أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثامنة عشرة - صـ 1302

جلسة 25 من ديسمبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محفوظ، وحسين سامح، ومحمود العمراوي، ومحمود عطيفة.

(279)
الطعن رقم 2115 لسنة 37 القضائية

(أ) جريمة. "أركان الجريمة". عاهة مستديمة. "ضرب". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". رابطة السببية. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
كفاية ثبوت الفقد الدائم لمنفعة العضو الذي تخلفت به العاهة ولو فقداً جزئياً - مهما كان مقدارها - لتحقق جريمة العاهة المستديمة وتوفر عناصرها.
(ب، ج) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام".
(ب) حق محكمة الموضوع في رد واقعة الدعوى إلى صورتها الصحيحة. لا يقيدها في ذلك دليل.
(ج) التناقض في أقوال الشاهد. لا يعيب الحكم. ما دام قد حصل دليل الإدانة منها بما لا تناقض فيه.
(د) إجراءات المحاكمة.
التنازل عن سماع الشاهد. يخول المحكمة الاستغناء عن سماعه والاكتفاء بأقواله في التحقيقات.
(هـ) دفوع. "الدفع بتلفيق التهمة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفع بتلفيق التهمة. تقديره. موضوعي.
1 - من المسلم به في صحيح القانون، أن العاهة المستديمة يتحقق وجودها بفقد أحد الأعضاء أو أحد أجزائه وبكل ما من شأنه نقص قوة أحد الأعضاء أو أحد الأجزاء أو بتقليل قوة مقاومته الطبيعية، إذ القانون لم يحدد نسبة معينة للنقص الذي يتطلبه لتكوين العاهة، بل يكفي لتحقيق وجودها أن يثبت أن منفعة العضو الذي تخلفت به قد فقدت بصفة مستديمة ولو فقداً جزئياً مهما كان مقدار هذا الفقد، فإذا كان الحكم قد أثبت العاهة على النحو المتقدم وقدر نسبة العجز بنسبة 2% ودان المتهم على هذا الأساس فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً وأنزل على الواقعة حكم القانون ووفر رابطة السببية بما يوفر عناصر الجريمة التي دانه بها، ومن ثم فإن النعي عليه في هذا الصدد لا يكون مقبولاً.
2 - من حق محكمة الموضوع أن ترد واقعة الدعوى إلى صورتها الصحيحة التي ترتسم في وجدانها من مجموع الأدلة المطروحة عليها دون أن تتقيد في هذا التصوير بدليل بعينه، ومن ثم فلا تثريب عليها إن هي أخذت بشهادة المجني عليها وحدها دون ما عداها من أقوال الشهود، إذ في أخذها بأقوال شاهد الإثبات ما يفيد أنها لم تر في أقوال شهود النفي ما يصح الركون إليه.
3 - لا ينال التناقض في أقوال الشاهد، من سلامة الحكم في استخلاص الإدانة من أقواله، ما دام قد استخلصها استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
4 - إذ كان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن تنازل صراحة عن سماع شهادة المجني عليها، فإنه يكون من حق المحكمة أن تستغني عن سماعها وتعول على أقوالها في التحقيقات.
