أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثامنة عشرة - صـ 1191

جلسة 27 من نوفمبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمود العمراوي، ومحمود عطيفه.

(251)
الطعن رقم 1924 لسنة 37 القضائية

(أ، ب، ج، د، هـ) إثبات. "إثبات بوجه عام. خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع.
(أ) جواز معرفة الشخص من صوته، وتمييز الاعتداء بسماعه.
(ب) عدم التزام المحكمة بالرد استقلالاً على التقرير الاستشاري أو تقرير الطبيب المعالج.
(ج) النعي على المحكمة قعودها عن مناقشة الأطباء ترجيحاً لإحدى التقارير. غير مقبول. طالما أن المتهم لم يطلب منها شيئاً من ذلك، ولم تر المحكمة من جانبها محلاً له.
(د) تقدير آراء الخبراء. من إطلاقات محكمة الموضوع.
(هـ) للمحكمة تكوين عقيدتها بما تطمئن إليه من جماع الأدلة وعناصر الدعوى ولو كان ذلك بطريق الاستنتاج، متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.
1 - يصح في منطق العقل أن يعرف الشخص من صوته، خصوصاً إذا سبقت للشاهدة معرفته.
2 - لا تلتزم المحكمة بالرد استقلالاً على التقرير الاستشاري وتقرير الطبيب المعالج.
3 - لا يقبل من الطاعن أن ينعي على المحكمة قعودها عن مناقشة الأطباء أو كبير الأطباء الشرعيين ترجيحاً لإحدى التقارير، طالما أن الثابت من محضر جلسة المحاكمة أنه لم يطلب منها شيئاً من ذلك ولم تر المحكمة من جانبها محلاً له اطمئناناً منها إلى التقرير الطبي الشرعي.
4 - الأمر في تقدير آراء الخبراء من إطلاقات محكمة الموضوع إذ هو متعلق بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى ولا معقب عليه فيه.
5 - الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها بما تطمئن إليه من جماع أدلة وعناصر الدعوى ولو كان ذلك بطريق الاستنتاج متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما في المدة منذ ثلاثة شهور سابقة على 22/ 11/ 1964 وحتى ذلك التاريخ بدائرة قسم مصر الجديدة محافظة القاهرة: (أولاً) المتهمين الأول والثانية ضرباً بسمة أمين رمضان عمداً فأحدثا بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصدا من ذلك قتلها ولكن الضرب أفضى إلى موتها. (وثانياً) المتهم الأول أيضاً (1) أخفى جثة المجني عليها سالفة الذكر ودفنها بدون إخبار جهات الاقتضاء وبدون الكشف عليها وتحقيق حالة موتها وأسبابه. (2) لم يبلغ الجهة المختصة عن وفاة المجني عليها سالفة الذكر في الميعاد المقرر. وطلبت من السيد مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً في 4 مايو سنة 1967 عملاً بالمادتين 242/ 1 و239 من قانون العقوبات والقانون رقم 269 لسنة 1960 مع تطبيق المادتين 55 و56 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمة الثانية بمعاقبة كل من المتهمين بالحبس مع الشغل لمدة سنة وأمرت بالنسبة إلى المتهمة الثانية بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم وذلك على اعتبار التهمة الأولى الموجهة إليهما هي أنهما أحدثا بالمجني عليها الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي احتاجت لعلاج يقل عن عشرين يوماً. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب العمد وإخفاء جثة المجني عليه وعد التبليغ عن وفاتها يكون قد انطوى على فساد في الاستدلال وخطأ في الإسناد وإخلال بحق الدفاع وقصور في التسبيب، ذلك أنه اعتد في إدانة الطاعن بأقوال جيرانه على الرغم من اقتصارها على سماعهم صوت الصياح والاعتداء بمسكن الطاعن دون رؤيته هو أو زوجته يعتديان على المجني عليها، وحصل أقوال الشاهد محمد أحمد مصطفى بما مؤداه سماعه اعتداء زوجة الطاعن المتهمة الثانية على المجني عليها في حين أن الثابت بأقواله أنه لم يشهد بذلك ونفى علمه بسبب الصراخ أو مصدره، هذا إلى أن الحكم أخذ بنتيجة تقرير الطبيب الشرعي دون أن يبين الأسس التي بنى عليها ولم يعرض للتقرير الاستشاري المقدم من الطاعن والذي آزر دفاعه من أن بعض إصابات المجني عليها تحدث نتيجة مصادمة دراجة بخارية وأن إصابات الرأس الرضية لا يمكن حدوثها في الوقت الذي حدده الطبيب الشرعي كما لم يعرض لتقرير الطبيب المعالج الذي انتهى إلى أن الوفاة غير جنائية مما كان يتعين معه مناقشة هؤلاء الأطباء أو كبير