أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 21 - صـ 431

جلسة 22 من مارس سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين عزام، وعضوية السادة المستشارين: سعد الدين عطيه، وأنور أحمد خلف، ومحمود عطيفه، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(106)
الطعن رقم 250 لسنة 40 القضائية

( أ ) محكمة الجنايات. "تشكيلها". حكم. "بطلانه". بطلان. اختصاص. إجراءات المحاكمة.
بطلان تشكيل محكمة الجنايات إذا تم من أكثر من واحد من غير المستشارين. ثبوت أن الحكم صدر من دائرة شكلت من ثلاثة من مستشاري محكمة الاستئناف. صدوره وفق القانون. لا يؤثر في ذلك أن تلك الدائرة أصبحت تختص بالمواد المدنية قبل النطق بالحكم. عله ذلك؟ توزيع العمل على دوائر محكمة الاستئناف. ماهيته؟ تنظيم إداري.
(ب) تحقيق. "التحقيق بمعرفة المحكمة". "استجواب المتهم". استجواب. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع ما لا يوفره". دفوع. "الدفع ببطلان الاستجواب".
سقوط حق الطاعن في الدفع ببطلان استجوابه إذا حصل بحضور محاميه ودون اعتراض منه.
(ج، د، هـ، و) إجراءات المحاكمة. "مسائل عامة". "استدعاء الشهود". إثبات. "إثبات بوجه عام".
(ج) المحاكمة الجنائية. العبرة فيها باقتناع القاضي. لا يصح مطالبته بالأخذ بدليل دون آخر. هو في حل من الأخذ بدليل النفي ولو تضمنته ورقة رسمية. ما دام هذا الدليل غير مقطوع بصحته.
(د) للمحكمة التعويل على الاستدلالات التي أجراها الضابط وعدم الأخذ بما حواه دفتر الأحوال وإطراح أقوال شاهدي النفي.
(هـ) عدم التزام المحكمة برصد بيانات دفتر الأحوال بمحضر الجلسة. طالما أنه كان في مكنة الدفاع عن الطاعن الاطلاع عليه وإبداء ما يعن له من أوجه الدفاع في شأنه.
(و) استدعاء المحكمة الشاهد لاستيضاحه أمراً معيناً في حضور الطاعن ومحاميه. لا عيب.
(ز، ح، ط، ي، ك) حكم. "تسبيه. تسبيب غير معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع". ما لا يوفره. إثبات. "اعتراف". محكمة الموضوع."سلطتها في تجزئة الدليل". قتل عمد. سجون.
(ز) عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال.
(ح) عدم التزام المحكمة بتحقيق دفاع غير منتج في الدعوى أو الرد عليه.
(ط) حق محكمة الموضوع في تجزئة الدليل ولو كان اعترافاً والأخذ منه بما تطمئن اليه وإطراح ما عداه. مثال.
(ي) الاعتراف. تقديره. موضوعي.
(ك) حظر المادة 140 إجراءات من اتصال رجال السلطة العامة بالمتهم المحبوس داخل السجن. المخاطب بهذا النص هو مأمور السجن. مخالفة هذا النص لا يترتب عليه بطلان الإجراءات.
(ل) تحقيق. "التحقيق بمعرفة النيابة". مأمورو الضبط القضائي. "اختصاصهم".
قيام النيابة العامة باجراء التحقيق بنفسها لا يقتضي قعود مأموري الضبط القضائي عن القيام بواجباتهم طبقاً للمادة 24إجراءات.
(م) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها دون التقيد بدليل بعينه وإطراح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً.
