أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 320

جلسة 28 من فبراير سنة 1977

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: صلاح الدين الرشيدي، ومحمد صفوت القاضي، وسيد شرعان، وعبد الحميد صادق.

(68)
الطعن رقم 1178 لسنة 46 القضائية

(1) محكمة الموضوع. "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". إثبات. "بوجه عام". "شهود". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي ما دام سائغاً.
(2) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". قتل خطأ. خطأ. مسئولية جنائية. مسئولية مدنية.
تقدير الخطأ المستوجب مسئولية مرتكبه جنائياً. ومدنياً. موضوعي.
(3) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". قتل خطأ. إصابة خطأ. مسئولية جنائية.
السرعة التي تصلح أساساً للمساءلة الجنائية في جريمتي القتل والإصابة الخطأ – هي التي تجاوز الحد الذي تقتضيه ظروف الحال زماناً ومكاناً - تقدير ذلك موضوعي.
(4) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". خطأ. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير السرعة كعنصر من عناصر الخطأ. موضوعي.
(5) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "شهود". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم. موضوعي.
1- الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليها اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في المنطق والعقل ولها أصلها في الأوراق.
2- لما كان تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبة جنائياً أو مدنياً مما يتعلق بموضوع الدعوى، وكان الواضح من مدونات الحكم أن المحكمة – في حدود ما هو مقرر لها من حق وزن عناصر الدعوى وأدلتها قد بينت الواقعة على حقيقتها كما ارتسمت في وجدانها وردت الحادث إلى صورته الصحيحة من مجموع الأدلة المطروحة عليها، ودللت تدليلاً سائغاً على ثبوت نسبة الخطأ إلى الطاعن ووقوع الحادث نتيجة لهذا الخطأ، فإنه لا يقبل من الطاعن مصادرة المحكمة في عقيدتها أو مجادلتها في عناصر اطمئنانها.
3- إن السرعة التي تصلح أساساً للمساءلة الجنائية في جريمتي الموت والإصابة الخطأ هي التي تجاوز الحد الذي تقتضيه ملابسات الحال وظروف المرور وزمانه ومكانه فيتسبب عن هذا التجاوز الموت أو الجرح، وإذ ما كان الحكم قد استخلص في تدليل سائغ أن سرعة السيارة قيادة الطاعن قد تجاوزت الحد الذي يقتضيه السير في الطريق بسيارة محملة هي ومقطورتها بالأسمنت في ليل ساءت فيه الأحوال الجوية وهطلت الأمطار وعلى مرأى منه وعلى بعد خمسين متراً على حد قوله – حادث تصادم آخر – فلا تعقيب عليه.
4- إن تقدير السرعة كعنصر من عناصر الخطأ هو مسألة موضوعية يرجع الفصل فيها إلى قاضى الموضوع.
5- لما كان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وأنه متى أخذت المحكمة بقول شاهد فإن ذلك يفيد إطراح جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. فإن ما يثيره الطاعن ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب عليها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنهم بدائرة مركز بركة السبع محافظة المنوفية: الأول (الطاعن) تسبب خطأ في موت كل من....... و...... و....... وكان الحادث ناشئاً عن إهماله ورعونته وعدم احترازه وعدم مراعاته القوانين واللوائح وذلك بأن قاد سيارة النقل بسرعة وبرعونة وبدون حيطة رغم سوء الأحوال الجوية والأمطار ولم ينتبه إلى إشارات وعلامات رجال الشرطة أمامه فصدم السيارات التي كانت تقف إلى جانب الطريق فأحدث إصابات المجني عليهم الموضحة بالتقارير الطبية المرفقة والتي أدت إلى موتهم. (ثانياً) تسبب خطأ في إصابة كل من....... و....... و....... و....... و....... وكان الحادث ناشئاً عن إهماله ورعونته وعدم احترازه ذلك بأن قاد سيارة النقل بسرعة وبرعونة دون حيطة رغم سوء الأحوال الجوية والأمطار فلم تتنبه إلى إشارات وعلامات رجال الشرطة فصدم السيارات التي كانت تقف إلى جانب الطريق فأحدث بهم الإصابات المبينة بالتقارير الطبية المرفقة. (ثالثاً) قاد سيارته بحالة تعرض حياة الأشخاص والأموال للخطر. المتهم الثاني: قاد سيارته النقل بحالة تعرض حياة الأشخاص والأموال للخطر بأن قاد سيارته النقل بسرعة كبيرة فلم ينتبه إلى السيارة قيادة المتهم الثالث التي كانت تعبر الطريق فاصطدم