أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 21 - صـ 325

جلسة 2 من مارس سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمد أبو الفضل حفني، وعضوية السادة المستشارين: محمد السيد الرفاعي، وطه الصديق دنانة، ومصطفى محمود الأسيوطي، ومحمد ماهر محمد حسن.

(81)
الطعن رقم 1561 لسنة 39 القضائية

( أ ) خيانة أمانة. تبديد. جريمة. "أركانها". نقض. "حالات الطعن. الخطأ في تطبيق القانون".
جريمة خيانة الأمانة. أركانها: وجوب أن يكون تسليم المال قد تم بمقتضى عقد من عقود الأمانة الواردة حصراً في المادة 341 عقوبات.
العبرة في تحديد ماهية العقد بحقيقة الواقع.
(ب) دعوى مدنية. "مدى اختصاص المحاكم الجنائية بنظرها". "الحكم فيها" اختصاص.
شروط قبول الدعوى المدنية التابعة أمام المحكمة الجنائية.
ثبوت أن قضاء البراءة في الدعوى الجنائية قد بني على أن الواقعة منازعة مدنية بحت. وجوب القضاء بعدم الاختصاص بالفصل في الدعوى المدنية.
1 - لا تقوم جريمة خيانة الأمانة إلا إذا كان تسليم المال قد تم بناء على عقد من عقود الائتمان الواردة على سبيل الحصر في المادة 341 من قانون العقوبات. والعبرة في تحديد ماهية العقد هي بحقيقة الواقع. ولما كان الثابت من الأوراق أن حقيقة العلاقة بين الطاعن والمدعى المدني علاقة مدنية بحت، فإن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة خيانة الأمانة يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه وتصحيحه والحكم ببراءة الطاعن مما أسند إليه.
2 - الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية، وإنما أباح القانون استثناء رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية وكان الحق المدعى به ناشئاً مباشرة عن ضرر وقع للمدعى من الجريمة، فإذا لم يكن الضرر الذي لحق به ناشئاً عنها سقطت تلك الإباحة وسقط معها اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية. ولما كان الحكم بالبراءة بني على أن الواقعة المرفوعة بها الدعوى الجنائية هي منازعة مدنية بحت تدور حول عدم الوفاء بقرض وقد ألبست ثوب جريمة التبديد على غير أساس من القانون أو سند من الواقع، فإن القضاء بالبراءة لهذا السبب يلزم عنه الحكم بعدم الاختصاص بالفصل في الدعوى المدنية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 20 سبتمبر سنة 1967 بدائرة قسم قصر النيل محافظة القاهرة: بدد مبلغ خمسة عشر ألف جنية مملوكة لمصطفى محمد ذكرى الشهير بفايز والتي لم تسلم إليه إلا على سبيل الأمانة فاختلسها لنفسه إضرار بالمجني عليه. وطلبت عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات. وادعى المجني عليه مدنياً وطلب القضاء له قبل المتهم بمبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. ومحكمة قصر النيل الجزئية قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام بحبس المتهم مدة سنة مع الشغل وكفالة 20 ج لوقف التنفيذ وإلزامه أن يدفع إلى المدعى بالحق المدني 51 ج على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف ومبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت غيابياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المتهم بالمصاريف المدنية الاستئنافية فعارض المتهم في هذا الحكم وقضى في معارضته بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم الغيابي الاستئنافي المعارض فيه. فطعن وكيل المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة خيانة الأمانة قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن علاقة الطاعن بالمجني عليه - المدعى المدني - لا تشكل عقداً من عقود الأمانة الواجب توافرها لقيام هذه الجريمة طبقاً لنص المادة 341 من قانون العقوبات التي دين بمقتضاها وإنما هي علاقة مدنية بحت تخرج عن دائرة التأثيم والعقاب مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه حصل واقعة الدعوى في أن الطاعن تسلم من المجني عليه مبلغ 15000 ج على دفعات الأولى منها مبلغ 3000 ج (2500 ج ثم 500 ج) ليوفي بها الطاعن التزاماته، والثانية مبلغ 500 ج ليقضي به حوائجه - ويشتري للمجني عليه سيارة، والثالثة مبلغ 7000 ج ليشتري بها منزلاً له لا لنفسه، ثم حرر نفسه إيصالاً بأنه تسلم من المدعى المدني 15000 ج بصفة أمانة. وعرض الحكم لدفاع الطاعن وأجمله في أنه لم يتسلم من المدعى المدني (المطعون ضده) سوى مبلغ 5500 ج على دفعتين الأولى مبلغ 2500 ج والثانية مبلغ 3000 ج وأن السند المقدم لا يمثل الحقيقة وأنكر أنه تسلم أية مبالغ لشراء سيارة للمجني عليه وعلى الرغم من ذلك، خلصت المحكمة إلى إدانة الطاعن بتهمة تبديد مبلغ الخمسة عشر ألفا من الجنيهات كلها في قولها: "وحيث إنه لا جدال في أن المتهم قد اعترف بصدور الإيصال منه والمقدمة صورته الفوتوغرافية في الأوراق والمتضمن استلامه 15000 ج كأمانة موجودة طرفه، ولا تعول المحكمة على دفاعه في أنه حرر هذا الإيصال على سبيل المزاح وأن صحة المبلغ هو 5000 ج خاصة وأن شاهده عبد الحليم مصطفى قرر بالجلسة أن المتهم اعترف له بأن جملة المبالغ التي تسلمها من المجني عليه 15000 ج. ولما كان الثابت من أقوال المجني عليه والتي تطمئن إليها وتأخذ بها أن من ضمن المبالغ التي تسلمها المتهم (الطاعن) مبلغ 5000 ج سلمت إليه ليكون بها نفسه ويشتري له - أي للمجني عليه - سيارة مرسيدس بثمن مخفض بما له من امتيازات بصفته من رجال السلك السياسي، وقد اعترف المتهم في مذكرته بما يتضمن ذلك إذ قرر أن المجني عليه قد أذن له في استعمال هذا المبلغ لتكملة ثمن شراء السيارات، الأمر الذي تطمئن له المحكمة في استلام المتهم مبلغاً من النقود لاستعماله في غرض معين وهو شراء سيارة للمجني عليه، ومن ثم فإن عدم استعمال المتهم لهذا المبلغ في الغرض الذي اتفق عليه هو والمجني عليه بالإضافة إلى عدم رده لهذا الأخير، وقد اعترف المتهم بالجلسة أن الذي منعه من رد ما تسلمه من المجني عليه هو عجزه عن الرد لظروفه الخاصة، ومن ثم يعتبر هذا منه اختلاساً للمبلغ إضراراً بالمجني عليه، ويتعين لذلك عقابه طبقاً لمادة الاتهام" لما كان ذلك، وكانت جريمة خيانة الأمانة لا تقوم إلا إذا كان تسليم المال قد تم بناء على عقد من عقود الائتمان الواردة على سبيل الحصر في المادة 341 من قانون العقوبات، وكانت العبرة في تحديد ماهية العقد هي بحقيقة الواقع وكان البين من مدونات الحكم أن مبلغ الـ3000 ج الأولى سلمت للطاعن ليوفي بها التزاماته وأن مبلغ الـ7000 ج سلمت إليه لشراء منزل له، مما تخرج به علاقة المديونية بالنسبة لهذين المبلغين عن دائرة التأثيم لكون العقد المبرم بين طرفيها قرضاً. أما بالنسبة لمبلغ الـ5000 ج قيمة الدفعة الثانية، فإن الثابت كذلك إنه لم يخصص هو أو أي جزء منه لشراء سيارة للمجني عليه، وأنه إنما تسلم هذا المبلغ ليصرفه في وجوه خاصة به ولا شأن للمدعى المدني بها على أن يشتري للمجني عليه سيارة وفاء به أو بجزء منه، ومن ثم فإن العقد يكون في واقعه قرضاً اتفق الطرفان فيه على بديل للوفاء ما دام أن ملكية المبلغ قد انتقلت كاملة إلى الطاعن ولم تكن حيازته له حيازة ناقصة يدل على ذلك استصحاب الحال في كافة القروض التي أبرمها الطاعن مع المطعون ضده واتخاذها وجهة واحدة، واشتمال إيصال واحد عليها في نهاية الأمر وليس يصح اقتطاع بعض مبلغها عن سياقه والقول بأنه سلم على سبيل الوكالة لما في ذلك من فساد وإحالة. لما كان ذلك، وكانت حقيقة العلاقة بين الطاعن والمدعى المدني علاقة مدنية بحت حسبما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه إذ دان بجريمة خيانة الأمانة يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه وتصحيحه والحكم ببراءة الطاعن مما أسند إليه. لما كان ذلك، وكان الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية، وإنما أباح القانون استثناء رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية وكان الحق المدعى به ناشئاً مباشرة عن ضرر وقع للمدعى من الجريمة، فإذا لم يكن الضرر الذي لحق به ناشئاً عنها سقطت تلك الإباحة وسقط معها اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية. ولما كان الحكم بالبراءة بني على أن الواقعة المرفوعة بها الدعوى الجنائية هي منازعة مدنية بحت تدور حول عدم الوفاء بقرض، وقد ألبست ثوب جريمة التبديد على غير أساس من القانون أو سند من الواقع، فإن القضاء بالبراءة لهذا السبب يلزم عنه الحكم بعدم الاختصاص بالفصل في الدعوى المدنية.