1 - تنص المادة 366 من قانون الإجراءات الجنائية على أن تشكل محكمة الجنايات من ثلاثة من مستشاري محكمة الاستئناف. وتنص المادة 367 من القانون ذاته على أن تعين الجمعية العامة لكل محكمة من محاكم الاستئناف في كل سنة بناء على طلب رئيسها من يعهد إليه من مستشاريها القضاء بمحاكم الجنايات وأنه إذا حصل مانع لأحد المستشارين المعينين لدور من أدوار انعقاد محكمة الجنايات يستبدل به أخر من المستشارين يندبه رئيس محكمة الاستئناف ويجوز عند الاستعجال أن يجلس مكانه رئيس المحكمة الابتدائية الكائنة بالجهة التي تنعقد بها محكمة الجنايات أو وكيلها ولا يجوز في هذه الحالة أن يشترك في الحكم أكثر من واحد من غير المستشارين. ومؤدى ذلك أن الشارع لم يرتب البطلان إلا في هذه الحالة الأخيرة التي تشكل فيها الدائرة من أكثر من واحد من غير المستشارين. ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه صدر من دائرة شكلت من ثلاثة من مستشاري محكمة استئناف القاهرة، فإنه يكون قد صدر من هيئة مشكلة وفق القانون، ولا يؤثر في هذا أن تلك الدائرة أصبحت تختص بالمواد المدنية قبل النطق بالحكم ذلك أن توزيع العمل على دوائر محكمة الاستئناف وبالتالي تعيين من يعهد إليه من المستشارين للقضاء بمحكمة الجنايات لا يعدو أن يكون تنظيماً إدارياً بين دوائر المحكمة المختصة وليس من شأن ذلك التوزيع أن يخلق نوعاً من الاختصاص تنفرد به دائرة دون دائرة أخرى مما لا يترتب البطلان على مخالفته، فإن ما يدعيه الطاعن من بطلان الحكم في هذا الصدد لا يقوم على أساس من القانون.
2 - متى كان الثابت من مطالعة محضر الجلسة أن استجواب الطاعن تم بموافقة الدفاع ودون اعتراض منه فليس له أن ينعى عليها من بعد أنها استجوبته، هذا إلى أن حقه في الدفع ببطلان الإجراءات المبني على هذا السبب قد سقط وفقاً للفقرة الأولى من المادة 333 من قانون الإجراءات الجنائية لحصوله بحضور محامى الطاعن بدون اعتراض منه عليه.
3 - العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على ما يجريه من تحقيق في الدعوى ومن كافة عناصرها المعروضة على بساط البحث فلا يصح مطالبته بالأخذ بدليل دون آخر. ومتى اقتنع القاضي من الأدلة المعروضة أمامه بالصورة التي ارتسمت في وجدانه للواقعة وخلص إلى ارتكاب المتهم إياها وجب عليه أن ينزل العقاب به طبقاً للقانون بمعنى أنه يكون في حل من الأخذ بدليل النفي أو تضمنته ورقة رسمية ما دام هذا الدليل غير مقطوع بصحته ويصح في العقل أن يكون مخالفاً للحقيقة، أما ما جاء في القانون من حجية الأوراق الرسمية والأحكام المقررة للطعن فيها فمحله الإجراءات المدنية والتجارية فحسب حيث عينت الأدلة ووضعت لها الأحكام وألزم القاضي بأن يجري في قضائه على مقتضاها.
4 - لا تثريب على المحكمة إن هي عولت على الاستدلالات التي أجراها الضابط متى اطمأنت إليها واطرحت أقوال شاهدي النفي ولم تأخذ بما حواه دفتر الأحوال.
5 - ليس في نصوص القانون ما يوجب على المحكمة أن ترصد بيانات دفتر الأحوال بمحضر الجلسة طالما أنه كان في مكنة الدفاع عن الطاعن الاطلاع عليه وإبداء ما يعن له من أوجه دفاع في شأنه.
6 - لا جناح على المحكمة إن هي أمرت باستدعاء الضابط الشاهد واستوضحته فيما رأت لزوماً لاستيضاحه فيه ما دام الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن هذا الإجراء تم في حضور الطاعن ومحاميه.
7 - لا تلتزم المحكمة بأن تتبع المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم.
8 - لا تثريب على المحكمة إذا هي لم تحقق الدفاع غير المنتج في الدعوى أو أغفلت الرد عليه.
9 - لمحكمة الموضوع تجزئة الدليل ولو كان اعترافاً والأخذ منه بما تطئمن إليه واطراح ما عداه. ولما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه لم يورد عند بيانه لواقعة الدعوى أن الطاعن استعمل سلاحه الأميري بل اقتصر على أنه قتل المجني عليها بطبنجة أعدها لذلك وعندما أورد اعتراف الطاعن ذكر أنه أقر بأنه أطلق على المجني عليها العيار من مسدسه الأميري المسلم إليه ثم أخذ بما اطمأن إليه من اعتراف الطاعن في شأن مقارفته للقتل وأطرح ما عداه في شأن السلاح المستعمل، فإن ما ينعاه الحكم من دعوى التناقض في التسبيب في هذا الشأن لا يكون لها محل.
10 - الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الحيلة أو الإكراه. ومتى تحققت أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بما لا معقب عليه.
