أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثامنة عشرة - صـ 1059

جلسة 31 من أكتوبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، وأنور أحمد خلف.

(217)
الطعن رقم 1224 لسنة 37 القضائية

(أ) نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". تحقيق. نيابة عامة.
تعيب التحقيق الذي أجرته النيابة بدعوى أن معاون النيابة قد باشره بغير انتداب كتابي. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(ب) قصد جنائي. سبق إصرار. قتل عمد. ضرب أفضى إلى الموت.
لا تلازم بين قيام القصد الجنائي وسبق الإصرار. جواز توافر القصد مع انتفاء الإصرار السابق.
(ج) وصف التهمة. قتل عمد. ضرب أفضى إلى الموت. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
تعديل المحكمة لوصف التهمة من قتل عمد إلى ضرب أفضى إلى الموت دون تنبيه المتهم أو المدافع عنه. لا إخلال بحق الدفاع.
(د) علاقة السببية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع.
علاقة السببية في المواد الجنائية. تقديرها. موضوعي.
(هـ) محكمة الموضوع. إثبات. "اعتراف" حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لمحكمة الموضوع تجزئة الاعتراف والأخذ منه بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه.
(و) محكمة الموضوع. إثبات. "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لمحكمة الموضوع الجزم بما لم يجزم الخبير في تقريره.
(ز) محكمة الموضوع. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها وإطراح ما يخالفها من صور أخرى. ما دام استخلاصها سائغاً.
(ح) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". تحقيق.
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها. غير جائز. إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض. غير مقبول.
(ط) إثبات. "معاينة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
طلب المعاينة الذي لا تلتزم المحكمة بإجابته؟ الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة أو إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود.
1 - لما كان ما يثيره الطاعن من تعييب التحقيق الذي أجرته النيابة بدعوى أن معاون النيابة قد باشر التحقيق بغير انتداب كتابي إنما ينصب على الإجراءات السابقة على المحاكمة، وكان لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه قد أثار أيهما شيئاً في هذا الصدد أمام محكمة الموضوع، فإنه لا يقبل من الطاعن إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
2 - لا تلازم بين قيام القصد الجنائي وسبق الإصرار، فقد يتوافر القصد مع انتفاء الإصرار السابق الذي هو مجرد ظرف مشدد في جرائم الاعتداء على الأشخاص.
3 - الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم، لأن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذي ترى هي أنه الوصف القانوني السليم. وإذ كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم المطعون فيه أساساً للوصف الجديد الذي دان الطاعن به، وكان مرد التعديل هو عدم قيام الدليل على توافر نية القتل لدى الطاعن دون أن تتضمن إسناد واقعة مادية أو إضافة عناصر جديدة تختلف عن الأولى فإن الوصف الجديد الذي نزلت إليه المحكمة في هذا النطاق حين اعتبرت الطاعن مرتكباً جريمة الضرب المفضي إلى الموت لا يجافي التطبيق السليم ولا يعطي الطاعن حقاً في إثارة دعوى الإخلال بحق الدفاع لأن المحكمة لا تلتزم في مثل هذه الحالة تنبيه المتهم أو المدافع عنه إلى ما أجرته من تعديل في الوصف اقتصر على استبعاد أحد عناصر الجريمة التي رفعت بها الدعوى.
4 - علاقة السببية في المواد الجنائية مسألة موضوعية يستقل قاضي الموضوع بتقديرها، ومتى فصل في شأنها فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام يقيم قضاءه على أسباب سائغة مردودة إلى أصلها بالأوراق.
5 - لمحكمة الموضوع تجزئة الدليل - ولو كان اعترافاً - والأخذ منه بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه.
6 - لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره، متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها.
7 - من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
8 - لا يجوز للطاعن أن ينعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها، ولا يقبل منه أن يثير هذا الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض.
