المتهمين الأول والثاني والرابع بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة ومصادرة المضبوطات وإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعية بالحق المدني نفيسة إبراهيم العدل قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. (ثانياً) ببراءة المتهم الثالث مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية قبله. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ


المحكمة

حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجناية القتل العمد مع سبق الإصرار قد شابه القصور في التسبيب والخطأ في القانون وكذلك الخطأ في الإسناد، ذلك بأنه خلص إلى القول بتوافر سبق الإصرار بناء على مجرد الضغينة وهي لا تنتجه، وجعله منصباً على الاعتداء دون القتل مما لا يحققه بالنسبة إلى هذه الجريمة لمغايرتها لمطلق الاعتداء في صورته التي ورد عليها، لأن سبق الإصرار وصف للإرادة في تعلقها بفعل معين، كما نفى ما لازمه من الهدوء إذ جرت أسبابه على أن بعض ذوي القربى تدخلوا بين الفريقين بقصد تهدئة الموقف، واختلت صورة الواقعة، واختلت صورة الواقعة في ذهن المحكمة إذ أنها في حقيقتها شجار تعددت أطرافه وامتد الاعتداء إلى غير المشاركين فيه، بدلالة شواهد الحال التي عددها الدفاع ومنها بلاغ الحادث نفسه، وقد تصورت أن الحادث وقع في الصباح من يومه لمنع مواشي المجني عليهما من السروح إلى الحقل، وللاعتداء عليهما مع أنه وقع بعد الظهر، وتوهمت أن أحداثه تزامنت في حين أنه تخللتها فسحة من الوقت انحلت أثناءها عقدة سبق الإصرار إن كان قد وجد، وأسست على ذلك نفي حالة الدفاع الشرعي وهي لا تندفع إذا أوذن المصر بالعدوان، ولم يجمع شاهدا الرؤية على وقوع الاعتداء بقضيب من الحديد كما أثبته الحكم، وهي واقعة جوهرية في إثبات نية القتل، كما مسخ شهادة كل منهما بما يحيلها عن معناها ولم يرفع ما شابها من تعارض ولم يتفطن إلى مخالفتها للدليل الفني، ولا يدري المطلع على الحكم حاصل ما وقع من كل من الطاعنين الأول والثاني. هذا إلى أنه طوى الإصابات القطعية في المجني عليه الأول، والإصابات الرضية في الثاني عند تصويره لكيفية إصابة كل منهما، فضلاً عن أن الدفاع عن الطاعنين دفع بإكراه شهود الإثبات جملة على ما أدلوا به إلا أن الحكم بدلا من مواجهة هذا الدفع الجدي بالتحقق من صحته في مجموعه، استبعد شهادة ثلاثة منهم واستند إلى شهادة اثنين في حين أن الدفع بالإكراه والتجريح يشملها بناء على ذات الأسانيد، مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه في مساء يوم 17 من فبراير سنة 1965 بدائرة بندر دكرنس ضرب - الطاعن الثاني - المدعوة "وجيدة أحمد مخيمر" الشهيرة بزكية قريبة المجني عليهما، وفي مساء اليوم التالي توجه المجني عليه الأول وعمه "سعد أحمد متولي" وسعد أحمد مخيمر شقيق وجيدة إلى مقهى "علي علي العيوطي" حيث كان يجلس الطاعنان الأول والثاني وضربوهما وحطموا أدوات المقهى، فاعتزم هذان الثأر وانضم إليهما الطاعن الثالث فيما اعتزماه ودبراه، وذهب ثلاثتهم مسلحين بالعصي والسكاكين إلى جسر دكرنس الذي يصل بين مساكنها ومزارعها في الصباح من يوم 20 فبراير سنة 1965 لمنع مواشي المجني عليهما من السروح وللاعتداء عليهما وأتى المجني عليهما إلى هذا المكان أيضاً وواجه كل من الفريقين الآخر وظلا على هذه الحال حتى حضر من يدعي عبد العظيم إبراهيم العدل - نسيب المجني عليه الأول، وخال المجني