أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 21 - صـ 255

جلسة 9 من فبراير سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمد أبو الفضل حفني، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم أحمد الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، وطه الصديق دنانة، ومحمد ماهر محمد حسن.

(63)
الطعن رقم 1790 لسنة 39 القضائية

( أ ) قتل عمد. "نية القتل". ترصد. عقوبة. "الظروف المشددة". ضرب أفضى إلى الموت. جريمة. "أركانها".
ظرف الترصد: ظرف مشدد للعقوبة وليس عنصراً يدخل في تكوين الجريمة. استبعاد المحكمة نية القتل وظرف الترصد لا يترتب عليه انتفاء ثبوت اقتراف الطاعن لجريمة الضرب المفضي إلى الموت.
(ب، ج، د، هـ) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "شهود". "قرائن". قتل عمد.
(ب) سلطة محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. حقها في تجزئة أقوال الشهود والأخذ بأقوال شاهد لم يحضر إلا بعد وقوع الاعتداء.
(ج) عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي مثال.
(د) التناقض الذي يعيب الحكم.
(هـ) تساند الأدلة في المواد الجنائية. عدم جواز مناقشة دليل بعينه على حدة دون باقي الأدلة. كفاية أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصد منها الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
صحة الاستناد إلى وجود سكين ملوثة بالدماء. كقرينة معززة لباقي الأدلة. مثال في قتل عمد.
1 - ظرف الترصد لا يقصد به إلا أن يكون ظرفاً مشدداً للعقوبة وليس عنصراً يدخل في تكوين الجريمة بحيث يؤثر في المسئولية وجوداً أو عدماً. ومن ثم فإن ما قصدته المحكمة من استبعاد نية القتل وظرف الترصد هو انتفاء مقتضيات تشديد العقوبة دون أن يترتب على ذلك انتفاء ثبوت اقتراف الطاعن لجريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دين بها.
2 - الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من مجموع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها ولها في سبيل ذلك أن تجزئ أقوال الشهود فتأخذ بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه دون أن تلتزم ببيان العلة ولها أن تأخذ بأقوال شاهد لم يحضر إلا بعد أن وقع الاعتداء متى رأت المحكمة أن أقواله تمثل الواقع.
3 - من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي وتقصيها في كل جزئية منها وبيان العلة فيما أعرضت عنه من شواهد النفي أو أخذت به من أدلة الثبوت ما دام لقضائها وجه مقبول. فلا على المحكمة إن هي لم تعرض بعد ذلك إلى دفاع الطاعن بشأن التشكك في تصديق رواية شاهدي الإثبات لازدحام الطريق الذي وقع به الحادث لأنه دفاع لا يستأهل من المحكمة رداً خاصاً.
4 - التناقض الذي يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة.
5 - من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، ومن ثم فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصد منها الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في شأن الدليل الذي استمده الحكم من وجود سكين بحدين ملوثة بالدماء مردود عليه بأنه لم يكن لها أثر في تكوين عقيدة المحكمة أكثر من أنها قرينة عامة تعزز باقي الأدلة والعناصر الأخرى التي أوردها الحكم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 19 مارس سنة 1968 بدائرة مركز ملوي محافظة المنيا: قتل مع آخر عمداً ومع سبق الإصرار والترصد عبد العزيز عبد الرحمن سليمان بأن بيتا النية على قتله وأعدا لذلك (سكيناً) حملها المتهم الأول وعصا حملها المتهم الثاني وترصداه في الطريق الذي اعتاد المرور منه ولما ظفرا به أوسعاه ضرباً وطعناً على رأسه وفي صدره قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. فقرر بذلك. وادعى مدنياً توحيد عبد العزيز عبد الرحمن ابن المجني عليه وطلب القضاء له قبل المتهم بمبلغ 250 ج على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات المنيا قضت حضورياً عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة مدة سبع سنوات وإلزامه أن يدفع إلى المدعى بالحق المدني مبلغ 250 ج على سبيل التعويض المدني المؤقت والمصروفات المدنية ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه القصور والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه انتهى إلى أن الطاعن ضرب المجني عليه بسكين ولم يقصد من ذلك قتله ولم يكن ذلك عن ترصد سابق دون أن يعني بذكر واقعة الدعوى وأدلة ثبوتها ومؤدى شهادة الشهود على نحو يتضح منه أن المحكمة استعرضت الأدلة وناقشتها واقتنعت بصحتها ولم تعرض المحكمة لدفاع الطاعن بشأن التشكك في تصوير الحادث على النحو الذي أدلى به شاهد الإثبات في طريق مزدحم بالمارة. كما أنها عولت في إدانة الطاعن على شهادة محمد عبد المجيد الذي لم ير الحادث وعلى ضبط سكين لم يتخذ أي إجراء لتحليل الدماء العالقة بها أو مضاهاة البصمات التي عليها وإلى وجود مقعدين مهشمين بمكان الحادث مع أن كلاً منهما لا يصلح دليلاً لثبوت الاتهام قبل الطاعن واستبعد الحكم ظرف الترصد واستبقى نية الضرب مع ما بينهما من تناقض ذلك أن استبعاد الترصد ينفي دعوى الاعتداء. ولم يشر الحكم إلى أن المحكمة قصدت تجزئة شهادة شاهدي الإثبات حتى يمكن التحقق من أنها فطنت إلى ما يصيب شهادتهما في الشطر الذي أسقطته.
وحيث إنه يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة عنيت ببيان واقعة الدعوى على الصورة التي استقرت في وجدانها ثم عرضت للأدلة القائمة على مقارفة الطاعن للجريمة المسندة إليه بما حصلته من أقوال شاهدي الإثبات وضبط السكين ومعاينة المقعدين الخشبيين وتقرير الصفة التشريحية في منطق سليم مردود إلى أصله الثابت في الأوراق. لما كان ذلك، وكان الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من مجموع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها ولها في سبيل ذلك أن تجزئ أقوال الشهود فتأخذ بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه دون أن تلزم ببيان العلة ولها أن تأخذ بأقوال شاهد لم يحضر إلا بعد أن وقع الاعتداء متى رأت المحكمة أن أقواله تمثل الواقع ولا على المحكمة إن هي لم تعرض بعد ذلك إلى دفاع الطاعن بشأن التشكك في تصديق رواية شاهدي الإثبات لازدحام الطريق الذي وقع به الحادث لأنه دفاع لا يستأهل من المحكمة رداً خاصاً لما هو مقرر من أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي وتقصيها في كل جزئية منها وبيان العلة فيما أعرضت عنه من شواهد النفي أو أخذت به من أدلة الثبوت ما دام لقضائها وجه مقبول. أما ما يثيره الطاعن في شأن الدليل الذي استمده الحكم من وجود سكين بحدين ملوثة بالدماء فمردود عليه بأنه لم يكن لها أثر في تكوين عقيدة المحكمة أكثر من أنها قرينة عامة تعزز باقي الأدلة والعناصر الأخرى التي أوردها الحكم. ومن ثم فلا يقبل من الطاعن الاكتفاء بمناقشة دليل بعينه على حدة دون باقي الأدلة لما هو مقرر من أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، ومن ثم فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصد منها الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، ومن ثم فلا يقبل مجادلة المحكمة في تقديرها أو مصادرتها في عقيدتها. لما كان ذلك، وكان التناقض الذي يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة. وكان ظرف الترصد لا يقصد به إلا أن يكون ظرفاً مشدداً للعقوبة وليس عنصراً يدخل في تكوين الجريمة بحيث يؤثر في المسئولية وجوداً أو عدماً، ومن ثم فإن ما قصدته المحكمة من استبعاد نية القتل وظرف الترصد هو انتفاء مقتضيات تشديد العقوبة دون أن يترتب على ذلك انتفاء ثبوت اقتراف الطاعن لجريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دين بها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس ويتعين رفضه.