بها على النحو المبين بالأوراق. المتهم الثالث: قاد سيارته النقل بحالة تعرض حياة الأشخاص والأموال للخطر فانحرف بها من اتجاه الطريق السريع إلى القاهرة إلى الطريق العكسي دون أن يعطى الإشارة المبينة لجهة انحراف السيارة. وطلبت عقابهم بالمواد 238/ 1 من قانون العقوبات و1 و2 و72 و86 و88 و9 من القانون 459 لسنة 1955 وقرار الداخلية وادعت السيدة...... عن نفسها وبصفتها وصية على قصر المرحوم....... قبل المتهم الأول (الطاعن) والمسئول عن الحقوق المدنية بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة بركة السبع الجزئية قضت في الدعوى حضورياً للأول وغيابياً للثاني وحضورياً اعتبارياً للثالث عملاً بمواد الاتهام (أولاً) بمعاقبة المتهم الأول (الطاعن) بالحبس مدة ثلاث سنوات مع الشغل وكفالة 100 قرش لوقف التنفيذ وبإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. (ثانياً) بتغريم كل من المتهمين الثاني والثالث مبلغ مائة جنيه. فاستأنف المحكوم عليه الأول الحكم ومحكمة شبين الكوم الابتدائية – بهيئة استئنافية – قضت في الدعوى حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً، وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن الأستاذ...... المحامي عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم التسبب في الموت والإصابة الخطأ وقيادة سيارة بحالة تعرض حياة الأشخاص والأموال للخطر قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال ذلك أنه صور الواقعة بغير صورتها الصحيحة حيث حصلها على أن الطاعن كان يقود سيارته مسرعاً – حينما أبصر سيارة مقلوبة وسط الطريق على بعد خمسين متراً – ولم يستطع إيقاف سيارته بل ظلت مندفعة إلى أن اصطدمت بالسيارات الأخرى الواقفة بمكان الحادث، على حين أن الصورة الصحيحة للواقعة هي أنه بمجرد محاولته إيقاف سياراته بالضغط على فراملها في موقع الحادث – بسبب انقلاب سيارات أخرى انحرفت إلى أقصى اليمين واصطدمت بسيارتي مركز الشرطة والنجدة الواقفتين إلى جانب الطريق، وذلك بسبب الأحوال الناتجة عن هطول الأمطار وإهمال رجال الشرطة بعدم إغلاق الطريق أو تأمينه بوضع إشارات ضوئية لتنبيه السيارات القادمة، وقد أدى عدم إحاطة الحكم بالصورة الصحيحة لواقعة الدعوى إلى الفساد في التدليل على ركن الخطأ. كما أنه عول على قالة شهود الإثبات مع أنهم زملاء المجني عليهم وأسندوا إلى الطاعن أنه كان مسرعاً مع أن مفاد أقوالهم في التحقيقات أن صلتهم بالحادث بدأت بعد وقوعه، مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان بها الطاعن وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها مستمدة من أقوال شهود الحادث في التحقيقات ومن التقارير الطبية وما دلت عليه المعاينة. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر صورة الواقعة بقوله: "وحيث إن الواقعة تخلص فيما شهد به....... رئيس وحدة مباحث بركة السبع بتحقيقات النيابة العامة من أنه توجه صحبة الملازم...... والشرطي السري....... بسيارة المركز قيادة العريف....... إلى قرية أبو مشهور التي أبلغ بوقوع حادث تصادم بالطريق السريع أمامها فوجد تصادماً بين السيارة رقم 8025 نقل إسكندرية وسيارة نقل أخرى في الطريق المتجه إلى القاهرة كما وجد سيارة نقل أخرى مقلوبة بعرض الطريق المتجه إلى الإسكندرية وكانت سيارة شرطة نجدة تقف على الجزء الترابي لهذا الطريق ونورها الخلفي الأحمر مضاء فوقفت سيارة المركز خلفها وأثناء إخلاء الطريق من السيارات حضر سائق سيارة المركز وأبلغه بأن سيارة ملاكي اصطدمت بمؤخر سيارة المركز التي صدمت بدورها مؤخر سيارة النجدة وحدثت تلفيات بالسيارات الثلاث إلا أنه لم تحدث ثمة إصابات وقد توجه الملازم....... لضبط هذه الواقعة وقام بالجلوس داخل سيارة النجدة على المقعد الخلفي من الناحية اليسرى لتحرير المحضر وأثناء ذلك شاهد سيارة نقل بمقطورة قيادة المتهم الأول (الطاعن) قادمة من القاهرة بسرعة 80 كم تقريباً وتجاهل قائدها إشارات رجال شرطة المرور الضوئية بالفوانيس ومندفعاً في سيره حتى اصطدم بسيارة المركز وقلبها في الأرض الزراعية القائمة على يمين الطريق وأطاح بسيارة النجدة وانقلبت مقطورة السيارة النقل على السيارة الأخيرة وتوفى من جراء ذلك الشرطي........ من قوة مرور الطريق السريع وقائد سيارة النجدة....... و........ الذي كان يقف بجوار سيارة النجدة أثناء تحرير المحضر وأصيب من جراء ذلك الملازم...... والعريف....... قائد سيارة المركز والذي كان يجلس بجوار الأخير كما أصيب فردى الداورية........ و........ وعلل سبب الحادث بأنه نتيجة لسرعة المتهم الأول (الطاعن) وظروف المطر وعدم انتباهه لإشارات رجال المرور". وبعد أن أورد الحكم مضمون أقوال الشهود ما بين مبصر له منذ بدايته ومنتبه إليه أثر وقوعه، وبما ورد بالمعاينة والتقارير الطبية خلص إلى توافر الخطأ قبل الطاعن بقوله: "أن الاتهام ثابت في حق المتهم الأول (الطاعن) فركن الخطأ متوافر في حقه من قيادة السيارة بسرعة شديدة وعدم انتباهه لحالة الطريق أثناء السير فالثابت من أقوال الشهود أنه كان يسير بسرعة شديدة وهى لا تتفق مع كون الوقت ليلاً وسوء الأحوال الجوية وهطول الأمطار ومدى الرؤية المحدود ومن كون حمولة السيارة والمقطورة الملحقة بها محملة بالأسمنت بحيث أضحى مستحيلاً عليه عندما شاهد الحادث على مسافة خمسين متراً على حد قوله بمحضر الشرطة أن يقف بالسيارة وهو على هذه السرعة عندما استعمل الفرامل بالإضافة إلى أنه لم ينتبه إلى إرشادات رجال المرور الذين كانوا يقومون بإرشاد السيارات بل أن أول من صدمه هو المرحوم....... من قوة مرور الطريق السريع الذي كان يحاول تنبيهه للوقوف وما كان يستطيع ذلك بطبيعة الحال وهو يسير بهذه السرعة التي لا تتناسب مع كل الظروف والملابسات التي سبق الإشارة إليها، يؤيد ذلك ما قرره الشاهد....... الذي كان يقف بجوار سيارة النجدة من أنه تنبه لقدوم سيارة النقل من صياح رجال شرطة المرور الذين كانوا يقفون على مسافة مائة متر من مكان الحادث لقائدها بالوقوف وأنه لما شاهدها قادمة في اتجاه المكان الذي يقف فيه بسرعة شديدة جرى هارباً إلى المزارع الأمر الذي يكون معه ركن الخطأ متوافر في حقه وقد نتج عن ذلك الخطأ وفاة...... و....... و....... و....... وإصابة...... و....... و....... و....... و....... كنتيجة مباشرة لخطأ المتهم الأول (الطاعن)". لما كان ذلك، وكان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليها اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في المنطق والعقل ولها أصلها في الأوراق، ولما كان الحكم المطعون فيه قد استدل من أقوال الشهود وما دلت عليه معاينة محل الحادث أن الطاعن قاد سيارته بسرعة رغم تنبيه رجال شرطة المرور له قبل دخوله منطقة الحادث وأنه واصل مسيرته حتى اصطدم بسيارة المركز التي كانت تقف على جانب الطريق فسقطت في الأرض الزراعية المجاورة وأطاح بسيارة النجدة وانقلبت مقطورة سيارته فوقها مما أدى إلى وفاة المجني عليهم سالفى الذكر وإصابة الآخرين". وإذ ما كان الحكم قد أقام الحجة على مقارفة الطاعن لما أسند إليه بما استخلصه من عناصر الدعوى في منطق سليم، وكان تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً أو مدنياً مما يتعلق بموضوع الدعوى، وكان الواضح من مدونات الحكم أن المحكمة – في حدود ما هو مقرر لها من حق وزن عناصر الدعوى وأدلتها قد بينت الواقعة على حقيقتها كما ارتسمت في وجدانها وردت الحادث إلى صورته الصحيحة من مجموع الأدلة المطروحة عليها، ودللت تدليلاً سائغاً على ثبوت نسبة الخطأ إلى الطاعن ووقوع الحادث نتيجة لهذا الخطأ، فإنه لا يقبل من الطاعن مصادرة المحكمة في عقيدتها أو مجادلتها في عناصر اطمئنانها. لما كان ذلك، وكان المقرر أن السرعة التي تصلح أساساً للمساءلة الجنائية في جريمتي الموت والإصابة الخطأ هي التي تجاوز الحد الذي تقتضيه ملابسات الحال وظروف المرور وزمانه ومكانه فيتسبب عن هذا التجاوز الموت أو الجرح، وإذ ما كان الحكم قد استخلص في تدليل سائغ أن سرعة السيارة قيادة الطاعن قد تجاوزت الحد الذي يقتضيه السير في الطريق بسيارة محملة هي ومقطورتها بالأسمنت في ليل ساءت فيه الأحوال الجوية وهطلت الأمطار وعلى مرأى منه - وعلى بعد خمسين متراً على حد قوله - حادث تصادم آخر، وكان تقدير السرعة كعنصر من عناصر الخطأ هو مسألة موضوعية يرجع الفصل فيها إلى قاضي الموضوع، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وأنه متى أخذت المحكمة بقول شاهد فإن ذلك يفيد إطراح جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، فإن ما يثيره الطاعن من نعي على الحكم ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب عليها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً