أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 21 - صـ 382

جلسة 16 من مارس سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمود العمراوي، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، ومصطفى الأسيوطي، ومحمد ماهر حسن.

(95)
الطعن رقم 1869 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج) هتك عرض. وقاع أنثى. إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". جريمة. "أركانها". قصد جنائي. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
( أ ) إمكان حصول الوقاع. دون أن يترك أثراً بالمجني عليها. المنازعة في عدم حصول المواقعة. لعدم وجود آثار بالمجني عليها. جدل موضوعي. لا تصح معاودة التصدي له أمام النقض.
(ب) تحقق جريمة هتك العرض ولو لم يترك الفعل أثراً بالمجني عليها.
(ج) متى يتحقق القصد الجنائي في جريمة هتك العرض؟ كفاية إيراد الحكم ما يدل عليه.
(د) عقوبة. "تطبيقها". "وقف تنفيذها". إيقاف تنفيذ. ظروف مخففة.
تقدير العقوبة وموجبات الرأفة، ووقف التنفيذ وشموله كافة الآثار الجنائية. من سلطة محكمة الموضوع.
(هـ، و) هتك عرض. مسئولية مدنية. "أركانها". خطأ. ضرر. علاقة سببية. تعويض. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(هـ) ثبوت وقوع جريمة هتك عرض المدعية بالحقوق المدنية. تضمنه بذاته الإحاطة بأركان المسئولية المدنية من خطأ وضرر وعلاقة سببية.
(و) كفاية ثبوت الفعل الضار. القضاء بالتعويض المؤقت. دون بيان الضرر بنوعيه. بيان ذلك الضرر قائماً. يكون عند الحكم بالتعويض الكامل.
(ز، ح، ط، ى، ك) إثبات. "اعتراف. قرائن. شهادة". "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الاعتراف".
(ز) الاعتراف في المسائل الجنائية. ماهيته. متى يحق للمحكمة الأخذ به. أخذها به. مفاده؟
(ح) قرائن الحال. من الأدلة المعتبرة قانوناً. صحة اتخاذها ضمائم لأدلة أخرى. مثال.
(ط) عدم جدوى النعي بعدم صحة أقوال المجني عليها ووالدتها. ما دام الحكم لم يعول على أقوالهما.
(ى) لا عبرة بمغايرة بلاغ الحادث أو أقوال المجني عليها بالشرطة لما اطمأنت إليه المحكمة.
(ك) متى يسمع المدعي بالحقوق المدنية كشاهد.
1 - متى كان يبين من الحكم المطعون فيه أن التقرير الطبي الشرعي قد دل على إمكان حصول المواقعة دون أن تترك أثراً بالنظر إلى ما أثبته الفحص من أن غشاء بكارة المجني عليها من النوع الحلقي القابل للتمدد أثناء الجذب، فإن ما ينازع فيه الطاعن من أن الواقعة لم تحدث لا يعدو أن يكون من قبيل الجدل الموضوعي لما استقر في عقيدة المحكمة للأسباب السائغة التي أوردتها، مما لا يقبل معه معاودة التصدي لها أمام محكمة النقض.
2 - لا يشترط لتوافر جريمة هتك العرض قانوناً أن يترك الفعل أثراً بجسم المجني عليها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد.
3 - الأصل أن القصد الجنائي في جريمة هتك العرض يتحقق بانصراف إرادة الجاني إلى الفعل ولا عبرة بما يكون قد دفعه إلى فعلته أو بالغرض الذي توخاه منها فيصح العقاب ولو لم يقصد الجاني بفعلته إلا مجرد الانتقام من المجني عليها أو ذويها، ولا يلزم في القانون أن يتحدث الحكم استقلالاً عن هذا الركن بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يكفي للدلالة على قيامه.
4 - من المقرر أن تقدير العقوبة وتقدير قيام موجبات الرأفة أو عدم قيامها هو من إطلاقات المحكمة دون معقب ودون أن تسأل حساباً عن الأسباب التي من أجلها أوقعت العقوبة بالقدر الذي ارتأته كما أن وقف تنفيذ العقوبة أو شموله لجميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم أمر متعلق بتقدير العقوبة، وهذا التقدير في الحدود المقررة قانوناً من سلطة محكمة الموضوع.
5 - إذا كان يبين من الحكم أن المحكمة أسست قضاءها بالتعويض المؤقت على قولها أن الطاعن قد ارتكب خطأ هو الاعتداء على عرض المجني عليها وقد أصابتها نتيجة هذا الخطأ أضرار مادية وأدبية تتمثل في استطالة عورته إلى موضع العفة منها وخدش عاطفة الحياء عندها وما نال من سمعتها منه، فإن ما قاله الحكم من ذلك يكفي في القضاء بالتعويض بعد أن أثبت على النحو سالف البيان وقوع الفعل الضار، وهو بيان يتضمن بذاته الإحاطة بأركان المسئولية المدنية من خطأ وضرر وعلاقة سببية، مما يستوجب الحكم على مقارفة بالتعويض.
6 - لا تثريب على المحكمة إن هي لم تبين الضرر بنوعيه المادي والأدبي الذي حاق بالمدعي بالحقوق المدنية بصفته، لما هو مقرر من أنه إذا كانت المحكمة قد حكمت بالتعويض المؤقت الذي طلبه ليكون نواة للتعويض الكامل الذي سيطالبه به، بانية ذلك على ما ثبت لها من أن المحكوم عليه هو الذي ارتكب الفعل الضار المسند إليه، فهذا يكفي لتقدير التعويض الذي قضت به، أما بيان مدى الضرر فإنما يستوجبه التعويض الذي قد يطالب به فيما بعد، وهذا يكون على المحكمة التي ترفع أمامها الدعوى به.
7 - من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها، وقيمتها في الإثبات، ولها في سبيل ذلك أن تأخذ باعتراف متهم في محضر ضبط الواقعة، متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع، ومتى خلصت المحكمة إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف، فإن مفاد ذلك أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، بما لا يجوز المجادلة فيه أمام محكمة النقض لكونه من الأمور الموضوعية.
8 - قرائن الأحوال من بين الأدلة المعتبرة في القانون والتي يصح اتخاذها ضمائم إلى الأدلة الأخرى وإذ كان ذلك، وكان ما أثبته الحكم عن مضمون الخطابات المتبادلة بين الطاعن وبين المجني عليها من تفريطها في نفسها له وسؤاله لها عن ميعاد الدورة الشهرية، إنما اتخذه قرينة ضمها إلى الأدلة الأخرى، فهو استدلال يؤدي إلى ما انتهى إليه من ذلك، فلا محل لما يثيره الطاعن في هذا الصدد.
9 - إذا كانت المحكمة قد أخذت الطاعن باعترافه ومضمون الخطابات المتبادلة بينه وبين المجني عليها ولم تؤاخذه بغيره من الأدلة الأخرى حتى يصح له أن يشكو منه، وكانت أقوال المجني عليها ووالدتها خارجة عن دائرة استدلال الحكم، فإن ما يثيره الطاعن بصدد عدم صدق أقوالهما، لا يكون له محل.
10 - من المقرر أن لا عبرة بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة أو بما قررته المجني عليها في محضر الشرطة مغايراً لما استند إليه الحكم، وإنما العبرة بما اطمأنت إليه المحكمة مما استخلصته بعد التحقيقات.
