مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1956 إلى آخر يناير سنة 1957) - صـ 33

(5)
جلسة 10 من نوفمبر سنة 1956

برياسة السيد/ السيد علي السيد - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل - المستشارين.

القضية رقم 863 لسنة 2 القضائية

( أ ) شركة قناة السويس - اتفاقها مع الحكومة المصرية على شغل بعض مناصب الشركة تدريجياً بعناصر مصرية المولد، أي ثبتت لها الجنسية المصرية بطريق الدم بولادتها لأب يتمتع بهذه الجنسية عند الولادة - نصوص كل من اتفاقيتي سنتي 1937 و1939 متحدتان في هذا المعنى.
(ب) جنسية - سرد لبعض المراحل التشريعية التي مرت بها التنظيمات الخاصة بالجنسية في مصر.
(جـ) جنسية - القوانين المختلفة السابقة على صدور قانون الجنسية والتي تعرضت لتعريف من يعتبر مصرياً أو بيان صفة الرعوية المحلية - عدم معالجتها الجنسية المصرية مباشرة بتنظيم أسسها - اكتفاؤها ببيان الشروط التي استلزمها تطبيقها لتحقيق الغاية المقصودة منها - مثال.
(د) جنسية - إثباتها - الحالة الظاهرة لها حجية قطعية في إثبات الجنسية - جواز إقامة الدليل على العكس.
(هـ) جنسية - إثباتها - بطاقة الانتخاب، أو استعمال الحق الدستوري في الانتخاب - عدم اعتبارهما كدليل قاطع على ثبوت الجنسية المصرية.
(و) جنسية - المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 - التفرقة بين حالات الجنسية المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة الأولى منه، وتلك المنصوص عليها بالفقرة الثالثة.
(ز) جنسية - المرسوم بقانون الصادر في 26/ 5/ 1926 وإن كان سابقاً للمرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 إلا أنه ظل معطلاً بسبب الظروف السياسية - النص فيه على ارتداد الجنسية المصرية إلى 5/ 11/ 1914 بالنسبة لبعض الرعايا العثمانيين - استبعاد هذا الارتداد بنص الفقرة الثالثة من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 - ليس لهؤلاء الرعايا التحدي باكتسابهم الجنسية منذ 5/ 11/ 1914 - تنظيم الجنسية يتعلق بسيادة الدولة - لا محل للاحتجاج بوجود حق مكتسب للفرد قبل الدولة في اكتساب جنسيتها على وجه معين متى كان المشرع قد عدل ذلك بتشريع جديد.
(ح) جنسية - الرعايا العثمانيون المشار إليهم بالفقرة الثالثة من المادة الأولى للمرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 - المشرع لم يشأ أن يعين لدخولهم الجنسية المصرية تاريخاً بعد أن حذف النص الذي كان يرجعها إلى 5/ 11/ 1914 - منحهم الجنسية المصرية مرهون بتحقق شرط الإقامة حتى 10/ 3/ 1929، ومن تاريخ هذا التحقق.
(ط) شركة قناة السويس - النص في اتفاقية سنة 1949 على أن يكون المرشح المصري لبعض مناصبها مولوداً لأب يعد مصرياً بالتطبيق للمواد من 1 إلى 5 والمادة 6/ 1 و2 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 - وجوب أن يكون دخول الأب في الجنسية المصرية سابقاً على ولادة أبنه المرشح للوظيفة بقطع النظر عن تغير جنسية الوالد قبل الولادة أو بعدها.
1- إن الشارع كان حريصاً على تمصير شركة قناة السويس تمهيداً لأيلولتها إلى الحكومة بعد إذ شارف عقد التزامها الانتهاء، فتم الاتفاق في سنة 1937 (الاتفاقية رقم 73 لسنة 1937) على شغل بعض مراكز الشركة تدريجيا بعناصر مصرية المولد، أي التي ثبتت لها الجنسية المصرية بطريق الدم بولادتها لأب يتمتع بهذه الجنسية عند الولادة، فلما عمدت الشركة إلى اختيار عناصر متمصرة، رأت الحكومة - سداً لذرائع التأويل - أن تحدد مدلول عبارة "مصري المولد" بما نصت عليه في المادة السادسة من القانون رقم 130 لسنة 1949 من أنه هو المولود لأب يعد مصرياً بالتطبيق للمواد من 1 إلى 5 والمادة 6 (فقرة 1 و2) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929. وإذ كان القصد من هذا النص هو تمصير الشركة بإفساح مجال التوظف فيها للمصريين الصميمين الأصلاء لا المتمصرين، وإشراك هؤلاء المصريين بنسب معينة متصاعدة في إدارة المرفق الذي تقوم عليه إلى أن يؤول برمته إلى الأيدي المصرية، فإن ما ورد في المادة السادسة من اتفاق سنة 1949 لا يخرج في جوهره عن معنى ما تضمنته اتفاقية سنة 1937 في هذا الشأن، ولا يعدو أن يكون ترديداً له على نحو من الدقة والتحديد اقتضاهما موقف الشركة منعاً من أي خلاف في التأويل؛ وذلك لاتحاد الحكمة من هذا الشرط في كل من الاتفاقيتين.
2- إن الجنسية بوصفها رابطة سياسية وقانونية بين فرد ودولة لم تعرف في مصر بمعناها هذا إلا منذ 19 من يناير سنة 1869، تاريخ صدور قانون الجنسية العثمانية، وقت أن كانت مصر تابعة للدولة العثمانية، وكان المصريون يعتبرون عثمانيين من الوجهة الدولية. ثم كان أن انفصلت مصر عن تركيا بدخولها الحرب ضد هذه الأخيرة في 5 من نوفمبر سنة 1914. وفي 18 من ديسمبر سنة 1914 أعلنت بريطانيا الحماية على مصر، فلما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها عقدت في 10 من أغسطس سنة 1920 بين تركيا والحلفاء معاهدة سيفر التي اعتبرت تاريخ انفصال مصر عن تركيا هو تاريخ إعلان الحماية البريطانية، ثم أعلن بعد ذلك أن مصر أصبحت دولة حرة مستقلة ذات سيادة بتصريح 28 من فبراير سنة 1922، واعترفت الدول - بما فيها تركيا - بهذا الاستقلال بمعاهدة لوزان المبرمة في 24 من يوليه سنة 1923 التي أرجعت تاريخ انفصال مصر عن تركيا إلى 5 من نوفمبر سنة 1914 بدلاً من تاريخ إعلان الحماية. وقد كان مقتضى هذا أن يصدر قانون بتنظيم الجنسية المصرية عند انفصال مصر عن الإمبراطورية العثمانية، بيد أن هذا القانون لم يصدر، حتى لقد ذهب البعض إلى القول باستمرار سريان أحكام قانون الجنسية العثماني باعتباره قانوناً مصرياً، وأخذت بذلك المحاكم المختلطة. فلما صدر الدستور المصري في 19 من إبريل سنة 1923 نص في مادته الثانية على أن الجنسية المصرية يحددها القانون، ولما كان هذا القانون لم يصدر وقتذاك فقد درج أولو الأمر على وضع ضوابط لتمييز المصريين عن غيرهم في التمتع بالحقوق وتحمل التكاليف، غير أنهم لم يلجئوا إلى تقرير ضابط عام تستخلص منه جنسية خاصة بالمصريين، بل حددوا من هو المصري في كل مناسبة اقتضت ذلك بتشريع، وذلك بالقدر اللازم لتحقيق أغراض هذا التشريع في المناسبة التي صدر من أجلها. ومن ثم أختلف معنى لفظ "مصري" بحسب مقام استعماله، وكانت نتيجة هذا أن أطلق على المصري في ذلك العهد اصطلاح "رعية محلية" ولم تكن هذه الرعوية المحلية جنسية تلحق الأشخاص في الخارج؛ إذ لم يكن يعتد بها من الوجهة الدولية، بل كانت وصفاً يستعمل لترتيب حقوق والتزامات بين المحكومين والحكام داخل البلاد كشغل الوظائف العامة والانتخاب والقرعة العسكرية. ففيما يتعلق بحق التوظف تحدد معنى المصري بالمادة 19 من الأمر العالي الصادر في 4 من ديسمبر سنة 1892 والمادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1893 بشأن الشروط اللازمة للتوظيف في المحاكم الأهلية والمادة العاشرة من دكريتو 24 من يونيه سنة 1901 بالتصديق على لائحة المستخدمين الملكيين في مصالح الحكومة، وفيما يختص بحق الانتخاب للهيئات النيابية تحدد معنى المصري الذي له هذا الحق طبقاً لقانون الانتخاب الصادر في أول مايو سنة 1883 والقانون رقم 30 لسنة 1913 والقانون رقم 11 لسنة 1923 المعدل بالقانون رقم 4 لسنة 1924 بالرجوع في هذا التحديد إلى الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900، وفيما يتعلق بأداء الخدمة العسكرية نص قانون القرعة العسكرية الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1902 المعدل بالقانون رقم 3 لسنة 1922 على أنها تفرض على الأشخاص الذين عينهم، يضاف إلى ذلك ما جاء من نصوص أخرى بالقوانين العامة التي تناولت بيان اختصاص المحاكم الأهلية والمختلطة بالنسبة إلى الأشخاص القاطنين في مصر. ويبين من مقارنة هذه التشريعات جميعاً عدم وحدة نظام الرعوية، أن لفظ "مصري" الوارد بكل منها لا ينصرف مدلوله إلى الأشخاص ذواتهم في جميع الأحوال، فمن يعتبر مصرياً في نظر قانون القرعة العسكرية قد لا يعتبر كذلك في نظر قوانين الانتخاب أو قوانين التوظف. وهكذا كان هذا اللفظ غير مستقر المعنى؛ إذ كان مدلوله يضيق تارة حتى لا يشمل غير أهالي البلد الأصليين، ويتسع تارة أخرى حتى يصبح مرادفاً للفظ "عثماني". ولما كانت التشريعات المذكورة إنما وضعت لبيان من هم المصريون تبعاً للأغراض الخاصة التي استلزمت وضعها، فإنه لم يكن لها أن تتعرض للمسائل المتصلة بكيفية اكتساب الجنسية وفقدها أو تغييرها وتأثير ذلك في حقوق الأفراد وأحوالهم، كما لم يكن ليترتب عليها لأحد مركز قانوني في هذه الجنسية؛ وبذلك لم توجد ثمة قوانين خاصة بتنظيم الجنسية المصرية، حتى أن المشرع نص في المادة 93 من قانون الانتخاب رقم 11 لسنة 1923 المعدل بالقانون رقم 4 لسنة 1924 على أنه "للعمل بهذا القانون وإلى أن يصدر قانون بشأن الجنسية المصرية يعتبر مصرياً كل من ورد ذكره في المادتين الأولى والثانية من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900 بشأن من يعتبرون من المصريين عند العمل بقانون الانتخاب الصادر سنة 1883". وقد ردد المشرع هذا النص في المرسوم الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1925 بقانون الانتخاب.
3- ظلت الجنسية المصرية غير محددة المعالم من الوجهة الدولية إلى أن صدر التشريع الذي ينظمها. ولما كانت القوانين المختلفة السابقة على ذلك والتي استهدفت بيان صفة الرعوية المحلية لم تعالج الجنسية المصرية مباشرة بتنظيم أسسها، بل اكتفت ببيان الشروط التي استلزمها تطبيقها لتحقيق الغاية المقصودة منها، وهي شروط كانت تختلف باختلاف الغرض من هذه القوانين، فلا حجة إذاً في الاستناد إلى القوانين المذكورة ولا إلى تطبيقها في حق شخص معين للقول بثبوت الجنسية المصرية له نتيجة لذلك؛ ومن ثم فإن إلحاق شخص بإحدى وظائف الحكومة المصرية بناء على شهادة عرفية بأنه من رعايا الحكومة لإقامته في القطر المصري موقعة في 10 من أغسطس سنة 1915 من أثنين من الموظفين لا ولاية لهما في تحقيق الجنسية أو إثباتها، أو تسليمه جواز سفر من السلطة المصرية في 6 من سبتمبر سنة 1916 باعتباره مولوداً في لبنان ومقيماً بمصر ومستخدماً بالحكومة المصرية، أو صدور كتاب من نظارة الحربية في 25 من نوفمبر سنة 1915 بأنه لم يعامل حتى ذلك التاريخ بالقرعة وأنه لا مانع من استخدامه، وآخر في 21 من مارس سنة 1916 بإعفائه من الخدمة العسكرية لكونه عين كاتباً تحت الاختبار بمصلحة الأملاك الأميرية - كل أولئك لا يصلح بذاته سنداً قانونياً لإضفاء الجنسية المصرية في ذلك الحين على من تهيأت له مثل هذه الظروف، كما لا يعد اعترافا مقيداً للحكومة في شأن هذه الجنسية.
4- إن إثبات الجنسية استناداً إلى الحالة الظاهرة ليست له حجية قطعية؛ إذ يجوز دائماً إقامة الدليل على عكس ما تشهد به تلك الحالة.
5- إن بطاقة الانتخاب بذاتها ليست معدة لإثبات الجنسية المصرية، وكذلك استعمال الحق الدستوري المخول بمقتضاها ليس دليلاً قاطعاً في ثبوت الجنسية المذكورة لحاملها.
6- إن الفقرة الثانية من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 تتناول من يعتبر في تاريخ نشر ذلك المرسوم بقانون مصرياً بحسب حكم المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900، وتجعل الرعوية المصرية في حكم هذا الأمر العالي جنسية مصرية بالإحالة التي تضمنتها إلى مادته الأولى التي أصبحت جزءاً من قانون الجنسية من الناحية التشريعية. وهذا الأمر العالي هو الذي اختارته لجنة شئون الخارجية بمجلس النواب في تقريرها المقدم للمجلس في 9 من مايو سنة 1928 من بين القوانين المتعددة التي تعرضت للرعوية المحلية، واتخذته أساساً لتحديد الآباء المصريين اعتداداً بالواقع. وقد اقتصرت اللجنة في ذلك على مادته الأولى وأسقطت كل اعتبار للقوانين الأخرى. وتنص المادة المذكورة على أنه عند إجراء العمل بقانون الانتخاب الصادر في أول مايو سنة 1883 يعتبر حتماً من المصريين الأشخاص الآتي بيانهم: 1 - المتوطنون في القطر المصري قبل أول يناير سنة 1848 وكانوا محافظين على إقامتهم فيه. 2 - الرعايا العثمانيون المولودون في القطر المصري من أبوين مقيمين فيه متى كان هؤلاء الرعايا قد حافظوا على موطنهم فيه. 3 - الرعايا العثمانيون المولودون والمقيمون في القطر المصري الذين يقبلون المعاملة بمقتضى قانون القرعة العسكرية، سواء بأدائهم الخدمة أو بدفع البدلية. 4 - الأطفال المولودون في مصر من أبوين مجهولين.
ويستثنى من الأحكام المذكورة الذين يكونون من رعايا الدول الأجنبية أو تحت حمايتها.
ومن ثم فإن والد المطعون لصالحه - إذ كان غير متوطن في القطر المصري قبل أول يناير سنة 1848، ولا مولود به من أبوين مقيمين فيه بل مولود بلبنان، كما أنه ليس من الرعايا العثمانيين المولودين بالقطر المصري والمقيمين فيه، أي الذين جمعوا بين شرطي الميلاد والإقامة اللذين يغنيان عن توطن آبائهم في مصر، وإن عومل بمقتضى قانون القرعة العسكرية، وليس مولوداً في مصر من أبوين مجهولين - فإن هذه المادة لا تصدق في أي من فقراتها على حالته، وبالتالي فإنه يخرج من عداد طائفة الأشخاص الداخلين في الجنسية المصرية بحكم الفقرة الثانية من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929، وهم الذين ينطبق عليهم نص المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900 سالفة الذكر، وإنما يشمله فقط حكم الفقرة الثالثة الخاص بالرعايا العثمانيين الذين لم تتوافر لهم صفة الرعوية المحلية وفقاً للمادة الأولى من الأمر العالي المشار إليه، ولكنهم كانوا يقيمون عادة في القطر المصري في 5 من نوفمبر سنة 1914 وحافظوا على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 في 10 من مارس سنة 1929. وظاهر من مقارنة الفقرتين الثانية والثالثة آنفتي الذكر أن الأشخاص المذكورين في الأولى منهما هم عثمانيون في الأصل ولكنهم استوفوا شروطاً وأوصافاً معينة جعلتهم في نظر الشارع مصريين صميمين. وقد كان في وسعه أن يقصر الجنسية الأصلية عليهم، بيد أن بسط هذه الجنسية على طائفة أخرى من العثمانيين لم يتطلب فيهم سوى ثبوت الإقامة في القطر المصري والمحافظة عليها خلال الفترة التي حددها، مع أن الأصل أن الإقامة وحدها لا تكفي عادة لاكتساب الجنسية.
7- إنه ولئن كان المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 بشأن الجنسية المصرية قد سبقه المرسوم بقانون الصادر في 26 من مايو سنة 1926، إلا أن هذا الأخير ظل معطلاً عملاً؛ لكون الظروف السياسية التي قارنت صدوره وتلته جعلت من العسير على الإدارة وضعه موضع التنفيذ الفعلي حتى على الرغم من صدور القانون رقم 2 لسنة 1926 الذي قضى باعتبار معظم المراسيم بقوانين الصادرة في غيبة البرلمان ومنها هذا المرسوم بقانون في حكم الصحيحة. وقد ألغي هذا المرسوم بقانون بالمادة 25 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 الذي يستشف من أعماله التحضيرية أنه هو التشريع الوحيد المنظم للجنسية المصرية. وإذا كان المرسوم بقانون الصادر في سنة 1926 قد نص في مادته الثانية على أن "يعتبر قد دخل الجنسية المصرية منذ 5 من نوفمبر سنة 1914 وبحكم القانون الرعايا العثمانيون الذين كانوا يقيمون عادة في القطر المصري في ذلك التاريخ وحافظوا على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر هذا القانون"، إلا أن لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ عندما صاغت الفقرة الثالثة من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 - وهي المقابلة للمادة الثانية المذكورة - عدلت فيها بأن حذفت منها عبارة "يعتبر قد دخل الجنسية المصرية منذ 5 من نوفمبر سنة 1914" مستبعدة بذلك ارتداد هذه الجنسية إلى ذلك التاريخ، كما مدت شرط الإقامة إلى 10 من مارس سنة 1929 تاريخ نشر هذا القانون. ومقتضى هذا هو عدم إمكان أفراد هذه الفئة التحدي باكتسابهم الجنسية المصرية منذ 5 من نوفمبر سنة 1914؛ إذ مهما يكن من أمر في شأن الخلاف على قيام مرسوم سنة 1926 قانوناً أو اعتباره كأن لم يكن أصلاً، فإن من المقرر أن مسائل الجنسية هي من صميم الأمور الداخلة في كيان الدولة، وأن تنظيمها يتعلق بسيادتها لاتصالها بالنظام العام من جهة ولكونها من عناصر الحالة الشخصية من جهة أخرى، ومن ثم فإن للمشرع مطلق الحرية بمقتضى القانون العام في تنظيم الجنسية وتقديرها على الوجه الملائم الذي يتفق وصالح الجماعة. ولا محل للاحتجاج بوجود حق مكتسب أو ترتب مركز ذاتي للفرد قبل الدولة في اكتساب جنسيتها على وجه معين متى كان المشرع قد رأى تعديل ذلك بتشريع جديد؛ ذلك أن الأخذ بفكرة الحق المكتسب في هذه الحالة يفضي إلى تعطيل شرط امتداد الإقامة التي أوجبت الفقرة الثالثة من المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1929 المحافظة عليها حتى 10 من مارس سنة 1929؛ إذ لو صح اكتساب الحق في الجنسية فعلاً في سنة 1926 لما أثر على الحق عدم المحافظة على الإقامة بعد ذلك، ولصار تطلب امتداد هذه الإقامة لغواً وهو ما ينزه عنه الشارع.
8- إن المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 وإن كان قد سوي بين الطوائف التي ذكرها في الفقرات الثلاث من مادته الأولى من حيث اعتبارهم داخلين في الجنسية المصرية بحكم القانون إلا أنه نص في مادته الثامنة عشرة على أنه ليس لدخول الجنسية المصرية أي تأثير في الماضي ما لم ينص على غير ذلك. ولما كان الرعايا العثمانيون المشار إليهم في الفقرة الثالثة من المادة الأولى ليسوا من القدم والأصالة كأولئك المذكورين في الفقرة الثانية من تلك المادة، فإن المشرع لم يشأ أن يعين لدخولهم الجنسية المصرية تاريخاً بعد أن حذف النص القديم الذي كان يفيد إرجاع هذا التاريخ إلى 5 من نوفمبر سنة 1914. وكان قد أفرد لهم المادة الثانية من المرسوم بقانون الصادر في سنة 1926 باعتبارهم فئة ذات وضع خاص، ثم أسبغ عليهم في سنة 1929 الجنسية المصرية بافتراض قانوني يقدر بقدره، مشترطاً استمرار إقامتهم إلى التاريخ الذي عينه. ولما كان الشرط المذكور لا يتوافر إلا بتحقق الإقامة في ذلك التاريخ، فإن الجنسية المرهونة بهذا الشرط لا تكتسب إلا بتحققه ومن تاريخ هذا التحقق.
9- إن المادة السادسة من القانون رقم 130 لسنة 1949 التي تحكم وضع المطعون لصالحه تستلزم أن يكون المرشح المصري للتوظف بشركة قناة السويس مولوداً لأب يعد مصرياً بالتطبيق للمواد من 1 إلى 5 والمادة 6 (فقرة 1 و2) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929. ومفاد هذه المادة - في ضوء المناقشات والأعمال التحضيرية التي سبقتها والغاية التي استهدفتها - أن الشارع إنما أراد بلفظ "مولود" في هذا المقام أن يكون دخول الوالد في الجنسية المصرية سابقاً على ولادة ابنه المرشح، أي أن تكون الجنسية المصرية التي لحقت الأب - بالتطبيق للمواد التي عينها - قد ثبتت له وقامت به فعلاً وقت ولادة الابن الذي تلقاها عنه بحق الدم، وهذا هو التعبير ذاته الذي استعمله الشارع في المادة السادسة من المرسوم بقانون سالف الذكر والذي عول فيه على وقت الولادة لا على مجرد قيامها، آخذاً في ذلك، من بين المذاهب المتعددة التي تعتد بوقت الحمل أو بالأصلح من وقتي الحمل والولادة أو بالفترة بين الحمل والولادة أو بوقت الولادة، بهذا المذهب الأخير بقطع النظر عن التغير الحاصل في جنسية الوالد قبل الولادة أو بعدها.


