أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثامنة عشرة - صـ 1147

جلسة 21 من نوفمبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، وأنور أحمد خلف.

(241)
الطعن رقم 1597 لسنة 37 القضائية

(أ، ب) دعوى جنائية. "نظرها والفصل فيها". نيابة عامة. مستشار الإحالة. اختصاص. "الاختصاص الولائي". محاكم الحدود. محكمة الموضوع. قانون. "سريانه من حيث الزمان". إخفاء أشياء متحصلة من جناية.
(أ) قيام الدعوى الجنائية فعلاً أمام محاكم الحدود. خروجها من ولاية سلطة التحقيق. أثر صدور القانون رقم 88 لسنة 1961 عليها: وجوب إحالتها إلى محكمة الموضوع المختصة.
(ب) عدم تقيد الإحالة المنصوص عليها في المادة الخامسة من القانون رقم 88 لسنة 1961 بأحكام قانون الإجراءات الجنائية.
(ج) قانون. "سريانه من حيث الزمان". "إلغاؤه". دعوى جنائية. "إجراءاتها".
كل إجراء تم صحيحاً في ظل قانون معمول به، يظل صحيحاً خاضعاً لأحكامه.
(د) نقض. "الطعن بالنقض". "ما يجوز الطعن فيه من الأحكام". حكم. "الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع". مستشار الإحالة. دعوى جنائية. "نظرها والفصل فيها". اختصاص. "الاختصاص الولائي".
الحكم بعدم قبول الدعوى الجنائية بحالتها. متى يعد منهياً للخصومة على خلاف ظاهره؟ إذا كان سوف يقابل حتماً من قضاء الإحالة بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة تقديمها للمحكمة المختصة وخروجها من ولايته القضائية.
1 - إذا كانت الدعوى الجنائية مقامة فعلاً أمام محاكم الحدود عند صدور القانون رقم 88 لسنة 1961 وأصبحت الدعوى بين يدي القضاء وخرجت من ولاية سلطة التحقيق، فإن إحالتها إنما تكون إلى محكمة الموضوع المختصة، بعد إلغاء القانون رقم 857 لسنة 1953 - ولا يسوغ القول بإحالتها إلى النيابة العامة أو مستشار الإحالة، قياماً لمظنة أن يقرر أحدهما بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، ذلك أن الدعوى قد خرجت من ولاية سلطة التحقيق التي لا تملك - بعد انحسار سلطانها عليها بتقديمها للقضاء - حق التصرف فيها على وجه آخر.
2 - الإحالة المنصوص عليها في المادة الخامسة من القانون رقم 88 لسنة 1961 ليس مصدرها قانون الإجراءات الجنائية حتى يتعين التقيد بالإجراءات التي رسمها هذا القانون في مختلف نصوصه، وإنما هي إحالة إدارية مبناها دلالة صريحة من الشارع عبر عنها في المادة المذكورة، ولا مجال معها للاحتجاج بما جاء مغايراً لها في تشريع سواه، أما ما ورد بعجزها إيجاباً على النيابة العامة بأن تتخذ الإجراءات الواجبة في هذا الشأن، فإن دلالة سياق النص لا تدع مجالاً للشك في أن مراد الشارع قد تعلق بخطابه للنيابة العامة بأن تتخذ ما يمليه القانون في شأن إعلان القضايا وإرسالها إلى المحاكم العادية التي أصبحت مختصة بنظرها والفصل فيها وفقاً للدور الذي تشغله النيابة العامة في التنظيم القضائي الجنائي العام.
3 - الأصل أن كل إجراء تم صحيحاً في ظل قانون، يظل صحيحاً وخاضعاً لأحكام هذا القانون، ومن ثم فإذا تعدت الدعوى الجنائية مرحلتي التحقيق والإحالة وتجاوزتهما إلى مرحلة المحاكمة التي بلغتها فعلاً أمام محاكم الحدود وسعت إليها إجراءات صحيحة في ظل القانون المعمول به وقت ذاك، فليس من شأن إلغائه نقض هذه الإجراءات أو إهدار ما تم منها عبر المرحلة السابقة على المحاكمة.
4 - قضاء الحكم المطعون فيه خطأ بعدم قبول الدعوى الجنائية بحالتها الراهنة، يعد في الواقع - على الرغم من أنه غير فاصل في موضوع الدعوى - منهياً للخصومة على خلاف ظاهره طالما أنه سوف يقابل حتماً - على مقتضى أحكام القانون رقم 88 لسنة 1961 - من مستشار الإحالة فيما لو أحيلت إليه القضية بعدم جواز نظرها لسابقة تقديمها إلى المحكمة المختصة وخروجها من ولايته القضائية، ومن ثم يصح الطعن بالنقض في الحكم المذكور.