الأطباء الشرعيين للترجيح بين هذه التقارير مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مجمله أن المجني عليها وهي فتاة صغيرة، كانت تعمل في خدمة الطاعن وزوجته المتهمة الثانية وأنهما دأبا على إساءة معاملتها وأخذها بالقسوة، فاعتادا ضربها على فترات وترك الضرب بها أثاراً في أنحاء جسدها ونشأ عن إحداها بالعضد الأيسر التهاب غائر ومتسع "غلفموني" وترتب على ذلك تضاعف الحالة بامتصاص توكسيمي عفن وهبوط بالقلب أدى إلى وفاتها وأن التحقيق لم يكشف عن أي المتهمين هو الذي أحدث هذه الإصابة الأخيرة التي أدت إلى الوفاة، وإذ توفيت المجني عليها لم يبلغ الطاعن عنها وأخفى جثتها بأن وضعها في حقيبة ونقلها من القاهرة إلى بلدته بدائرة محافظة الشرقية وتمكن من دفنها دون إخطار، ثم انتهى الحكم من ذلك إلى أن القدر المتيقن في حق الطاعن وزوجته المتهمة الثانية هو جنحة ضرب ودانهما عنها طبقاً للفقرة الأولى من المادة 242 من قانون العقوبات باعتبارها الجريمة الأشد المرتبطة بجريمتي عدم التبليغ عن الوفاة وإخفاء الجثة وأورد الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن بالصورة السابقة أدلة مستمدة من أقوال كل من كونستانتين نيقولا وانتريكا كابولي ويني كيماروس جيران الطاعن من أنهم اعتادوا سماع الطاعن يعتدي على المجني عليها بالضرب داخل مسكنه وأنهم ميزوا ذلك من استغاثة المجني عليها ورد الطاعن عليها مراراً محذراً إياها أثناء اعتدائه عليها ومما جاء بالتقرير الطبي الشرعي. لما كان ذلك، وكان لهذه الأدلة أصلها الصحيح الثابت بالأوراق ولم يجادل الطاعن في صحة ما نقله الحكم عنها وكان من شانها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، وكان الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها بما تطمئن إليه من جماع أدلة وعناصر الدعوى ولو كان ذلك بطريق الاستنتاج متى كان ما حصله الحكم في هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي، وكان يصح في منطق العقل أن يعرف الشخص من صوته ويتميز الاعتداء بسماعه خصوصاً إذا سبقت للشاهد معرفته بمن سمعه، وكان تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع وحدها. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل إذ هو لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه أن استدلاله بأقوال الشاهد محمد أحمد مصطفى كان في معرض إثبات التهمة في حق المتهمة الثانية دون الطاعن، فإنه لا يقبل منه ما يثيره بشأنها حتى بفرض صحة زعمه من خطأ الحكم في الإسناد في خصوصها. لما كان ذلك، وكان الأمر في تقدير آراء الخبراء من إطلاقات محكمة الموضوع إذ هو متعلق بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى ولا معقب عليها فيه، وكان البادي من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن بين إصابات المجني عليها من واقع التقرير الطبي الشرعي أبدى اطمئنانه إلى ما انتهى إليه هذا التقرير من "أن الإصابتين اللتين في فروة الرأس رضيتين حيويتين تنشأن من المصادمة بجسم راض ومضى عليهما حوالي يوم وأن الإصابة الثالثة تشير إلى رض حيوي حدث من خمسة إلى عشرة أيام وأن التقرحات التي بالجسم تنشأ من الكي بجسم مستطيل الشكل محمى ذي حرارة مرتفعة ولا تقل أدناها عن عشرة أيام.. وأن سبب الوفاة جنائية نجمت من مجموع التقرحات المتقيحة المشاهدة بمختلف أجزاء الجسم وما نجم عن إحداها من حصول التهاب قيحي غائر ومتسع بأنسجة العضد وما ترتب على ذلك من تضاعف الحالة بامتصاص توكسيمي عنه وهبوط في القلب" واتخذ الحكم من ذلك دليلاً مؤيداً لأقوال شهود الإثبات ودان الطاعن بجنحة الضرب وهي القدر المتيقن في حقه، فإن هذا يفيد أنه أطرح التقرير الاستشاري وتقرير الطبيب المعالج، والمحكمة غير ملزمة من بعد بالرد عليهما استقلالاً، ولا يقبل من الطاعن أن ينعي على المحكمة قعودها عن مناقشة هؤلاء الأطباء أو كبير الأطباء الشرعيين ترجيحاً لإحدى التقارير طالما أن الثابت من محضر جلسة المحاكمة أنه لم يطلب منها شيئاً من ذلك ولم تر المحكمة من جانبها محلاً له اطمئناناً منها إلى التقرير الطبي الشرعي، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. وحيث إنه لما تقدم، يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.