أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثامنة عشرة - صـ 1203

جلسة 28 من نوفمبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني.

(253)
الطعن رقم 1553 لسنة 37 القضائية

(أ) تموين. خبز. مسئولية جنائية "المسئولية المفترضة". ظروف مخففة.
(أ) استحقاق صاحب المحل المتهم في جريمة من جرائم القانون 95 لسنة 1945 عقوبتي الحبس والغرامة معاً، إلا إذا تعذر عليه منع وقوع الجريمة بسبب الغياب أو استحالة المراقبة، فتسقط عقوبة الحبس عنه دون الغرامة.
(ب، ج، د) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام". "قرائن". تموين. خبز.
(ب) حق القاضي الجنائي في التعرض لأدلة الدعوى وتقديرها تحقيقاً للعدالة. الأصل فيه الإطلاق دون قيد. إلا في الأحوال المستثناه قانوناً.
(ج) جواز اتخاذ القاضي الجنائي من أية بينة أو قرينة دليلاً لحكمه. ما لم يقيده القانون.
(د) تقدير توافر عذر الغياب من عدمه. موضوعي.
1 - مؤدى نص المادة 58 من المرسوم بقانون 95 لسنة 1945 أن صاحب المحل يكون مسئولاً مستحقاً لعقوبتي الحبس والغرامة معاً - متى وقعت في المحل جريمة من الجرائم المنصوص عليها في القانون، ومسئوليته هذه فرضية تقوم على أساس افتراض إشرافه على المحل ووقوع الجريمة باسمه ولحسابه، وإنما تقبل هذه العقوبة التخفيف بما يسقط عقوبة الحبس دون الغرامة إذا أثبت أنه كان غائباً أو استحالت عله المراقبة فتعذر عليه منع وقوع المخالفة [(1)].
2 - لا يصح النعي على المحكمة تجاوزها حدود سلطتها لأنها قضت بتوافر عذر الغياب المخفف على الرغم من عدم تمسك المتهم به، ذلك بأن واجب المحكمة في تقدير أدلة الدعوى يمتنع معه القول بأن هناك من الأدلة ما يحرم عليها الخوص فيه، إذ في ذلك ما قد يجر في النهاية إلى القضاء بإدانة بريء أو توقيع عقوبة مغلظة بغير مقتض وهو أمر يؤذي العدالة وتتأذى منه الجماعة، مما يحتم إطلاق يد القاضي الجنائي في تقدير الأدلة وقوتها في الإثبات دون قيد فيما عدا الأحوال المستثناة قانوناً.
3 - الأصل في الإثبات في المواد الجنائية هو باقتناع القاضي واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه، فقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، ولم يخرج المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 عن هذا الأصل.
4 - استقر قضاء محكمة النقض على أن تقدير توافر عذر الغياب أو عدم توافره والدلائل التي تؤدي إلى ذلك هو من صميم اختصاص قاضي محكمة الموضوع.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده وآخر بأنهما في يوم 5 ديسمبر سنة 1964 بدائرة بندر شبرا: الأول بصفته صاحب مخبز والثاني المدير المسئول أنتجا خبزاً بلدياً يقل عن الوزن المقرر. وطلبت عقابهما بالمواد 1 و24/ أ - ب و38 و40 من القرار رقم 90 لسنة 1957 المعدل بالقرار رقم 79 لسنة 1961 و74 لسنة 1961 والمادة 56 من المرسوم بقانون 95 لسنة 1945. ومحكمة بندر شبرا الجزئية قضت في الدعوى حضورياً اعتبارياً بتاريخ 4 ديسمبر سنة 1965 عملاً بمواد الاتهام بتغريم كل من المتهمين مائة جنيه والمصادرة. فاستأنف هذا الحكم كل من النيابة العامة والمطعون ضده. ومحكمة بنها الابتدائية قضت في الاستئناف حضورياً للمطعون ضده وغيابياً للمتهم الآخر بقبول استئناف النيابة العامة شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف بالنسبة إلى المتهم الأول وبإجماع الآراء بالنسبة إلى المتهم الثاني بتعديل الحكم المستأنف وحبسه ستة أشهر مع الشغل وشهر ملخص الحكم على واجهة المخبز لمدة ستة أشهر. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بتغريم المطعون ضده مائة جنيه عن جريمة إنتاجه خبزاً بلدياً يقل عن الوزن المقرر قانوناً قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن مجرد غياب صاحب المخبز - المطعون ضده - وقت الضبط لا ينهض بذاته سبباً في عدم توقيع عقوبتي الحبس والغرامة معاً لأن مسئوليته عن الجريمة مسئولية فرضية تقوم على أساس افتراض إشرافه على المخبز وإنما تقبل هذه العقوبة التخفيف بما يسقط عقوبة الحبس دون الغرامة إذا أثبت أنه بسبب غيابه أو استحالة مراقبته لم يتمكن من منع وقوع المخالفة. وإذ كان المطعون ضده لم يثر بدرجتي التقاضي أنه قد استحال عليه مراقبة مخبزه، فإن الحكم إذا انتهى إلى توافر العذر المخفف وقضى بعقوبة الغرامة وحدها يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد والمكمل بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة إنتاج خبز بلدي