الوقائع

اتهمت النيابة العسكرية المطعون ضدهم بأنهم في يوم 10 مايو سنة 1959 بناحية قسم السيدة زينب وكوبري الليمون محافظة القاهرة: أخفوا غاز البنزين المخصص لاستعمال الطائرات وفردة الكاوتشوك والمهمات الأخرى التي سقطت بمحطة مصطفى حلمي الجوية من الصف والعساكر المذكورين بالتحقيق مع علمهم بذلك. وصدر فيها حكم من محكمة الحدود (المحكمة الجنائية العسكرية العليا) ورفض الضابط الآمر بالتشكيل التصديق على الحكم فأعيدت القضية إلى تلك المحكمة فأصرت على رأيها السابق فألغى حكمها بقرار وزير الدولة للشئون الحربية في 6/ 2/ 1960 مع الأمر بإحالتها إلى دائرة عسكرية أخرى، وبعد صدور القانون رقم 88 لسنة 1961 أحالت النيابة العامة المطعون ضدهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للوصف والقيد الواردين بقرار الإحالة. ومحكمة جنايات الجزية قضت حضورياً بعدم قبول الدعوى الجنائية بحالتها الراهنة. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعي على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه قضى بعدم قبول الدعوى الجنائية بحالتها قولاً منه بأن النيابة العامة لم تباشر بصددها الإجراءات المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية قبل إحالتها إلى محكمة الجنايات، مع أن القضية موضوع الطعن كانت منظورة أمام محاكم الحدود عند صدور القانون رقم 88 لسنة 1961 في شأن إلغاء قضاء الحدود، ونصت المادة الخامسة منه على أن تحال إدارياً جميع التحقيقات والدعاوى الجنائية القائمة أمام محاكم الحدود في الجهات المدنية إلى المحاكم المختصة بنظرها بالحالة التي هي عليها. فكان لزاماً على النيابة إحالة هذه الدعوى إلى محكمة الجنايات كإجراء إداري محض تحقيقاً لمقصد الشارع.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى عرض لما دفع به المطعون ضدهم بعدم قبول الدعوى في قوله "وبما أن الدعوى الجنائية بحالتها الراهنة غير مقبولة أمام هذه المحكمة بوصفها محكمة جنايات وذلك لتخلف إجراءات هامة جوهرية تتعلق بالنظام العام كما تتعلق بمصلحة المتهمين وقد تمسكوا ببطلانها إذ يؤدي فواتها إلى عدم دخول القضية في حوزة المحكمة وعدم خروجها من حوزة سلطة التحقيق وهذه الإجراءات هي: (1) عدم تحقيق القضية بمعرفة سلطة التحقيق. (2) انعدام صفة رافع الدعوى أو بعبارة أخرى انعدام سلطته في إحالة هذه الدعوى إلى محكمة الجنايات. (3) انعدام أمر الإحالة" ثم استرسل الحكم في شرح هذه الإجراءات بما مؤداه أن القانون رقم 88 لسنة 1961 مع إلغائه لجهات قضاء الحدود وإحالة التحقيقات والدعاوى الجنائية بحالتها إلى المحاكم المختصة في القضاء العادي، فقد حرص على التنصيص بإلزام النيابة باتخاذ الإجراءات الواجبة في هذا الشأن مما مقتضاه وجوب التزامها في تلك القضايا بالإجراءات التي فرضها قانون الإجراءات الجنائية وهي وجوب إجراء تحقيق من النيابة العامة أو قاضي التحقيق في الجناية وإذا ما رؤى إحالتها إلى محكمة الجنايات يلزم أن يكون ذلك عن طريق مستشار الإحالة بتقرير اتهام وقائمة شهود إثبات وأمر إحالة ثم انتهى الحكم إلى أنه ما دامت القضية موضوع الطعن جناية لم تحقق بمعرفة النيابة العامة أو قاضي التحقيق وأحيلت إلى محكمة الجنايات بمجرد تأشيرة من رئيس نيابة الجيزة بإرسال القضية إلى محكمة الجنايات عن غير طريق مستشار الإحالة ودون تقرير اتهام وقائمة شهود وأمر إحالة، فإن الدعوى الجنائية تكون غير مقبولة. وما انتهى إليه الحكم فيما تقدم غير صحيح في القانون. ذلك بأن الشارع بعد أن قضى بتطبيق النظام القضائي العام على بعض المناطق التابعة لأقسام الحدود بمقتضى القانون رقم 115 لسنة 1946 رأى لاعتبارات تتعلق بالأمن والعمل على استتبابه بكافة الوسائل وخصوصاً في مناطق الحدود المترامية الأطراف، استثناء المواد الجنائية من أحكام هذا القانون. فأصدر القانون رقم 587 لسنة 1953 لهذا الغرض ونص في مادته الأولى على أن تتبع في شأنها القواعد والإجراءات المطبقة في سلاح الحدود ثم تراءى له من بعد - حين تغيرت الظروف والأوضاع - أنه لم يعد هناك محل لهذا الاستثناء فآثر إصدار القانون رقم 88 لسنة 1961 حيث ألغى بمقتضاه اختصاص محاكم الحدود بالمواد الجنائية في المحافظات التي عينها به والمناطق التي حددها بالقانون رقم 142 لسنة 1961 وناط ذلك الاختصاص بجهات التقاضي في النظام القضائي العام على أن تتبع في شأنها سائر الإجراءات