أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 21 - صـ 358

جلسة 15 من مارس سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين حسن عزام، وعضوية السادة المستشارين: سعد الدين عطية، وأنور أحمد خلف، ومحمود كامل عطيفه، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(89)
الطعن رقم 1843 لسنة 39 القضائية

إثبات. "بوجه عام". شهادة. "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إيجار أماكن.
سلطة المحكمة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث.
المحكمة هي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها. إلا أن ذلك مشروط بأن تكون المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحت.
استبعاد الحكم شهادة الخبير بقالة إنها تناقضت مع رأيه الذي أثبته في تقريره دون أن تزيل هذا التناقض. فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب.
لئن كان من المقرر أن المحكمة لها كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث، وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها، إلا أن هذا مشروط بأن تكون المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحت التي لا تستطيع المحكمة أن تشق طريقها لإبداء الرأي فيها. وإذ كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد ذهب في قضائه إلى استبعاد شهادة الخبير الهندسي بمقولة إنها تناقضت مع الرأي الذي أثبته في تقريره، دون أن تعمل المحكمة من جانبها على تفسير هذا التناقض، بأن تبين في حكمها وجه الصواب في رأيه الذي أثبته في التقرير ووجه الخطأ في شهادته التي أدلى بها أمامها بالجلسة، أو تستجلي الأمر بالاستعانة بغيره من أهل الخبرة، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد جاء مشوباً بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب بما يعيبه ويستوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 3 أبريل سنة 1965 بدائرة بندر شبين الكوم محافظة المنوفية: لم يقم بتخفيض إيجار المحل المؤجر لمحمود محمد بحيري وفقاً للقانون. وطلبت عقابه بالمواد 1 و3 و4 من القانون رقم 7 لسنة 1965. وادعى المجني عليه مدنياً بمبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهم. ومحكمة بندر شبين الكوم الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بتغريم المتهم 200 جنيه وإلزامه أن يدفع للمدعى المدني مبلغ 1 قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت ومصاريف الدعوى المدنية ومبلغ 200 قرش مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة شبين الكوم الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف بلا مصاريف وألزمت المتهم بالمصروفات الاستئنافية عن الدعوى المدنية ومبلغ جنيهين أتعاباً للمحاماة. فطعن المحكوم عليه في الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة عدم تخفيض الإيجار قد شابه القصور في التسبيب، ذلك بأن الطاعن أقام دفاعه على أساس أن العقار موضوع النزاع تم إنشاؤه قبل أول يناير سنة 1944 فلا تنطبق عليه قوانين التخفيض وقدم تأييداً لذلك مستندات رسمية من بينها رخصة البناء التي تدل على أن المبنى تم إنشاؤه سنة 1938 وإن جاء ربط العوائد عليه متأخراً ولكن المحكمة لم تعرض لهذه المستندات وأخذت بالرأي الذي أثبته الخبير في تقريره من أن المبنى ربطت عليه العوائد في سنة 1947 وبالتالي يعتبر هذا التاريخ هو تاريخ إنشائه ومن ثم يخضع لأحكام القانون رقم 7 لسنة 1965 وذلك بالرغم من مخالفة ذلك لما شهد به الخبير في جلسة المحاكمة من أن المبنى أنشئ سنة 1937 بما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه أنه استند في إدانة الطاعن إلى ما ورد بتقرير الخبير الهندسي الذي ندبته المحكمة للانتقال للعين محل النزاع ومعاينتها وبيان تاريخ إنشائها من أن الدكان موضوع الدعوى قد ربطت عليه العوائد في سنة 1947 في تاريخ إتمامه وإعداده للاستعمال وبالتالي يعتبر هذا التاريخ هو تاريخ إنشائه ومن ثم يخضع لتخفيض القانون رقم 7 لسنة 1965، كما يبين من الرجوع إلى محاضر جلسات المحكمة الاستئنافية أن المحكمة استدعت الخبير الذي قدم التقرير وناقشته في تقريره فشهد بأن المباني التي قام بمعاينتها أقيمت على مرحلتين: المرحلة الأولى في سنة 1937 تم فيها تشييد حوانيت ثلاثة من بينها الحانوت موضوع الاتهام والمرحلة الثانية في سنة 1947 وتم فيها تشييد باقي المبنى وأكد الخبير أن ما أثبته في تقريره من أن الحانوت المذكور بني سنة 1947 كان يقصد به المبنى وليس الحوانيت. وقضت المحكمة الاستئنافية بتأييد الحكم الابتدائي لأسبابه وعرضت لما شهد به الخبير في الجلسة وقالت إنها لا تطمئن لأقواله لتناقضها مع النتيجة التي انتهى إليها في تقريره المودع أوراق الدعوى. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة لها كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها، إلا أن هذا مشروط بأن تكون المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحت التي لا تستطيع أن تشق طريقها لإبداء رأي فيها. وكان الحكم المطعون فيه قد ذهب في قضائه إلى استبعاد شهادة الخبير الهندسي بمقولة إنها تناقضت مع الرأي الذي أثبته في تقريره دون أن تعمل المحكمة من جانبها على تفسير هذا التناقض بأن تبين في حكمها وجه الصواب في رأيه الذي أثبته في التقرير ووجه الخطأ في شهادته التي أدلى بها أمامها بالجلسة أو تستجلي الأمر بالاستعانة بغيره من أهل الخبرة، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد جاء مشوباً بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب بما يعيبه ويستوجب نقضه وذلك بغير حاجة إلى بحث الوجه الآخر من الطعن.