5 - لا جناح على محكمة الموضوع إن هي أطرحت دفع المتهم بتلفيق التهمة عليه ركوناً منها إلى ما أوردته في مدونات حكمها من أنه لم يقم دليل من التحقيقات على الدافع الذي يدعو المجني عليها لاتهامه زوراً دون جارتها التي زعم المذكور بأنها المعتدية، لتعلق ذلك بسلطة المحكمة في تقدير أدلة الدعوى واستخلاص ما تؤدي إليه من نتيجة مما تستقل به بغير معقب عليها من محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 19/ 7/ 1964 بدائرة مركز المنيا محافظة المنيا: أحدث عمداً بسعاد عمر مصطفى الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي بأن أمسك بذراعها وقام بثنيه والتي تخلف لديها من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي إعاقة طفيفة في نهاية حركة بطح الساعد تقلل من قدرتها وكفاءتها عن العمل بنحو 2% وطلبت من مستشار الإحالة إحالته على محكمة الجنايات لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. فقرر بذلك وادعت............ المجني عليها - مدنياً قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف والأتعاب. ومحكمة جنايات المنيا قضت حضورياً عملاً بالمادتين 240/ 1 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس ثلاثة أشهر مع الشغل وبإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المدني المؤقت ومصاريف الدعوى المدنية ومبلغ ثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إحداث عاهة مستديمة قد أخطأ في الإسناد وشابه فساد في الاستدلال وقصور وتناقض في التسبيب كما عابه خطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه عول على أقوال المجني عليها وأطرح أقوال الشهود الذين سمعوا في تحقيقات النيابة وأيدوا دفاع الطاعن بعلة أنهم من مرؤوسيه مع أن ثلاثة منهم عينهم بأسمائهم لم تتوافر لهم هذه الصفة ثم إن الحكم نفى عن المجني عليها الدافع الذي يدعو إلى تلفيق التهمة ضد الطاعن من أن هذا الدافع قام الدليل عليه في الأوراق كما أنه على الرغم من أن للمجني عليها روايتين في التحقيقات تضمنت الأولى أن الإعتداء عليها كان بسبب اتهامها الطاعن بمحاولة فتح باب شقتها بينما كان سبب الاعتداء في الثانية هو تبليغها الحادث للنقطة فإن المحكمة لم تلتفت إلى هذا الخلاف الجوهري بين هاتين الروايتين وأخذت بالرواية الثانية قضية مسلمة وكان يتعين عليها أن تستحضر المجني عليها وتناقشها في ذلك مما حجب عنها فهم الواقع في الدعوى، كما أن الحكم في إيراده لأقوال المجني عليها لم يضمنها أن الطاعن ثنى ذراعها مع أن التقرير الطبي أرجع العاهة إلى لي الذراع بقوة ولم تتنبه المحكمة إلى ذلك وإلى تعدد روايات المجني عليها في التحقيقات عن كيفية حصول الاعتداء عليها وإلى تراخيها في تقديم أوراق علاجها مدة قاربت السنتين مما يثير الشك في صحة نسبة هذه الأوراق إليها، وكان يجب على المحكمة أن تستجلي هذه الأمور وتستظهر رابطة السببية بين إصابة المجني عليها والعاهة كما أن تقدير الطبيب الشرعي نسبة العجز في إصابة المجني عليها بـ 2% لا يوفر تهمة العاهة المستديمة في حق الطاعن مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة العاهة المستديمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه الأدلة السائغة التي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها - عرض إلى ما دفع به الطاعن من عدم تعديه على المجني عليها ورد عليه بما مؤداه أن الشهود الذين أيدوا دفاع الطاعن هم من رجال الحفظ المرؤوسين له باعتباره عمدة البلدة، وما أورده الحكم من ذلك كعلة لتبرير إطراحه لأقوال هؤلاء الشهود لا ينال منه قول الطاعن إن بعضاً منهم ليسوا من مرؤوسيه حتى يصح للمحكمة أن تطرح أقوالهم بموجب هذه العلة لأنه وإن صح هذا القول بالنسبة إلى اثنين منهم وهما سنية حسن الظريف ومحمود فخري حنفي يونس - كما هو واضح من المفردات المضمومة - فإن ذلك ليس من شأنه في صورة هذه الدعوى أن يؤثر على ما انتهى إليه الحكم من عدم الأخذ بشهادتهم في مجموعها إذ مرجع الأمر في ذلك إلى اطمئنانها