المتبعة أمامه وتصدى لمعالجة الأمر بالنسبة للتحقيقات والدعاوى الجنائية القائمة أمام محاكم الحدود في الأماكن المذكورة فنص في مادته الخامسة على أن: "تحال إدارياً دون مصاريف جميع التحقيقات والدعاوى الجنائية القائمة أمام محاكم الحدود في هذه المحافظات إلى المحاكم العادية المختصة لنظرها بالحالة التي عليها وتتخذ النيابة العامة الإجراءات الواجبة في هذا الشأن" وقد آثر الشارع بمقتضى هذا النص أن تحال تلك القضايا القائمة أمام محاكم الحدود إدارياً بحالتها التي بلغتها بعد دخولها حوزتها، إلى نظيرتها في النظام القضائي العام وهي المحاكم العادية دون عودتها إلى سلطات التحقيق في هذا النظام، ما دام أن تلك القضايا كانت قد تعدت مرحلتي التحقيق والإحالة وتجاوزتهما إلى مرحلة المحاكمة التي بلغتها فعلاً أمام محاكم الحدود وسعت إليها بإجراءات صحيحة في ظل القانون المعمول به وقتذاك وليس من شأن إلغائه نقض هذه الإجراءات أو إهدار ما تم منها عبر المرحلة السابقة على المحاكمة. ذلك أن الأصل أن كل إجراء تم صحيحاً في ظل قانون يظل صحيحاً وخاضعاً لأحكام هذا القانون. وليس في قانون الإجراءات الجنائية ولا غيره ما يقضي بإبطال إجراء تم وانتهى صحيحاً وفقاً للتشريع الذي حصل الإجراء في ظله. أما القول بأن هذا الرأي فيه تفويت لإحدى الضمانات المقررة للمتهمين بمقتضى قانون الإجراءات الجنائية، قياماً لمظنة أن تقرر النيابة العامة أو مستشار الإحالة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبلهم كما أشار الحكم المطعون فيه إلى ذلك، فمردود فضلاً عما سبق، بأن هذه الدعوى قد أضحت بين يدي القضاء وغدت منظورة أمام إحدى جهات المحاكم المختصة بنظرها وفقاً للقانون المعمول به، وبذلك تكون قد خرج من ولاية سلطات التحقيق التي لا تملك بعد انحسار سلطانها عليها بتقديمها للقضاء، حق التصرف فيها على وجه آخر. ومن ثم فلا محل للقول بعودة هذه التحقيقات وتلك الدعاوى إلى سلطة التحقيق في النظام القضائي العام، ولا يسوغ الاحتجاج في هذا المقام بعدم التزام الأحكام المقررة بقانون الإجراءات الجنائية بالنسبة لإحالة القضايا في مواد الجنايات إلى محكمة الجنايات، ذلك أن الإحالة المنصوص عليها في المادة الخامسة المذكورة ليس مصدرها قانون الإجراءات الجنائية حتى يتعين التقيد بإجراءات الإحالة التي رسمها هذا القانون في مختلف نصوصه، وإنما هي إحالة إدارية مبناها دلالة صريحة من الشارع عبر عنها في تلك المادة من القانون رقم 88 لسنة 1961 ولا مجال معها للاحتجاج بما جاء مغايراً لها في تشريع سواه، أما ما ورد بعجز هذه المادة إيجاباً على النيابة العامة بأن تتخذ الإجراءات الواجبة في هذا الشأن، فإن دلالة سياق النص لا تدع مجالاً للشك في أن مراد الشارع قد تعلق بخطابه للنيابة العامة بأن تتخذ ما يمليه القانون في شأن إعلان القضايا وإرسالها إلى المحاكم العادية التي أصبحت مختصة بنظرها والفصل فيها بالنظر إلى الدور الذي تشغله النيابة العامة في التنظيم القضائي الجنائي العام. لما كان ذلك، وكانت الدعوى الجنائية في القضية موضوع الطعن قائمة فعلاً أمام محكمة الحدود عند صدور القانون رقم 88 لسنة 1961 على ما استظهره الحكم المطعون فيه وأصبحت الدعوى بين يدي القضاء وخرجت من ولاية سلطة التحقيق، فإن إحالتها إنما تكون إلى محكمة الموضوع المختصة بعد إلغاء القانون رقم 587 لسنة 1953، وهي محكمة الجنايات. ولا يسوغ القول بإحالتها إلى النيابة العامة أو مستشار الإحالة ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم قبول الدعوى الجنائية يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. لما كان ذلك، وكان هذا الحكم وإن قضى خاطئاً بعدم قبول الدعوى بحالتها الراهنة فإنه يعدم في الواقع على الرغم من أنه غير فاصل في موضوع الدعوى منهياً للخصومة على خلاف ظاهره طالما أنه سوف يقابل حتماً - على مقتضى ما تقدم بيانه من رأي - من مستشار الإحالة فيما لو أحيلت إليه القضية بحكم بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة تقديمها إلى المحكمة المختصة وخروجها من ولايته القضائية ومن ثم فإن هذا الحكم يكون صالحاً لورود الطعن عليه بالنقض، ولما كان الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون، فإنه يتعين قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى الجنائية بحالتها والإحالة إلى محكمة الجنايات لنظر الموضوع.