إجراءات الطعن

في يوم 20 من مارس سنة 1956 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بجلسة 24 من يناير سنة 1956 في الدعوى رقم 413 لسنة 6 القضائية المقامة من حبيب بولس غانم ضد (1) وزارة التجارة والصناعة (2) وزارة الداخلية (إدارة الجوازات والجنسية). (3) شركة قنال السويس (المنحلة)، القاضي: "برفض الدفع بعدم الاختصاص وباختصاص المحكمة بنظر الدعوى، وفي الموضوع برفضها، وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي أستند إليها في عريضة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار المطعون فيه، وبإلزام الحكومة المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الداخلية في 27 من يونيه سنة 1956 وإلى وزارة التجارة والصناعة في أول يوليه سنة 1956 وإلى شركة قنال السويس المنحلة في 3 من يوليه سنة 1956، وإلى المطعون لصالحه في 9 منه، وعين لنظر الطعن جلسة 13 من أكتوبر سنة 1956 أمام هذه المحكمة. وأبلغ ذوو الشأن في 11 و25 من سبتمبر سنة 1956 بميعاد هذه الجلسة، وقد أودع المطعون لصالحه سكرتيرية المحكمة في 24 من سبتمبر سنة 1956 مذكرة بأقواله انتهى فيها إلى طلب الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار محل الطعن، وإلزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". ولم تقدم جهة الإدارة مذكرة ما بملاحظاتها في الميعاد القانوني. وبالجلسة سمعت المحكمة إيضاحات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم مع الترخيص في تقديم مذكرات تكميلية.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد أستوفي أوضاعه الشكلية.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من أوراق الطعن، في أن المدعي أقام الدعوى رقم 413 لسنة 6 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتارية المحكمة في 10 من يناير سنة 1952 ضد كل من وزارة التجارة والصناعة ووزارة الداخلية (إدارة الجوازات والجنسية) وشركة قناة السويس المؤممة، طالباً فيها الحكم بإلغاء القرار الإداري الصادر من وزارة التجارة والصناعة (الإدارة العامة للشركات) المتضمن عدم اعتباره مولوداً لأب مصري تسري عليه أحكام المادة السادسة من اتفاقية 7 من مارس سنة 1949 المبرمة بين الحكومة المصرية وشركة قناة السويس، وإبطال كافة ما يترتب على هذا القرار من نتائج وإجراءات واعتباره كأن لم يكن، مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وحفظ كافة الحقوق الأخرى. وقال بياناً لدعواه إنه في شهر سبتمبر سنة 1947 جاز امتحاناً عقدته إدارة شركة قناة السويس المنحلة التي أخطرته بعد ذلك بخطاب التعيين المؤرخ 24 من يناير سنة 1949 رقم 488/ 5004 الذي ذكرت فيه أنه عين بخدمتها على أساس النظام المطبق مع خضوعه لكافة لوائح الشركة السارية في ذلك الوقت دون أن تطلب منه إثبات جنسية والده لمعاملته في ذلك التاريخ بالاتفاقية رقم 73 لسنة 1937. وقد قبل هذا التعيين في أول فبراير سنة 1949 بخطاب مسجل أرسله إلى إدارة الشركة، وتم تعيينه وإلحاقه بخدمة الشركة قبل 7 من مارس سنة 1949 تاريخ الاتفاقية الجديدة التي عقدتها الحكومة مع الشركة وقبل 25 من أغسطس سنة 1949 تاريخ نشر هذه الاتفاقية بالجريدة الرسمية، ومن ثم وجبت معاملته بأحكام اللوائح والقواعد المعمول بها في الشركة في ذلك التاريخ دون نظر إلى ما يجد من اتفاقات. وفي أول يوليه سنة 1950 قررت إدارة الشركة تثبته في وظيفته دون اعتراض من وزارة التجارة والصناعة أو من الإدارة العامة للشركات، إلا أنه تلقى في 28 من سبتمبر سنة 1951 خطاباً من الشركة رقم 3111 محرراً في 20 منه تخبره فيه بأن الإدارة العامة للشركات أبلغتها أنه أتضح لها أنه غير مولود لأب مصري الجنسية وبذلك لا يعتبر من المصريين الذين تسري عليهم أحكام المادة السادسة من اتفاقية 7 من مارس سنة 1949، فإذا كانت لديه وثائق وعناصر أخرى من شأنها أن تحمل الإدارة العامة للشركات على العدول عن قرارها فعليه أن يتقدم بها إلى الإدارة المذكورة وإلا فإن الشركة ستضطر إلى الاستغناء عن خدمته. واستطر المدعي قائلاً إن تعيينه تم في يناير سنة 1949 أي قبل عقد الاتفاقية المشار إليها، كما أن ترشيحه للوظيفة التي عين فيها سابق على ذلك بمدة طويلة، ولذا فإن له حقوقاً مكتسبة قبل الشركة في أن يستمر بخدمتها وأن يعامل بأحكام اتفاقية سنة 1937. وقد تقدم بتظلم بهذا المعنى إلى السيد وزير التجارة والصناعة في 11 من أكتوبر سنة 1951 سجل بإدارة الشركات تحت رقم 6684 ذكر فيه أنه مصري الجنسية وأنه مولود لأب مصري، بيد أن هذا التظلم لم يؤبه له الأمر الذي ألجأه إلى رفع دعواه مؤسساً إياها على الأسانيد الآتية:
- إن المادة السادسة من القانون رقم 130 لسنة 1949 بإبرام اتفاقية 7 من مارس سنة 1949 توجب أن يكون المرشح المصري مولوداًَ لأب مصري بالتطبيق للمواد من 1 إلى 5 والمادة 6 (فقرة 1 و2) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 أو النصوص المعادلة من أي تشريع بهذا الشأن. فتقدير الجنسية طبقاً لهذا النص ينظر فيه إلى شخصية المرشح لوظيفة بالشركة، أما المدعي فلم يكن مرشحاً لوظيفته وقت العمل بهذا القانون بل كان معيناً فيها بالفعل وخاضعاً لأحكام اتفاقية أخرى.
- إن المدعي مصري الجنسية ومولود لأب مصري طبقاً لحكم المادة السادسة آنفة الذكر التي لم تستثن أية فقرة من فقرات المادة الأولى من قانون الجنسية الصادر في سنة 1929، والثابت أن أباه مصري الجنسية طبقاً للفقرة الثالثة من المادة الأولى المشار إليها.
- إن والد المدعي مصري معترف بمصريته من الحكومة منذ سنة 1915 كما هو ثابت من ملف خدمته حيث التحق بوظائف الحكومة من تلك السنة.
- إنه ما كان للحكومة المصرية أن تعين والد المدعي موظفاً لديها في سنة 1915 إلا إذا كان مصري الجنسية؛ ذلك أن القانون المالي والأمر العالي الصادر في 24 من يونيه سنة 1901 كانا ينصان على عدم جواز قبول غير المصريين في وظائف الحكومة، كما حرصا على تعريف من هو المصري على هدى ما ورد في المادة الثانية من دكريتو 29 من يونيه سنة 1900.
- إن الحكومة المصرية أقرت لوالد المدعي بجنسيته المصرية عندما التحق بخدمتها في أغسطس سنة 1915 بعد أن ثبتت لها إقامته في القطر المصري مدة تزيد على خمسة عشر عاماً.
- إن جنسية والد المدعي المصرية ثبتت بشهادة رسمية من اثنين من كبار الموظفين في 10 من أغسطس سنة 1915، وقد قبلت الحكومة المصرية هذا الإثبات ووافقت على توظيفه على أساسه.
- إن والد المدعي عومل بقواعد القرعة العسكرية، وصدر قرار وزير الحربية بإعفائه من الخدمة العسكرية بسبب توظفه بمصلحة الأملاك الأميرية.
- إن وزارة الداخلية منحت والد المدعي في 6 من سبتمبر سنة 1916 جواز سفر مصري تحت رقم 208 وذلك بمناسبة سفره إلى فرنسا لتأدية الامتحان بكلية الحقوق بها.
- إن والد المدعي أدرج بجدول انتخاب المجالس النيابية منذ إعلان الدستور. وقد باشر حقه الدستوري في الانتخاب، وندب في مارس سنة 1942 رئيساً لإحدى لجان الانتخاب بمديرية أسوان وذلك طبقاً للقانون رقم 11 لسنة 1923 الذي تحيل المادة 93 منه إلى المادة 2 من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900.
- إن وزارة العدل اختارت والد المدعي لتمصير المحاكم المختلطة في سنة 1943 اعترافاً بوطنيته وغيرته على مصلحة بلده.
- إن والد المدعي كان معترفاً بمصريته قبل صدور قانون 26 من مايو سنة 1926 الذي أعتبر جميع الرعايا العثمانيين المقيمين عادة بالقطر المصري والمحافظين على الإقامة فيه داخلين في الجنسية المصرية منذ 5 من نوفمبر سنة 1914 بحكم القانون، كما أنه مصري الجنسية أيضاً طبقاً للفقرة 3 من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 التي يجرى حكمها بأثر رجعي يعود إلى 5 من نوفمبر سنة 1914.
- إن المدعي يكون تبعاً لذلك مصري الجنسية طبقاً للمادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 التي تنص على أن دخول الجنسية المصرية بمقتضى الأحكام السالفة يشمل الزوجة والأولاد القصر بحكم القانون. ولما كان مولوداً في سنة 1925 فإنه يكون قد ولد مصرياً لأب مصري. وقد اعترفت له الحكومة بذلك في شهادة إثبات الجنسية الصادرة له من وزارة الداخلية في 23 من إبريل سنة 1949. كما أنه عوامل بقانون القرعة العسكرية باعتباره مصرياً ودفع البدل النقدي وعوفي من الخدمة العسكرية.
وتأسيساً على ما تقدم فإن المدعي يعتبر مصرياً مولوداً لأب مصري قبل ولادته وتكون شروط المادة السادسة من القانون رقم 130 لسنة 1949 متوافرة فيه، على خلاف ما ذهبت إليه الإدارة العامة للشركات بوزارة التجارة والصناعة من تأويل مناف لأحكام الدستور المصري الذي ينص على المساواة بين المصريين جميعاً في الحقوق والواجبات.
وفي 6 من نوفمبر سنة 1952 قدم المدعي طلباً بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مؤقتاً حتى يفصل في موضوع الدعوى.
