أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 609

جلسة 16 من مايو سنة 1977

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صلاح الدين الرشيدي، ومحمد صفوت القاضي، والسيد محمد مصري شرعان، ومحمد عبد الحميد صادق.

(129)
الطعن رقم 149 لسنة 47 القضائية

(1) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
اقناعية الدليل في المحاكمات الجنائية. مؤداها؟
الأدلة في المواد الجنائية متساندة.
لا يلزم أن يكون الدليل صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها. كفاية استخلاص ثبوتها. استنتاجاً.
(2) تزوير "تزوير الأوراق الرسمية". جريمة. "أركانها". قصد جنائي.
التحدث عن كل ركن من أركان جريمة التزوير. متى لا يلزم.
متى يتحقق القصد الجنائي في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية ؟
(3) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير آراء الخبراء. من إطلاقات محكمة الموضوع. عدم التزامها بإعادة المهمة إلى الخبير أو ندب خبير آخر.
1- من المقرر أن العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه، ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه. ولا يلزم أن تكون الأدلة التي أعتمد عليها الحكم بحيث ينبىء كل دليل منها ويقطع في كل جزء من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، كما لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.
2- من المقرر أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان جريمة التزوير مادام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه. ويتحقق القصد الجنائي في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية متى تعمد الجاني تغيير الحقيقة في المحرر مع انتواء استعماله في الغرض الذي من أجله غيرت الحقيقة فيه، وليس أمراً لازماً التحدث صراحة واستقلالاً في الحكم عن توافر هذا الركن مادام قد أورد من الوقائع ما يشهد لقيامه.
3- من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها، دون أن تلتزم بندب خبير آخر ولا بإعادة المهمة إلى ذات الخبير مادام استنادها في الرأي الذي انتهت إليه هو استناد سليم لا يجافى المنطق والقانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنة وآخر بأنهما (أولاً) بصفتها موظفة عمومية ورئيسة قسم الحجز الإداري بالهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية بالمنصورة ارتكبت تزويراً في ورقة رسمية هي محضر الحجز الإداري حال تحريرها المختص بوظيفتها بجعلها واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمها بتزويرها بأن أثبتت على غير الحقيقة بمحضر الحجز أنه توقع ضد........ وعينته حارساً على السيارة المحجوزة (ثانياً) استعملت الورقة المزورة سالفة الذكر بأن قدمتها إلى الإدارة المختصة بهيئة التأمينات الاجتماعية لاتخاذ اللازم بشأنها مع علمها بتزويرها وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 4/ 2 و3 و41 و211 و213 و214 من قانون العقوبات، ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بحبس كل من المتهمين سنة واحدة وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة مدة ثلاث سنوات. فطعنت المحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقض....... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذا دانها بجريمة تزوير ورقة رسمية "محضر حجز إداري" واستعمالها قد شابه القصور في التسبيب وانطوى على الفساد في الاستدلال، ذلك بأنه استند إلى أدلة لا تؤدي إلى ما رتبه عليها من نتيجة، حيث عول على أن الطاعنة هي التي أوقعت الحجز وحررت محضره وعينت الحارس على السيارة المحجوز عليها واستوقعته بزعم تحققها من شخصيته وحيازته للسيارة رغم ثبوت بيعه لها قبل توقيع الحجز عليها، كما عول على ما قرره المحكوم عليه الثاني من أن السيارة كانت في حيازة الحارس الموجود بها أمام مقر هيئة التأمينات الاجتماعية وقت توقيع الحجز، مما استخلص منه الحكم ثبوت اتفاق المحكوم عليه الثاني مع الطاعنة على توقيع الحجز ومساعدته إياها في ذلك، وهو ما لا ينهض دليلاً كافياً على ثبوت ما دينت به الطاعنة في حقها. فضلاً عن أن الحكم لم يستظهر توافر ركن القصد الجنائي لجريمة