مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1956 إلى آخر يناير سنة 1957) - صـ 27

(4)
جلسة 10 من نوفمبر سنة 1956

برياسة السيد/ السيد علي السيد - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل - المستشارين.

القضية رقم 355 لسنة 2 القضائية

( أ ) أجنبي - إقامته في مصر هي مركز قانوني لابد لنشوئه من صدور قرار إداري - يستوي في ذلك أن تكون الإقامة خاصة أم عادية أم مؤقتة.
(ب) أجنبي - إذا كانت إقامته مؤقتة ترخصت الإدارة في تقدير مناسباتها بسلطة مطلقة في حدود المصلحة العامة بأوسع معانيها - إذا كانت إقامته خاصة أو عادية فللإدارة رفض الترخيص بها أو رفض تجديدها إذا كان في وجوده ما يهدد الأمن أو السلامة في الداخل أو الخارج أو الاقتصاد أو الصحة أو الآداب أو السكينة أو كان عالة على الدولة - لا ضرورة عندئذ لأخذ رأي اللجنة المنصوص عليها بالمادة 16 من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 - الحالات التي يتعين فيها أخذ رأي هذه اللجنة.
1- يبين من استظهار نصوص المواد 9 و10 و15 من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 في شأن جوازات السفر وإقامة الأجانب، أن إقامة الأجنبي في جمهورية مصر أياً كانت صفتها - سواء أكانت خاصة أم عادية أم مؤقتة - هي مركز قانوني لا ينشأ من تلقاء نفسه، بل لابد لنشوئه من صدور قرار إداري به.
2- إنه وإن اختلفت الشروط والأوضاع ومدى الآثار القانونية في كل حالة من حالات الإقامة الثلاث (الخاصة والعادية والمؤقتة) إلا أنه يلزم فيها جميعاً طبقاً للمادة 9 من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 أن تكون بترخيص من وزارة الداخلية، فإذا كانت الإقامة مؤقتة ترخصت في تقدير مناسباتها بسلطة مطلقة في حدود ما تراه متفقا مع المصلحة العامة بأوسع معانيها؛ إذ الإقامة العارضة لا تعدو أن تكون صلة وقتية عابرة لا تقوم إلا على مجرد التسامح الودي من جانب الدولة، ولا تزايلها هذه الصفة مهما تكرر تجديدها، ما دام لم يصدر قرار إداري ينشئ للأجنبي مركزاً قانونياً في إقامة من نوع آخر، وإذا كانت الإقامة خاصة أو عادية كان للوزارة أن ترفض الترخيص بها أو تجديدها، حتى لو توافرت شروطها الأخرى إذا كان في وجود الأجنبي ما يهدد أمن الدولة أو سلامتها في الداخل أو في الخارج أو اقتصادها القومي أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو السكينة العامة أو كان عالة على الدولة، وذلك بدون حاجة إلى أخذ رأي اللجنة المنصوص عليها في المادة 16؛ إذ اشتراط أخذ رأي هذه اللجنة إنما يلزم، طبقاً للمادة 15، في حالة إبعاد الأجنبي من ذوي الإقامة الخاصة أو العادية خلال مدة الإقامة المرخص له فيها، فلا يلزم أخذ رأيها عند تقرير ملاءمة الترخيص للأجنبي في الإقامة أو تجديدها أيا كانت صفتها بعد انتهائها، ولا عند إبعاد الأجنبي من ذوي الإقامة المؤقتة حتى خلال مدة الإقامة المرخص له فيها.