وقد دفعت الحكومة بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى مستندة في ذلك إلى أن وزارة التجارة والصناعة لم تصدر أمراً إدارياً نهائياً مما يجوز الطعن فيه وطلب وقف تنفيذه؛ إذ أن ما صدر في شأن المدعي لا يعدو أن يكون مجرد رأى أبداه مدير إدارة الشركات بوصفه عضواًَ في اللجنة المختصة بفحص حالات المرشحين لشغل وظائف شركة قناة السويس، يضاف إلى ذلك أن المدعي يهدف إلى طلب الحكم له بالجنسية المصرية الأمر الذي يخرج عن اختصاص المحكمة. وبجلسة 7 من ديسمبر سنة 1952 قضت المحكمة برفض الدفع بعدم الاختصاص وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه؛ وأسست قضاءها على أن القرار المطعون فيه هو قرار إداري مستوف كافة عناصره ومحدث أثراً قانونياً في جنسية والد المدعي وبالتالي في شأن التحاق هذا الأخير بإحدى وظائف شركة القناة بوصفة مصرياً مولوداً لأب مصري، وأنها مختصة بنظر كافة مسائل الجنسية متى أثيرت بصفة تبعية لنزاع مطروح عليها، وكذا بالفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية الصادرة في شأن مسائل الجنسية.
وقد ردت الحكومة في موضوع الدعوى بأن الاتفاق المبرم مع شركة القناة في سنة 1937 والذي أقره البرلمان بالقانون رقم 73 لسنة 1937 إنما استهدف به التمهيد لتمصير الشركة باستخدام العناصر المصرية الصميمة فيها، وقد التزمت بمقتضاه الشركة بتعيين شبان مصريي المولد في سلك مستخدميها بمصر تدريجياً. وهذا التمصير يتطلب أن يكون الموظف المعين مصرياً منذ ولادته أي أن يكون قد اكتسب مصريته بحكم الدم عن طريق الميلاد. على أن مما لا جدال فيه أن المدعي إنما يخضع لأحكام الاتفاقية المبرمة بين الحكومة والشركة في سنة 1949 التي وضعت نسباً كبيرة لتعيين المصريين الأصلاء ونصت على حساب التعيينات التي أجريت ابتداء من أول يناير سنة 1949 في النسب الخاصة بالمصريين وهو معين بعد هذا التاريخ. ولو صح في الجدل أنه يخضع لاتفاقية سنة 1937 فإن هذه الاتفاقية لم تكن تجيز تعيين المتمصرين في النسب المخصصة للمصريين الأصلاء؛ وآية ذلك المكاتبات المتبادلة بصدد هذه الاتفاقية بين الحكومة والشركة والتي تشير إلى تعيين شبان مصريي الولادة في سلك مستخدمي الشركة في مصر بصفة تدريجية بحيث تصل نسبتهم إلى حد معين. بيد أن الشركة خالفت نصوص هذه الاتفاقية، وقد أثبتت وزير التجارة والصناعة هذه المخالفة في أثناء المفاوضات التي سبقت إبرام اتفاقية سنة 1949 فرد عليه ممثل الشركة بأن الشركة ستعمل من الآن فصاعداً على توظيف مصريين أصليين؛ لأنه في سنة 1936 لم تكن العناصر المصرية الأصلية متوفرة، مما يدل على أن التطبيق كان يقع مخالفاً للقانون. على أن ما نصت عليه المادة السادسة من اتفاقية سنة 1949 من وجوب أن يكون المرشح مصري المولد ليس من حقيقته شرطاً مستحدثاً بل هو عين ما قضت به اتفاقية سنة 1937. أما المقصود بمصري المولد فيفسر بالرجوع إلى ما قبل صدور قانون الجنسية؛ ذلك أن مصر انفصلت عن تركيا في 5 من نوفمبر سنة 1914، ومنذ هذا التاريخ صارت للمصريين جنسية مستقلة عن الجنسية العثمانية هي الجنسية المصرية بعد أن كانوا يعتبرون من الوجهة القانونية عثمانيين، وإن كانت قد صدرت في مناسبات معينة بضعة تشريعات تناولت الكلام عن المصريين، منها الأمر العالي الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1893 بشأن الشروط اللازمة للتوظف في المحاكم الأهلية، والأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900 بشأن من يعتبرون من المصريين عند العمل بقانون الانتخاب الصادر في أول مايو سنة 1883 والخاص بمجلس شورى القوانين، وديكريتو 23 من يونيه سنة 1901 الخاص بلائحة المستخدمين الملكيين في مصالح الحكومة، وديكريتو 4 من نوفمبر سنة 1904 الخاص بالقرعة العسكرية. إلا أن هذه القوانين إنما كانت تحدد من هو المصري الجنسية للغرض المقصود منها؛ إذ لم تكن مصر وقتذاك دولة من الوجهة الدولية بل كانت الجنسية السارية عليها هي الجنسية العثمانية، ومن ثم كان يطلق على المصري اصطلاح "رعية محلية"، فلما صدر الدستور في سنة 1923 نص على أن الجنسية المصرية يحددها القانون. ثم صدر المرسوم بقانون الخاص بالجنسية في سنة 1926 ولم يعمل به، وأعقبه القانون رقم 19 لسنة 1929 بشأن الجنسية المصرية الذي عمل به اعتباراً من 10 من مارس سنة 1929. وقد تناولت مادته الأولى في فقراتها الثلاث بيان من يعتبر داخلاً في الجنسية المصرية بحكم القانون. وتنصرف الفقرة الثانية من هذه المادة طبقاً لدكريتو سنة 1900 إلى أهل البلاد الأصليين أياً كانت حالتهم سواء أكانوا منحدرين من أصل مصري أم كانوا بلا جنسية ما داموا متوطنين في مصر قبل يناير سنة 1848 ومحافظين على إقامتهم فيها، وكذا إلى رعايا الدولة العلية المولودين والمقيمين في القطر المصري من أبوين مقيمين فيه متى حافظ هؤلاء الرعايا على إقامتهم فيه، وإلى رعايا الدولة العلية المولودين والمقيمين في القطر المصري الذين يقبلون المعاملة بقانون القرعة العسكرية سواء بأدائهم الخدمة العسكرية أو بدفع البدل، وأخيراً إلى من يولدون في القطر المصري من أبوين مجهولين. أما الفقرة الثالثة من المادة المذكورة فقد خالف المشرع فيها القواعد العامة للجنسية التي لا تسمح بجعل الإقامة وحدها طريقاً لكسب جنسية الدولة بحكم القانون، وإنما وضع هذه الفقرة ليحكم حالات موجودة بإدخالها في عموم المصريين بالقانون. فالجنسية المصرية الأصلية هي التي أشارت إليها الفقرة الثانية سالفة الذكر، أما عدا ما ورد في هذه الفقرة فجنسية مكتسبة. ولما كانت الطوائف العثمانية المنصوص عليها في الفقرة الثالثة قد اكتسبت الجنسية المصرية بمقتضى هذه الفقرة وقد كان وقد كان لها من قبل صفة مستقلة تماماً عن صفة المصريين فإنه لا يمكن إرجاع جنسيتها المصرية إلى ما قبل 10 من مارس سنة 1929؛ يؤيد هذا أن المشرع حذف من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 عبارة يعتبر قد دخل الجنسية المصرية منذ 5 نوفمبر سنة 1914 التي سبق أن وردت بمرسوم سنة 1926 ومد شرط الإقامة إلى 10 من مارس سنة 1929. ويستنتج من تعمد حذف العبارة المتقدمة أن المشرع قصد أن تكون الإقامة لغاية 10 من مارس سنة 1929 شرطاً لكسب الجنسية وأن يكون هذا النص منشئاً للجنسية المصرية لا مقرراً لها. أما مرسوم سنة 1926 فقد ولد ميتاً، وقد نصت المادة 25 من مرسوم سنة 1929 على إلغائه باعتباره كأن لم يكن، هذا إلى أنه لا يمكن التمسك بفكرة الحق المكتسب في الجنسية التي تقوم على رابطة بين الفرد والدولة تستقل هذه الأخيرة بحرية تقديرها على الوجه الملائم. ومن ثم فلا وجه للاستناد إلى حكم ورد في مرسوم سنة 1926 وانعدم أثره بمقتضى مرسوم سنة 1929 الذي أصبح هو القانون الوحيد المنظم للجنسية المصرية. ولما كان المدعي مولوداً في 25 من أغسطس سنة 1925 أي قبل 10 من مارس سنة 1929 وقبل اتصاف والده بالجنسية المصرية، فإنه لا يكون مولوداً لأب مصري، ولا تتوافر فيه بالتالي الشروط المنصوص عليها في المادة السادسة من الاتفاق المبرم بين الحكومة المصرية وشركة قناة السويس في سنة 1949. وخلصت الحكومة من هذا إلى طلب الحكم برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات وبمقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 24 من يناير سنة 1956 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) في هذه الدعوى "برفض الدفع بعدم الاختصاص، وباختصاص المحكمة بنظر الدعوى، وفي الموضوع برفضها، وألزمت المدعي بالمصروفات"؛ وأقامت قضاءها على أن الحكومة قد حرصت في اتفاقية سنة 1949 على تحديد المقصود من مصري المولد السابق ورودها في اتفاقية سنة 1937 بأنه هو المصري المولود لأب مصري يكون قد أكتسب الجنسية المصرية وقت ولادة الابن بالتطبيق للمواد من الأولى إلى الخامسة والمادة السادسة في فقرتها الأولى والثانية من القانون رقم 19 لسنة 1929. وهذا لا يعدو أن يكون ترديداً لشرط "مصري المولد" الوارد في اتفاقية سنة 1937، والقصد منه إنما هو تمصير الشركة بإفساح مجال التوظف فيها أمام المصريين الأصلاء لا المتمصرين، أي أمام من تحققت لهم الجنسية المصرية بالدم وقت الولادة. وعلى الرغم من اتحاد هذا القصد في الاتفاقيتين فإن اتفاقية سنة 1949 هي التي تحكم حالة المدعي الذي يشغل إحدى الوظائف المخصصة للمصريين؛ وذلك لانسحاب أثرها على تعيينات المصريين التي تمت منذ أول يناير سنة 1949 في حين أنه معين بعد هذا التاريخ. أما ما يذهب إليه المدعي من أن الجنسية المصرية ثانية لوالده منذ دخوله خدمة الحكومة في سنة 1915 بناء على القوانين التي استند إليها فمردود بأن تلك القوانين إنما كانت قوانين أهلية تقرر حقوقاً أو تكاليف خاصة بالعثمانيين أو بالرعايا المحليين الذين تتوافر فيهم شروط معينة دون أن يكون لها تأثير في ثبوت الجنسية المصرية مهما بلغت مدة الاستيطان؛ لأنه في ذلك العهد لم تكن الرعوية المحلية جنسية تلحق الأشخاص في الخارج بل كانت وصفاً يستعمل في الداخل لتحديد علاقة أهل البلاد بالسلطات الحكومية. ولما كان والد المدعي لا يدخل في إحدى الحالات التي نصت عليها المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900، وهي التي أحالت إليها الفقرة الثانية من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929، فإنه لا يفيد من الرعوية المصرية منذ سنة 1915؛ إذ الثابت أنه مولود في إحدى قرى لبنان فهو ليس من المولودين في القطر المصري، وبذلك يعوزه الشرط الأساسي في حكم هذه الفقرة بصرف النظر عن إقامته. ولا يجدي في ثبوت الجنسية المصرية له تسليمه جواز سفر مصري في سنة 1915 أو استناده إلى المادة 22 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 الخاصة باعتبار كل من يسكن الأراضي المصرية مصرياً ومعاملته بهذه الصفة إلى أن تثبت جنسيته على الوجه الصحيح؛ لقيام الجنسية فيها على قرينة افتراضية تسقط بثبوت العكس. أما قانون سنة 1926 فلم يوضع موضع التنفيذ من وقت صدوره إلى أن ألغي بقانون سنة 1929؛ ومن ثم فلا يسوغ التمسك بأحكامه أو ترتيب أثر قانوني عليها ولاسيما ما تعارض منها مع نصوص هذا القانون الأخير الذي هو الوحيد المنظم للجنسية المصرية الواجب التطبيق دون غيره والذي لا يتضمن في الفقرة الثالثة من مادته الأولى أي أثر رجعي للجنسية المكتسبة التي نصت عليها هذه الفقرة بخلاف الجنسية الأصلية التي نصت عليها الفقرة الثانية من هذه المادة والتي يتمتع بها الشخص منذ ولادته سواء كان أساسها جنسية الوالدين المصرية أو محل الميلاد الذي أحاطت به ظروف أخرى تكفل القانون ببيانها باعتبار أنه كان مصرياً دائماً وأن حكم القانون بالنسبة إليه إنما هو كاشف لهذه الجنسية المصرية الصميمة. أما الأشخاص المذكورون في الفقرة الثالثة سالفة الذكر، فإن اعتبارهم مصريين راجع إلى إقامتهم وحدها، وقد تحفظ المشرع في منحهم الجنسية المصرية فلم يحدد لدخولهم فيها تاريخاً كما فعل في قانون سنة 1926 الذي ألغاه، الأمر الذي يقطع في الدلالة على أنه أنشأ لهم حقاً مستحدثاً من وقت صدوره بشرط توفر الإقامة حتى 10 من مارس سنة 1929 دون أي أثر رجعي بالتطبيق لحكم المادة 18 منه. ولما كان المدعي قد ولد في سنة 1925 فإنه يكون غير مولود لأب مصري، ولا تتوافر فيه شروط المادة السادسة من الاتفاقية الصادر بها القانون رقم 130 لسنة 1949، ولا يسوغ تعيينه في الوظائف المخصصة للمصريين في حكم هذه المادة؛ وبهذا يكون القرار المطعون فيه قد صدر على أساس سليم من القانون. وانتهى من هذا إلى أن الدعوى حقيقية بالرفض.
وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 20 من مارس سنة 1956 طلب فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار المطعون فيه، وإلزام الحكومة المصروفات"؛ واستند في أسباب طعنه إلى أن الحكم المطعون فيه لم يصب فيما انتهى إليه من اعتبار المرسوم بقانون الصادر في سنة 1926 قد ألغي بجميع آثاره، واعتبار أحكام المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 منشئة للجنسية المصرية بالنسبة للأشخاص المنصوص عليهم في الفقرة الثالثة من المادة الأولى من هذا المرسوم؛ ذلك أن المرسوم بقانون الصادر في 26 من مايو سنة 1926 في فترة تعطيل البرلمان قد صدر القانون رقم 2 لسنة 1926 باعتماد صحته، ومن ثم فإنه يعتبر من الناحية الدستورية قائماً وصحيحاً ونافذاً. وإذا كان المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 قد ألغاه فإن ذلك لا يحول دون اعتباره من قوانين الدولة في الفترة التي مضت بين صدوره وإلغائه. كما أن الإلغاء في هذه الحالة لا يكون إلا من تاريخ العمل بالقانون الذي قضى بالإلغاء. هذا إلى أن عدم تنفيذ المرسوم بقانون الصادر في سنة 1926 من الناحية العملية ليس حجة من الناحية القانونية للقول بأن أحكامه التي تتعارض مع المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 تعتبر كأن لم تكن أصلاً. ولما كانت المادة الثانية من المرسوم بقانون الصادر في سنة 1926 ترجع جنسية من نصت عليهم إلى 5 من نوفمبر سنة 1914 فإن والد المدعي يعتبر مصرياً وقت ولادة المدعي بالتطبيق لحكم هذه المادة. على أن المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 لم تتضمن أية تفرقة بين أفراد الطوائف الثلاث الذين شملهم حكمها في اعتبارهم داخلين في الجنسية المصرية بحكم القانون؛ فأفراد الطائفة الثالثة شأنهم هو شأن أفراد الطائفتين الأولى والثانية في هذا الصدد؛ إذ أدرج المشروع الطوائف الثلاث في مادة واحدة وعاملهم معاملة قانونية واحدة بإضفاء الجنسية المصرية عليهم جميعاً بحكم القانون، ومن خصائص الجنسية الأصلية أنها تفرض بقوة القانون وترجع إلى الماضي. ولما كان أفراد الطائفة الثالثة التي ينتمي إليها والد المدعي هم من ذوي الجنسية الأصلية فإن المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 يعد كاشفاً لهذه الجنسية في الفقرة الثالثة من مادته الأولى لا منشئاً لها، ويكون والد المدعي مصري الجنسية وقت ولادة المدعي بالتطبيق لحكم هذه الفقرة. ومن ثم فقد تحقق على الحالين في هذا الأخير الشرط الذي فرضته المادة السادسة من اتفاقية سنة 1949 التي أقرها القانون رقم 130 لسنة 1949 فيمن يعين في الوظائف المخصصة للمصريين في شركة قناة السويس. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون، وتكون قد قامت به الحالة الأولى من أحوال الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا المنصوص عليها في المادة 15 من قانون مجلس الدولة.
وقد أودع المطعون لصالحه سكرتيرية المحكمة في 24 من سبتمبر سنة 1956 مذكرة بملاحظاته طلب فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار محل الطعن، وإلزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة"، وقد أورد في هذه المذكرة دفاعه السابق وأضاف إليه أنه لا ضير في أن تكون القوانين التي عومل بها والده قبل صدور قانون سنة 1926 قوانين أهلية؛ إذ أن الأمر يتعلق بتحديد علاقته نهائياً مع السلطات الحكومية منذ سنة 1915 أي بعد انفصال الجنسية المصرية عن الجنسية العثمانية وتمتع مصر بشخصية سياسية واجتماعية أبرزت للوطن المصري وضعاً مستقلاً وأوجدت للمصري صفة خاصة. ومن مظاهر هذا الاستقلال أن الحكومة المصرية أخذت تصدر جوازات سفر مصرية لرعاياها كالذي حصل عليه والد المطعون لصالحه في سنة 1915. أما قانون سنة 1926 فقد صدر بصورة دستورية سليمة. ومن المبادئ المقررة أن القوانين تصبح نافذة ومعمولاً بها من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية وتظل كذلك إلى أن تلغى بقانون لاحق. وقد استمد قانون سنة 1929 أكثر أحكامه من نصوص قانون سنة 1926 كما أشار إليه في ديباجته، بل وقضى بإلغائه بنص صريح. بيد أنه لم يرد في نص الإلغاء ما يفيد انسحابه على الماضي واعتبار القانون الملغي كأن لم يكن. هذا إلى أن قانون سنة 1929 قد اعتمد في أحد نصوصه حكماً ترتب على نفاذ قانون سنة 1926 فيما يتعلق بحق الاختيار. وقد قضت المحاكم فعلاً بتطبيق قانون سنة 1926 على المسائل التي تقع تحت حكمه، كما طبقته الإدارة في بعض الحالات. وقد لحقت والد المطعون لصالحه الجنسية المفروضة بمقتضى هذا القانون بصفة حتمية بمجرد صدوره فأفاد فعلاً من أحكامه بحكم مركزه القانوني وحالته الخاصة الظاهرة وأرجعت جنسيته المصرية المقر له بها إلى 5 من نوفمبر سنة 1914. وبعد أن استعرض المطعون لصالحه آراء بعض فقهاء القانون الدولي الخاص ذكر أنه يتمسك بأن قانون سنة 1929 الذي لم يحدد تاريخاً لبدء دخول من عنتهم الفقرة الثالثة من مادته الأولى في الجنسية المصرية لا يحول دون ثبوت حقوق والده المكتسبة في هذه الجنسية منذ سنة 1915، وأن إسقاط عبارة "منذ 5 من نوفمبر سنة 1915" الواردة في قانون سنة 1926 لم يكن الغرض منه حرمان من قصدتهم الفقرة الثالثة سالفة الذكر من جنسية اكتسبوها فعلاً أو الحيلولة دون إرجاع هذه الجنسية إلى تاريخ اكتسابها القانوني أو الفعلي. وإذا كان والده قد أكتسب جنسيته بحق الإقليم فإن المشرع المصري قد أخذ في قانون سنة 1929 بكل من الولادة والإقليم كأساس لاكتساب الجنسية الأصلية. وهذه الجنسية التي أكتسبها والده لا تستند إلى مجرد قرائن قوامها الافتراض، بل إلى مركز قانوني ثابت من دلائل شتى تؤيده حالة ظاهرة مقرونة باعترافات متكررة من جانب الحكومة المصرية على طول السنين. وقد قدم مذكرة تكميلية بعد ذلك أضاف فيها أن الجنسية التي قررها قانون سنة 1929 في الفقرة الثالثة من مادته الأولى هي جنسية أصيلة لا منشأة، شأنها شأن جنسية باقي الطوائف التي ذكرتها الفقرتان الأولى والثانية من هذه المادة، وأن من خصائص هذه الجنسية أنها ترجع إلى الماضي، أي إلى تاريخ انفصال الجنسية المصرية الصميمة عن الجنسية العثمانية في 5 من نوفمبر سنة 1914. وفي 30 من أكتوبر سنة 1956 قدمت هيئة إدارة قناة السويس مذكرة بملاحظاتها وتتحصل في أن ما يستند إليه المدعي من ظروف خاصة بوالده للتدليل بها علة ثبوت الجنسية المصرية لهذا الأخير قبل سنة 1929 لا يعدو أن يكون أوامر وقوانين لم يقصد بها إسباغ صفة الجنسية على من تتوافر فيهم شروطها، بل مجرد إثبات توافر شروط معينة لاستعمال حق أو الالتزام بتكليف من التكاليف العامة، وأن والد المدعي لا يعتبر رعية محلية طبقاً للأمر العالي الصادر في سنة 1900 بشأن حق الانتخاب؛ لعدم توافر شروطه فيه، وأن الحالة القانونية التي تحكمها كل من المادة الثانية من مرسوم سنة 1926 والفقرة الثالثة من المادة الأولى من مرسوم سنة 1929 واحدة ويندرج تحتها ذات الأشخاص دون تغيير، بعد حذف النص على الرجعية إلى سنة 1914 وإضافة شرط جديد هو استمرار الإقامة حتى 10 من مارس سنة 1929. على أن مرسوم سنة 1926 إنما ولد ميتاً فلم ينفذ قط، بل أعتبر ملغي من تاريخ صدوره. على أن الجنسية باعتبارها متعلقة بالنظام العام من ناحية، وبوصفها عنصراً من عناصر الحالة الشخصية من ناحية أخرى يمكن تعديل شروطها بالقانون دون أن يحتج على ذلك بالحقوق المكتسبة أو المراكز الذاتية. وقد جاء نص الفقرة الثالثة من المادة الأولى من مرسوم سنة 1929 منشئاً للجنسية المصرية من تاريخ استكمال شرط الإقامة الذي تطلبه في 10 من مارس سنة 1929. ومن ثم يكون المدعي وقد ولد في سنة 1925 مولوداً لأب غير مصري. وخلصت الهيئة من هذا إلى طلب الحكم برفض الطعن، وبإلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن النزاع ينحصر فيما إذا كان المطعون لصالحه يعد مصري المولد بحسب الاتفاقية المبرمة في سنة 1937 بين الحكومة المصرية وشركة قناة السويس (المؤممة)، أو يعتبر مولوداً لأب يعد مصرياً بالتطبيق للمواد من 1 إلى 5 والمادة 6 (فقرة 1 و2) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 بحسب الاتفاق المعقود بين الحكومة والشركة في سنة 1949، وبالتالي ما إذا كان يجوز تبعاً للوصف الذي سيلحق به أن يشغل إحدى وظائف الشركة المقرر تخصيصها للمصريين أم لا.
