أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 626

جلسة 22 من مايو سنة 1977

برياسة المستشار السيد محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: أحمد فؤاد جنينه، ويعيش محمد رشدي، ومحمد وهبه، وأحمد طاهر خليل.

(132)
الطعن رقم 155 لسنة 47 القضائية

(1) تفتيش "التفتيش بغير إذن". دفوع "الدفع ببطلان التفتيش". بطلان. جمارك. تهريب جمركي.
الدفع ببطلان التفتيش. ماهيته؟ عدم جواز إثارته لأول مرة أمام النقض. ما لم تكن مدونات الحكم ظاهرة.
إعادة تفتيش أمتعته سبق تفتيشها. حق لمأموري الجمارك. متى قامت لديهم دواعي الشك أو مظنة التهريب. وكان ذلك في نطاق الدائرة الجمركية.
(2) مواد مخدرة. جلب. قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". "بيانات التسبيب".
جلب المخدر. معناه.
متى يلزم التحدث عن القصد من جلب المخدر. استقلالاً.
(3) جريمة. "أركانها". قصد جنائي. مواد مخدرة. إثبات. "بوجه عام".
ثبوت علم الجاني بأن ما يحرزه مخدراً. يتوافر به القصد الجنائي في جريمة إحرازه. استظهار هذا القصد. موضوعي. اقناعية الدليل في المواد الجنائية. مفادها. أثرها.
(4) مواد مخدرة. عقوبة "الإعفاء منها". أسباب الإباحة وموانع العقاب "موانع العقاب". [(1)]
تقصى أسباب إعفاء المتهم من العقاب طبقاً للمادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960. غير لازم. إلا إذا دفع ذلك. متى يعفى المتهم من العقاب بعد علم السلطات. بجريمة حيازته أو إحرازه للمخدر.
1- إن الدفع ببطلان التفتيش هو من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع وهى لا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم تكن مدونات الحكم ترشح لقيام هذا البطلان نظراً لأنها تقتضي تحقيقاً تنحسر عنه وظيفة هذه المحكمة لما كان ذلك، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة لم تثر الدفع ببطلان التفتيش وكانت مدونات الحكم – قد خلت مما يرشح لقيام ذلك البطلان حيث أثبت أن مأمور الجمرك لحق بالطاعنة داخل الدائرة الجمركية وأعادها إلى صالة التفتيش حيث قام بتفتيش أمتعتها وهو حق مقرر لمأمور الجمرك طبقاً لأحكام القانون رقم 66 لسنة 1963 الذي يستفاد من استقراء نصوص المواد من 26 إلى 30 منه أن الشارع منح موظفي الجمارك الذين أسبغت عليهم القوانين صفة الضبط القضائي في أثناء قيامهم بتأدية وظائفهم حق تفتيش الأماكن والأشخاص والبضائع ووسائل النقل داخل الدائرة الجمركية أو في حدود نطاق الرقابة الجمركية إذا قامت لديهم دواعي الشك في البضائع والأمتعة أو مظنة التهريب فيمن يوجدون بداخل تلك المناطق، وكان الحكم قد اطمأن إلى دواعي الشك التي اقتضت استدعاء الطاعنة قبل خروجها من نطاق الدائرة الجمركية وإعادة تفتيش أمتعتها فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الخصوص لا محل له.
2- من المقرر إن القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 إذ عاقب في المادة 33 منه على جلب المواد المخدرة فقد دل على أن المراد بجلب المخدر هو استيراده بالذات أو بالواسطة ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس سواء كان الجالب قد استورده لحساب نفسه أو لحساب غيره متى تجاوز بفعله الخط الجمركي قصداً من الشارع إلى القضاء على انتشار المخدرات في المجتمع الدولي. وهذا المعنى يلابس الفعل المادي المكون للجريمة ولا يحتاج في تقريره إلى بيان ولا يلزم الحكم أن يتحدث عنه على استقلال إلا إذا كان الجوهر المخدر المجلوب لا يفيض عن حاجة الشخص أو استعماله الشخصي أو دفع المتهم بقيام حالة التعاطي لديه أو لدى من نقل المخدر لحسابه، وكان ظاهر الحال من ظروف الدعوى وملابساتها يشهد له. يدل على ذلك فوق دلالة المعنى اللغوي والاصطلاحي للفظ الجلب أن المشرع نفسه لم يقرن نصه على الجلب بالإشارة إلى القصد منه بعكس ما استنه في الحيازة أو الإحراز لأن ذلك يكون ترديداً للمعنى المتضمن في الفعل مما يتنزه عنه الشارع إذ الجلب بطبيعته لا يقبل تفاوت القصود ولا كذلك حيازة المخدر أو إحرازه.