11 - لا جدوى مما يثيره الطاعن من بطلان اعترافه بسبب مخالفة المادة 140 من قانون الإجراءات الجنائية، ذلك بأن المخاطب بهذا النص بحكم وروده في الفصل التاسع من الباب الثالث الخاص بقاضي التحقيق من القانون المذكور هو مأمور السجن بقصد تحذيره من اتصال رجال السلطة بالمتهم المحبوس داخل السجن، ولا يترتب على هذا الاتصال بذاته بطلان ما للإجراءات وكل ما يلحقه هو مظنة التأثير على المتهم وتقدير ذلك موكول إلى محكمة الموضوع.
12 - إن قيام النيابة العامة بإجراء التحقيق بنفسها لا يقتضي قعود مأموري الضبط القضائي عن القيام إلى جانبها في الوقت ذاته بواجباتهم التي فرض الشارع عليهم أداءها بمقتضى المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية وكل ما في الأمر أن ترسل هذه المحاضر إلى النيابة العامة فتكون عنصراً من عناصر الدعوى تحقق النيابة ما ترى وجوب تحقيقه منها.
13 - لمحكمة الموضوع أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها دون أن تتقيد في هذا الشأن بدليل بعينه وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 4/ 3/ 1967 بدائرة قسم النزهة محافظة القاهرة: قتل مرضية طالب حلبوني عمداً ومع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتلها وأعد لذلك مسدساً ثم توجه إليها في مسكنها وضربها على مؤخر رأسها بآلة راضة ثم أطلق عليها عياراً نارياً من المسدس الذي كان يحمله وأعده لذلك قاصداً قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. وكان القصد من ارتكاب هذه الجناية تسهيل ارتكاب جنحة سرقة وهي أنه في الزمان والمكان سالفى الذكر سرق المجوهرات المبينة وصفاً وقيمة بالمحضر والمملوكة للمجني عليها من مسكنها وهي الجنحة المنصوص عليها في المادة 317/ 1 من قانون العقوبات. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته على محكمة الجنايات لمحاكمته طبقاً للوصف والقيد والمواد الواردة بقرار الإحالة. فقرر بذلك. وادعى أنور مسلم حلبوني بصفته وصياً على أولاد المجني عليها مدنياً قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت. وبتاريخ 30/ 10/ 1969 قررت محكمة جنايات القاهرة بإجماع الآراء إرسال أوراق القضية إلى مفتي الجمهورية وحددت للنطق بالحكم جلسة 22/ 12/ 1969 وفي هذه الجلسة قضت حضورياً وبإجماع الآراء عملاً بالمواد 230 و231 و224/ 3 و30 من قانون العقوبات (أولاً) بإعدام...... (ثانياً) إلزامه بأن يدفع إلى المدعي بالحقوق المدنية بصفته مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت ومصاريف الدعوى المدنية ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. (ثالثاً) مصادرة السلاح والطلقات التي ضبطت مع المحكوم عليه. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة قتل عمد مع سبق الإصرار بقصد تسهيل ارتكاب جنحة سرقة قد شابه البطلان وانطوى على خطأ في القانون وتناقض وفساد في الاستدلال ذلك بأن الحكم صدر من دائرة فقدت ولايتها بإصداره قبل النطق به بعد أن اقتصر اختصاصها على نظر المواد المدنية دون المواد الجنائية ثم إن الحكم استند في إدانة الطاعن إلى استجوابه بمحضر جلسة 21 أكتوبر سنة 1969 على الرغم من بطلانه لحصوله بغير موافقة الدفاع ولاستناده أيضاً إلى شهادة العقيد أحمد حلمي من أن الطاعن قد تأصلت فيه النزعة الإجرامية لثبوت اتفاقه على قتل آخرين ولضبطه محرزاً لسلاح مماثل للسلاح المستعمل في الحادث دون أن تكون هذه الأدلة مطروحة على بساط البحث لدى نظر الدعوى. وفضلاً عن ذلك فإن المحكمة استدعت هذا الضابط تلقائياً في غيبة الطاعن بعد إقفال باب المرافعة وأطرح حكمها المطعون فيه شهادة رجلي الشرطة لبيب محمد السيد ومحمد مصطفى حلمي وما اشتمل عليه دفتر الأحوال من عدم تواجد الطاعن بمكان الحادث وقت حصوله على الرغم من أن هذا السجل يعد من الأوراق الرسمية التي تحوز الحجية بما دون فيها