ومن حيث إنه يبين من الوثائق والأوراق أنه في 31 من يوليه سنة 1937 صدر القانون رقم 73 بالموافقة على الاتفاقية المبرمة مع شركة قنال السويس البحرية وهي المفصلة في المكاتبات المتبادلة بين الحكومة المصرية والشركة. وقد جاء في كتاب الشركة المؤرخ 27/ 30 من إبريل سنة 1936 أن مجلس إدارتها "قد قرر أن يفسح مجالاً كبيراً في سلك موظفي الشركة للشبيبة المصرية. وبناء على ذلك ستعمل منذ الآن الترتيبات اللازمة لتعيين شبان مصريي الولادة في سلك مستخدمي الشركة في مصر بصفة تدريجية بحيث تصل نسبتهم في سنة 1958 إلى 25 % من مجموع هؤلاء المستخدمين...". وتأيد هذا في رد رئيس مجلس الوزراء المؤرخ 4 من مايو سنة 1936 الذي ورد فيه. "أتشرف بإبلاغكم أني تسلمت خطابكم المؤرخ 27/ 30 إبريل سنة 1936 وبه تفضلتم بإخطاري أن مجلس إدارة شركة قناة السويس البحرية رغبة منه في توثيق الروابط التي تربطه بمصر قد قبل بناء على الرغبة التي أبدتها الحكومة المصرية أن يعين تدريجياً في سلك مستخدميها في مصر شباناً مصريي المولد بحيث تصل نسبتهم في سنة 1958 إلى 25% من مجموع مستخدمي الشركة..."، بيد أن الشركة لم تقم بتنفيذ ما قضت به نصوص هذه الاتفاقية فيما يتعلق بتعيين الشبان مصريي المولد في نسبة وظائفها التي تقرر تخصيصها للمصريين؛ إذ شغلت هذه الوظائف بمتمصرين. وقد سجل وزير التجارة والصناعة هذه المخالفة في بيانه بجلسة 28 من يناير سنة 1949 بمدينة الإسماعيلية أثناء المفاوضات التي جرت بين الحكومة والشركة قبل إبرام اتفاق سنة 1949؛ إذ جاء على لسانه: "أن عدد الموظفين المصريي المولد الذين يعملون بالشركة لا يبلغ أكثر من 70 موظفاً، ويجب على الشركة أن تقوم بتعيين موظفين مصريي المولد". وقد تضمن رد ممثل الشركة على ذلك: "أنه من الآن فصاعداً ستعمل الشركة على توظيف مصريين أصليين طبقاً لما ذكره الوزير؛ لأنه في سنة 1936 لم تكن العناصر المصرية الأصلية متوفرة"، كما أشار تقرير لجنتي المالية والتجارة والصناعة بمجلس الشيوخ الخاص باتفاق سنة 1949 عند عرض مشروع القانون رقم 130 لسنة 1949 إلى عدد موظفي الشركة الفنيين والإداريين والبحرين، وإلى أن: "من يعدون مصريين بينهم في الواقع متمصرون..." وأنه إنما: "قصد فيما يتعلق بالموظفين أن يكون التمصير حقيقياً ومجدياً لا صورياً عديم القيمة في المستقبل، ففتح أمام المصريين باب وظائف الشركة كلها صغيرها وكبيرها وفي كل قسم من أقسامها...". وفي 15 من أغسطس سنة 1949 صدر القانون رقم 130 بالموافقة على الاتفاق المبرم مع شركة قنال السويس البحرية، ونص في مادته السادسة على أنه: "يجب أن يكون المرشح المصري مولوداً لأب يعد مصرياً بالتطبيق للمواد من 1 إلى 5 والمادة 6 (فقرة 1 و2) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 أو النصوص المعادلة من أي تشريع جديد في هذا الشأن". كما نص في الفقرة "د" من مادته الثانية الخاصة "بالموظفين والمستخدمين" على أنه "علاوة على ذلك، ومع احتساب تعيينات المصريين التي أجريت ابتداء من أول يناير سنة 1949، تؤكد الشركة نيتها في أن ترفع إلى 16 مجموع تعيينات المصريين عن سنة 1949 في كل من الدرجتين الرابعة والخامسة".
ومن حيث إنه يتضح من استظهار النصوص المتقدمة في ضوء البواعث الدافعة إليها والأغراض التي تستهدفها أن الشارع كان حريصاً من بادئ الأمر على تمصير شركة قناة السويس تمهيداً لأيلولتها إلى الحكومة بعد إذ شارف عقد التزامها الانتهاء، وأن الاتفاق تم في سنة 1937 على شغل بعض مراكز الشركة تدريجياً بعناصر مصرية المولد أي التي ثبتت لها الجنسية المصرية بطريق الدم بولادتها لأب يتمتع بهذه الجنسية عند الولادة، فلما عمدت الشركة إلى اختيار عناصر متمصرة رأت الحكومة سداً لذرائع التأويل أن تحدد مدلول عبارة "مصري المولد" بما نصت عليه في المادة السادسة من القانون رقم 130 لسنة 1949 من أنه هو المولود لأب يعد مصرياً بالتطبيق للمواد من 1 إلى 5 والمادة 6 (فقرات 1 و2) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929. وإذ كان القصد من هذا النص هو تمصير الشركة بإفساح مجال التوظف فيها للمصريين الصميمين الأصلاء لا المتمصرين، وإشراك هؤلاء المصريين بنسب معينة متصاعدة في إدارة المرفق الذي تقوم عليه إلى أن يؤول برمته إلى الأيدي المصرية، فإن ما ورد في المادة السادسة من اتفاق سنة 1949 لا يخرج في جوهره عن معنى ما تضمنته اتفاقية سنة 1937 في هذا الشأن، ولا يعدو أن يكون ترديداً له على نحو من الدقة والتحديد اقتضاهما موقف الشركة منعاً من أي خلاف في التأويل؛ وذلك لاتحاد الحكمة من هذا الشرط في كل من الاتفاقيتين. وفضلاً عن ذلك فلما كان الثابت أن المطعون لصالحه قد عين في الشركة باعتباره مصرياً في إحدى الوظائف الداخلة في النسبة المخصصة للمصريين، وأن هذا التعيين قد تم في تاريخ لاحق لأول يناير سنة 1949 وهو التاريخ الذي اعتدت به الفقرة "د" من المادة الثانية من القانون رقم 130 لسنة 1949 في حساب تعيينات المصريين، فإن ترشيحه للتعيين قبل هذا التاريخ، وهو إجراء تمهيدي لا يقوم مقام التعيين، لا يغير من واقع الأمر وهو أن الواقعة القانونية المنشئة لمركزه القانوني في الشركة إنما تحققت بعد التاريخ المعتبر قانوناً في حساب تعيينات المصريين وفي النسبة المقررة لهذه التعيينات، ومن ثم كان خاضعاً لما اشترطه القانون المذكور لذلك، ووجبت معاملته وفق أحكامه.
ومن حيث إنه لما كان توافر الشرط المتطلب في المطعون لصالحه بمقتضى المادة السادسة من القانون رقم 130 لسنة 1949 لتعيينه في النسبة المخصصة للمصريين في الشركة يتوقف على تحديد التاريخ الذي يعتبر أن والده قد اكتسب فيه الجنسية المصرية.
ومن حيث إن الجنسية بوصفها رابطة سياسية وقانونية بين فرد ودولة لم تعرف في مصر بمعناها هذا إلا منذ 19 من يناير سنة 1869 تاريخ صدور قانون الجنسية العثمانية وقت أن كانت مصر تابعة للدولة العثمانية وكان المصريون يعتبرون عثمانيين من الوجهة الدولية. ثم كان أن انفصلت مصر عن تركيا بدخولها الحرب ضد هذه الأخيرة في 5 من نوفمبر سنة 1914. وفي 18 من ديسمبر سنة 1914 أعلنت بريطانيا الحماية على مصر. فلما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها عقدت في 10 من أغسطس سنة 1920 بين تركيا والحلفاء معاهدة سيفر التي اعتبرت تاريخ انفصال مصر عن تركيا هو تاريخ إعلان الحماية البريطانية، ثم أعلن بعد ذلك أن مصر أصبحت دولة حرة مستقلة ذات سيادة بتصريح 28 من فبراير سنة 1922، واعترفت الدول بما فيها تركيا بهذا الاستقلال بمعاهدة لوزان المبرمة في 24 من يوليه سنة 1923 التي أرجعت تاريخ انفصال مصر عن تركيا إلى 5 من نوفمبر سنة 1914 بدلاً من تاريخ إعلان الحماية. وقد كان مقتضى هذا أن يصدر قانون بتنظيم الجنسية المصرية عند انفصال مصر عن الإمبراطورية العثمانية، بيد أن هذا القانون لم يصدر، حتى لقد ذهب البعض إلى القول باستمرار سريان أحكام قانون الجنسية العثماني باعتباره قانوناً مصرياً، وأخذت بذلك المحاكم المختلطة. فلما صدر الدستور المصري في 19 من أبريل سنة 1923 نص في مادته الثانية على أن الجنسية المصرية يحددها القانون. ولما كان هذا القانون لم يصدر وقتذاك فقد درج أولو الأمر على وضع ضوابط لتمييز المصريين عن غيرهم في التمتع بالحقوق وتحمل التكاليف، غير أنهم لم يلجأوا إلى تقرير ضابط عام تستخلص منه جنسية خاصة بالمصريين، بل حددوا من هو المصري في كل مناسبة اقتضت ذلك بتشريع وذلك بالقدر اللازم لتحقيق أغراض هذا التشريع في المناسبة التي صدر من أجلها. ومن ثم اختلف معنى لفظ "مصري" بحسب مقام استعماله، وكانت نتيجة هذا أن أطلق على المصري في ذلك العهد اصطلاح "رعية محلية" ولم تكن هذه الرعوية المحلية جنسية تلحق الأشخاص في الخارج؛ إذ لم يكن يعتد بها من الوجهة الدولية، بل كانت وصفاً يستعمل لترتيب حقوق والتزامات بين المحكومين والحكام داخل البلاد كشغل الوظائف العامة والانتخاب والقرعة العسكرية. ففيما يتعلق بحق التوظف تحدد معنى المصري بالمادة 19 من الأمر العالي الصادر في 4 من ديسمبر سنة 1892 والمادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1893 بشأن الشروط اللازمة للتوظف في المحاكم الأهلية والمادة العاشرة من دكريتو 24 من يونيه سنة 1901 بالتصديق على لائحة المستخدمين الملكيين في مصالح الحكومة. وفيما يختص بحق الانتخاب للهيئات النيابية تحدد معنى المصري الذي له هذا الحق طبقاً لقانون الانتخاب الصادر في أول مايو سنة 1883 والقانون رقم 30 لسنة 1913 والقانون رقم 11 لسنة 1923 المعدل بالقانون رقم 4 لسنة 1924 بالرجوع في هذا التحديد إلى الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900. وفيما يتعلق بأداء الخدمة العسكرية نص قانون القرعة العسكرية الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1902 المعدل بالقانون رقم 3 لسنة 1922 على أنها تفرض على الأشخاص الذين عينهم. يضاف إلى ذلك ما جاء من نصوص أخرى بالقوانين العامة التي تناولت بيان اختصاص المحاكم الأهلية والمختلطة بالنسبة إلى الأشخاص القاطنين في مصر. ويبين من مقارنة هذه التشريعات جميعاً عدم وحدة نظام الرعوية، وأن لفظ "مصري" الوارد بكل منها لا ينصرف مدلوله إلى الأشخاص ذواتهم في جميع الأحوال، فمن يعتبر مصرياً في نظر قانون القرعة العسكرية قد لا يعتبر كذلك في نظر قوانين الانتخاب أو قوانين التوظف. وهكذا كان هذا اللفظ غير مستقر المعنى؛ إذ كان مدلوله يضيق تارة حتى لا يشمل غير أهالي البلد الأصليين، ويتسع تارة أخرى حتى يصبح مرادفاً للفظ "عثماني". ولما كانت التشريعات المذكورة إنما وضعت لبيان من هم المصريون تبعاً للأغراض الخاصة التي استلزمت وضعها فإنه لم يكن لها أن تتعرض للمسائل المتصلة بكيفية اكتساب الجنسية وفقدها أو تغييرها وتأثير ذلك في حقوق الأفراد وأحوالهم، كما لم يكن ليترتب عليها لأحد مركز قانوني في هذه الجنسية؛ وبذلك لم توجد ثمة قوانين خاصة بتنظيم الجنسية المصرية، حتى أن المشرع نص في المادة 93 من قانون الانتخاب رقم 11 لسنة 1923 المعدل بالقانون رقم 4 لسنة 1924 على أنه "للعمل بهذا القانون وإلى أن يصدر قانون بشأن الجنسية المصرية يعتبر مصرياً كل من ورد ذكره في المادتين الأولى والثانية من الأمر العالي الصادر في 29 يونيه سنة 1900 بشأن من يعتبرون من المصريين عند العمل بقانون الانتخاب الصادر سنة 1883". وقد ردد المشرع هذا النص في المرسوم الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1925 بقانون الانتخاب.
ومن حيث إنه لما كانت الجنسية المصرية قد ظلت غير محددة المعالم من الوجهة الدولية إلى أن أصدر التشريع الذي ينظمها، ولما كانت القوانين المختلفة السابقة على ذلك والتي استهدفت بيان صفة الرعوية المحلية لم تعالج الجنسية المصرية مباشرة بتنظيم أسسها، بل اكتفت ببيان الشروط التي استلزمها تطبيقها لتحقيق الغاية المقصودة منها، وهي شروط كانت تختلف باختلاف الغرض من هذه القوانين، فلا حجة إذا في الاستناد إلى القوانين المذكورة ولا إلى تطبيقها في حق شخص معين للقول بثبوت الجنسية المصرية له نتيجة لذلك. ومن ثم فإن إلحاق والد المطعون لصالحه بإحدى وظائف الحكومة المصرية بناء على شهادة عرفية بأنه من رعايا الحكومة المحلية لإقامته في القطر المصري موقعه في 10 من أغسطس سنة 1915 من اثنين من موظفي مصلحة تنظيم مصر لا ولاية لهما في تحقيق الجنسية أو إثباتها، ولا تسليمه جواز سفر من السلطة المصرية في 6 من سبتمبر سنة 1916 باعتباره مولوداً في لبنان ومقيماً بمصر ومستخدماً بالحكومة المصرية، ولا صدور كتاب من نظارة الحربية في 25 من نوفمبر سنة 1915 بأنه لم يعامل حتى ذلك التاريخ بالقرعة وأنه لا مانع من استخدامه، وآخر في 18/ 21 من مارس سنة 1916 بإعفائه من الخدمة العسكرية لكونه عين كاتباً تحت الاختبار بمصلحة الأملاك الأميرية، كل أولئك لا يصلح بذاته سنداً قانونياً لإضفاء الجنسية المصرية في ذلك الحين على من تهيأت له مثل هذه الظروف، كما لا يعد اعترافاً مقيداً للحكومة في شأن هذه الجنسية.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بإدراج اسم والد المطعون لصالحه بجدول انتخاب المجالس النيابية وتسليمه شهادة في 23 من فبراير سنة 1942 بقيده في هذا الجدول تحت رقم 47 حرف "ب" بتاريخ ديسمبر سنة 1931 كما يتضح من حافظة مستنداته، وكذا ندبه في شهر مارس سنة 1942 للاشتراك في لجان الانتخاب كما يقرر فإن أول ما يسترعى النظر هو أن هذا القيد والاشتراك إنما تما في تاريخ لاحق الصدور المرسوم بقانون الخاص بالجنسية المصرية رقم 19 لسنة 1929 وهو القانون الذي أدخله في الجنسية المصرية بحكم الفقرة الثالثة من مادته الأولى، أي بعد الاعتراف له بالجنسية المصرية نتيجة لهذا القانون وكأثر من آثاره كما تؤيد ذلك شهادة الجنسية الصادرة له بهذا المعنى من وزارة الداخلية في 27 من فبراير سنة 1941. ومن ثم تنهار حجته في الاستناد إلى هذه القرينة للتدليل على قيام حالة ظاهرة تشهد بمصريته؛ إذ أن هذه الحالة لا تسعفه إلا إذا توافرت عناصرها في تاريخ سابق على صدور القانون الذي منحه الجنسية المصرية وهي ليست كذلك، أما بعد صدوره فلا حاجة به إليها وقد أصبح مصرياً بحكم هذا القانون. على أن إثبات الجنسية استناداً إلى الحالة الظاهرة ليست له حجية قطعية؛ إذ يجوز دائماً إقامة الدليل على عكس ما تشهد به تلك الحالة. كما أن بطاقة الانتخاب في ذاتها ليست معدة لإثبات الجنسية المصرية وكذلك استعمال الحق الدستوري المخول بمقتضاها ليس دليلاً قاطعاً في ثبوت الجنسية المذكورة لحاملها.
ومن حيث إنه ثابت من شهادة جنسية والد المطعون لصالحه أنه اعتبر داخلاً في الجنسية المصرية بحكم القانون طبقاً لنص الفقرة الثالثة من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 وذلك استناداً إلى حق الإقليم بسبب إقامته عادة في القطر المصري في 5 من نوفمبر سنة 1914 ولمحافظته على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر هذا المرسوم بقانون. كما أنه يبين من الأوراق أن المذكور مولود ببلدة بيكاسين التابعة لمنصرفة جبل لبنان في 16 من نوفمبر 1892؛ ومن ثم فإن تطبيق الفقرة الثالثة سالفة الذكر في حقه يكون هو التطبيق القانوني الصحيح. أما الفقرة الثانية فلا تصدق على حالته لكونها تتناول من يعتبر في تاريخ نشر المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 مصرياً بحسب حكم المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900، وتجعل الرعوية المصرية في حكم هذا الأمر العالي جنسية مصرية بالإحالة التي تضمنتها إلى مادته الأولى التي أصبحت جزءاً من قانون الجنسية من الناحية التشريعية. وهذا الأمر العالي هو الذي اختارته لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب في تقريرها المقدم للمجلس في 9 من مايو سنة 1928 من بين القوانين المتعددة التي تعرضت للرعوية المحلية، واتخذته أساساً لتحديد الآباء المصريين اعتداداً بالواقع. وقد اقتصرت اللجنة في ذلك على مادته الأولى وأسقطت كل اعتبار للقوانين الأخرى. وتنص المادة المذكورة على أنه عند إجراء العمل بقانون الانتخاب الصادر في أول مايو سنة 1883 يعتبر حتماً من المصريين الأشخاص الآتي بيانهم:
1- المتوطنون في القطر المصري قبل أول يناير سنة 1848 وكانوا محافظين على إقامتهم فيه.
2- الرعايا العثمانيون المولودون في القطر المصري من أبوين مقيمين فيه متى كان هؤلاء الرعايا قد حافظوا على موطنهم فيه.
3- الرعايا العثمانيون المولودون والمقيمون في القطر المصري الذين يقبلون المعاملة بمقتضى قانون القرعة العسكرية، سواء بأدائهم الخدمة أو بدفع البدلية.
4- الأطفال المولودون في مصر من أبوين مجهولين.
ويستثنى من الأحكام المذكورة الذين يكونون من رعايا الدول الأجنبية أو تحت حمايتها.
وإذ كان والد المطعون لصالحه غير متوطن في القطر المصري قبل أول يناير سنة 1848، ولا مولود به من أبوين مقيمين فيه بل مولود بلبنان. كما أنه ليس من الرعايا العثمانيين المولودين بالقطر المصري والمقيمين فيه أي الذين جمعوا بين شرطي الميلاد والإقامة اللذين يغنيان عن توطن آبائهم في مصر - وإن عومل بمقتضى قانون القرعة العسكرية - وليس مولوداً في مصر من أبوين مجهولين، فإن هذه المادة لا تصدق في أي من فقراتها على حالته، وبالتالي فإنه يخرج من عداد طائفة الأشخاص الداخلين في الجنسية المصرية بحكم الفقرة الثانية من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929، وهم الذين ينطبق عليهم نص المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900 سالفة الذكر، وإنما يشمله فقط حكم الفقرة الثالثة الخاص بالرعايا العثمانيين الذين لم تتوافر لهم صفة الرعوية المحلية وفقاً للمادة الأولى من الأمر العالي المشار إليه، ولكنهم كانوا يقيمون عادة في القطر المصري في 5 من نوفمبر سنة 1914 وحافظوا على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 في 10 من مارس سنة 1929، وظاهر من مقارنة الفقرتين الثانية والثالثة آنفتي الذكر أن الأشخاص المذكورين في الأولى منهما هم عثمانيون في الأصل ولكنهم استوفوا شروطاً وأوصافاً معينة جعلتهم في نظر الشارع مصريين صميمين. وقد كان في وسعه أن يقصر الجنسية الأصلية عليهم، بيد أنه بسط هذه الجنسية على طائفة أخرى من العثمانيين لم يتطلب فيهم سوى ثبوت الإقامة في القطر المصري والمحافظة عليها خلال الفترة التي حددها، مع أن الأصل أن الإقامة وحدها لا تكفي عادة لاكتساب الجنسية.
