أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثامنة عشرة - صـ 1050

جلسة 30 من أكتوبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صبري، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور أحمد خلف.

(215)
الطعن رقم 1421 لسنة 37 القضائية

(أ، ب) اختلاس. قصد جنائي. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(أ) جريمة الاختلاس. القصد الجنائي فيها. توافره: بتصرف الموظف المتهم في المال الذي بعهدته على اعتبار انه مملوك له. رد مقابل المال الذي تصرف فيه. لا تأثير له في قيام الجريمة.
(ب) تحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في تلك الجريمة. غير لازم.
(ج) تزوير. "الاشتراك في التزوير". اشتراك. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الاشتراك في جرائم التزوير. جواز تمامه دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة.
(ز) نقض. "المصلحة في الطعن". عقوبة. "العقوبة المبررة". ارتباط. تزوير. "الاشتراك في التزوير". اختلاس.
قصور الحكم في التدليل على جريمة الاشتراك في التزوير لا يوجب نقضه. ما دامت المحكمة قد طبقت على الطاعن المادة 32 عقوبات وعاقبته بالعقوبة الأشد المقررة لجريمة الاختلاس التي أثبتتها في حقه.
(هـ) إثبات. "اعتراف". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
اعتراف. تقدير صحته وقيمته في الإثبات. موضوعي.
1 - يكفي لتوافر القصد الجنائي في جريمة الاختلاس المنصوص عليها في المادة 112 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 أن يكون الموظف المتهم قد تصرف في المال الذي بعهدته على اعتبار أنه مملوك له. ومتى ثبت ذلك في حقه فإنه لا يؤثر في قيام الجريمة رده مقابل المال الذي تصرف فيه لأن الظروف التي قد تعرض بعد وقوع الجريمة لا تنفي قيامها.
2 - لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في تلك الجريمة، بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يدل على قيامه.
3 - الاشتراك في جرائم التزوير قد يتم دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه. ومن ثم فإنه يكفي أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وأن يكون اعتقادها هذا سائغاً تبرره الوقائع التي أثبتتها في حكمها.
4 - إن قصور الحكم في التدليل على جريمة الاشتراك في التزوير لا يوجب نقضه، ما دامت المحكمة قد طبقت على الطاعن المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد وهي المقررة لجريمة الاختلاس التي أثبتتها في حقه.
5 - الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ولها في سبيل ذلك أن تأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للواقع وإن عدل عنه في مراحل أخرى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 7 فبراير سنة 1962 بدائرة مركز أبو تيج محافظة أسيوط: (أولاً) بصفته موظفاً عمومياً وكيل مكتب بريد أو تيج اختلس مبلغ 132 ج و728 م المسلمة إليه بسبب وظيفته (ثانياً) بصفته موظفاً عمومياً ومن الأمناء على الودائع "وكيل مكتب بريد أو تيج" اختلس قيمة إذن البريد المبين بالمحضر والمنصرف لصالح علي نور الدين والذي سلم إليه بسبب وظيفته. (ثالثاً) اشترك مع مجهول بطريق الاتفاق والمساعدة في ارتكاب تزوير في ورقة رسمية هي إذن البريد وذلك بأن اتفق معه على أن يقلد إمضاء صاحب الإذن وقدمه له فوقع عليه بإمضاء مزور وتمت الجريمة بناءً على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للمواد 40/ 2 - 3 و112 و118 و211 و212 من قانون العقوبات. فقرر بذلك، ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضورياً بتاريخ 7 يناير سنة 1967 عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادتين 17 و32 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن ثلاث سنوات وتغريمه خمسمائة جنيه وإلزامه رد مبلغ 102 ج و311 م وعزله من وظيفته. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الاختلاس قد شابه قصور في التسبيب وانطوى على خطأ في الإسناد، ذلك بأنه لم يدلل على توافر نية الاختلاس لدى الطاعن مع أن دفاعه قام على أنه كان قد احتفظ بقيمة إذني البريد الخاصين بعلي نور الدين ومحمد محمد عبد العال على سبيل الأمانة وأنه قد أوفى بما في ذمته مما يكشف عن حسن نيته فيما أتاه وأنه لم يقصد إلى إضافة المال إلى ملكه وعول الحكم في قضائه على واقعة لم تصح في حق الطاعن وهي استيلاؤه على قيمة الإذن الخاص بجيد عبيد الذي أقر باستلامه إياها وبتوقيعه بما يفيد ذلك. كما عول الحكم على اعتراف معزو إلى الطاعن باستيلائه على قيمة الإذنين الخاصين بعلي نور الدين ومحمد محمد عبد العال وبأنه هو الذي أجرى ما فيهما من محو مع أن الطاعن جحد ذلك الاعتراف سواء في تحقيقات النيابة أو أمام المحكمة غير أن الحكم التفت عن دفاعه دون أن يبرر علة ذلك، هذا ولم يبين الحكم العناصر الواقعية المكونة لجريمة الاشتراك في التزوير التي دان الطاعن بها وأدلة ثبوتها في حقه مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة اختلاس الأموال الأميرية التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه ما ينتجه من وجوه الأدلة عرض لدفاعه القائم على انتفاء جريمة الاختلاس في حقه وفنده في قوله: "أما واقعة الاختلاس فقد ثبتت في حق المتهم ثبوتاً أكيداً من اعترافه في الأوراق من ضيق ذات يده واستيلائه على قيمة إذن علي نور الدين وما كذبه الأخير من عدم حصوله على قيمة الإذن أو صرفه وما ثبت أيضاً من اعتراف المتهم بصرفه قيمة إذن محمد محمد عبد العال ورغم أنه احتفظ بقيمته لحين حضور الأخير لاستلام قيمته وهو دفاع غير سائغ واعترافه أيضاً في التحقيقات بأنه هو الذي أجرى محواً في الإذن الأخير هذا بالإضافة إلى ما قرره الشهود على التفصيل السالف البيان من اختلاس المتهم للمبالغ التي أظهرتها اللجنة المشكلة لفحص أعماله ثم مبادرة المتهم بسداد قيمة إذني البريد باسم علي نور الدين ومحمد محمد عبد العال كما هو ثابت بالأوراق". وما أورده الحكم فيما تقدم كاف وسائغ في بيان نية الاختلاس ذلك بأنه يكفي لتوافر القصد الجنائي في جريمة الاختلاس المنصوص عليها في المادة 112 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 أن يكون الموظف المتهم قد تصرف في المال الذي بعهدته على اعتبار أنه مملوك له. ومتى ثبت ذلك في حقه فإنه لا يؤثر في قيام الجريمة رده مقابل المال الذي تصرف فيه لأن الظروف التي قد تعرض بعد وقوع الجريمة لا تنفي قيامها كما أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في تلك الجريمة بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يدل على قيامه كما هي الحال في الدعوى المطروحة، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن في شأن إقرار جيد عبيد بتسلم قيمة إذن البريد المنسوب إليه اختلاسها مردوداً بأن الحكم لم يحاسب الطاعن عن قيمة الإذن التي سبق صرفها للمستفيد في 28 يوليه سنة 1962 بل ساءله عن قيمة الإذن التي أعاد صرفها لنفسه من نقود هيئة البريد التي في عهدته الأمر الذي لم ينع الطاعن عليه. لما كان ذلك، وكان الثابت أن الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع بان الاعتراف المعزو إليه في الأوراق مزور عليه فلا يقبل منه المجادلة في ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض. وكان البين من الحكم أن المحكمة اطمأنت إلى ذلك الاعتراف الوارد في التحقيقات وبنت عليه قضاءها إلى جانب عناصر الإثبات الأخرى التي بينتها فلا معقب عليها في ذلك لأن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ولها في سبيل ذلك أن تأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للواقع وإن عدل عنه في مراحل أخرى. لما كان ما تقدم، وكان الاشتراك في جرائم التزوير قد يتم دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه، ومن ثم فإنه يكفي أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وأن يكون اعتقادها هذا سائغاً تبرره الوقائع التي أثبتتها في حكمها. وكان الحكم المطعون فيه قد ساق الأدلة على تزوير إمضاء المستفيد علي نور الدين على الإذن الصادر باسمه، الذي أقر الطاعن بأنه قام بصرفه لنفسه، وخلص الحكم تأسيساً على ذلك إلى اشتراك الطاعن في ارتكاب جريمة التزوير وهو استخلاص سائغ قدم له الحكم من وقائع الدعوى ما ينتجه، هذا فضلاً عن أن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يجديه نفعاً لأن قصور الحكم في التدليل على جريمة الاشتراك في التزوير - بفرض صحته - لا يوجب نقضه ما دامت المحكمة قد طبقت على الطاعن المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد وهي المقررة لجريمة الاختلاس التي أثبتها في حقه.
وحيث إنه لما تقدم، يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.