يقل عن الوزن المقرر قانوناً التي دان المطعون ضده بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه إذ عرض إلى مسئولية المطعون ضده باعتبار مالكاً للمخبز قال: "حيث إنه بالنسبة إلى المتهم الأول - المطعون ضده - فإنه لما كان الثابت من محضر ضبط الواقعة إنه لم يكن موجوداً بالمحل وقت الضبط الأمر الذي تتخذ منه المحكمة دليلاً على عدم إمكانه منع وقوع المخالفة فمن ثم يكون الحكم المستأنف إذ اقتصر على توقيع عقوبة الغرامة طبقاً للمادة 58 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 لم يتعد الصواب فيما انتهى إليه مما يتعين معه رفض استئناف النيابة وتأييد الحكم المستأنف بالنسبة لهذا المتهم". لما كان ذلك، وكانت الفقرة الأخيرة من المادة 37 من القرار الوزاري رقم 90 لسنة 1957 في شأن استخراج الدقيق وصناعة الخبز المعدلة بالقرار رقم 109 لسنة 1959 قد أحالت في بيان العقوبة على المادة 56 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 في شئون التموين والقوانين المعدلة له. وكانت المادة الأخيرة تقضي بمعاقبة كل مخالفة لأحكام القانون بالحبس والغرامة معاً في الحدود المبينة بها. وكانت المادة 58 من المرسوم بقانون سالف الذكر قد نصت على "يكون صاحب المحل مسئولاً مع مديريه أو القائم على إدارته عن كل ما يقع في المحل من مخالفات لأحكام هذا المرسوم بقانون، ويعاقب بالعقوبات المقررة لها، فإذا أثبت أنه بسبب الغياب أو استحالة المراقبة لم يتمكن من منع وقوع المخالفة اقتصرت العقوبة على الغرامة المبينة في المواد من 50 إلى 56 من هذا المرسوم بقانون". ومؤدى هذا النص أن صاحب المحل يكون مسئولاً مستحقاً لعقوبتي الحبس والغرامة معاً متى وقعت في المحل جريمة من الجرائم المنصوص عليها في القانون، ومسئوليته هي مسئولية فرضية تقوم على أساس افتراض إشرافه على المحل ووقع الجريمة باسمه ولحسابه، وإنما تقبل هذه العقوبة التخفيف بما يسقط عقوبة الحبس دون الغرامة إذا ثبت أنه كان غائباً أو استحالت عليه المراقبة فتعذر عليه منع وقوع المخالفة. لما كان ذلك، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن المطعون ضده دفع بعدم مسئوليته عن المخبز لسبق بيعه إلى المحكوم عليه الآخر دون أن يقدم عقد البيع، كما أثار في دفاعه أنه لا علاقة له بالمخالفة التموينية المسندة إليه. ولما كانت محكمة الموضوع وإن التفتت عن دفاعه القانوني مما مفاده أنها لم تر فيه ما يستأهل رداً لما قدرته من ظهور بطلانه فأطرحته، إلا أنها اتخذت من دفاعه الموضوعي ومما ثبت بمحضر جمع الاستدلالات من غيابه عن مخبزه وقت الضبط دليلاً على أنه قد تعذر عليه منع وقوع المخالفة فدانته على مقتضى الفقرة الثانية من المادة 58 من المرسوم بقانون 95 لسنة 1945 وأوقعت عليه عقوبتها. لما كان ذلك، وكانت العبرة في الإثبات في المواد الجنائية هي باقتناع القاضي واطمئنان إلى الأدلة المطروحة عليه، فقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه، إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه. ولما كان القانون في الفقرة الثانية من المادة 58 من المرسوم بقانون سالف البيان وإن اشترط في الغياب الذي يصلح عذراً في توقيع العقوبة المخففة أن يكون من شأنه أن يحول دون منع وقوع المخالفة، إلا أنه لم يقيد المحكمة في إثباته أو نفيه بدليل معين. وإذ كان تقدير توافر هذا العذر أو عدم توافره والدلائل التي تؤدي إلى ذلك هو من صميم اختصاص قاضي محكمة الموضوع - على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص من أدلة الدعوى ودفاع المطعون ضده أن غيابه عن مخبزه قد حال دون تمكنه من منع وقوع المخالفة، وهو استخلاص لا يتنافر ومقتضى العقل والمنطق فإنه لا يقبل من الطاعنة مصادرة المحكمة في عقيدتها أو مجادلتها في عناصر اطمئنانها، ولا يصح أن تنعي على المحكمة تجاوزها حدود سلطتها لأنها قضت بتوافر العذر المخفف على الرغم من عدم تمسك المطعون ضده به، ذلك بأن واجب المحكمة في تقدير أدلة الدعوى يمتنع معه القول بأن هناك من الأدلة ما يحرم عليها الخوض فيه، إذ في ذلك ما قد يجر في النهاية إلى القضاء بإدانة بريء أو توقيع عقوبة مغلظة بغير مقتض وهو أمر يؤذي العدالة وتتأذى منه الجماعة، مما يحتم إطلاق يد القاضي الجنائي في تقدير الأدلة وقوتها في الإثبات دون قيد فيما عدا الأحوال المستثناه قانوناً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


[(1)] (نفس المبدأ مقرر في الطعن رقم 324 لسنة 36 ق جلسة 13/ 5/ 1966 س 17 ص 732)