3- من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدر أو حيازته يتوافر متى قام الدليل على علم الجاني بأن ما يحرزه أو يحوزه من الجواهر المخدرة ولا حرج على القاضي في استظهار هذا العلم من ظروف الدعوى وملابساتها على أي نحو يراه ما دام أنه يتضح من مدونات الحكم توافره توافراً فعلياً. لما كان ذلك، وكان من المقرر كذلك أن العبرة في الإثبات في المواد الجنائية هي باقتناع القاضي واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه فقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ بأي دليل يرتاح إليه من أي مصدر شاء سواء في التحقيقات الأولى أو في جلسة المحاكمة ولا يصح مصادرته في شيء من ذلك إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، ولما كان ما ساقه الحكم المطعون فيه من وقائع الدعوى وملابساتها وبرر به اقتناعه بعلم الطاعنة بوجود المخدر بالصندوق الذي أحضرته معها من الخارج كافياً في الدلالة على توافر هذا العلم وسائغاً في العقل والمنطق، فإن ما تثيره الطاعنة في شأن عدم علمها بمحتويات الصندوق من المخدر ونعيها على الحكم بالفساد في الاستدلال أو القصور في التسبيب يكون غير سديد.
4- إن محكمة الموضوع ليست ملزمة بتقصي أسباب إعفاء المتهم من العقاب في حكمها إلا إذا دفع بذلك أمامها فإذا هو لم يتمسك لدى محكمة الموضوع بحقه في الإعفاء من العقوبة إعمالاً للمادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل، فليس له من بعد أن يثير هذا لأول مرة أمام محكمة النقض ولا أن ينعى على الحكم قعوده عن التحدث عنه. ولما كانت الطاعنة لم تتقدم بمثل هذا الدفع أمام محكمة الموضوع، هذا فضلاً عن أن مفاد نص المادة 48 المشار إليها أن القانون لم يرتب الإعفاء بعد علم السلطات بالجريمة إلا بالنسبة للمتهم الذي يسهم بإبلاغه إسهاماً إيجابياً منتجاً وجدياً في معاونة السلطات للتوصل إلى مهربي المخدرات والكشف عن الجرائم الخطيرة المنصوص عليها في المواد 33 و34 و35 من ذلك القانون باعتبار أن هذا الإعفاء نوع من المكافأة منحها الشارع لكل من يؤدي خدمة للعدالة. فإذا لم يكن للتبليغ فائدة ولم يتحقق صدقة بأن كان غير متسم بالجدية والكفاية فلا يستحق صاحبه الإعفاء لانتقاء مقوماته وعدم تحقق حكمة التشريع لعدم بلوغ النتيجة التي يجزى عنها بالإعفاء وهى تمكين السلطات من وضع يدها على مرتكبي تلك الجرائم الخطيرة.


الوقائع

اتهمت النيابة الطاعنة بأنها جلبت إلى أراضي جمهورية مصر العربية جوهرين مخدرين (أفيوناً وحشيشاً) دون الحصول على ترخيص كتابي بذلك من الجهة الإدارية المختصة. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتها إلى محكمة الجنايات لمعاقبتها بالمواد 1 و2 و3 و33/ 1 و36 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبندين رقمي 1 و12 من الجدول رقم 1 الملحق به، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادتين 17 و36 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 بمعاقبة المتهمة بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريمها ثلاثة آلاف جنيه والمصادرة. فطعنت المحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقص.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنة بجريمة جلب المخدر قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب وانطوى على فساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الحكم قد عول في إدانته للطاعنة على ما أسفر عنه تفتيش أمتعتها من ضبط المخدر في صندوق من بينها مع بطلان هذا التفتيش لوقوعه بالمخالفة لأحكام قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963، إذ الثابت من أقوال مأمور جمرك الركاب بميناء الإسكندرية أنه بعد خروج الطاعنة بأمتعتها من دائرة التفتيش وسدادها الرسوم الجمركية قام رجال