11 - إن المدعي بالحقوق المدنية إنما يسمع كشاهد ويحلف اليمين إذا طلب ذلك، أو طلبته المحكمة سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يدعي أنه طلب من المحكمة سماع المدعية بالحق المدني، فضلاً عن أنه يبين من محضر جلسة 30/ 6/ 1969 أمام محكمة ثاني درجة أن الدفاع عن الطاعن قد ترافع في موضوع الدعوى وأبدى دفاعه كاملاً فيها، فإنه لا يحق له من بعد النعي على الحكم شيئاً في هذا الصدد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في أوائل يونيه سنة 1967 بدائرة قسم بني سويف: هتك عرض........ وهي صبية لم تبلغ سنها ثمانية عشر عاماً كاملة بغير قوة أو تهديد على الوجه المبين بالمحضر. وطلبت عقابه بالمادة 269/ 1 من قانون العقوبات. وادعى "والد المجني عليها" مدنياً قبل المتهم بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة بني سويف الجزئية قضت في الدعوى حضورياً عملاً بمادة الاتهام (أولاً) في الدعوى الجنائية بحبس المتهم ثلاثة شهور مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لوقف تنفيذ العقوبة (ثانياً) وفي الدعوى المدنية بعدم قبولها. وألزمت المدعي المدني المصروفات المدنية. فاستأنف المتهم والمدعي بالحق المدني الحكم. ومحكمة بني سويف الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت في الاستئناف حضورياً بقبوله شكلاً وفي الموضوع (أولاً) وبالنسبة للدعوى الجنائية برفض استئناف المتهم وتأييد الحكم المستأنف بلا مصاريف جنائية. (ثانياً) وبالنسبة للدعوى المدنية بإلغاء الحكم المستأنف وبقبولها وبإلزام المتهم بأن يدفع للمدعي بالحق المدني بصفته مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف عن الدرجتين. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة هتك العرض بغير قوة أو تهديد قد شابه فساد في الاستدلال ذلك لأن بلاغ المجني عليها وأقوالها في محضر الشرطة الأول لم يتضمن أيهما شيئاً عن تلك الواقعة.
وحيث إن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه مردود بما هو مقرر من أنه لا عبرة بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة أو بما قررته المجني عليها في محضر الشرطة مغايراً لما استند إليه الحكم وإنما العبرة بما اطمأنت إليه المحكمة مما استخلصته بعد التحقيقات. لما كان ذلك، وكان الحكم قد بين واقعة الدعوى وذكر الأدلة التي استخلص منها ثبوتها وخلص من الأدلة السائغة التي أوردها إلى أن الطاعن هتك عرض المجني عليها بغير قوة أو تهديد فإن المجادلة على النحو الوارد في هذا الوجه لا تكون مقبولة إذ هي لا تخرج عن محاولة الخوض في تقدير أدلة الدعوى وهو ما تختص به محكمة الموضوع ولا معقب عليها فيه.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني من الطعن هو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم ذلك أن المحكمة قضت في الدعوى دون سماع شهود الإثبات بدرجتي التقاضي ولم تسمع المدعي بالحق المدني كشاهد بعد حلف اليمين هذا إلى أنها فصلت في الدعوى دون سماع المرافعة الشفوية.
وحيث إنه عما يعيبه الطاعن على إجراءات محاكمته أمام محكمة أول درجة فإنه متى كان يبين أنه لم يوجه مطعناً على تلك الإجراءات أمام المحكمة الاستئنافية فلا يقبل منه إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض. فضلاً عن أنه يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة الابتدائية أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب أيهما من المحكمة استدعاء أحد من شهود الإثبات. لما كان ذلك، وكانت المادة 289 معدلة من قانون الإجراءات الجنائية تجيز للمحكمة أن تستغني عن سماع شهود الإثبات إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك ومثل هذا التنازل قد يكون ضمنياً كما يكون صريحاً، ولما كان الطاعن لم يتمسك أمام محكمة أول درجة بسماع شهود الإثبات فإن هذا يعتبر تنازلاً منه عن سماعهم. لما كان ما تقدم، وكانت محكمة ثاني درجة إنما تحكم في الأصل على مقتضى الأوراق وهي لا تجري من التحقيقات إلا ما ترى لزوماً لإجرائه وهي لم تر من جانبها حاجة إلى سماع شهود الإثبات والطاعن لم يصر أمامها على طلب سماعهم كما تنازل ضمناً عن حقه في ذلك أمام محكمة أول درجة، ومن ثم فإن النعي على الحكم من هذه الناحية لا يكون له محل. كما أنه لا عبرة بما يقوله الطاعن من أن المحكمة لم تعمل حكم المادة 288 من قانون الإجراءات الجنائية التي توجب سماع المدعي المدني كشاهد بعد حلف اليمين لما هو مقرر من أن المدعي بالحقوق المدنية إنما يسمع كشاهد ويحلف اليمين إذا طلب ذلك أو طلبته المحكمة سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يدعي أنه طلب من المحكمة سماع المدعية بالحق المدني فضلاً عن أنه يبين من مطالعة محضر جلسة 30/ 6/ 1969 أمام محكمة ثاني درجة أن المدافع عن الطاعن قد ترافع في موضوع الدعوى وأبدى دفاعه كاملاً فيها ومن ثم فلا يحق له من بعد النعي على الحكم شيئاً في هذا الصدد.