التزوير في حق الطاعنة، وليس في أوراق الدعوى ما يكشف عن ثبوته، خاصة وأنه لا مصلحة للطاعنة في ارتكاب هذه الجريمة. بالإضافة إلى أن الحكم عول في قضائه على تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بشأن فحص توقيع الحارس على محضر الحجز دون أن يقول كلمته فيما أبداه الدفاع عن الطاعنة من أن توقيعات الحارس المعترف بها على أوراق المضاهاة جميعها متغايرة كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه حصل واقعة الدعوى في قوله إنها تخلص في أنه بتاريخ 29/ 11/ 1971 بدائرة قسم ثان المنصورة محافظة الدقهلية حررت المتهمة الأولى...... (الطاعنة) بوصفها رئيسة لقسم الحجز الإداري بالهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية بالمنصورة محضر الحجز الإداري رقم 458 أوقعت بموجبه حجزاً إدارياً على السيارة رقم 89 رمسيس دقهلية وفاء لمبلغ 58 ج و516 م المستحقة للهيئة قبل......، وأثبتت في محضر الحجز على خلاف الحقيقة أن المخاطبة تمت معه شخصياً وإنها عينته حارساً على تلك السيارة التي كانت في حيازته وبأنه وقع أمامها بإمضائه على محضر الحجز مع أنه لم يكن موجوداً وقت تحرير المحضر ولم تتم المخاطبة معه شخصياً ولم تكن السيارة المحجوزة في حيازته ولم يوقع بإمضائه على محضر الحجز، وقد قامت المتهمة الأولى بتقديم ذلك المحضر المزور إلى الهيئة المذكورة للسير في الإجراءات، وقد اتفق المتهم الثاني........ مع المتهمة الأولى، في ارتكاب جريمة التزوير سالفة الذكر بأن اتفق معها على ارتكابها وقدم لها تلك السيارة التي كانت في حيازته فوقعت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة وأورد الحكم على ثبوتها في حق الطاعنة أدلة سائغة مستمدة من أقوال....... و...... شقيق المحكوم عليه الثاني وأحد شاهدي محضر الحجز – واعتراف الطاعنة إنها هي التي قامت بتحرير محضر الحجز، وكذا اعتراف المحكوم عليه الثاني بأنه اشترى تلك السيارة المحجوز عليها من....... قبل توقيع الحجز عليها وإنها كانت في حيازته وقت توقيع الحجز، ومما ثبت من الاطلاع على محضر الحجز الإداري موضوع الاتهام ومن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير، لما كان ذلك، وكان المقرر أن العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه , ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك، فقد جعل القانون من سلطته أن تزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه. ولا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبىء كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، كما لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفى أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، وكان من المقرر أيضاً أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان جريمة التزوير ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه. ويتحقق القصد الجنائي في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية من تعمد الجاني تغيير الحقيقة في المحرر مع انتواء استعماله في الغرض الذي من أجله غيرت الحقيقة فيه، وليس أمراً لازماً التحدث صراحة واستقلالاً في الحكم عن توافر هذا الركن ما دام قد أورد من الوقائع ما يشهد لقيامه. وكان من المقرر كذلك أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها، دون أن تلتزم بندب خبير آخر ولا بإعادة المهمة إلى ذات الخبير ما دام استنادها في الرأي الذي انتهت إليه هو استناد سليم لا يجافى المنطق والقانون. لما كان ذلك، وكانت الأدلة التي عول عليها الحكم المطعون فيه في الإدانة – والتي لا تجادل الطاعنة في أن لها معينها الصحيح من الأوراق – من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من مقارفة الطاعنة للجريمة التي دينت بها، وقد استخلص الحكم منها الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنة بها. ومن ثم فإن ما تثيره الأخيرة بوجه نعيها لا يعدو أن يكون جدلاً في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، وبالتالي تنحسر عن الحكم المطعون فيه قالة القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ويضحى الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.