إلى صحة الوقائع التي شهدوا عليها بصرف النظر عن الباعث الذي دعاهم إلى الشهادة، ولأن مؤدى أخذها بأقوال شهود الإثبات أنها لم تر في أقوال شهود النفي ما يصح الركون إليه. ولما كان من حق محكمة الموضوع أن ترد واقعة الدعوى إلى صورتها الصحيحة التي ترتسم في وجدانها من مجموع الأدلة المطروحة عليها دون أن تتقيد في هذا التصوير بدليل بعينه فإنه لا تثريب عليها إن هي أخذت بشهادة المجني عليها وحدها دون ما عداها من أقوال الشهود من التحقيقات. ثم إنه لا جناح عليها أيضاً إن هي أطرحت دفع الطاعن بتلفيق التهمة عليه ركوناً منها إلى ما أوردته في مدونات حكمها من أنه لم يقم دليل من التحقيقات على الدافع الذي يدعو المجني عليها لاتهام الطاعن زوراً دون جارتها التي زعم الطاعن بأنها المعتدية - لتعلق ذلك بسلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى واستخلاص ما تؤدي إليه من نتيجة مما تستقل به بغير معقب ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد بشقيه لا يكون سديداً. لما كان ما تقدم، وكان يبين من الحكم أنه رد الواقعة إلى أن إصابة العاهة المستديمة حدثت من ثني الطاعن لذراع المجني عليها ودلل على ثبوتها في حقه تدليلاً سائغاً لا تناقض فيه اعتماداً منه في ذلك إلى أقوال المجني عليها وإلى ما أورده التقرير الطبي الشرعي وحصل مؤداهما بأن المجني عليها شهدت بتعدي الطاعن عليها وجذبه لذراعها غيظاً من طلب الشرطة له بعد إبلاغها باكتشاف محاولة كسر باب مسكنها وحصل مضمون التقرير الطبي الشرعي بجواز حصول إصابتها على النحو الذي تحدثت به. ولما كان التناقض في أقوال الشاهدة - بفرص صحة ما يقوله الطاعن - لا ينال من سلامة الحكم في استخلاص الإدانة من أقوالها استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، وكان من حق المحكمة أن تستغني عن سماع المجني عليها وتعول على أقوالها في التحقيقات ما دام الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن تنازل صراحة عن سماعها وكان للمحكمة أيضاً أن ترد الواقعة إلى الصورة الصحيحة التي استقرت في وجدانها من مجموع الأدلة المطروحة. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً حول سلطة قاضي الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يستقل به بغير معقب ولا يجوز البحث فيه أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، وكان الحكم قد أثبت أن المحكمة خلصت في يقين جازم إلى أن الطاعن جذب المجني عليها بقوة من ذراعها فأحدث بها رضاً خفيفاً نجم عنه إعاقة طفيفة في نهاية حركة بطح الساعد مما يقلل من قدرة المجني عليها على العمل بنحو 2% وعولت في حكمها بهذه النتيجة على أقوال المجني عليها التي حصلتها بما لا تناقض فيه وبما يتفق وهذا المعنى كما استند الحكم أيضاً إلى التقرير الطبي الشرعي وحصله بما مؤداه أن تلك الإعاقة في نهاية حركة بطح الساعد تخلفت عن ثني الذراع في تاريخ يتفق وتاريخ الحادث. لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يجادل أمام محكمة الموضوع في شيء حول نفي الصلة بين العاهة وفعل الضرب المسند إليه وكان من المسلم به في صحيح القانون أن العاهة المستديمة يتحقق وجودها بفقد أحد الأعضاء أو أحد أجزائه وبكل ما من شأنه نقص قوة أحد الأعضاء أو أحد الأجزاء أو بتقليل قوة مقاومته الطبيعية كما أن القانون لم يحدد نسبة معينة للنقص الذي يتطلبه لتكوين العاهة بل يكفي لتحقيق وجودها أن يثبت أن منفعة العضو الذي تخلفت به قد فقدت بصفة مستديمة ولو فقداً جزئياً مهما يكن مقدار هذا الفقد، وإذ ما كان الحكم قد أثبت تلك العاهة المستديمة على النحو المتقدم البيان وقدر نسبة العجز فيها بنحو 2% ودان الطاعن على هذا الأساس فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً وأنزل على الواقعة حكم القانون ووفر رابطة السببية بما يوفر عناصر الجريمة التي دان الطاعن بها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولا. لما كان ما تقدم جميعه، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.