حتى يقوم الدليل على العكس عن طريق الطعن بالتزوير وهو ما لم يحدث ورغم أن المحكمة لم ترصد بيانات السجل بمحضر الجلسة وتواجه الطاعن بها. كما أن المحكمة لم تقل كلمتها فيما ثبت بدفتر ترحيلات المتهمين الخاص بمحكمة جنايات القاهرة من أن الطاعن بصفته ضابط شرطة قام بتسليم أحد المتهمين إلى المحكمة في الساعة 9.30 صباح يوم الحادث. كما أن الحكم المطعون فيه جاء مشوباً بالتناقض في شأن السلاح المستعمل في الحادث فأثبت في شق من مدوناته أنه السلاح الأميري المضبوط مع الطاعن ثم عاد وجوز حصول القتل من سلاح مغاير وعول الحكم أيضاً في إدانة الطاعن على اعترافه أمام المقدم علي حلمي وبتحقيق النيابة رغم بطلانه لكونه وليد إكراه أدبي وقع عليه من رجال الشرطة ولصدوره نتيجة إجراء باطل إذ استدعاه المقدم المذكور من السجن إبان حبسه احتياطياً على ذمة قضية اتفاق جنائي دون صدور إذن كتابي من النيابة العامة يجوز له الاتصال به وفقاً لنص المادة 140 من قانون الإجراءات الجنائية مما يجعله غير مختص باستجوابه أيضاً بعد أن أخطر النيابة بالواقعة وقد تمسك المدافع عن الطاعن بهذا الدفاع إلا أن الحكم المطعون فيه رد عليه بما لا يصلح رداً وجاءت أسبابه متناقضة عند ما عول في قضائه على الاعتراف وتقرير الصفة التشريحية معاً وأخيراً فإن المحكمة خلصت إلى أن القتل وقع بقصد تسهيل جريمة السرقة في حين أن تحريات الشرطة تخالف هذا القصد فضلاً عن أن خادمة المجني عليها شهدت بأنها أخبرتها بخلو المسكن من شيء يحتمل سرقته. كما ثبت أيضاً أن المجني عليها لم تف أجرة مسكنها أو أجرة البيانو لمالكه حتى يوم الحادث وأن متعلقات أولادها لم يعبث بها مما ينفي واقعة السرقة.
وحيث إنه لما كانت المادة 366 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن تشكل محكمة الجنايات من ثلاثة من مستشاري محكمة الاستئناف وكانت المادة 367 من القانون ذاته تنص على أن تعين الجمعية العامة لكل محكمة من محاكم الاستئناف في كل سنة بناء على طلب رئيسها من يعهد إليه من مستشاريها القضاء بمحاكم الجنايات وأنه إذا حصل مانع لأحد المستشارين المعينين لدور من أدوار انعقاد محكمة الجنايات يستبدل به آخر من المستشارين يندبه رئيس محكمة الاستئناف ويجوز عند الاستعجال أن يجلس مكانه رئيس المحكمة الابتدائية الكائنة بالجهة التي تنعقد بها محكمة الجنايات أو وكيلها ولا يجوز في هذه الحالة أن يشترك في الحكم أكثر من واحد من غير المستشارين وكان مؤدى ذلك أن الشارع لم يرتب البطلان إلا في هذه الحالة الأخيرة التي تشكل فيها الدائرة من أكثر من واحد من غير المستشارين. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه صدر من دائرة شكلت من ثلاثة من مستشاري محكمة استئناف القاهرة فإنه يكون قد صدر من هيئة مشكلة وفق القانون ولا يؤثر في هذا أن تلك الدائرة أصبحت تختص بالمواد المدنية قبل النطق بالحكم ذلك أن توزيع العمل على دوائر محكمة الاستئناف وبالتالي تعيين من يعهد إليه من المستشارين القضاء بمحكمة الجنايات لا يعدو أن يكون تنظيماً إدارياً بين دوائر المحكمة المختصة وليس من شأن ذلك التوزيع أن يخلق نوعاً من الاختصاص تنفرد به دائرة دون دائرة أخرى مما لا يترتب البطلان على مخالفته فإن ما يدعيه الطاعن من بطلان الحكم في هذا الصدد لا يقوم على أساس من القانون. لما كان ذلك، وكان الثابت من مطالعة محضر جلسة 21 أكتوبر 1969 أن استجواب الطاعن تم بموافقة الدفاع ودون اعتراض منه فليس له أن ينعي عليها من بعد أنها استجوبته - هذا إلى أن حقه في الدفع ببطلان الإجراءات المبني على هذا السبب قد سقط وفقاً للفقرة الأولى من المادة 333 من قانون الإجراءات لحصوله بحضور محامي الطاعن بدون اعتراض منه عليه. لما كان ذلك، وكانت العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على ما يجريه من تحقيق في الدعوى ومن كافة عناصرها المعروضة على بساط البحث