أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثامنة عشرة - صـ 1250

جلسة 11 من ديسمبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، وأنور أحمد خلف.

(265)
الطعن رقم 1987 لسنة 37 القضائية

(أ، ب، ج) إثبات. "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". قتل عمد.
(أ) ليس للمحكمة الاقتصار في قضائها على ما استخلصه أحد علماء الطب الشرعي، متى كان ذلك مجرد رأي له عبر عنه بألفاظ تفيد الترجيح والاحتمال.
(ب) قضاء الإدانة. وجوب بنائه على الجزم واليقين.
(ج) مثال لإخلال المحكمة في الرد على طلب تحقيق دفاع جوهري.
(د، هـ، و) إثبات. "اعتراف". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب" إكراه.
(د) عدم التعويل على الاعتراف - ولو كان صادقاً - متى كان وليد إكراه.
(هـ) على المحكمة بحث الصلة بين اعتراف المتهم والإصابات المقول بحصولها لإكراهه عليه ونفي قيامها في استدلال سائغ إن هي رأت التعويل على الدليل المستمد منه.
(و) تساند الأدلة في المواد الجنائية.
1 - الأصل أنه وإن كان للمحكمة أن تستند في حكمها إلى الحقائق الثابتة علمياً، إلا أنه لا يجوز لها أن تقتصر في قضائها على ما استخلصه أحد علماء الطب الشرعي متى كان ذلك مجرد رأي له عبر عنه بألفاظ تفيد الترجيح والاحتمال الذي يختلف بحسب ظروف الزمان والمكان دون النظر إلى مدى انطباقه في خصوصية الدعوى.
2 - القضاء بالإدانة يجب أن يبنى على الحزم واليقين.
3 - متى كان الدفاع الذي أبداه الطاعن - من أن المجني عليها لم تقتل بيده بعد ظهر يوم الحادث كما جاء في اعترافه الباطل بل ماتت في الساعة الحادية عشرة صباحاً نتيجة لاعتداء زوجها - على ما أقر به الأخير في التحقيقات - واستند في دفاعه إلى ما دلت عليه الصفة التشريحية التي أجرت ظهر اليوم التالي للحادث من مشاهدة الجثة في نهاية دور التيبس الرمي وهي ظاهرة لا تحل بالجثة عادة قبل مرور أربع وعشرين ساعة على الوفاة مما يؤكد وفاتها قبل ظهر يوم الحادث - يعد دفاعاً هاماً قد ينبني عليه - لو صح - تغيير وجه الرأي في الدعوى، مما كان يقتضي من المحكمة وهي تواجه هذه المسألة الفنية البحت أن تتخذ ما تراه من الوسائل لتحقيقها بلوغاً إلى غاية الأمر فيهان بأن تجيب الطاعن إلى طلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته واستيفاء دفاعه في هذا الشأن، أما وهي لم تفعل فإن حكمها يكون معيباً بالقصور فضلاً عن الإخلال بحق الدفاع.
4 - الاعتراف يجب ألا يعول عليه - ولو كان صادقاً - متى كان وليد إكراه كائناً ما كان قدره.
5 - الأصل أنه يتعين على المحكمة أن تبحث الصلة بين اعتراف المتهم والإصابات المقول بحصولها لإكراهه عليه ونفي قيامها في استدلال سائغ إن هي رأت التعويل على الدليل المستمد منه.
6 - الأدلة في المواد الجنائية متساندة يشد بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان لهذا الدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم أول أبريل سنة 1965 بدائرة مركز السنبلاوين محافظة الدقهلية: قتل سعاد نصر إبراهيم عمداً بأن ضربها بآلة حادة (فأس صغيرة) قاصداً من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات، فقرر بذلك وادعى والد المجني عليها مدنياً قبل المتهم بمبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضورياً بتاريخ 15 من مارس سنة 1967 عملاً بمادة الاتهام بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وإلزامه أن يدفع إلى المدعي بالحقوق المدنية مبلغ ألف جنيه بصفة تعويض نهائي والمصاريف المدنية وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه أثار لدى محكمة الموضوع أن المجني عليها لم تقتل بيده بعد ظهر يوم الحادث كما جاء في اعترافه الباطل بل ماتت في الساعة الحادية عشرة صباحاً نتيجة لاعتداء زوجها - ابن الطاعن - على ما أقر به الأخير في التحقيقات، واستند في دفاعه إلى ما دلت عليه الصفة التشريحية - التي أجريت ظهر اليوم التالي