إجراءات الطعن

في 21 من فبراير سنة 1956 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بجلسة 27 من ديسمبر سنة 1955 في الدعوى رقم 6730 لسنة 8 ق المرفوعة من نقولا غانم ضد وزارة الداخلية، القاضي: "بإلغاء القرار الصادر من مدير مصلحة الهجرة والجنسية بتاريخ 5 من إبريل سنة 1954 بتكليف المدعي مغادرة البلاد، وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم "بقبول هذا الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن الطعن إلى المطعون عليه في 12 من إبريل سنة 1956 وإلى وزارة الداخلية في 27 من مارس سنة 1956، وعين لنظره جلسة 13 من أكتوبر سنة 1956، وفيها سمعت المحكمة الإيضاحات على الوجه المبين بالمحضر، وأرجئ إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد أستوفي أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 6730 لسنة 8 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعت سكرتيريتها في 21 من إبريل سنة 1954 طلب فيها الحكم (أولاً) بوقف تنفيذ القرار الصادر بتكليفه بمغادرة القطر المصري والمبلغ إليه في 12 من إبريل سنة 1954 (ثانياً) بإلغاء هذا القرار مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقد قضت المحكمة المذكورة في 27 من ديسمبر سنة 1955 "بإلغاء القرار الصادر من مدير مصلحة الهجرة والجنسية بتاريخ 5 من إبريل سنة 1954 بتكليف المدعي مغادرة البلاد، وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة"؛ استناداً إلى أنه "يبين من الإطلاع على ملف إدارة الجوازات والجنسية وجواز سفره رقم 124 الصادر من القنصلية الفرنسية بالقاهرة سنة 1940 والشهادة الصادرة من هذه القنصلية ما يفيد أن المدعي مقيد بهذه القنصلية تحت رقم 1264 وأنه دخل البلاد في سنة 1908 ولم يغادرها إلا مرتين الأولى كانت بسبب الخدمة الإجبارية سنة 1940 والثانية من يوليه سنة 1946 إلى يناير 1949 لعلاج زوجته، كما أودع المدعي شهادات من شركات مختلفة تفيد بأنه قد عمل بها من سنة 1932 إلى شهر يوليه سنة 1946 تاريخ سفره برفقة زوجته ثم من سنة 1949 إلى تاريخ تكليفه بالقرار المطعون فيه، ويخلص مما تقدم أن المدعي كان في وقت صدور المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 ممن يعتبرون من ذوي الإقامة الخاصة بالتطبيق لأحكام المادة العاشرة من المرسوم بقانون سالف الذكر، ومن ثم فلا يجوز إبعاده إلا بأمر من وزير الداخلية لوجوده في حالة من الحالات الواردة في المادة 15 من المرسوم بقانون سالف الذكر بعد عرض أمره على لجنة الإبعاد المنصوص عليها في المادة 16 منه".
وقالت في موضع آخر "ومن حيث إنه بالإطلاع على ملف إدارة الجوازات والجنسية الخاص بالمدعي لم يستدل منه على أن المدعي صدر منه ما يجعله في حالة من الحالات الواردة في المادة 15 سالفة الذكر ولم تنسب إليه الحكومة في مذكرتها شيئاً من ذلك طول مدة إقامته الطويلة في البلاد، كما أتضح أن القرار الصادر بتكليفه بمغادرة البلاد في 5 من إبريل سنة 1954 لم يصدر من وزير الداخلية ولم يعرض على لجنة الإبعاد وإنما صدر من مدير عام مصلحة الهجرة والجنسية".
ومن حيث إن المادة 9 من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 في شأن جوازات السفر وإقامة الأجانب إذ نصت على أنه "يجب على كل أجنبي أن يكون حاصلاً على ترخيص في الإقامة وأن يغادر الأراضي المصرية عند انتهاء مدة إقامته ما لم يكن قد حصل قبل ذلك على ترخيص من وزارة الداخلية في مد إقامته" إنما رددت الأصل المسلم في القانون الدولي. ثم نظمت المواد التالية المراكز القانونية للأجانب في الإقامة وعينت الأوضاع والشروط في هذا الشأن، فنصت المادة 10 (المعدلة بالمرسوم بقانون رقم 133 في 4 من أغسطس سنة 1952) على أنه "يقسم الأجانب من حيث الإقامة إلى ثلاث فئات: 1 - الأجانب ذوو الإقامة الخاصة وهم: ( أ ) الأجانب الذين ولدوا في المملكة المصرية ولم تنقطع إقامتهم فيها حتى تاريخ العمل بهذا القانون (ب) الأجانب الذين مضى على إقامتهم في المملكة المصرية عشرون سنة لم تنقطع حتى تاريخ العمل بهذا القانون وكانوا قد دخلوا أراضيها بطريق مشروع (جـ) الأجانب الذين مضى على إقامتهم في المملكة المصرية أكثر من خمس سنوات كانت تتجدد بانتظام حتى تاريخ العمل بهذا القانون وكانوا قد دخلوا أراضيها بطريق مشروع وكذلك الأجانب الذين يمضي على إقامتهم أكثر من خمس سنوات بالشروط ذاتها إذا كانوا في الحالين يقومون بأعمال مفيدة للاقتصاد القومي أو يؤدون خدمات علمية أو ثقافية أو فنية للبلاد، وتعين بقرار من وزير الداخلية بعد أخذ رأي الجهات المختصة الأعمال والخدمات المذكورة (د) العلماء ورجال الأدب والفن والصناعة والاقتصاد وغيرهم ممن يؤدون خدمات جليلة للبلاد الذين يصدر في شأنهم قرار من وزير الداخلية. ويرخص لأفراد هذه الفئة في الإقامة لمدة عشر سنوات تجدد عند الطلب وذلك ما لم يكونوا في إحدى الحالات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 15. 