فلا يصح مطالبته بالأخذ بدليل دون آخر ومتى اقتنع القاضي من الأدلة المعروضة أمامه بالصورة التي ارتسمت في وجدانه للواقعة وخلص إلى ارتكاب المتهم إياها وجب عليه أن ينزل العقاب به طبقاً للقانون بمعنى أنه يكون في حل من الأخذ بدليل النفي ولو تضمنته ورقة رسمية ما دام هذا الدليل غير مقطوع بصحته ويصح في العقل أن يكون مخالفاً للحقيقة، أما ما جاء في القانون من حجية الأوراق الرسمية والأحكام المقررة للطعن فيها فمحله الإجراءات المدنية والتجارية فحسب حيث عينت الأدلة ووضعت لها الأحكام وألزم القاضي بأن يجري في قضائه على مقتضاها وعلى ذلك فلا تثريب على المحكمة إن هي عولت على الاستدلالات التي أجراها العقيد أحمد حلمي متى اطمأنت إليها وأطرحت أقوال شاهدي النفي ولم تأخذ بما حواه دفتر الأحوال وليس في نصوص القانون ما يوجب عليها أن ترصد بيانات الدفتر بمحضر الجلسة طالما أنه كان في مكنة الدفاع عن الطاعن الاطلاع عليه وإبداء ما يعن من أوجه دفاع في شأنه، كما أنه لا جناح على المحكمة إن هي أمرت باستدعاء الشاهد العقيد سالف الذكر واستوضحته فيما رأت لزوماً لاستيضاحه فيه ما دام الثابت من محضر جلسة المحاكمة المؤرخ في 22 أكتوبر لسنة 1969 أن هذا الإجراء تم في حضور الطاعن ومحاميه. لما كان ذلك، فإن ما ينعاه الطاعن من بطلان إجراءات المحاكمة في هذا الصدد يكون في غير محله - أما ما يثيره في شأن إغفال الحكم المطعون فيه الرد على ما اشتمل عليه دفتر ترحيلات المتهمين بمحكمة جنايات القاهرة فمردود بأن المحكمة لا تلتزم بأن تتبع المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم - هذا فضلاً عن أن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الحادث ارتكب فيما بين الساعة العاشرة والحادية عشرة صباحاً ومفاد دفتر الترحيلات المذكور أن الطاعن أنجز عمله الرسمي بتسليم أحد المتهمين بمحكمة جنايات القاهرة في الساعة التاسعة والنصف صباح يوم الحادث أي قبل وقوعه ومن ثم فإن هذا الدفاع منه لا يكون منتجاً في الدعوى فلا تثريب على المحكمة إذا هي لم تحققه أو أغفلت الرد عليه. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع تجزئة الدليل ولو كان اعترافاً والأخذ منه بما تطمئن إليه واطراح ما عداه وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه لم يورد عند بيانه لواقعة الدعوى أن الطاعن استعمل سلاحه الأميري بل اقتصر على أنه قتل المجني عليها بطبنجة أعدها لذلك وعندما أورد اعتراف الطاعن ذكر أنه أقر بأنه أطلق على المجني عليها العيار من مسدسه الأميري المسلم إليه ثم أخذ الحكم بما اطمأن إليه من اعتراف الطاعن في شأن مقارفته للقتل واطرح ما عداه في شأن السلاح المستعمل، فإن ما ينعاه على الحكم من دعوى التناقض في التسبيب في هذا الشأن لا يكون لها محل. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض إلى دفاع الطاعن في شأن ما ادعاه من بطلان اعترافه لكونه وليد إكراه ورد عليه بقوله "أن المتهم أدلى بأقواله أمام النيابة العامة حراً مختاراً بعيداً عن أي ضغط أو إكراه وأبدى أقواله في أكثر من موضع أمام سلطة التحقيق الأمينة على الدعوى الجنائية وسأله المحقق سؤالاً صريحاً في صحيفة 26 من النسخة المطبوعة عما إذا كان ثمة إكراه وقع عليه فأجاب بالنفي وقال إنه على العكس عومل أحسن معاملة فلا محل بعد ذلك للزعم بحصول غش أو إكراه وهو زعم لا سند له ولا دليل عليه على الإطلاق ولم يكن هناك ما يدعو إليه وكانت النيابة العامة هي التي تتولى التحقيق بنفسها" وما أورده الحكم من ذلك سائغ في القانون ذلك لأن الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الحيلة أو الإكراه ومتى تحققت أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بما لا معقب عليها، أما ما يثيره الطاعن من بطلان ذلك الاعتراف بسبب مخالفة المادة 140 من قانون الإجراءات الجنائية فإنه لا جدوى