الجمارك باستدعائها ثانية وأجروا تفتيش أمتعتها الذي أسفر عن ضبط المخدر بالصندوق، وقد أشار الدفاع إلى بطلان الإجراءات الأخيرة لأن إتمام الإجراءات المعتادة من بادىء الأمر بالنسبة للطاعنة على نحو ما حصله الحكم يقطع بانتفاء دواعي الشك بعد ذلك فيما تحمله من أمتعة إلا أن الحكم التفت عن هذا الدفاع واستدل على ثبوت جريمة الجلب ونسبتها للطاعنة من كبر كمية المخدر المضبوطة وأنها تفيض عن حاجة الاستعمال الشخصي دون أن يعنى باستظهار واقعة استيراد المخدر من الخارج والقصد الخاص بالجلب والعناصر الدالة عليه. ودلل على علم الطاعنة بما يحويه الصندوق من مخدر بقرائن لا تنتجه منها ما هو ثابت من تحقيقات جناية أخرى مماثلة كانت منظورة مع الدعوى الراهنة ومنها مبادرة الطاعنة إلى سداد الرسوم الجمركية بعد أن حصلت على قيمتها من والدتها التي كانت في استقبالها دون أن تتريث حتى يحضر الشخص الموفد من قبل مرسل الصندوق لسداد الرسوم واستلامه مع أن ذلك التصرف من جانب الطاعنة لا يؤدي عقلاً إلى ما رتبه عليه الحكم كما أنه أشاح عما ساقه الدفاع من أسانيد تقطع بانتفاء ركن العلم في حق الطاعنة ومن ذلك ما نشر بالصحف حول شخص اسمه....... وهو الذي سلم الصندوق للطاعنة ببيروت – يرأس عصابة تسخر بعض السيدات لحمل المواد المخدرة دون علمهن وأنها لو كانت تعلم بحقيقة ما يحتويه الصندوق لأسرعت بالانصراف والاختفاء بعد انتهاء الإجراءات الجمركية معها ولما تريثت حتى تمكن رجال الجمارك من استدعائها ثانية، هذا إلى أن الحكم لم يعمل في حق الطاعنة حكم الإعفاء المقرر بالمادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها رغم توافر موجبه إذ أرشدت الطاعنة عن اسم من سلمها صندوق المخدر في الخارج. وأخيراً فإن المحكمة لم تستمع إلى أقوال شهود الإثبات على الرغم من تمسك الدفاع بذلك وأمرت بتلاوة أقوالهم دون أن يتم إعلانهم. كل ذلك مما يعيب الحكم المطعون فيه ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة جلب المخدر التي دان الطاعنة بها. وأورد على ثبوتها في حقها أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها مستمدة من أقوال موظفي الجمارك بميناء الإسكندرية في تحقيقات النيابة وما شهد به بعضهم أيضاً بجلسة المحاكمة ومن تقرير المعامل الكيميائية لما كان ذلك، وكان مؤدى ما أورده الحكم في بيانه للواقعة أن الطاعنة وصلت إلى ميناء الإسكندرية قادمة من ميناء بيروت على ظهر الباخرة أرمينيا وأثناء إتمام الإجراءات بجمرك الركاب بالمحطة البحرية تقدم أحد الأشخاص إلى مأمور الجمرك بجوازي سفر الطاعنة وأخرى فأتم المأمور الإجراءات بالنسبة لأمتعة الطاعنة وكان بينها صندوق من الكرتون يحتوي على بعض الأواني الزجاجية والخزفية ولم يعن مأمور الجمرك بتفتيش هذا الصندوق بدقة نظراً لعدم اشتباهه في أمر الطاعنة وقدر الرسوم الجمركية المستحقة ثم مضى إلى فحص أمتعة زميلتها وكان من بينها صندوق مماثل لذلك الذي أحضرته الطاعنة وبتفتيشه وجد في قاعه جيباً سرياً يحتوي على كمية من مخدري الحشيش والأفيون وعندئذ عرض الأمر على مراقب الجمرك واستأذنه في إعادة تفتيش أمتعه الطاعنة وإذ أذن له وأشر على إقرارها الجمركي بذلك فقد لحق بها داخل الدائرة الجمركية وأعادها بأمتعتها إلى صالة التفتيش وقام بتفتيش الصندوق فوجد تحت الأواني الخزفية والزجاجية جيباً سرياً عثر به على اثنين وعشرين لفافة بها مخدر الحشيش ولفافة واحدة تحتوى مخدر الأفيون وكان ذلك بحضور فريق من رجال الجمرك الذين استند الحكم إلى أقوالهم في هذا الشأن. لما كان ذلك، وكان الدفع ببطلان التفتيش هو من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع وهى لا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم تكن مدونات الحكم ترشح لقيام هذا البطلان نظراً لأنها تقتضي تحقيقاً تنحسر عنه وظيفة هذه المحكمة، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة لم تثر الدفع ببطلان التفتيش، وكانت مدونات الحكم – على ما سلف بيانه – قد خلت مما يرشح لقيام ذلك البطلان حيث أثبت أن مأمور الجمرك لحق بالطاعنة داخل الدائرة الجمركية وأعادها إلى صالة التفتيش حيث قام بتفتيش أمتعتها وهو حق مقرر لمأمور الجمرك طبقاً لأحكام القانون رقم 66 لسنة 1963 الذي يستفاد من استقراء نصوص المواد من 26 إلى 30 منه أن الشارع منح موظفي الجمارك الذين أسبغت عليهم القوانين صفة الضبط القضائي في أثناء قيامهم بتأدية وظائفهم حق تفتيش الأماكن والأشخاص والبضائع ووسائل النقل داخل الدائرة الجمركية أو في حدود نطاق الرقابة الجمركية إذا قامت لديهم دواعي الشك في البضائع والأمتعة أو مظنة التهريب فيمن يوجدون بداخل تلك المناطق، وكان الحكم قد أطمأن إلى دواعي الشك التي اقتضت استدعاءها قبل خروجها من نطاق الدائرة الجمركية وإعادة تفتيش أمتعتها فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الخصوص لا محل له. لما كان ذلك، وكان من المقرر إن القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 إذ عاقب في المادة 33 منه على جلب المواد المخدرة فقد دلل على أن المراد بجلب المخدر هو استيراده بالذات أو بالواسطة ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس سواء كان الجالب قد استورده لحساب نفسه أو لحساب غيره متى تجاوز بفعله الخط الجمركي قصداً من الشارع إلى القضاء على انتشار المخدرات في المجتمع الدولي. وهذا المعنى يلابس الفعل المادي المكون للجريمة ولا يحتاج في تقريره إلى بيان ولا يلزم الحكم أن يتحدث عنه على استقلال إلا إذا كان الجوهر المخدر المجلوب لا يفيض عن حاجة الشخص أو استعماله الشخصي أو دفع المتهم بقيام حالة التعاطي لديه أو لدى من نقل المخدر لحسابه، وكان ظاهر الحال من ظروف الدعوى وملابساتها يشهد له، يدل على ذلك فوق دلالة المعنى اللغوي والاصطلاحي للفظ الجلب أن المشرع نفسه لم يقرن نصه على الجلب بالإشارة إلى القصد منه بعكس ما استنه في الحيازة أو الإحراز لأن ذلك يكون ترديدا للمعنى المتضمن في الفعل مما يتنزه عنه الشارع إذ الجلب بطبيعته لا يقبل تفاوت القصود ولا كذلك حيازة المخدر أو إحرازه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن المخدر المجلوب 120 و20 كيلو جراماً من الحشيش و270 و1 كيلو جراماً من الأفيون أحضرته الطاعنة معها من بيروت إلى الإسكندرية مخفاة في صندوق تحت بعض الأواني ووصف الحكم هذه الكمية بأنها كبيرة تفيض عما يمكن معه القول بأن الطاعنة أحضرتها للتعاطي أو للاستعمال الشخصي، فإن ما أثبته الحكم من ذلك هو الجلب بعينه كما هو معرف به في القانون بما يتضمن من طرح الجوهرين المخدرين في التعامل ويكون صحيحاً ما انتهى إليه الحكم من التدليل على توافر جريمة الجلب في حق الطاعنة ويكون النعي عليه في هذا الخصوص غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدر أو حيازته يتوافر متى قام الدليل على علم الجاني بأن ما يحرزه أو يحوزه من الجواهر المخدرة ولا حرج على القاضي في استظهار هذا العلم من ظروف الدعوى وملابساتها على أي نحو يراه ما دام أنه يتضح من مدونات الحكم توافره توافراً فعلياً، وكان من المقرر كذلك أن العبرة في الإثبات في المواد الجنائية هي باقتناع القاضي واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه فقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ بأي دليل يرتاح إليه من أي مصدر شاء سواء في التحقيقات الأولى أو في جلسة المحاكمة ولا يصح مصادرته في شيء من ذلك إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، ولما كان ما ساقه الحكم المطعون فيه من وقائع الدعوى وملابساتها وبرر به اقتناعه بعلم الطاعنة بوجود المخدر بالصندوق الذي أحضرته معها من