أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثامنة عشرة - صـ 1259

جلسة 12 من ديسمبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، وأنور أحمد خلف.

(267)
الطعن رقم 1744 لسنة 37 القضائية

(أ، ب) تزوير. "تزوير المحررات الرسمية". "استعمال المحرر المزور". جريمة. "أركان الجريمة". إثبات. "إثبات بوجه عام". "اعتراف". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع.
(أ) حق المحكمة في استنباط الحقيقة من اعتراف المتهم دون التزام بنصه وظاهره.
(ب) توافر علم المتهم بتزوير المحرر من اقترافه أفعال التزوير.
(ج) محاكمة. "إجراءاتها". تزوير. "تزوير المحررات الرسمية". إثبات. "إثبات بوجه عام". عقوبة. "العقوبة المبررة". اختلاس. "اختلاس الأموال الأميرية". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض. "المصلحة في الطعن". ارتباط.
عدم جدوى النعي على المحكمة إغفالها الاطلاع على المحرر المزور - ما دام أنها أعملت المادة 32 عقوبات في حق المتهم وآخذته بعقوبة جريمة الاختلاس المسندة إليه والمنصوص عليها في المادتين 112، 118 من قانون العقوبات، باعتبار عقوبتها هي العقوبة الأشد.
(د) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". اختلاس. "اختلاس الأموال الأميرية".
النعي على المحكمة إغفالها الرد على دفاع لم يثر أمامها. غير مقبول.
1 - المحكمة ليست ملزمة في أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهره بل لها أن تستنبط منه الحقيقة كما كشفت عنها.
2 - إثبات الحكم مقارفة المتهم لجريمة التزوير في محرر، يفيد حتماً توافر علمه بتزوير هذا المحرر الذي أسند إليه استعماله.
3 - لئن أغفلت المحكمة الاطلاع على الأوراق المدعى بتزويرها وهو مسلك يؤذن بتعييب إجراءات المحاكمة - إلا أن ما يرد هذا العيب عن الحكم هو انعدام جدواه، ذلك بأن العقوبة التي أوقعتها المحكمة على المتهم عن مجموع الجرائم المسندة إليه، هي العقوبة المقررة في المادتين 112، 118 من قانون العقوبات المعدلتين بالقانون 69 لسنة 1953 التي طبقتها المحكمة عن جريمة الاختلاس - ومن ثم فلا مصلحة له في النعي على الحكم بأوجه طعن تتصل بجريمتي تزوير المحررات الرسمية واستعمالها طالما أن المحكمة طبقت المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد وهي العقوبة المقررة لجريمة الاختلاس المسندة إليه.
4 - إذا كان المتهم ينعي على الحكم بالقصور في بيان عنصر التسليم الوظيفي في جانبه وكان البين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن المتهم لم يجحد أو ينازع في أن المال المنسوب إليه اختلاسه كان بين يديه بمقتضى وظيفته - فإنه لا يقبل منه أن ينعي على المحكمة بأنها أغفلت الرد على دفاع لم يتمسك به أمامها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في الفترة من 15 فبراير سنة 1961 إلى 15 يوليه سنة 1961 بدائرة مركز قليوب محافظة القليوبية: (أولاً) بصفته موظفاً عمومياً (مساعد معمل وكاتب وحدة سندبيس الصحية) اختلس قيمة الأغذية والكيروسين والاستمارات المزورة والمبينة بالمحضر والبالغ قيمتها 257 جنيهاً و30 مليماً والمملوكة للدولة والمسلمة إليه بسبب وظيفته (ثانياً) بصفته سالفة الذكر ارتكب تزويراً في محررات رسمية هي كشوف توريد الأغذية للوحدة الصحية بجعله واقعة مزورة في صور واقعة صحيحة بأن أثبت بها على خلاف الحقيقة ورود أصناف من الأغذية لم ترد فعلاً للوحدة وتمكن بذلك من اختلاس قيمتها (ثالثاً) بصفته سالفة الذكر ارتكب تزويراً في أوراق أميرية هي استمارات الصرف 62. ع. ج و170 ع. ج. 17 مكرر ع. ج المبينة بالمحضر بأن ملأ بيانات كل استمارة من هذه الاستمارات بمأموريات وهمية ووقع عليها بإمضاءات مزورة نسبها إلى بعض العاملين بالوحدة (رابعاً) استعمل المحررات الرسمية المزورة سالفة الذكر بأن قدمها لمكتب الحسابات وحصل على قيمتها مع علمه بتزويرها. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للمواد 111/ 1 و112 و118 و119 و211 و213 و214 من قانون العقوبات. فقرر بذلك في 19 مارس 1966. ومحكمة جنايات بنها قضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمواد 111/ 1 و113/ 1 و118 و119 و211 و213 و32 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة ثلاث سنوات وبعزله من وظيفته وإلزامه برد مبلغ 257 جنيهاً و30 مليماً مائتين وسبعة وخمسين جنيهاً وثلاثين مليماً وتغريمه خمسمائة جنيه. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم الاختلاس وتزوير واستعمال محررات رسمية مزورة - قد أخطأ في الإسناد وشابه قصور وبطلان في الإجراءات أثر في الحكم كما انطوى على فساد في الاستدلال، وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه نسب إلى الطاعن اعترافه في التحقيقات بصحة ما أسند إليه مع أن كل ما صدر عنه هو إقراره بوجود عجز في عهدته دون أن يسلم بصحة وقائع الاختلاس والتزوير الموجهة إليه. هذا إلى أن الحكم لم يتحدث إلا عن جريمتي التزوير والاستعمال دون باقي الجرائم. كما أنه لم يدلل على ثبوت ركن العلم بالتزوير في جريمة الاستعمال. ولم تطلع المحكمة على الأوراق المقول بتزويرها. ولم يستظهر الحكم عناصر جريمة الاختلاس ولم يرد على ما دفع به الطاعن من أن السلفة المستديمة لم تسلم إليه بسبب وظيفته لأنه لا شأن له بالودائع التي هي من اختصاص طبيب الوحدة. وفضلاً عما تقدم فإن دفاع الطاعن قام على أن تصرفاته قد اعتمدها الطبيب وأن اختلاساً لم يقع بل غير الطبيب أوجه الصرف بدليل ضبط بعض المهمات في منزله وإثبات اللجنة الإدارية تواطؤه وأنه - أي الطاعن - كان حسن النية ومنفذاً لأمر الطبيب بوصفه رئيساً على اعتقاد منه بمشروعيتها مما يعفيه من المسئولية، غير أن المحكمة لم تأخذ بكل وجوه الدفاع المتقدم وردت عليها رداً غير سائغ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أن قضاءه في جريمة التزوير المسندة إلى الطاعن لم يقم على اعتراف نسبه إليه الحكم بل قام على جماع ما استخلصه من إقرار الطاعن بأنه هو الذي حرر بيانات الاستمارات موضوع التزوير بخطه، وإنكار من صدرت هذه الاستمارات بأسمائهم للتوقيعات المنسوبة إليهم فيها، ثم ما أثبته تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أن هذه التوقيعات قد جرت بخط كاتب البيانات - أي الطاعن - وأما تعويل الحكم على الاعتراف فقد كان بصدد جريمة الاختلاس حين كشف الحكم عن الاستدلال به - إلى جانب سائر أدلة الدعوى - بقوله إن الطاعن قد أقر بمسئوليته عن العجز الذي ظهر في عهدته. لما كان ذلك، وكان الثابت من مراجعة المفردات - التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن - أن إجابات الطاعن في خصوص واقعة الاختلاس تؤدي - مع مجريات التحقيق - إلى ما رتبه الحكم عليها من معنى التسليم بوقوع الفعل المسند إليه بما يجعل الحكم سليماً في نتيجته ومبنياً على فهم صحيح للواقعة، لأن المحكمة ليست ملزمة في أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهره بل لها أن تستنبط منه الحقيقة كما كشفت عنها. لما كان ما تقدم، فإن النعي على الحكم بالخطأ في الإسناد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان غير صحيح ما يقول به الطاعن من أن الحكم لم يتحدث عما عدا جريمتي التزوير والاستعمال. وأما النعي على الحكم بالقصور في استظهار ركني العلم بالتزوير في جريمة استعمال المحررات المزورة فهو غير سديد، ذلك بأن ما أثبته الحكم من مقارفة الطاعن لجريمة التزوير يفيد حتماً توافر علمه بتزوير المحرر الذي أسند إليه استعماله. لما كان ذلك، وكان صحيحا - على ما ثبت من مراجعة المفردات - ما قال به الطاعن من أن المحكمة أغفلت الاطلاع على الأوراق المدعي بتزويرها، وهو مسلك من الحكم كان يؤذن بتعييب إجراءات المحاكمة، إلا أن ما يرد هذا العيب عن الحكم - في صورة الطعن الحالي - هو انعدام جدواه، ذلك بأن العقوبة التي أوقعتها المحكمة على الطاعن عن مجموع الجرائم المسندة إليه هي العقوبة المقررة في المادتين 112 و118 من قانون العقوبات المعدلتين بالقانون رقم 69 لسنة 1953 التي طبقتها المحكمة عن جريمة الاختلاس ومن ثم فلا مصلحة للطاعن في النعي على الحكم بأوجه طعن تنصل بجريمتي التزوير في المحررات الرسمية واستعمالها طالما أن المحكمة قد طبقت المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد وهي العقوبة المقررة للجريمة الأولى. لما كان ذلك، وكان النعي على الحكم بالقصور في بيان عناصر جريمة الاختلاس وفي الرد على دفاع الطاعن بانتفاء عنصر التسليم الوظيفي في جانبه مردوداً بأنه فضلاً عن أن الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى في خصوص هذه الجريمة بما تتوافر به كافة العناصر القانونية المكونة لها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، فإن الطاعن - على ما يبين من محضر الجلسة - لم يجحد أو ينازع في أن المال المنسوب إليه اختلاسه كان بين يديه بمقتضى وظيفته، ومن ثم فإنه لا يقبل منه أن ينعي على المحكمة بأنها أغفلت الرد على دفاع لم يتمسك به أمامها. لما كان ذلك، وكان باقي ما يثيره الطاعن بطعنه من أن الحكم لم يستجب لمؤدي دفاعه القائم على أن الطبيب قد اعتمد تصرفاته وأنه هو الذي كان يغير في وجوه صرف العهدة فضلاً عن ضبط بعض المهمات في منزله وإثبات اللجنة تواطؤه وأن الطاعن لا يسأل عن الجرائم المسندة إليه لأنه كان منفذاً لأمر رئيسه الطبيب. ما يثيره الطاعن من ذلك مردوداً بأن الحكم قد تناول هذا الدفاع بكافة مناحيه وأطرحه برد سائغ يتفق في جملته وتفصيله مع صحيح حكم القانون.
وحيث إنه ترتيباً على ما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.