له من إثارته ذلك بأن المخاطب بهذا النص بحكم وروده في الفصل التاسع من الباب الثالث الخاص بقاضي التحقيق من القانون المذكور هو مأمور السجن بقصد تحذيره من اتصال رجال السلطة بالمتهم المحبوس داخل السجن ولا يترتب على هذا الاتصال بذاته بطلان ما للإجراءات وكل ما يلحقه هو مظنة التأثير على المتهم وتقدير ذلك موكول إلى محكمة الموضوع. وأما ما يثيره الطاعن من بطلان الإجراءات لاستمرار رجال البحث الجنائي في جمع الاستدلالات رغم تولي النيابة التحقيق فمردود بأن قيام النيابة العامة بإجراء التحقيق بنفسها لا يقتضي قعود مأموري الضبط القضائي عن القيام إلى جانبها في الوقت ذاته بواجباتهم التي فرض الشارع عليهم أداءها بمقتضى المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية وكل ما في الأمر أن ترسل هذه المحاضر إلى النيابة العامة فتكون عنصراً من عناصر الدعوى تحقق النيابة ما ترى وجوب تحقيقه منها. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تر الأخذ بتصوير الطاعن للواقعة من أنه أطلق العيار الذي قتل المجني عليها خطأ على مسافة منها ورأت الأخذ في حدود ما وقر في يقينها من أن الطاعن تعمد قتل المجني عليها تسهيلاً لسرقة ما لها استناداً إلى تقرير الصفة التشريحية الذي أثبت أن المجني عليها أصيبت بداءة بضربة راضة في مؤخر رأسها فاندفعت هرباً من موالاة التعدي حيث استقرت بجوار الصيوان وحيث أصيبت بطلقة نارية من مسدس كانت فوهته ملاصقة لجبهتها إثر سقوطها على الأرض، ولما كانت المحكمة قد جزأت في حدود سلطتها التقديرية اعتراف الطاعن وأخذت منه بما اطمأنت إليه وأطرحت ما عداه فإن ما ينعاه الطاعن على حكمها المطعون فيه من دعوى التناقض في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الثابت من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه اعتمد في تصويره للواقعة من أن القتل وقع بقصد تسهيل جريمة سرقة على تقرير العقيد أحمد حلمي الذي يفيد أن الطاعن طرق باب الجريمة بغية الكسب متخيراً ضحاياه من ذوي الثراء ومن شهادة ولدي المجني عليها من أن مبلغاً وحلياً فقدا إثر الحادث ومن تخلف آثار بصمات الطاعن بالحقيبة والصيوان مستودع المبلغ والحلي الفاقدين ومن وجود عبث بمحتويات المسكن محل الحادث ومن تخير ميقات الحادث لعلم الطاعن سلفاً بخلو الدار ممن عساه يشهد عليه ودخلوه بحجرة نومها بدعوى مطالعة أوراق تخص مصنعها ومبادرته بضربها بآلة راضة على رأسها لشل مقاومتها ثم إطلاقه النار عليها بعد أن لاصق فوهة مسدسه بجبهتها فأودى بحياتها وعبث بعد ذلك بمحتويات حقيبتها وصيوانها. ولما كان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها دون أن تتقيد في هذا الشأن بدليل بعينه وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق كما هو الحال في واقعة الدعوى، فإن ما ينعاه الطاعن من منازعة في التصوير الذي اعتنقه الحكم للحادث لا يكون له محل وينحل في حقيقته إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى واستخلاص ما يؤدي إليه مما لا يسوغ مصادرة المحكمة بشأنه أو الخوض فيه لدى محكمة النقض.
وحيث إن النيابة العامة عرضت القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم عملاً بنص المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، ولما كان يبين إعمالاً لنص المادة 35 من القانون المذكور أن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دين المحكوم عليه بالإعدام بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها وجاء الحكم خلواً من قالة مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله وقد صدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى بما يغير ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه ومن ثم يتعين قبول عرض النيابة وإقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه.