أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 21 - صـ 398

جلسة 16 من مارس سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمود العمراوي، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، ومصطفى محمود الأسيوطي، ومحمد ماهر حسن.

(98)
الطعن رقم 199 لسنة 40 القضائية

(أ، ب) رشوة. جريمة. "أركانها". إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
( أ ) انطباق المادة 104 عقوبات على المرتشي. إذا كان الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة. تنفيذاً لاتفاق سابق.
عدم الاتفاق مع الراشي على أداء العمل والامتناع عنه. مطالبة المرتشي بالمكافأة عنه بعد ذلك. انطباق المادة 105 عقوبات.
(ب) مثال لتسبيب غير معيب على انطباق المادة 104 عقوبات.
(ج) رشوة. إثبات. "إثبات بوجه عام". تلبس. تفتيش. "إذن التفتيش بطلانه". دفوع. "الدفع ببطلان التفتيش". مأمورو الضبط القضائي. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
رؤية رجل الضبط للمتهم بتسلم مبلغ الرشوة. تلبس. صحة القبض على المتهم وتفتيشه في هذه الحالة. عدم جدوى المنازعة في صحة إذن التفتيش بقالة إنه صدر لضبط جريمة مستقبلة. عند توافر حالة التلبس.
1 - إن مفاد نصوص المواد 103، 104 , 105 من قانون العقوبات، أنه إذا توافر اتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة على امتناع الموظف عن أداء عمل معين أو للإخلال بواجبات وظيفته، انطبقت المادة 104 عقوبات، يستوي في ذلك أن يكون العطاء سابقاً أو معاصراً للامتناع أو الإخلال أو أن يكون العطاء لاحقاً عليه، ما دام الامتناع أو الإخلال كان تنفيذاً لاتفاق سابق، إذ أن نية الاتجار بالوظيفة في هذه الحالة تكون قائمة منذ بداية الأمر بدلالة تعمد الإخلال بواجب الوظيفة، أما إذا أدى الموظف عمله أو امتنع عنه أو أخل بواجبات وظيفته دون أن يسبقه اتفاق مع الراشي على أداء العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال، ثم طالب بمكافأته، انطبقت المادة 105 من قانون العقوبات.
2 - إذا كان الحكم المطعون فيه بعد أن سرد واقعة الدعوى استخلص منها ومن مؤدى أقوال شهود الإثبات - وهو ما لا يجادل الطاعن في صحة معينة من الأوراق، وفي حدود سلطته الموضوعية - أن الطاعن إذ توجه إلى منزل المجني عليه ولم يجده وقبض من زوجته مبلغ جنيه بزعم أنها غرامة محكوم عليه بها، طلب إليها التنبيه على زوجها بضرورة مقابلته في منزله بعد أن ترك له ورقة بها عنوان المنزل، وأن تفهمه "يعمل حسابه لهذه المقابلة" وأنه إذ قابله بالمنزل أوقفه على حقيقة الأمر من أنه قد حرر ضده محضر مخالفة مباني، وأبدى له مساعدته بإثبات بيانات لصالحه في هذا المحضر، وبعد أن قام بذلك طلب إليه انتظاره في الخارج ثم لحق به واستولى منه على مبلغ الرشوة، واستخلص الحكم من ذلك كله أن الطاعن قد طلب لنفسه عطاء للإخلال بواجبات وظيفته فإن الواقعة على هذا النحو تكون منطبقة على نص المادة 104 من قانون العقوبات التي دين بها، ولا يؤثر على ذلك أن يكون العطاء لاحقاً، ما دام أن نية الاتجار بالوظيفة في هذه الحالة كانت قائمة منذ البداية، وهو ما أثبته الحكم في حق الطاعن، ومن ثم فلا جدوى له من بعد في شأن ما يثيره من عدم توافر هذه الجريمة بالنسبة للواقعة الأولى الخاصة باستيلائه على مبلغ جنيه من زوجة المجني عليه.
3 - متى كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الضابطين لم يقبضا على الطاعن ويقومان بتفتيشه إلا بعد أن رأياه رؤية عين حال أخذ مبلغ الرشوة من صاحب المصلحة، فإن الجريمة تكون في حالة تلبس مما يخول الضابطين حق القبض عليه وتفتيشه دون إذن من النيابة، ومن ثم فإنه لا جدوى مما يثيره الطاعن في صدد بطلان إذن النيابة بالتفتيش لصدوره عن جريمة مستقبلة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يومي 9 يوليه 1966 و13 يوليه سنة 1966 بدائرة قسم مصر الجديدة محافظة القاهرة: بصفته موظفاً عمومياً (مساعد بشرطة المرافق، طلب وأخذ لنفسه عطية للإخلال بواجبات وظيفته وذلك بأن تقاضى من سيد عبده أبو السعود مبلغ ثلاثة جنيهات على سبيل الرشوة مقابل إثباته بيانات على خلاف الحقيقة في محضر سؤاله له في مخالفة مباني بغية تخفيف الغرامة التي سيقضي بها عليه. وطلبت إلى السيد مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمواد 103/ 2 و104/ 1 و111 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 بمعاقبة المتهم بالسجن ثلاث سنوات وتغريمه ألفين من الجنيهات. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الرشوة طبقاً للمادتين 103 و104 من قانون العقوبات، قد خالف القانون وشابه فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب، ذلك بأنه صور الواقعة بأن الطاعن تقاضى مبلغ جنيه من زوجة المبلغ بزعم أنه غرامة محكوم بها على زوجها عن مخالفة مباني، ثم أخذ من الزوج مبلغ جنيهين مقابل إثباته بيانات مخالفة للحقيقة في المحضر الخاص بسؤاله عن المخالفات المسندة إليه ومن ثم فإن الواقعة الأولى إن صحت تعد نصباً معاقباً عليه بالمادة 336 من قانون العقوبات، أما الواقعة الثانية فإنه فضلاً عن أن مدونات الحكم تنبئ بذاتها عن بطلان أدلة الثبوت القائمة فيها لبطلان إذ النيابة الصادر بتفتيش الطاعن لصدوره عن جريمة مستقبلة - فإن الثابت من الحكم في شأنها أن الطاعن كان قد قام من جانبه بإثبات البيانات في المحضر قبل أخذه مبلغ الرشوة ولم يكن ذلك بناء على اتفاق سابق بينه وبين المبلغ وهو مناط انطباق المادتين 103 و104 من قانون العقوبات، بل كان ذلك على سبيل المكافأة له عن إخلاله بواجبات وظيفته وهو ما ينطبق عليه نص المادة 105 من القانون نفسه. والعقوبة المقررة له أخف من العقوبة المقررة للجريمة الأولى ولم يعن الحكم بالرد على دفاعه في هذا الشأن ولم يرد مؤدى ما أثبته الطاعن في المحضرين المحررين للمجني عليه، كل ذلك يعيب الحكم مما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن المادة 104 من قانون العقوبات تنص على أن "كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية للامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو للإخلال بواجباتها أو لمكافأته على ما وقع منه من ذلك يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وضعف الغرامة المذكورة في المادة 103 من هذا القانون وقد نص في المادة الأخيرة أن الغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به، كما نصت المادة 105 من القانون ذاته على أن كل موظف عمومي قبل من شخص أدى له عملاً من أعمال وظيفته أو امتنع عن أداء عمل من أعمالها أو أخل بواجباتها، هدية أو عطية بعد تمام ذلك العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات وظيفته بقصد المكافأة على ذلك وبغير اتفاق سابق يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه. ومفاد هذه النصوص أنه إذا توافر اتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة على امتناع الموظف عن أداء عمل معين أو الإخلال بواجبات وظيفته انطبقت المادة 104 عقوبات يستوي في ذلك أن يكون العطاء سابقاً أو معاصراً للامتناع أو الإخلال أو أن يكون العطاء لاحقاً عليه ما دام الامتناع أو الإخلال كان تنفيذاً لاتفاق سابق إذ أن نية الاتجار بالوظيفة في هذه الحالة تكون قائمة منذ بداية الأمر بدلالة تعمد الإخلال بواجب الوظيفة، أما إذا أدى الموظف عمله أو امتنع عنه أو أخل بواجبات وظيفته دون أن يسبقه اتفاق مع الراشي على أداء العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال ثم طالب بمكافأته انطبقت المادة 105 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه - بعد أن سرد واقعة الدعوى استخلص منها ومن مؤدى أقوال شهود الإثبات - وهو ما لا يجادل الطاعن في صحة معينة من الأوراق - وفي حدود سلطته الموضوعية، أن الطاعن إذ توجه إلى منزل المجني عليه ولم يجده وقبض من زوجته مبلغ جنيه بزعم أنها غرامة محكوم عليه بها، طلب إليها التنبيه على زوجها بضرورة مقابلته في منزله بعد أن ترك له ورقة بها عنوان المنزل وأن تفهمه يعمل حسابه لهذه المقابلة وأنه إذ قابله بالمنزل أوقفه على حقيقة الأمر من أنه قد حرر ضده محضر مخالفة مباني وأبدى له مساعدته بإثبات بيانات لصالحه في هذا المحضر وبعد أن قام بذلك طلب إليه انتظاره في الخارج ثم لحق به واستولى منه على مبلغ الرشوة واستخلص الحكم من ذلك كله أن الطاعن قد طلب لنفسه عطاء للإخلال بواجبات وظيفته، فإن الواقعة على هذا النحو تكون منطبقة على نص المادة 104 من قانون العقوبات التي دين بها ولا يؤثر على ذلك أن يكون العطاء لاحقاً ما دام أن نية الاتجار بالوظيفة في هذه الحالة كانت قائمة منذ البداية وهو ما أثبته الحكم في حق الطاعن ومن ثم فلا جدوى له من بعد في شأن ما يثيره من عدم توافر هذه الجريمة بالنسبة للواقعة الأولى الخاصة باستيلائه على مبلغ جنيه من زوجة المجني عليه إذ من حق محكمة الموضوع إن ترد الواقعة إلى صورتها الصحيحة التي ترتسم في وجدانها من جماع الأدلة المطروحة أمامها على بساط البحث ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق وأن الأصل في الإثبات في المواد الجنائية هو باقتناع القاضي واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه، فقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الأدلة التي كونت منها المحكمة عقيدتها بالنسبة للصورة الصحيحة للواقعة والأدلة القائمة فيها. لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الضابطين لم يقبضا على الطاعن ويقوما بتفتيشه إلا بعد أن رأياه رؤية عين حال أخذه مبلغ الرشوة من صاحب المصلحة مما تعتبر به الجريمة في حالة تلبس يخول الضابطين حق القبض عليه وتفتيشه دون إذن من النيابة، فإنه لا جدوى مما يثيره الطاعن في صدد بطلان إذن النيابة بالتفتيش لصدوره عن جريمة مستقبلة. لما كان ما تقدم، وكان باقي ما يثيره الطاعن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً، فإن الطعن منه يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.