للحادث - من مشاهدة الجثة في نهاية دور التيبس الرمي وهي ظاهرة لا تحل بالجثة عادة قبل مرور أربع وعشرين ساعة على الوفاة مما يؤكد وفاتها قبل ظهر يوم الحادث الأمر الذي يتفق وإقرار الابن يخالف اعتراف الأب. وقد تمسك الدفاع بطلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته في هذا الخصوص والتصريح له بتقديم تقرير استشاري بيد أن المحكمة لم تجبه إلى طلبه وردت عليه رداً قاصراً. ومن ناحية أخرى فقد دفع الطاعن ببطلان الاعتراف المنسوب إليه لصدوره تحت تأثيره إكراه مادي ومعنوي إلا أن المحكمة أطرحت هذا الدفاع تأسيساً على أن الطاعن سبق سؤاله أمام وكيل النيابة المحقق ونفي وقوع إكراه عليه، وفات الحكم أن الطاعن قدم بلاغاً عقب استجوابه أشار فيه إلى وقوع تعذيب عليه وطلب إحالته إلى الكشف الطبي لعلاجه ولكن المحقق لم يجبه إلى طلبه وأشر على بلاغه بالإرفاق وبذا بقي دفاعه في هذا الصدد قائماً لما يحقق، وهي حقيقة لو فطن إليها الحكم لتغير وجه الرأي في تقدير الدفع ببطلان الاعتراف.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن بعد أن أشار إلى اعتراف هذا الأخير باقتراف الجريمة وإقرار ولده - زوج المجني عليها - بأنه الذي اعتدى عليها، خلص إلى أن تحديد ساعة وفاة المجني عليها هي التي تكشف عن جدية اعتراف أيهما، فإن كانت الوفاة حوالي الساعة الخامسة مساءً أخذ الطاعن باعترافه وإن كانت في الساعة الحادية عشرة صباحاً انحسرت مسئوليته عن الجريمة واستطرد الدفاع إلى القول "أن الطبيب الشرعي قد أجرى التشريح ظهر يوم 2/ 4/ 1965 يعني ما معناه في حدود الساعة 12... ووجد الجثة في نهاية دون التيبس الرمي.... الدكتور سيدني سميث وغيره تحدث عن سبب التيبس الرمي وتغييره فقال إنه يبدأ بالجثة بعد الوفاة بثلاث ساعات من أعلا إلى أسفل ويتم التيبس الرمي في حدود 12 ساعة والتيبس الرمي الكامل يبدأ في الزوال بنفس الترتيب الذي جاء به إلى أن يصل إلى 24 إلى 36 ساعة... الأمر الذي يؤيد ما قاله ابن المتهم من أن الوفاة حصلت الساعة 11 صباحاً.. وإني ألتمس استدعاء الطبيب المشرح لمناقشته في هذا الخصوص مع التصريح لي بتقديم تقرير استشاري" لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض إلى دفاع الطاعن ورد عليه بما جاء بمؤلف الدكتور سيدني سميث ونقل عنه قوله "يتم التيبس الرمي بعد مرور اثنتى عشرة ساعة على الوفاة وكلما تأخر كلما طالت مدة وجوده ثم يزول بمثل الترتيب الذي يظهر به.. ويبتدئ التيبس الرمي في الطقس الحار بأسرع مما ذكر ويزول مبكراً كذلك إذا أن التعفن الرمي يسرع في التقدم، والتيبس الرمي يبقى لمدة تتراوح بين 24 ساعة إلى 36 ساعة في الشتاء في مصر أي أنه بعد مرور 24 ساعة على الجثة بعد الوفاة تكون الجثة عادة كاملة التيبس في فصل الشتاء ولكن بعد مضي يومين على الوفاة يكون التيبس جزئياً فقط، ويضمحل على الأقل من الفك وكذا يضمحل نوعاً من الأطراف العليا إلا أن الأطراف السفلى تكون في العادة متيبسة. وبما أن التيبس الرمي سريع الظهور في فصل الصيف قليل الإقامة فلا يبقى في كثير من الأحايين إلا جزء من التيبس بعد مرور مدة تتراوح بين 24 و25 ساعة على الوفاة وتختلف سرعة زواله أكثر من اختلاف سرعة الظهور ومدة الإقامة (المكس) وفي البلاد المعتدلة الهواء حيث يبطئ التعفن في الظهور فيشاهد التيبس الرمي واضحاً في كثير من الأحايين بعد مرور أربعة أيام أو خمسة على الوفاة وربما أكثر من ذلك"، ورتب الحكم على ما تقدم أنه وقد ثبت من تقرير الصفة التشريحية أن جثة المجني عليها في نهاية دور التيبس الرمي وكان الطبيب الشرعي قد انتقل للتشريح ظهر اليوم التالي للوفاة أي في 2 أبريل سنة 1965 وفي وقت حار، فإن التيبس الرمي - وفقاً لما حدده المؤلف - يكون سريع الظهور والزوال ولا يبقى بعد مرور مدة تتراوح بين 24 أو 25 ساعة على الوفاة وبالتالي يكون قد مضى عليها مدة أقل من أربع وعشرين ساعة وهذا لا يتأتى إلا إذا كانت وفاة المجني عليها في الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر يوم الحادث وهو ما يتفق وإقرار الطاعن في التحقيقات. لما كان ذلك، وكان الأصل أنه وإن كان للمحكمة أن تستند في حكمها إلى الحقائق الثابتة علمياً، إلا أنه لا يجوز لها أن تقتصر في قضائها على ما استخلصه أحد علماء الطب الشرعي متى كان ذلك مجرد رأي عبر عنه بألفاظ تفيد الترجيح والاحتمال ومتى كانت المواقيت التي حددها تختلف زماناً ومكاناً، ذلك بأن القضاء بالإدانة يجب أن يبني على الجزم واليقين والدفاع الذي أبداه الطاعن يعد - في خصوصية الدعوى المطروحة التي يتنازع فيها الأب والابن الاعتراف بمقارفة الجريمة - دفاعاً هاماً قد ينبني عليه - لو صح - تغيير وجه الرأي في الدعوى، مما كان يقتضي من المحكمة وهي تواجه هذه المسألة الفنية البحت أن تتخذ ما تراه من الوسائل لتحقيقها بلوغاً إلى غاية الأمر فيها، بأن تجيب الطاعن إلى طلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته واستيفاء دفاعه في هذا الشأن، أما وهي لم تفعل، فإن حكمها يكون معيباً بالقصور فضلاً عن الإخلال بحق الدفاع. لما كان ذلك، وكان الطاعن - على ما يبين من محضر جلسة المحاكمة - قد دفع ببطلان اعترافه في التحقيقات لأنه صدر وليد إكراه مادي وذكر أنه قدم بلاغاً عقب استجوابه رمي فيه اعترافه بالبطلان وطلب إحالته إلى الكشف الطبي لإثبات إصاباته فلم يجبه المحقق إلى طلبه وأشر على البلاغ بالإرفاق. وكان يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن أن النيابة العامة باشرت التحقيق في الصباح المبكر من يوم 2 أبريل سنة 1965 فسألت الطاعن عن التهمة المسندة إليه فاعترف بها كما أقر بصدور الاعتراف بمحض اختياره وأنه لم تحدث به ثمت إصابات. إلا أن الأوراق تحوي بلاغاً قدم من الطاعن في يوم 5 أبريل سنة 1965 أشار فيه إلى وقوع تعذيب عليه من رجال المباحث لإكراهه على الاعتراف وأن هذا التعذيب قد نشأت عنه إصابات طلب من أجلها إحالته إلى الكشف الطبي وعلاجه منها وقد أشر المحقق في اليوم ذاته على ذلك البلاغ بالإرفاق، وقد أطرح الحكم المطعون فيه ببطلان الاعتراف في قوله "القول بأن هناك يد جبارة دفعت المتهم - الطاعن - إلى ذلك الاعتراف فقد ناقشته النيابة تفصيلاً فسألته صراحة عما إذا كانت اعترافه وليد إكراه فنفى ذلك معللاً أنه القاتل، وحتى أنه لم يقنع برواية ابنه الثانية، فلا يقال بعد هذا أن يداً جبارة دفعته إلى هذا الاعتراف". لما كان ذلك، وكان الاعتراف يجب ألا يعول عليه - ولو كان صادقاً متى كان وليد إكراه كائناً ما كان قدره. والأصل أنه يتعين على المحكمة أن تبحث الصلة بين اعتراف المتهم والإصابات المقول بحصولها لإكراهه عليه ونفى قيامها في استدلال سائغ إن هي رأت التعويل على الدليل المستمد منه. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أطرح الدفع ببطلان الاعتراف استناداً إلى أن الطاعن سئل في التحقيقات فنفى وقوع إكراه عليه، وهو ما لا يصح وحده رداً على ذلك الدفع الجوهري، ذلك بأنه وقد ثبت أن الطاعن أثار - قبل نهاية التحقيق - بطلان الاعتراف وعزاه إلى وقوع إكراه عليه بالضرب نشأت عنه عدة إصابات. وكان المحقق قد قعد عن تحقيق هذا الدفاع، فإنه كان لزاماً على المحكمة - قبل أن تقطع برأي في سلامة الاعتراف - أن تتولى بنفسها تحقيق ما أثاره الطاعن في هذا الشأن وأن تبحث الصلة بين الاعتراف وبين الإصابات المدعى بحصولها. أما وقد نكلت عن ذلك، وعولت في إدانة الطاعن على الدليل المستمد من اعترافه، فإن حكمها يكون معيباً بالقصور والفساد في الاستدلال ولا يغني في ذلك ما ذكرته المحكمة من أدلة أخرى إذ أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يشد بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان لهذا الدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة. لما كان ذلك، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة بغير حاجة إلى بحث سائر ما يثيره الطاعن في تقرير أسباب الطعن.