9 - طلب المعاينة من إجراءات التحقيق التي لا تلتزم محكمة الموضوع بإجابته ما دام لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة أو إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 20 من أكتوبر سنة 1965 بدائرة مركز الجيزة محافظة الجيزة: قتل مندي عبود إبراهيم عمداً بأن طعنه بآلة حادة "سكيناً" قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. فقرر بذلك. وادعى سعيد عبود إبراهيم وأمين عبود إبراهيم مدنياً قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات الجيزة انتهت إلى تعديل الوصف إلى أن المتهم ضرب عمداً مندي عبود إبراهيم فأحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضى إلى موته وقضت في الدعوى حضورياً بتاريخ 13 نوفمبر سنة 1966 عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات وإلزامه أن يدفع للمدعيين بالحقوق المدنية مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية وثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه بطلان في الإجراءات وقصور وتناقض في التسبيب وفساد في الاستدلال وخطأ في الإسناد وانطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأن التحقيق في الجناية المطروحة قد باشره أحد معاوني النيابة بغير انتداب كتابي ومن ثم فلا تعدو الإجراءات التي قام بها أن تكون من إجراءات الاستدلال التي لا يصح قانوناً أن ترفع بناءً عليها الدعوى الجنائية في جناية مما يشوب قرار الإحالة بالبطلان ويبطل بالتالي الحكم المطعون فيه. ثم إن الحكم قد تناقض في تسبيبه حين أطرح الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي على سند من القول بأن الطاعن وأخوته قد انتقلوا إلى مكان الحادث بنية الاعتداء على المجني عليه وذويه ثم عاد وأورد في موضوع آخر من مدوناته أن الحادث كان وليد المفاجأة. كما عول الحكم في قضائه على الدليل المستمد من تقرير الصفة التشريحية على الرغم من قصوره لأن الطبيب الشرعي أثبت في ذلك التقرير أن المهمة التي كلف بها هي بيان إصابات المجني عليه وهل تحدث من الطعن بفأس أو بالسكين المضبوط في حين أنه لم يضبط في الحادث سكين الأمر الذي يخشى معه أن يكون هذا الاعتقاد قد أثر في النتيجة التي خلص إليها الطبيب الشرعي. هذا فضلاً عن أنه لو صح أن الاعتداء كان بسكين لأحدث بصديري المجني عليه "وفانلته" قطعاً في مقابل الإصابة وهو ما خلت المعاينة من إثباته. ثم إن الطاعن أقر في التحقيقات بأنه اعتدى على المجني عليه بفأس عثر عليه المحقق بمكان الحادث وشاهد به تلوثات يشتبه أن تكون دموية وأرسله إلى التحليل لفحص تلك الآثار والكشف عن كنهها وعما إذا كانت دماء آدمية ومن فصيلة دماء المجني عليه مما كان يقتضي من الطبيب الشرعي أن يتريث في إبداء الرأي حتى ترد نتيجة التحليل كما كان حرياً بالمحكمة أن تنتظر ورود هذه النتيجة قبل أن تطرح دفاع الطاعن ولا سيما أن المدافع عنه طلب بجلسة المحاكمة معاينة الفأس فأعرض الحكم عن هذا الطلب ولم يرد عليه. كما عول الحكم في إدانة الطاعن على اعترافه بالتحقيقات وحصل هذا الاعتراف بأنه أقر بإحداثه الإصابة التي أودت بحياة المجني عليه في حين أن مؤدى اعتراف الطاعن أن المجني عليه عندما حاول الاعتداء عليه التقط فأساً وضربه به في صدره بينما الإصابة التي أودت بحياة المجني عليه إنما كانت في رقبته وليست في صدره ومن ناحية أخرى فقد عدل الحكم وصف التهمة من قتل عمد إلى ضرب أفضى إلى موت بغير أن يلفت نظر الدفاع إلى الوصف الجديد. ولم يستظهر الحكم علاقة السببية بين إصابة المجني عليه ووفاته. وجزم بأن الآلة المستعملة في الحادث سكين مع أن الطبيب الشرعي جوز ذلك ولم يقطع به. هذا إلى أن الحكم أخذ بالصورة التي أوردها شقيق المجني عليه للحادث والتي مؤداها أن الطاعن طعن المجني عليه بسكين مرة واحدة في حين أن مؤدى التقرير الطبي أن بالمجني عليه ثلاث إصابات وليس إصابة واحدة، ومع تعارض هذين الدليلين فقد عول الحكم عليهما معاً في إدانة الطاعن بغير أن يرفع ما بينهما من تعارض.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إن نزاعاً قام بين شوبكي سعيد وأخوته شيشاني سعيد ووازن سعيد وبين المجني عليه مندي عبود إبراهيم وأخويه سعيد عبود وأمين عبود بناحية نزلة الأشطر بسبب إغراق زوجة أحد أفراد الفريق الأول زراعة الفريق الثاني أثناء ري أرضهم فاعتدى المجني عليه على زوجة شيشاني سعيد التي أغرقت زراعته بالضرب فلما علم ذووها بذلك انتقلوا من البلدة إلى أرض المجني عليه وأخويه واستل المتهم شوبكي سعيد نصر الله الطاعن سكيناً أخرجها من جيبه وطعن بها المجني عليه في الترقوة اليسرى فاحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وأخطرت النيابة العامة بالحادث فتولت التحقيق" وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال شيخ الخفراء سعيد محمد برعي ومن أقوال شقيق المجني عليه سعيد عبود إبراهيم واعتراف الطاعن بالتحقيقات ومن تقرير الصفة التشريحية. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من تعيب التحقيق الذي أجرته النيابة العامة بدعوى أن معاون النيابة قد باشر التحقيق بغير انتداب كتابي إنما ينصب على الإجراءات السابقة على المحاكمة. ولما كان لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه قد أثار أيهما شيئاً في هذا الصدد أمام محكمة الموضوع، فإنه لا يقبل من الطاعن إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. هذا فضلاً عن أنه قد ثبت من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن أن وكيل النيابة المختص قد أشر كتابة على إشارة الحادث بندب معاون النيابة للتحقيق. ومن ثم يكون منعي الطاعن في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أطرح دفاع الطاعن في شأن تجاوزه حدود حق الدفاع الشرعي في قوله "لا محل لما ذهب إليه الدفاع من أن المتهم (الطاعن) تجاوز حدود الدفاع الشرعي لأن المتهم وأسرته انتقلوا من البلدة إلى الأرض محل الحادث بنية الاعتداء على المجني عليه وأهله فلا يجوز له أن يلوذ بحق الدفاع الشرعي" ثم نفى الحكم توافر القصد الخاص لجريمة القتل العمد في قوله "إن المحكمة ترى أن الحادث وليد المفاجأة والنزاع الوقتي إذا اشتبك الفريقان في عراك انتهى بإصابة المجني عليه... بالإضافة إلى أن المتهم طعن المجني عليه طعنة واحدة ولو انصرفت نيته إلى إزهاق روحه لما وقف عند حد الطعنة الواحدة بل لوالى تسديد الطعنات من السكين التي استعملها وسددها إلى مقاتل من جسم المجني عليه ومن ثم تكون نية القتل غير متوافرة ويكون الحادث على الصورة التي وقع بها ضرباً أفضى إلى موت" ومفاد ما تقدم أنه قد ثبت لدى المحكمة أن الطاعن وأخوته انتقلوا إلى مكان الحادث بقصد الاعتداء على المجني عليه على إثر علمهم بضربه زوجة أحدهم لإغراقها زراعته ورتبت على ذلك قضاءها برفض الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس، غير أنه من ناحية أخرى فقد أيقنت المحكمة انتفاء عنصر سبق الإصرار لما تبينته من أن الطاعن اتجه إلى مقارفة جريمته على إثر علمه بنبأ اعتداء المجني عليه على زوجة أخيه دون أن تنقضي فترة من الوقت تسمح له بأعمال فكره في هدوه وروية وترجح لديها أن الطاعن لم يقصد من فعله إزهاق روح المجني عليه فساءلته عن جريمة الضرب المفضي إلى موت، وهو استخلاص سائغ لا تناقض فيه، ذلك بأنه لا تلازم بين قيام القصد الجنائي وسبق الإصرار فقد يتوافر القصد مع انتفاء الإضرار السابق الذي هو مجرد ظرف مشدد في جرائم الاعتداء على الأشخاص، ومن ثم فقد انحسر عن الحكم قالة التناقض في التسبيب. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن لم يثر مطعناً على تقرير الصفة التشريحية ولم يشر إلى خلو صديري المجني عليه وفانلته من آثار قطع مقابل الإصابة ولم يطلب إلى المحكمة إجراء تحليل للآثار التي وجدت عالقة بالفأس المضبوطة، ولا يجوز له أن ينعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها، ولا يقبل منه أن يثير هذا الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض إلى طلب إجراء معاينة للفأس المضبوط ورد عليه في قوله "إن المحكمة لا ترى مسوغاً لإجابة الدفاع إلى طلب فحص القادوم المضبوط لأنها أخذت بأقوال الشاهد الثاني سعيد عبود إبراهيم أخ المجني عليه وبالتقرير الطبي الشرعي من أن الحادث استعملت فيه سكين وليس فأساً" وما أورده الحكم فيما تقدم سائغ ويحمل قضاءها فيما انتهى إليه، ذلك بأن طلب إجراء المعاينة هو من إجراءات التحقيق التي لا تلتزم محكمة الموضوع بإجابته ما دام لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة أو إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود. ولما كانت المحكمة قد أفصحت - للأسباب السائغة التي أوردتها - أن الاعتداء على المجني عليه كان بسكين لا بالفأس المضبوطة، وكان طلب معاينة هذا الفأس لم يقصد به سوى إثارة الشبهة في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل في تقدير أدلة الدعوى مما لا يقبل منه أمام هذه المحكمة. أما ما استطرد إليه الطاعن من منازعة في التصوير الذي اعتنقه الحكم للحادث ونعيه عليه اطراحه الصورة التي أشار إليها في اعترافه بالتحقيقات والتي مؤداها أن المجني عليه حاول الاعتداء عليه فالتقط فأساً ضرب به المجني عليه في صدره، فمردود بأن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق كما هي واقع الحال في الدعوى المطروحة. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم من إخلال بحقه في الدفاع لأنه عدل وصف التهمة من قتل عمد إلى ضرب أفضى إلى موت بغير أن تنبه المحكمة الدفاع إلى الوصف الجديد، ما ينعاه من ذلك مردود بأن الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم لأن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذي ترى هي أنه الوصف القانوني السليم. وإذ كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم المطعون فيه أساساً للوصف الجديد الذي دان الطاعن به، وكان مرد التعديل هو عدم قيام الدليل على توافر نية القتل لدى الطاعن دون أن يتضمن إسناد واقعة مادية أو إضافة عناصر جديدة تختلف عن الأولى، فإن الوصف الجديد الذي نزلت إليه المحكمة في هذا النطاق حين اعتبرت الطاعن مرتكباً جريمة الضرب المفضي إلى الموت لا يجافي التطبيق القانوني السليم ولا يعطي للطاعن حقاً في إثارة دعوى الإخلال بحق الدفاع لأن المحكمة لا تلتزم في مثل هذه الحالة تنبيه المتهم أو المدافع عنه إلى ما أجرته من تعديل في الوصف اقتصر على استبعاد أحد عناصر الجريمة التي رفعت بها الدعوى. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استند في إدانة الطاعن إلى أقوال شاهد الرؤية وإلى التقرير الطبي وكان الحكم قد حصل أقوال شاهد الرؤية بما مؤداه أنه رأى الطاعن يطعن المجني عليه بسكين فأحدث إصابته كما حصل مؤدى التقرير الطبي في قوله "ثبت من تقرير الصفة التشريحية أن المجني عليه مصاب بجرح طعني حيوي حديث طوله 2 سم مستوى الحوافي أعلى أنسية الترقوة اليسرى مباشرة ومواز لها وهذا الجرح نافذ للتجويف الصدري الأيسر محدثاً قطعاً بالشريان تحت الترقوة اليسرى وقطعاً بأعلا الفص العلوي للرئة اليسرى. وجاء بالتقرير أن الإصابة تحدث من الطعن بآلة صلبة ذات نصل حاد كسكين أو مطواه أو ما شابه ذلك وأنه يستبعد حدوث هذه الإصابة من مثل الفأس المضبوطة وأن الوفاة إصابية جنائية ناشئة عن قطع بالشريان تحت الترقوة اليسرى والرئة اليسرى وما صاحب ذلك من نزيف وصدمة عصبية" ولما كان ما أورده الحكم عن مؤدى هذين الدليلين له أصله الثابت بالمفردات المضمومة وكان البين من مساق تقرير الصفة التشريحية أنه أثبت بالمجني عليه إصابة طعنية واحدة لا ثلاث كما يدعى الطاعن في أسباب طعنه فليس ثمت تعارض بين الدليل الفني والدليل القولي بل تطابق تام بينهما سواء بالنسبة إلى عدد الإصابات أو بالنسبة إلى آلة الاعتداء ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الشأن يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من اعتماد الحكم في إدانته على اعترافه بالتحقيقات في حين أن الاعتراف قد تضمن وقائع أخرى لم يأخذ بها الحكم مردوداً بأن لمحكمة الموضوع تجزئة الدليل - ولو كان اعترافاً - والأخذ منه بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه. أما القول بأن الاعتراف قد تعارض مع الدليل الفني في تحديد موضع الإصابة فإنه نعي غير صحيح، ذلك بأن مؤدى اعتراف الطاعن أنه ضرب المجني عليه في صدره، وهو ما يتفق مع تقرير الصفة التشريحية الذي أثبت إصابة المجني عليه بأعلا يسار الصدر بالترقوة اليسرى. لما كان ذلك، وكانت علاقة السببية في المواد الجنائية مسألة موضوعية يستقل قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل في شأنها فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام يقيم قضاءه على أسباب سائغة مردودة إلى أصلها بالأوراق. ولما كان الحكم قد أثبت في حق الطاعن - بالأدلة السائغة التي أوردها وبما له سنده من التقرير - أنه تعمد إصابة المجني عليه وأدت هذه الإصابة إلى وفاته فإن دعوى القصور في بيان رابطة السببية بين إصابة المجني عليه وبين وفاته لا يكون لها محل. أما ما ينعاه الطاعن على الحكم من فساد في الاستدلال لأنه جزم بأن الآلة المستعملة في الحادث سكين في حين أن التقرير الطبي قد جوز ذلك ولم يقطع به فمردود بأن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها وهو ما لم يخطئ الحكم المطعون فيه في تقديره. لما كان ما تقدم؛ فإن الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.