أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثامنة عشرة - صـ 1210

جلسة 4 من ديسمبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح، ومحمود عطيفة.

(255)
الطعن رقم 1784 لسنة 37 القضائية

حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". إثبات. قتل عمد. سلاح.
استناد الحكم في إدانة الطاعن - فيما استند إليه - إلى استعراف الكلب "البوليسي"، ثم إفصاحه بعد ذلك عن عدم اطمئنانه إليه بالنسبة للطاعن وللمتهم الآخر معه، يصمه بالتناقض والاضطراب في الفكر.
إذا كان مفاد ما أورده الحكم أنه استند في إدانة الطاعن - فيما استند إليه - إلى استعراف الكلب "البوليسي" على المتهمين، في حين أنه أطرح هذا الاستعراف - وهو بمعرض تفنيد الأدلة القائمة ضد المتهم الأول، مفصحاً عن عدم اطمئنانه إليه بالنسبة إلى كلاً المتهمين، فإن ذلك يصم استدلال الحكم بالتناقض والاضطراب الذي ينبئ عن اختلال فكرته عن عناصر الواقعة التي استخلص منها الإدانة، وعدم استقرارها في عقيدته، ولا يقدح في ذلك أن يكون الحكم قد استند في إدانة الطاعن إلى أدلة أخرى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يشد بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا انهار أحدها أو استبعد تعذر الوقوف على مدى الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1 - ... 2 - ... (الطاعن) بأنهما في يوم 23 فبراير سنة 1966 بدائرة مركز الصف محافظة الجيزة: (المتهم الأول) قتل عمداً زايد سليمان حسن بأن أطلق عليه مقذوفاً نارياً من بندقية كان يحملها قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياته. (المتهم الثاني) شرع في قتل مجد طه مجد عمداً بأن أطلق عليه مقذوفاً نارياً من بندقية كان يحملها قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج. المتهمين معاً 1 - أحرزا بغير ترخيص سلاحاً نارياً مششخناً (بندقية) 2 - أحرزا ذخيرة مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً لهما بحيازته أو إحرازه. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالوصف والقيد الواردين بقرار الاتهام. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضورياً بتاريخ 24 يناير سنة 1967 عملاً بالمواد 45 و46 و234/ 1 من قانون العقوبات والمواد 1 و2 و26/ 2 - 4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 546 لسنة 1954 والجدول رقم 3 الملحق مع تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الثاني والمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى المتهم الأول (أولاً) بمعاقبة المتهم الثاني بالأشغال الشاقة مدة سبع سنوات ومصادرة البندقية والذخيرة المضبوطتين. (ثانياً) ببراءة المتهم الأول مما أسند إليه فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم شروع في قتل عمد وإحراز سلاح وذخيرة بغير ترخيص، قد شابه تناقض وفساد في الاستدلال، ذلك بأنه استند - فيما استند إليه - في قضائه بالإدانة إلى استعراف الكلب "البوليسي" على الطاعن ومتهم آخر بعد شمه البندقية والذخيرة المضبوطتين - في حين أنه قضى ببراءة هذا المتهم الآخر من تهمة القتل المسندة إليه في الواقعة ذاتها وكان من بين ما ساقه في صدد إطراحه لأدلة الاتهام القائمة قبله عدم اطمئنان المحكمة إلى ذلك الاستعراف. وهو تناقض ظاهر يفسد استدلال الحكم بما يعيبه ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى - كما صورها الاتهام - بما مؤداه أن شجاراً قام في ظهر يوم 13 فبراير سنة 1966 بناحية عرب الحصار التابعة لمركز الصف بين عائلتي أبو إبراهيم والمحرق - أطلق على أثره......... (الطاعن) - وهو من عائلة المحرق - عياراً نارياً من بندقية كان يحملها على مجد طه مجد الذي ينتمي إلى عائلة أبو إبراهيم - قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو تدارك المجني عليه بالعلاج. وأعقب ذلك أن أطلق المتهم الأول............ الذي "قضى ببراءته" وهو من عائلة المحرق عياراً نارياً من بندقيته على زايد سليمان حسين - من عائلة أبو إبراهيم - قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وقد عثر رجال الشرطة عقب الحادث على بندقية (لي انفيلد) بداخلها طلقتان مدفونة بالرمال على بعد حوالي نصف كيلو من منزل الطاعن. واستعرف الكلب "البوليسي" على المتهمين بعد شم البندقية والذخيرة المضبوطتين. وبعد أن أورد الحكم الأدلة التي استندت إليها النيابة العامة في إثبات التهمة على التهمتين - ومن بينها القرينة المستمدة من إستعراف الكلب "البوليسي" عليهما - ناقش تلك الأدلة بالنسبة إلى الاتهام المسند إلى المتهم الأول، وخلص إلى عدم اطمئنانه إليها للاعتبارات التي ساقها، مطرحاً ذلك الاستعراف بقوله: "وحيث إن المستفاد من استعراف الكلب البوليسي أنه تعرف بعد شم البندقية والذخيرة المضبوطة على المتهمين كليهما وهو ما لا تطمئن معه المحكمة ولذلك تكون التهمة المسندة للمتهم الأول مشكوكاً فيها إلى حد بعيد ويتعين براءته منها". ثم تناول الحكم موقف الطاعن من الاتهام الموجه إليه بقوله: "وحيث إن المحكمة تعتمد أدلة الإثبات المقدمة من النيابة ضد المتهم الثاني عيد حسن سليم (الطاعن) وتطمئن إليها ولا تلتفت لإنكاره وترد دفاعه اطمئناناً منها لتلك الأدلة وتأخذه بمقتضاها". وانتهى الحكم مما تقدم إلى القضاء بإدانة الطاعن وبراءة المتهم الأول مما أسند إليه. لما كان ذلك، وكان مفاد ما أورده الحكم أنه استند في إدانة الطاعن - فيما استند إليه - إلى استعراف الكلب "البوليسي" على المتهمين، في حين أنه أطرح هذا الاستعراف - وهو بمعرض تفنيد الأدلة القائمة ضد المتهم الأول الذي قضى ببراءته - مفصحاً عن عدم اطمئنانه إليه بالنسبة إلى كلاً المتهمين، مما يصم استدلال الحكم بالتناقض والاضطراب الذي ينبئ عن اختلال فكرته عن عناصر الواقعة التي استخلص منها الإدانة وعدم استقرارها في عقيدته. ولا يقدح في ذلك أن يكون الحكم قد استند في إدانة الطاعن إلى أدلة أخرى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يشد بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا انهار أحدها أو استبعد تعذر الوقوف على مدى الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة بغير حاجة إلى بحث سائر أوجه الطعن.