أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 21 - صـ 244

جلسة 8 من فبراير سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ سعد الدين عطيه، وعضوية السادة المستشارين: أنور أحمد خلف، محمود كامل عطيفه، والدكتور أحمد محمد إبراهيم، والدكتور محمد محمد حسنين.

(60)
الطعن رقم 1783 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج، د) إثبات. "إثبات بوجه عام". "خبرة". تزوير. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
( أ ) عدم التزام المحاكم الجنائية بترسم الطريق المرسوم للطعن بالتزوير أمام المحاكم المدنية. عدم تقيد القاضي الجنائي بسلوك طريق خاص في تحري الأدلة.
(ب) الجدل الموضوعي في مسائل واقعية. استقلال محكمة الموضوع بتقديره بلا معقب عليها من محكمة النقض.
(ج) عدم التزام المحكمة بإجابة طلب ندب خبير في الدعوى ما دامت الواقعة قد وضحت لديها.
(د) الجدل حول تقدير قيمة الدليل المستمد من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير. استقلال محكمة الموضوع به. عدم جواز إثارته أمام محكمة النقض.
1 - إن ما جاء في القانون عن حجية الأوراق والأحكام المقررة للطعن فيها إنما محله قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية حيث عينت الأدلة ووضعت أحكام لها وألزم القاضي بأن يجرى في قضائه على مقتضاها، وأن الطريق المرسوم للطعن بالتزوير أمام المحاكم المدنية هو طريق خاص بها، وليس في القانون ما يجبر المحاكم الجنائية على ترسمه لأنها في الأصل حرة في انتهاج السبيل الموصل إلى اقتناعها ولم يرسم القانون في المواد الجنائية طريقاً خاصاً للقاضي يسلكه في تحري الأدلة. ومن ثم فلا محل لما يتحدى به الطاعن من أن المجني عليه لم يطعن على الإيصال بالتزوير المادي ولم يزعم أن التوقيع مقلد بالكتابة أو بالنقل من توقيع آخر وما يترتب على ذلك من وجوب اعتبار الورقة صحيحة وصادرة منه
2 - متى كانت المحكمة قد استخلصت للأسباب السائغة التي أوردتها أن التوقيع المنسوب إلى المجني عليه على المخالصة المقدمة من الطاعن هو توقيع مزور عليه ورتب على ذلك ثبوت واقعة الاختلاس في حقه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يعد من قبيل الجدل الموضوعي في مسائل واقعية تملك محكمة الموضوع التقدير فيها بلا معقب عليها من محكمة النقض.
3 - من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بإجابة طلب ندب خبير في الدعوى ما دامت الواقعة قد وضحت لديها.
4 - متى كان ما يسوقه الطاعن من مطاعن في تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير ينحل إلى جدل في تقدير قيمة هذا الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع فلا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في غضون الفترة من 10 مايو سنة 1964 حتى 14 نوفمبر سنة 1964 بدائرة قسم العطارين محافظة الإسكندرية: (أولاً) بصفته موظفاً عمومياً ومن مأموري التحصيل "موظفاً بشركة طنطا للزيوت والصابون المملوكة للدولة" اختلس مبلغ 749 جنبها و940 مليماً من أموال الشركة المذكورة وكان قد حصلها بناء على صفته سالفة الذكر. (ثانياً) بصفته السابقة ارتكب تزويراً في محرر تلك الشركة هو إيصال يفيد استلام مدير فرع الشركة بالإسكندرية "سليم مرشد روفائيل" للمبلغ المختلس في 5 نوفمبر سنة 1964 بأن اصطنع هذا الإيصال ووقع عليه بإمضاء مزور نسبه زوراً إلى مدير الفرع سالف الذكر (ثالثاً) استعمل المحرر المزور سالف البيان مع علمه بتزويره بأن قدمه في التحقيق للتدليل على براءته. (رابعاً) استحصل بغير حق على خاتم مدير فرع الشركة سابقة الإيضاح بأن بصم به الإيصال المزور ليوهم بصحته مع علمه بتزويره. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 111/ 6 و112 و118 و119 و206 و207 و214/ 1 - 2 من قانون العقوبات، فقرر بذلك. وادعت شركة طنطا للزيوت والصابون بحق مدني قبل المتهم وطلبت إلزامه بأن يؤدي لها مبلغ خمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً عملاً بالمواد 111/ 6 و112 و119 و206 و214/ 1 - 2 و32 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وإلزامه برد مبلغ 749 جنيهاً و940 مليماً وعزله من وظيفته وبتغريمه مبلغ 749 جنيهاً و940 مليماً وإلزامه بأن يؤدي لشركة طنطا للزيوت والصابون مبلغ خمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف ومبلغ عشرة جنيهات أتعاباً للمحاماة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.. إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم اختلاس مال مملوك لإحدى الشركات المملوكة للدولة، وتزوير محرر لهذه الشركة واستعمال المحرر المزور، قد شابه قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه بالرغم من أن مدير الشركة المجني عليها قد أقر بصحة توقيعه على الإيصال المقدم من الطاعن، ولم يطعن عليه بالتزوير المادي فقد أهدرت المحكمة حجية هذا الدليل، ودانت الطاعن أخذاً بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير المشوب بالبطلان لإغفال الكيماوي الشرعي تحقيق المأمورية التي طلبتها النيابة منه وتعرضه من تلقاء نفسه لفحص آخر لم يطلب منه ولم يكن من اختصاصه أو من طبيعة عمله إجراؤه. والتفتت المحكمة عن طلب الطاعن الترخيص له بتقديم تقرير من خبير استشاري مع أنه طلب منتج في الدعوى، كما جاء الحكم مجملاً في بيان وقائع الدعوى بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجرائم الاختلاس والتزوير والاستعمال التي دان الطاعن بها، وأقام عليها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات، ومن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير، ومن مناقشة الخبير ووكيل قسم أبحاث التزييف والتزوير بالجلسة، وهي أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد استخلصت للأسباب السائغة التي أوردتها أن التوقيع المنسوب إلى المجني عليه على المخالصة المقدمة من الطاعن هو توقيع مزور عليه، ورتب على ذلك ثبوت واقعة الاختلاس في حقه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يعد من قبيل الجدل الموضوعي في مسائل واقعية تملك محكمة الموضوع التقدير فيها بلا معقب عليها من محكمة النقض. أما ما يتحدى به الطاعن من أن المجني عليه لم يطعن على الإيصال بالتزوير المادي، ولم يزعم أن التوقيع مقلد بالكتابة أو بالنقل من توقيع آخر، وما يترتب على ذلك من وجوب اعتبار الورقة صحيحة وصادرة منه، فإن ذلك مردود بأن ما جاء في القانون عن حجية الأوراق والأحكام المقررة للطعن فيها إنما محله قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية حيث عينت الأدلة ووضعت أحكام لها وألزم القاضي بأن يجري في قضائه على مقتضاها، وأن الطريق المرسوم للطعن بالتزوير أمام المحاكم المدنية هو طريق خاص بها، وليس في القانون ما يجبر المحاكم الجنائية على ترسمه لأنها في الأصل حرة في انتهاج السبيل الموصل إلى اقتناعها، ولم يرسم القانون في المواد الجنائية طريقاً خاصاً للقاضي يسلكه في تحري الأدلة. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة لا تلزم بإجابة طلب ندب خبير في الدعوى ما دامت الواقعة قد وضحت لديها، وكان ما يسوقه الطاعن من مطاعن في تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير قيمة هذا الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع، ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.