الخارج كاف في الدلالة على توافر هذا العلم وسائغاً في العقل والمنطق، فإن ما تثيره الطاعنة في شأن عدم علمها بمحتويات الصندوق من المخدر ونعيها على الحكم بالفساد في الاستدلال أو القصور في التسبيب يكون غير سديد، وما دامت المحكمة قد أقامت قضاءها – في هذا الشأن – على عناصر سائغة اقتنع به وجدانها فإنه لا يجوز مصادرتها في عقيدتها ولا المجادلة في تقديرها أمام محكمة النقض، كما أنه لا محل لتعيب الحكم بأنه لم يرد على دفاع الطاعنة في هذا الصدد لأن فيما ساقه من أدلة موضوعية سائغة ما يفيد إطراحه لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحمله على عدم الأخذ بها. لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع ليست ملزمة بتقصي أسباب إعفاء المتهم من العقاب في حكمها إلا إذا دفع بذلك أمامها فإذا هو لم يتمسك لدى محكمة الموضوع بحقه في الإعفاء من العقوبة إعمالاً للمادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل، فليس له من بعد أن يثير هذا لأول مرة أمام محكمة النقض ولا ينعى على الحكم قعوده عن التحدث عنه. ولما كانت الطاعنة لم تتقدم بمثل هذا الدفع أمام محكمة الموضوع، هذا فضلاً عن أن مفاد نص المادة 48 المشار إليها أن القانون لم يرتب الإعفاء بعد علم السلطات بالجريمة إلا بالنسبة للمتهم الذي يسهم بإبلاغه إسهاماً إيجابياً منتجاً وجدياً في معاونة السلطات للتوصل إلى مهربي المخدرات والكشف عن الجرائم الخطيرة المنصوص عليها في المواد 33 و34 و35 من ذلك القانون باعتبار أن هذا الإعفاء نوع من المكافأة منحها الشارع لكل من يؤدي خدمة للعدالة، فإذا لم يكن للتبليغ فائدة ولم يتحقق صدقه بأن كان غير متسم بالجدية والكفاية فلا يستحق صاحبه الإعفاء لانتفاء مقوماته وعدم تحقق حكمة التشريع لعدم بلوغ النتيجة التي يجزي عنها الإعفاء وهى تمكين السلطات من وضع يدها على مرتكبي تلك الجرائم الخطيرة، وإذ كان الثابت من أقوال الطاعنة في هذا الشأن والتي جاءت بعد ضبط الجواهر المخدرة في صندوق ضمن أمتعتها – لم تتعد مجرد قول مرسل عار عن دليله بأن شخصاً يدعى....... هو المالك للصندوق وأنه سلمه لها بحالته وقد وردت هذه الأقوال من الطاعنة في نطاق دعواها بأنها لا تعلم عن الجوهر المضبوط بالصندوق شيئاً – وهو دفاع – على ما سلف قد اطرحه الحكم وما دامت لم تسهم أقوالها هذه في تحقق غرض الشارع بضبط من ساهم في اقتراف الجريمة فإنه لا يتحقق بها موجب الإعفاء من العقاب المقرر بتلك المادة لتخلف المقابل المبرر له، فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الصدد لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان الثابت بمحضر جلسة المحاكمة الأخيرة أنه بعد أن استمعت المحكمة إلى أقوال الشهود الحاضرين طلبت النيابة العامة كما طلب الدفاع من الطاعنة الاكتفاء بتلاوة أقوال الشهود فأمرت المحكمة بتلاوتها وتليت مما مفاده أن هذا الاكتفاء وتلك التلاوة انصرفت إلى من عدا الشهود الحاضرين الذين استمعت المحكمة إليهم. وكانت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية – المعدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957 – تخول المحكمة الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك يستوي أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه، وكان المدافع عن الطاعنة قد تنازل صراحة عن سماع باقي شهود الإثبات ولم يعد إلى التمسك بسماعهم حتى انتهت المرافعة، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها من سماع أقوال باقي الشهود كما لا يحول ذلك دون اعتماد الحكم على هذه الأقوال التي أدلى بها هؤلاء الشهود في التحقيقات. لما كان ما تقدم، فان الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


[(1)] راجع أيضا الطعن 156 لسنة 47 قضائية. بذات الجلسة "غير منشور".