وحيث إن مبنى الوجهين الثالث والرابع فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب، ذلك أن الحكم عول على اعتراف مفرد للطاعن في محضر جمع الاستدلالات مع أنه جحد ذلك الاعتراف في تحقيقات النيابة وأمام المحكمة ومع أنه مخالف للحقيقة والواقع لما ساقه الطاعن من شواهد تدل على ذلك إلا أن المحكمة أعرضت عن دلالة هذه الشواهد ولم ترد عليها بما ينفيها واستندت في الإدانة إلى مجرد أقوال المجني عليها ووالدتها التي لم تتأيد بأي دليل آخر والتي تكذبها ماديات الدعوى، فقد ثبت من التقرير الطبي الشرعي أن المجني عليها ما زالت بكراً وأن غشاء بكارتها سليم وخال من التمزقات القديمة والحديثة كما استدلت المحكمة بالخطابات المتبادلة من الطاعن وبين المجني عليها على ثبوت الواقعة مع أنها مجرد قرينة لا ترقى إلى مرتبة الدليل ولا تؤدي بذاتها إلى ما رتب عليها وفات المحكمة أن هذه الخطابات قد اصطنعت بين الطاعن والمجني عليها بهدف إتمام الزواج مما يفسد استدلال الحكم بها. كما دان الحكم الطاعن بجريمة هتك العرض رغم انعدام القصد الجنائي لديه إذ أن الأمر لا يخرج في واقعه عن حالة طالبين جمعت بينهما علاقة معرفة أدت إلى تكوين فكرة متبادلة بانعقاد الزواج بينهما مستقبلاً، إلا أن الحكم لم يلتفت إلى ذلك، وإلى أن الواقعة مختلفة من أساسها ودان الطاعن دون أن يبين ركن القصد الجنائي وإقامة الدليل عليه - كما أن المحكمة لم تعامله بالرأفة حرصاً على مستقبله.
وحيث إنه من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها في سبيل ذلك أن تأخذ باعتراف متهم في محضر ضبط الواقعة متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع ومتى خلصت المحكمة إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف فإن مفاد ذلك أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها مما لا يجوز المجادلة فيه أمام محكمة النقض لكونه من الأمور الموضوعية. لما كان ذلك، وكانت قرائن الأحوال من بين الأدلة المعتبرة في القانون والتي يصح اتخاذها ضمائم إلى الأدلة الأخرى، وكان ما أثبته الحكم عن مضمون الخطابات المتبادلة بين الطاعن وبين المجني عليها من تفريطها في نفسها له وسؤاله لها عن ميعاد الدورة الشهرية إنما اتخذه قرينة ضمها إلى الأدلة الأخرى. وهو استدلال يؤدي إلى ما انتهى إليه من ذلك، فلا محل لما يثيره الطاعن في هذا الصدد. أما منازعته في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة فهو لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب طالما أنها تناولت دفاعه وردت عليه رداً سليماً يسوغ به إطراحه. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أخذت الطاعن باعترافه ومضمون الخطابات المتبادلة بينه وبين المجني عليها ولم تؤاخذه بغيره من الأدلة الأخرى حتى يصح له أن يشكو منه وكانت أقوال المجني عليها ووالدتها خارجة عن دائرة استدلال الحكم فإن ما يثيره الطاعن بصدد عدم صدق أقوالهما لا يكون له محل. ولما كان يبين من الحكم أن التقرير الطبي الشرعي قد دل على إمكان حصول المواقعة دون أن تترك أثراً بالنظر إلى ما أثبته الفحص من أن غشاء بكارة المجني عليها من النوع الحلقي القابل للتمدد عند الجذب، فإن ما ينازع فيه الطاعن من أن الواقعة لم تحدث لا يعدو أن يكون من قبيل الجدل الموضوعي لما استقر في عقيدة المحكمة للأسباب السائغة التي أوردتها مما لا يقبل معه معاودة التصدي لها أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للقصد الجنائي ودلل على توافره في حق الطاعن، وجاء استخلاصه للواقعة سائغاً تتوافر به أركان جريمة هتك العرض بغير قوة أو تهديد كما هي معرفة به في القانون، وكان لا يشترط لتوافر جريمة هتك العرض قانوناً أن يترك الفعل أثراً بجسم المجني عليها ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد ذلك بأن الأصل أن القصد الجنائي في جريمة هتك العرض يتحقق بانصراف إرادة الجاني إلى الفعل ولا عبرة بما يكون قد دفع الجاني إلى فعلته أو بالغرض الذي توخاه منها فيصبح العقاب ولو لم يقصد الجاني بفعلته إلا مجرد الانتقام من المجني عليها أو ذويها ولا يلزم في القانون أن يتحدث الحكم استقلالاً عن هذا الركن بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يكفي للدلالة على قيامه. أما بالنسبة لما يثيره الطاعن من أن المحكمة لم تعامله بالرأفة حرصاً على مستقبله. فمردود بما هو مقرر من أن تقدير العقوبة وتقدير قيام موجبات الرأفة أو عدم قيامها هو من إطلاقات محكمة الموضوع دون معقب ودون أن تسأل حساباً عن الأسباب التي من أجلها أوقعت العقوبة بالقدر الذي ارتأته. كما أن وقف تنفيذ العقوبة أو شموله لجميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم أمر متعلق بتقدير العقوبة. وهذا التقدير في الحدود المقررة قانوناً من سلطة محكمة الموضوع.
وحيث إن مبنى الوجه الخامس هو القصور في التسبيب. ذلك أن المحكمة في قضائها في الدعوى المدنية بالتعويض لم تبين وجه الضرر بشقيه الذي أصاب المدعية بالحق المدني ولم تستظهر ما إذا كان هذا الضرر قد نشأ من الجريمة التي دانت الطاعن بها وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه.
وحيث إنه يبين من الحكم أن المحكمة أسست قضاءها بالتعويض المؤقت على قولها إن الطاعن قد ارتكب خطأ هو الاعتداء على عرض المجني عليها وقد أصابتها نتيجة لهذا الخطأ أضرار مادية وأدبية تتمثل في استطالة عورته إلى موضع العفة منها وخدش عاطفة الحياء عندها وما نال من سمعتها منه. وما قاله الحكم من ذلك يكفي في القضاء بالتعويض بعد أن أثبت على النحو سالف البيان وقوع الفعل الضار وهو بيان يتضمن بذاته الإحاطة بأركان المسئولية المدنية من خطأ وضرر وعلاقة سببية مما يستوجب الحكم على مقارفة بالتعويض. فلا تثريب على المحكمة والحال كذلك إن هي لم تبين الضرر بنوعيه المادي والأدبي الذي حاق بالمدعي بالحقوق المدنية بصفته لما هو مقرر من أنه إذا كانت المحكمة قد حكمت بالتعويض المؤقت الذي طلبه ليكون نواة للتعويض الكامل الذي سيطالب به، بانية ذلك على ما ثبت لها من أن المحكوم عليه هو الذي ارتكب الفعل الضار المسند إليه فهذا يكفي لتبرير التعويض الذي قضت به. أما بيان مدى الضرر قائماً يستوجبه التعويض الذي قد يطالب به فيما بعد وهذا يكون على المحكمة التي ترفع أمامها الدعوى به.
وحيث إنه لكل ما تقدم، يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.