2 - الأجانب ذوو الإقامة العادية وهم الأجانب الذين مضى على إقامتهم في المملكة المصرية خمس عشرة سنة ولم تنقطع حتى تاريخ العمل بهذا القانون وكانوا قد دخلوا المملكة المصرية بطريق مشروع. ويرخص لأفراد هذه الفئة في الإقامة لمدة خمس سنوات ما لم يكونوا في إحدى الحالات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 15. ويجوز تجديد إقامتهم. 3 - الأجانب ذوو الإقامة المؤقتة وهم الذين لا تتوافر فيهم الشروط السابقة، ويجوز منح أفراد هذه الفئة ترخيصاً في الإقامة لمدة أقصاها سنة ويجوز تجديدها. وتبين بقرار من وزير الداخلية الإجراءات الخاصة بالترخيص في الإقامة وتجديدها وميعاد طلبها"، ونصت المادة 15 على أنه "لوزير الداخلية بقرار منه إبعاد الأجانب ولا يجوز إبعاد الأجنبي من ذوي الإقامة الخاصة أو العادية إلا إذا كان في وجوده ما يهدد أمن الدولة أو سلامتها في الداخل أو الخارج أو اقتصادها القومي أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو السكينة العامة أو كان عالة على الدولة وبشرط أخذ رأي اللجنة المنصوص عليها في المادة التالية....".
ومن حيث إنه يبين من استظهار هذه النصوص أن إقامة الأجنبي في جمهورية مصر أياً كانت صفتها - سواء أكانت خاصة أم عادية أم مؤقتة - هي مركز قانوني لا ينشأ من تلقاء نفسه، بل لا بد لنشوئه من صدور قرار إداري به، ولئن اختلفت الشروط والأوضاع ومدى الآثار القانونية في كل حالة من الحالات الثلاث إلا أنه يلزم فيها جميعاً طبقاً للمادة 9 من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 أن تكون بترخيص من وزارة الداخلية فإذا كانت الإقامة مؤقتة ترخصت في تقدير مناسباتها بسلطة مطلقة في حدود ما تراه متفقاً مع المصلحة العامة بأوسع معانيها؛ إذ الإقامة العارضة لا تعدو أن تكون صلة وقتية عابرة لا تقوم إلا على مجرد التسامح الودي من جانب الدولة، ولا تزايلها هذه الصفة مهما تكرر تجديدها ما دام لم يصدر قرار إداري ينشئ للأجنبي مركزاً قانونياً في إقامة من نوع آخر، وإذا كانت الإقامة خاصة أو عادية كان لها أن ترفض الترخيص بها أو تجديدها، حتى لو توفرت شروطها الأخرى إذا كان في وجود الأجنبي ما يهدد أمن الدولة أو سلامتها في الداخل أو الخارج اقتصادها القومي أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو السكينة العامة أو كان عالة على الدولة، وذلك بدون حاجة إلى أخذ رأي اللجنة المنصوص عليها في المادة 16؛ إذ اشتراط أخذ رأي هذه اللجنة إنما يلزم طبقاً للمادة 15 في حالة إبعاد الأجنبي من ذوي الإقامة الخاصة أو العادية خلال مدة الإقامة المرخص له فيها، فلا يلزم أخذ رأيها عند تقدير ملاءمة الترخيص في الإقامة أو تجديدها أيا كانت صفتها بعد انتهائها ولا عند إبعاد الأجنبي من ذوي الإقامة المؤقتة حتى خلال مدة الإقامة المرخص له فيها.
ومن حيث إنه بان للمحكمة من الأوراق أن المطعون عليه فرنسي الجنسية أقام بمصر فترة قبل سنة 1946 ثم غادرها إلى فرنسا في 27 من يوليه سنة 1946 وقدم طلباً للعودة في 19 من أغسطس سنة 1948 لزيارة عائلته فرفض طلبه ثم صرح ثم صرح له بالدخول هو وزوجته لمدة شهر واحد انتهى في 11 من فبراير سنة 1949 ثم قدم طلباً لتسوية إقامته فمنح ستة أشهر لتقديم ما يثبت إقامته بمصر منذ عام 1932 إلى عام 1946 وسبب سفره وإقامته بالخارج من 27 يوليه سنة 1946 إلى 12 من يناير سنة 1949 فقدم شهادات من شركات مختلفة تفيد بأنه عمل بها من سنة 1932 إلى شهر يوليه سنة 1946 كما قدم شهادة تفيد مرض زوجته وأنها كانت تحت العلاج من شهر سبتمبر سنة 1946 إلى شهر أكتوبر سنة 1947 ومصدق عليها إدارياً من عمدة بيارتس بفرنسا بتاريخ 11 من أبريل سنة 1952.
ومن حيث إنه فضلاً عن أن ما قدمه المطعون عليها من شهادات ليس بدليل قاطع في هذا الخصوص وأنه على الرغم من شفاء زوجته في أكتوبر سنة 1947 فقد أقام بالخارج لحين الترخيص له بالإقامة مؤقتاً لمدة شهر واحد ابتداء من 12 يناير سنة 1949. ويظهر من ذلك أن المطعون عليه لم يمنح أية إقامة خاصة أو عادية وإنما منح إقامة مؤقتة كانت تجدد وقد انتهت ولم تر الإدارة تجديدها لأسباب تتعلق بالصالح العام.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم يكون الطعن قد قام على أساس سليم من القانون، فيتعين إلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.