أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 21 - صـ 391

جلسة 16 من مارس سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمود العمراوي، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم الديواني، وطه الصديق دنانة، ومصطفى الأسيوطي، ومحمد ماهر حسن.

(96)
الطعن رقم 1934 لسنة 39 القضائية

(أ، ب) إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". قتل عمد.
( أ ) متى يكون تحديد الحكم لمسافة إطلاق النار على المجني عليه. ضرورياً: إذا كان ذلك لازماً للتيقن من إمكان الرؤية والتمييز بالنسبة لحالة الضوء وقت الحادث.
إيراد الحكم - على خلاف الثابت بأقوال الشهود - أن الرؤية ممكنة وأن تمييز المتهم كان مستطاعاً. خطأ في الإسناد يعيب الحكم.
(ب) تساند الأدلة في المواد الجنائية. مؤداه؟
1 - متى كانت أقوال من سئل من الشهود من رجال الحفظ في جلسة المحاكمة لا تساند الحكم فيما حصله من أن رؤية المجني عليه للمتهم الطاعن وقت الاعتداء عليه وتمييزه كانا ممكنين، إذ قرروا بأن الظلام كان سائداً وقت الحادث، وكان يبين من المفردات، أن رجال الحفظ شهدوا بتحقيقات النيابة، بتعذر الرؤية واستحالة التعرف، إذ قرروا بأن "الدنيا كانت عتمة والرؤية متعذرة" وكان الحكم لم يكشف عن تحديد مسافة إطلاق الأعيرة النارية فيما أثبت بتقرير الصفة التشريحية حتى يمكن القطع بيقين في أمر الرؤية والتمييز بالنسبة لظروف الضوء والظلام وقت الحادث ومسافة تلك الرؤية. وإذ كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أورد على خلاف الثابت بأقوال الشهود أن الرؤية كانت ممكنة وتمييز الطاعن كان مستطاعاً وعول على ذلك في إدانته دون أن يعني باستجلاء حقيقة الأمر في ذلك على ضوء ما جاء بتقرير الصفة التشريحية خاصاً بمسافة الإطلاق، فإنه يكون معيباً بالخطأ في الإسناد والقصور في البيان.
2 - إن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يشد بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، بحيث إذ سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان لهذا الدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 26 أبريل سنة 1963 بدائرة مركز الصف محافظة الجيزة (1) قتل سعيد عبد المحسن عبد الجواد عمداً ومع سبق الإصرار والترصد بأن عقد العزم الصحيح على قتله وأعد لذلك سلاحاً نارياً وتربص له في الطريق الزراعي وما أن ظفر به حتى أطلق عليه عدة أعيرة نارية قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته (2) أحرز سلاحاً نارياً مششخناً (ريفولفر) بدون ترخيص (3) أحرز ذخيرة (طلقات نارية) مما تستعمل في الأسلحة النارية المششخنة ولم يكن مرخصاً له بحملها. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضورياً عملاً بالمادتين 32 و234/ 1 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و6 و26/ 2 و4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والبند أ من القسم الأول من الجدول رقم 3 المرافق حضورياً بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات والمصادرة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه إنه إذ دانه بجريمة القتل العمد وإحراز سلاح وذخيرة، قد أخطأ في الإسناد وشابه قصور في التسبيب، ذلك بأنه عول في إدانته على شهادة رجال الحفظ نقلاً عن المجني عليه من رؤيته للطاعن وقت أن أطلق عليه الأعيرة النارية وأن الرؤية كانت ممكنة مع أن الثابت في الأوراق أن فريقاً من هؤلاء الشهود قال بظلمة مكان الحادث وذكر فريق آخر أن الرؤية لم تكن ممكنة إلا على مسافة لا تجاوز المتر الواحد. وإذ ما كان ذلك، وكان الحكم قد أغفل تحديد مسافة الإطلاق فيما نقله عن تقرير الصفة التشريحية مع أن هذا التقرير قد حدد تلك المسافة ببضعة أمتار مع ما لذلك من أثر على بيان إمكان الرؤية وتعيين التعرف على الجاني مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى استدل على ثبوتها في حق الطاعن من أقوال الخفيرين النظاميين: عبد العظيم عبد المحسن، وعبد العظيم حماد وعمدة الناحية كامل عبد الغني جعفر ومما ورد بتقرير الصفة التشريحية ثم حصل أقوال هؤلاء الشهود بأن المجني عليه أخبرهم بأن الطاعن أطلق عليه النار وأورد أقوال المجني عليه في التحقيق بأن الطاعن أطلق عليه أربعة أعيرة نارية. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن الذي تمسك به بمحضر جلسة المحاكمة من استحالة الرؤية لشدة الظلام ورد عليه بقوله: "كما وأنه لا يضعف من قوة الاتهام ودليله القول بأن الوقت كان ظلاماً شديداً لأن شهود الواقعة وهم رجال الحفظ في قرية لا تربطهم أية صلة بالمجني عليه أو المتهم أوردوا في شهادتهم أنه يمكن التعرف والرؤية خصوصاً وأن المتهم ليس بالشخص الغريب عن المجني عليه وأن هناك خصومة بينهما لسبب حادث القتل ما تجعله ليتحقق من شخصية الجاني عند الاعتداء عليه". ومؤدى ما أورده الحكم فيما تقدم أن المحكمة قد اعتمدت على ما أسندته إلى رجال الحفظ من أن رؤية المجني عليه للطاعن وقت الاعتداء عليه وتمييزه كانا ممكنين في تكوين اقتناعها في صحة ما أخبر به المجني عليه. لما كان ذلك، وكانت أقوال من سئل من رجال الحفظ في جلسة المحاكمة لا تساند الحكم فيما حصله في هذا الشأن إذ قرروا بأن الظلام كان سائداً وقت الحادث وكان يبين من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن، أن رجال الحفظ شهدوا بتحقيقات النيابة بتعذر الرؤية واستحالة التعرف إذ قرروا بأن الدنيا كانت عتمة والرؤية متعذرة وكان الحكم لم يكشف عن تحديد مسافة الإطلاق فيما أثبت بتقرير الصفة التشريحية حتى يمكن القطع بيقين في أمر الرؤية والتمييز بالنسبة لظروف الضوء والظلام وقت الحادث ومسافة تلك الرؤية. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أورد على خلاف الثابت بأقوال الشهود أن الرؤية كانت ممكنة وتمييز الطاعن كان مستطاعاً وعول على ذلك في إدانته دون أن يعني باستجلاء حقيقة الأمر في ذلك على ضوء ما جاء بتقرير الصفة التشريحية خاصاً بمسافة الإطلاق فإنه يكون معيباً بالخطأ في الإسناد والقصور في البيان ولا يغني في ذلك ما ذكرته المحكمة من أدلة أخرى، إذ أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يشد بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان لهذا الدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة. لما كان ذلك، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن الأخرى.