عليه الثاني. وكذلك أحمد السيد بسيوني الشهير "براشد عجور الكبير". وهو نسيب المتهمين الشهير براشد عجور الصغير الذي حضر أيضاً إلى مكان الحادث وضرب أولهما بعضا على يده اليمنى، وطعن المجني عليه الأول ثانيهما بسكين في وجهه عندما حاول انتزاعها منه وعندئذ هاجمه الطاعنون وانهالوا عليه بالعصي وقضيب الحديد والسكاكين حتى سقط ثم استداروا إلى ابنه - المجني عليه الثاني واعتدوا عليه بمثله فأحدثوا به الإصابات التي أودت بحياتهما. وقد دلل الحكم على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الأدلة الواردة في المساق المتقدم ومنها شهادة الشهود على تآمر المتهمين ورؤيتهم يقارفون الاعتداء في إبانه كل في الجزء الذي يتعلق به من شهادته، وإصابة المتهمين في الحادث فضلاً عن الأوراق المثبتة لقيام الباعث في نفس المتهمين على الاعتداء من قبل، والتقارير الطبية الشرعية. وهذا الذي أثبته الحكم تتوافر به جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والاقتران سواء من حيث الواقع أو القانون، ذلك أنه من المقرر في تفسير المادة 231 من قانون العقوبات، أن سبق الإصرار - وهو ظرف مشدد عام في جرائم القتل والجرح والضرب - يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيداً عن سورة الانفعال مما يقتضي الهدوء والروية قبل ارتكابها لا أن تكون وليدة الدفعة الأولى في نفس جاشت بالاضطراب، وجمح بها الغضب حتى خرج صاحبها عن طوره. وكلما طال ألزمت بين الباعث عليها وبين وقوعها، صح افتراض قيامه. وهو يتحقق كذلك ولو كانت خطة التنفيذ معلقة على شرط أو ظرف، بل ولو كانت نية القتل لدى الجاني غير محددة، قصد بها شخصاً معين أو غير معين صادفه حتى ولو أصاب بفعله شخصاً وجده غير الشخص الذي قصده وهو ما لا ينفي المصادفة أو الاحتمال وسبق الإصرار بهذا المعنى ظرف مستقل عن نية القتل التي تلابس الفعل المادي المكون للجريمة، ومن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تقرير الظروف التي يستفاد منها توافر سبق الإصرار من الموضوع الذي يستقل به قاضيه بغير معقب ما دام لاستخلاصه وجه مقبول، وما أثبته الحكم يسوغ به في مجموعة ما استنبطه من توافره. أما قوله في بيانه بأن غرض المتهمين كان الاعتداء فإن مراده الاعتداء المخصوص الموصوف بالقتل حسبما يبين من مدوناته المتكاملة لأن أداة التعريف تفيد التخصص ولا يصح اقتطاع عبارته تلك من سياقها لصرفها عن معناها الذي قصده. كما أن عبارة الحكم بتدخل بعض أقارب الطرفين لتهدئة الموقف إنما تنصرف إلى تأزمه ومحاولة إصلاح ذات بينهما، ولا شأن لها بنفوس المتهمين التي كانت مهيأة من قبل للاعتداء بعدته وأدواته وسعوا إليه بكرة الصباح سواء تشابكت الحوادث في رباط زمني متصل، أو وقعت بينها فرجة من الوقت تفسح لسبق الإصرار ولا تنفيه. هذا فضلاً عن أن ما أثبته كاف بذاته للتدليل على اتفاق المتهمين على القتل من معيتهم في الزمان والمكان، ونوع الصلة بينهم، وصدور الجريمة عن باعث واحد، واتجاههم جمعياً وجهة واحدة في تنفيذها وأن كلاً منهم قصد قصد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه، ويصح من ثم طبقاً للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبارهم فاعلين أصليين في جناية القتل العمد المقترن بجناية قتل أخرى ويرتب بينهم في صحيح القانون تضامناً في المسئولية الجنائية عرف محدث الإصابات القاتلة منهم أو لم يعرف. ولما كانت العقوبة الموقعة عليهم وهي الأشغال الشاقة خمس عشرة سنة تدخل في الحدود المقررة لجناية القتل مجردة عن أي ظرف مشدد فلا مصلحة للطاعنين فيما أثاروه من تخلف سبق الإصرار. ومن المقرر كذلك في صحيح القانون أنه متى أثبت الحكم التدبير للجريمة سواء بتوافر سبق الإصرار أو انعقاد الاتفاق على إيقاعها أو التحيل لارتكابها انقضى حتماً موجب الدفاع الشرعي الذي يفترض رداً حالاً لعدوان حال دون الإسلاس له، وإعمال الخطة في إنفاذه، لهذا، ولأن الدفاع الشرعي لم يشرع للانتقام من الغرماء بل لكف الاعتداء، وهو ما أثبته الحكم بغير معقب، فلا محل لما أثاره الطاعنون بهذا الصدد. وقد استفاد الحكم نية القتل من استعمال آلات قاتلة، واستهدف المتهمين مقاتل المجني عليهما وتعدد الضربات المزهقة للحياة. وهو ما يكفي لإقامة قضائه، ولا تعقيب عليه من محكمة النقض. ولما كان لا يلزم لصحة الحكم بالإدانة أن تقع رواية الشهود مطابقة للدليل الفني مطابقة تامة بل يكفي أن لا يكون بينهما تناقض يستعصي على الملاءمة والتوفيق والثابت من رواية شاهدي الإثبات حسبما حصلها الحكم وتضمنتها المفردات التي أمرت هذه المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن وخاصة محضر المعاينة المؤرخ في 22/ 2/ 1965. وكذلك محضر تحقيق النيابة المؤرخ في ذات التاريخ أن ما حصله من روايتهما لا يتنافر مع ما أثبته تقرير الطبيب الشرعي. ولما كان البين من مدونات الحكم أنه لم يتخذ من واقعة إجماع الشاهدين على أن الطاعن الثالث كان يحمل قضيباً من الحديد سنداً له في استدلاله على وقوع الجريمة من الطاعنين أو على ثبوت نية القتل في حقهم بدليل أنه أورد شهادة كل منهما بحروفها بما لا نص فيه على هذا الإجماع بل صدق ما قاله أول الشاهدين من أن الطاعن المذكور كان يحمل قضيباً من الحديد ضرب بها المجني عليهما. ويبين من الاطلاع على محضر المعاينة التي أجرتها النيابة أن ثاني الشاهدين انضم إلى أولهما في تصويره للحادث ولم ينف ما ذكره هذا في تحقيق النيابة مما يجعل استخلاص الحكم لإجماعهما على سند صحيح هذا إلى أن الفقرة من الحكم التي ورد بها لفظ الإجماع إذا اقتطعت كلها من سياقه كانت غير مؤثرة في استدلاله، مما لا يقدح في سلامته. ولما كان البين كذلك من مدوناته أنه أطرح شهادة من عدل من الشهود، وأخذ بأقوال الشاهدين اللذين ثبتا على شهادتهما، وصرح بأنه لم يستبن وقوع أي تأثير عليهما مما تنتفي به دعوى الإكراه، وكان الثابت أيضاً من المفردات أن الشاهدين المذكورين سئلا في أكثر من معرض في تحقيق النيابة وفي غير رقبة من رجال الشرطة بعيداً عن مظنة التأثير أو الإكراه، ولم يزعم أي منهما في أي مرحلة من مراحل القضية وقوع أي تأثير عليه من أي نوع، فإن دعوى الإكراه تكون ظاهرة البطلان لا يساندها الواقع حسبما تشهد به الأوراق، فلم يكن بالحكم حاجة في إطراحها إلى أكثر مما ذكره في عبارته المجملة. وليس بصحيح أنه سلم بالإكراه في أصله ثم جزأه فأثبته بالنسبة إلى بعض الشهود دون البعض مع شمول النص بأسانيده لهم جميعاً لأن الإكراه في أصله لا سند له ولا شاهد عليه. لما كان ذلك، وكان لما حصله الحكم صداه في الأوراق، ولا يعدو الطعن، بدعوى الخطأ في الإسناد أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأديا من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان قاضي الموضوع بالدليل الصحيح، وهو ما لا يقبل لدى محكمة النقض، ومن ثم يكون الطعن على غير أساس متعين الرفض.