أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثامنة عشرة - صـ 1218

جلسة 4 من ديسمبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، وأنور أحمد خلف.

(257)
الطعن رقم 2069 لسنة 37 القضائية

(أ) سرقة. "السرقة بإكراه". إكراه. "ماهيته".
الإكراه في السرقة يتحقق بكل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص لتعطيل قوة المقاومة عندهم تسهيلاً للسرقة. يستوي في ذلك أن تؤدي تلك الوسيلة إلى النتيجة بذاتها أم بعد إعداد على نحو معين. مثال في إعطاء المجني عليها مادة السكران.
(ب) تفتيش. بطلان. دفوع. "الدفع ببطلان التفتيش".
عدم قبول الدفع ببطلان تفتيش المسكن من غير حائزة.
(ج، د) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "إثبات بوجه عام. شهادة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ج) تناقض أقوال الشهود لا يعيب الحكم. ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم بما لا تناقض فيه.
(د) من حق محكمة الموضوع أن تستظهر الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من جماع العناصر المطروحة عليها، وأن تأخذ من الأدلة ما ترتاح إليه.
1 - لم ينص القانون في المادة 314 عقوبات على نوع معين من أنواع الإكراه. فالإكراه في السرقة يتحقق بكل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص لتعطيل قوة المقاومة وإعدامها عندهم تسهيلاً للسرقة، سواء كانت تؤدي إلى تلك النتيجة بذاتها أم بعد إعداد وعلى نحو معين، فإذا كان الحكم المطعون فيه قد استخلص من التقرير الطبي أن السكران هو نبات غني بالأتروبين وأنه يستعمل في التخدير بقصد السرقة، وأن مفعوله يؤدي إلى تخدير الجهاز العصبي وأن التأثير الهام الذي يحدثه هو شلل أطراف الأعصاب، وأن المتهم وضع تلك المادة وهو عالم بتأثيرها في شراب تناولته المجني عليها وأنه هدف من ذلك إلى تعطيل مقاومتها حتى يتمكن من ارتكاب السرقة، فإن الإكراه الذي يتطلبه القانون في المادة 314 عقوبات يكون متحققاً.
2 - الدفع ببطلان التفتيش إنما شرع للمحافظة على حرمة المكان، ومن ثم فإن التمسك به لا يقبل من غير حائزه، وإذا ما كان الطاعن لا يدعي ملكية أو حيازة المكان الذي جرى تفتيشه وضبطت فيه المسروقات، فإنه لا يقبل منه أن يتذرع بانتهاك حرمته.
3 - لا يعيب الحكم تناقض الشهود في أقوالهم ما دام قد استخلص الإدانة من تلك الأقوال بما لا تناقض فيه.
4 - لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث، الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، ومن حقها كذلك بما لها من سلطة تقدير الأدلة أن تأخذ بما ترتاح إليه منها وأن تعول على أقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو عدل عنها في مرحلة أخرى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من الطاعن وأخرى بأنهما في يوم 26 مارس سنة 1962 بدائرة قسم المنتزه محافظة الإسكندرية: شرعا في قتل كريمة أحمد توفيق بجواهر يتسبب عنها الموت عاجلاً أو آجلاً "مادة السكران" بأن قدما لها محلول السكران قاصدين من ذلك قتلها فخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهما فيه هو مداركة المجني عليها وعدم تناولها الكمية الكافية لإحداث الوفاة وكان القصد من هذه الجريمة تسهيل ارتكاب جنحة هي أنهما في الزمان والمكان سالفى الذكر سرقا المصاغ والنقود والمنقولات الأخرى المبينة بالمحضر وصفاً وقيمة للمجني عليها ليلاً الأمر المنطبق على نص المادة 317/ 4 - 5 من قانون العقوبات. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 45 و46 و233 و234/ 1 - 3 من قانون العقوبات، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً بتاريخ أول أبريل سنة 1967 عملاً بالمادة 314/ 2 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الأول (الطاعن) والمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى المتهمة الأخرى (أولاً) بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة خمس سنين. (ثانياً) ببراءة المتهمة الأخرى مما أسند إليها. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة سرقة حلي المجني عليها بالإكراه قد شابه فساد في الاستدلال وانطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأن التهمة أخذا بما هو ثابت في الأوراق على فرض صحته لا تعدو أن تكون جنحة سرقة عادية. إذ الثابت أن المجني عليها قررت في محضر الشرطة عند إبلاغها بالواقعة أنها توجهت مع الطاعن وأخرى إلى مسكن الأول بدعوى شراء قماش منه وأنها وهي في طريقها إليه في سيارة أجرة خشيت على مصاغها من السرقة فوضعته في حقيبة يدها، ولما وصلت إلى ذلك المسكن تركت تلك الحقيبة في وجود الطاعن وذهبت لقضاء بعض حاجتها، وأنها بعد مغادرتها المنزل اكتشفت سرقة مصاغها وإبداله بمصاغ زائف، وكان الطاعن قد أبلغ قسم الشرطة قبل إخطار المجني عليها بالحادث بأنه انتابها مرض عصبي وأنه يعرفها من قبل وعلى صلة بها وإذ حضر زوجها إلى القسم أيده في ذلك، ثم عدلت المجني عليها عن روايتها الأولى في محضر الشرطة وقررت في تحقيقات النيابة أنها وضعت مصاغها في حقيبة يدها أثناء وجودها في منزل الطاعن وتركتها تحت بصره وذهبت لدورة المياه، الأمر الذي ينتفي معه ظرف الإكراه ومن ناحية أخرى فإن مادة السكران التي قيل بأنه قد استعملها في سلب إرادة المجني عليها مباحة التداول ولا تضر بالإنسان إلا في حالات معينة وبطريقة معينة ولم يثبت علمه بخواصها أو أنه كلف زوجته المتهمة الأخرى بوضعها للمجني عليها حتى يعطل مقاومتها وقد دفع ببطلان تفتيش منزله وما ترتب عليه من إجراءات ولكن الحكم لم يعرض لذلك بالرد وعول في قضائه على أقوال الشهود على الرغم مما وقعوا فيه من تناقض، مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه قد انتهى في قضائه إلى أن الطاعن قد استدرج المجني عليها إلى مسكنه وكلف زوجته بدس مادة السكران - التي كان قد اشتراها وأعدها من قبل - في مشروب قدمته لها حتى يشل مقاومتها، وتمكن بذلك من سرقة حليها. ولما كان الحكم قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة عناصر السرقة بالإكراه التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، وكان الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صورة أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان من حقها بما لها من سلطة تقدير الأدلة أن تأخذ بما ترتاح إليه منها وأن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ولو عدل عنها في مرحلة أخرى فلا يقبل النعي على المحكمة أخذها بأقوال المجني عليها أمامها دون أقوالها في المرحلة السابقة على المحاكمة دون بيان علة ذلك. لما كان ما تقدم، وكان ما يثيره الطاعن في شأن مادة السكران التي استعملها في شل مقاومة المجني عليها وأنها حرة التداول ولا تسبب بذاتها فقد مقاومة المجني عليها مردوداً بأن القانون لم ينص في المادة 314 من قانون العقوبات على نوع معين من أنواع الإكراه. فالإكراه في السرقة يتحقق بكل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص لتعطيل قوة المقاومة وإعدامها عندهم تسهيلاً للسرقة، سواء كانت تؤدي إلى تلك النتيجة بذاتها أم بعد إعداد على نحو معين كما ورد في صورة الدعوى. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص من التقرير الطبي أن السكران هو نبات غني بالأتروبين وأنه يستعمل في التخدير بقصد السرقة، وأن مفعوله يؤدي إلى تخدير الجهاز العصبي وأن التأثير الهام الذي يحدثه هو شلل أطراف الأعصاب ثم أثبت الحكم أن الطاعن وضع تلك المادة - وهو عالم بتأثيرها - في شراب تناولته المجني عليها وأنه هدف من ذلك إلى تعطيل مقاومتها حتى يتمكن من ارتكاب جريمته فإن الإكراه الذي يتطلبه القانون في المادة 314 عقوبات يكون متحققاً. لما كان ما تقدم، وكان الحكم لم يعول في قضائه على تفتيش منزل الطاعن وكان الدفع ببطلان التفتيش إنما شرع للمحافظة على حرمة المكان فإن التمسك ببطلان تفتيشه لا يقبل من غير حائزه. ولما كان الثابت أن ما عثر عليه من المسروقات قد ضبط في منزل إحدى الشاهدات، وكان الطاعن لا يدعي ملكية أو حيازة المكان الذي جرى تفتيشه وضبطت هذه المسروقات فيه، فإنه لا يقبل منه أن يتذرع بانتهاك حرمته. لما كان ذلك، وكان ما يثيره بشأن اعتماد الحكم على أقوال الشهود على الرغم من تناقضها مردوداً بأنه فضلاً عن أن هذا القول جاء مرسلاً جهل الطاعن فيه وجه النعي على تلك الأقوال أو التناقض فيها فلا يكون مقبولاً، فإنه لا يعيب الحكم تناقض الشهود في أقوالهم ما دام قد استخلص الإدانة من تلك الأقوال بما لا تناقض فيه.
وحيث إنه لكل ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.