ومن حيث إنه ولئن كان المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 بشأن الجنسية المصرية قد سبقه المرسوم بقانون الصادر في 26 من مايو سنة 1926، إلا أن هذا الأخير ظل معطلاً عملاً لكون الظروف السياسية التي قارنت صدوره وتلته جعلت من العسير على الإدارة وضعه موضع التنفيذ الفعلي حتى على الرغم من صدور القانون رقم 2 لسنة 1926 الذي قضى باعتبار معظم المراسيم بقوانين الصادرة في غيبة البرلمان ومنها هذا المرسوم بقانون في حكم الصحيحة. وقد ألغي هذا المرسوم بقانون بالمادة 25 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 الذي يستشف من أعماله التحضيرية أنه هو التشريع الوحيد المنظم للجنسية المصرية. وإذا كان المرسوم بقانون الصادر في سنة 1926 قد نص في مادته الثانية على أن "يعتبر قد دخل الجنسية المصرية منذ 5 نوفمبر سنة 1914 وبحكم القانون الرعايا العثمانيون الذين كانوا يقيمون عادة في القطر المصري في ذلك التاريخ وحافظوا على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر هذا القانون" إلا أن لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ عندما صاغت الفقرة الثالثة من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 وهي المقابلة للمادة الثانية المذكورة عدلت فيها بأن حذفت منها عبارة "يعتبر قد دخل الجنسية المصرية منذ 5 نوفمبر سنة 1914" مستبعدة بذلك ارتداد هذه الجنسية إلى ذلك التاريخ، كما مدت شروط الإقامة إلى 10 من مارس سنة 1929 تاريخ نشر هذا القانون. ومقتضى هذا هو عدم إمكان أفراد هذه الفئة التحدي باكتسابهم الجنسية المصرية منذ 5 من نوفمبر سنة 1914؛ إذ مهما يكن من أمر في شأن الخلاف على قيام مرسوم سنة 1926 قانوناً أو اعتباره كأن لم يكن أصلاً، فإن من المقرر أن مسائل الجنسية هي من صميم الأمور الداخلة في كيان الدولة وأن تنظيمها يتعلق بسيادتها؛ لاتصالها بالنظام العام من جهة، ولكونها من عناصر الحالة الشخصية من جهة أخرى، ومن ثم فإن للمشرع مطلق الحرية بمقتضى القانون العام في تنظيم الجنسية وتقديرها على الوجه الملائم الذي يتفق وصالح الجماعة. ولا محل للاحتجاج بوجود حق مكتسب أو ترتب مركز ذاتي للفرد قبل الدولة في اكتساب جنسيتها على وجه معين متى كان المشرع قد رأى تعديل ذلك بتشريع جديد؛ ذلك أن الأخذ بفكرة الحق المكتسب في هذه الحالة يفضي إلى تعطيل شرط امتداد الإقامة التي أوجبت الفقرة الثالثة من المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1929 المحافظة عليها حتى 10 من مارس سنة 1929؛ إذ لو صح اكتساب الحق في الجنسية فعلاً في سنة 1926 لما أثر على الحق عدم المحافظة على الإقامة بعد ذلك، ولصار تطلب امتداد هذه الإقامة لغوا، وهو ما ينزه عنه الشارع.
ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 وإن كان قد سوى بين الطوائف التي ذكرها في الفقرات الثلاث من مادته الأولى من حيث اعتبارهم داخلين في الجنسية المصرية بحكم القانون إلا أنه نص في مادته الثامنة عشرة على أنه ليس لدخول الجنسية المصرية أي تأثير في الماضي ما لم ينص على غير ذلك. ولما كان الرعايا العثمانيون المشار إليهم في الفقرة الثالثة من المادة الأولى ليسوا من القدم والأصالة كأولئك المذكورين في الفقرة الثانية من تلك المادة فإن المشرع لم يشأ أن يعين لدخولهم الجنسية المصرية تاريخاً بعد أن حذف النص القديم الذي كان يفيد إرجاع هذا التاريخ إلى 5 من نوفمبر سنة 1914. وكان قد أفرد لهم المادة الثانية من المرسوم بقانون الصادر في سنة 1926 باعتبارهم فئة ذات وضع خاص، ثم أسبغ عليهم في سنة 1929 الجنسية المصرية بافتراض قانوني يقدر بقدره، مشترطاً استمرار إقامتهم إلى التاريخ الذي عينه. ولما كان الشرط المذكور لا يتوافر إلا بتحقق الإقامة في ذلك التاريخ فإن الجنسية المرهونة بهذا الشرط لا تكتسب إلا بتحققه ومن تاريخ هذا التحقق.
ومن حيث إن المادة السادسة من القانون رقم 130 لسنة 1949 التي تحكم وضع المطعون لصالحه تستلزم أن يكون المرشح المصري مولوداً لأب يعد مصرياً بالتطبيق للمواد من 1 إلى 5 والمادة 6 (فقرة 1 و2) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929. ومفاد هذه المادة - في ضوء المناقشات والأعمال التحضيرية التي سبقتها، والغاية التي استهدفتها - أن الشارع إنما أراد بلفظ "مولود" في هذا المقام أن يكون دخول الوالد في الجنسية المصرية سابقاً على ولادة أبنه المرشح، أي أن تكون الجنسية المصرية التي لحقت الأب بالتطبيق للمواد التي عينها قد ثبتت له وقامت به فعلاً وقت ولادة الابن الذي تلقاها عنه بحق الدم، وهذا هو التعبير ذاته الذي استعمله الشارع في المادة السادسة من المرسوم بقانون سالف الذكر والذي عول فيه على وقت الولادة لا على مجرد قيامها آخذاً في ذلك من بين المذاهب المتعددة التي تعتد بوقت الحمل أو بالأصلح من وقتي الحمل والولادة أو الفترة بين الحمل والولادة أو بوقت الولادة بهذا المذهب الأخير بقطع النظر عن التغير الحاصل في جنسية الوالد قبل الولادة أو بعدها. وإذ كان شرط الولادة لأب يعد مصريا وقت الولادة متخلفاً في المطعون لصالحه الذي ولد في قرية بكاسين بلبنان في 25 من أغسطس سنة 1925، وهو الشرط الذي استلزمته المادة السادسة من اتفاقية شركة قناة السويس المبرمة في سنة 1949 والتي صدر بإقرارها القانون رقم 130 لسنة 1949 فيمن يعين في الوظائف المخصصة للمصريين، وكان قد صدر قرار من مجلس الوزراء في 21 من يوليه سنة 1953 بالموافقة على مذكرة لوزارة التجارة والصناعة باستبقاء تسعة موظفين في الشركة من بينهم المطعون لصالحه على أن يحسبوا خارج النسب التي حددتها اتفاقية 7 من مارس سنة 1

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1956 إلى آخر يناير سنة 1957) - صـ 33

(5)
جلسة 10 من نوفمبر سنة 1956

برياسة السيد/ السيد علي السيد - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل - المستشارين.

القضية رقم 863 لسنة 2 القضائية

( أ ) شركة قناة السويس - اتفاقها مع الحكومة المصرية على شغل بعض مناصب الشركة تدريجياً بعناصر مصرية المولد، أي ثبتت لها الجنسية المصرية بطريق الدم بولادتها لأب يتمتع بهذه الجنسية عند الولادة - نصوص كل من اتفاقيتي سنتي 1937 و1939 متحدتان في هذا المعنى.
(ب) جنسية - سرد لبعض المراحل التشريعية التي مرت بها التنظيمات الخاصة بالجنسية في مصر.
(جـ) جنسية - القوانين المختلفة السابقة على صدور قانون الجنسية والتي تعرضت لتعريف من يعتبر مصرياً أو بيان صفة الرعوية المحلية - عدم معالجتها الجنسية المصرية مباشرة بتنظيم أسسها - اكتفاؤها ببيان الشروط التي استلزمها تطبيقها لتحقيق الغاية المقصودة منها - مثال.
(د) جنسية - إثباتها - الحالة الظاهرة لها حجية قطعية في إثبات الجنسية - جواز إقامة الدليل على العكس.
(هـ) جنسية - إثباتها - بطاقة الانتخاب، أو استعمال الحق الدستوري في الانتخاب - عدم اعتبارهما كدليل قاطع على ثبوت الجنسية المصرية.
(و) جنسية - المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 - التفرقة بين حالات الجنسية المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة الأولى منه، وتلك المنصوص عليها بالفقرة الثالثة.
(ز) جنسية - المرسوم بقانون الصادر في 26/ 5/ 1926 وإن كان سابقاً للمرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 إلا أنه ظل معطلاً بسبب الظروف السياسية - النص فيه على ارتداد الجنسية المصرية إلى 5/ 11/ 1914 بالنسبة لبعض الرعايا العثمانيين - استبعاد هذا الارتداد بنص الفقرة الثالثة من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 - ليس لهؤلاء الرعايا التحدي باكتسابهم الجنسية منذ 5/ 11/ 1914 - تنظيم الجنسية يتعلق بسيادة الدولة - لا محل للاحتجاج بوجود حق مكتسب للفرد قبل الدولة في اكتساب جنسيتها على وجه معين متى كان المشرع قد عدل ذلك بتشريع جديد.
(ح) جنسية - الرعايا العثمانيون المشار إليهم بالفقرة الثالثة من المادة الأولى للمرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 - المشرع لم يشأ أن يعين لدخولهم الجنسية المصرية تاريخاً بعد أن حذف النص الذي كان يرجعها إلى 5/ 11/ 1914 - منحهم الجنسية المصرية مرهون بتحقق شرط الإقامة حتى 10/ 3/ 1929، ومن تاريخ هذا التحقق.
(ط) شركة قناة السويس - النص في اتفاقية سنة 1949 على أن يكون المرشح المصري لبعض مناصبها مولوداً لأب يعد مصرياً بالتطبيق للمواد من 1 إلى 5 والمادة 6/ 1 و2 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 - وجوب أن يكون دخول الأب في الجنسية المصرية سابقاً على ولادة أبنه المرشح للوظيفة بقطع النظر عن تغير جنسية الوالد قبل الولادة أو بعدها.
1- إن الشارع كان حريصاً على تمصير شركة قناة السويس تمهيداً لأيلولتها إلى الحكومة بعد إذ شارف عقد التزامها الانتهاء، فتم الاتفاق في سنة 1937 (الاتفاقية رقم 73 لسنة 1937) على شغل بعض مراكز الشركة تدريجيا بعناصر مصرية المولد، أي التي ثبتت لها الجنسية المصرية بطريق الدم بولادتها لأب يتمتع بهذه الجنسية عند الولادة، فلما عمدت الشركة إلى اختيار عناصر متمصرة، رأت الحكومة - سداً لذرائع التأويل - أن تحدد مدلول عبارة "مصري المولد" بما نصت عليه في المادة السادسة من القانون رقم 130 لسنة 1949 من أنه هو المولود لأب يعد مصرياً بالتطبيق للمواد من 1 إلى 5 والمادة 6 (فقرة 1 و2) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929. وإذ كان القصد من هذا النص هو تمصير الشركة بإفساح مجال التوظف فيها للمصريين الصميمين الأصلاء لا المتمصرين، وإشراك هؤلاء المصريين بنسب معينة متصاعدة في إدارة المرفق الذي تقوم عليه إلى أن يؤول برمته إلى الأيدي المصرية، فإن ما ورد في المادة السادسة من اتفاق سنة 1949 لا يخرج في جوهره عن معنى ما تضمنته اتفاقية سنة 1937 في هذا الشأن، ولا يعدو أن يكون ترديداً له على نحو من الدقة والتحديد اقتضاهما موقف الشركة منعاً من أي خلاف في التأويل؛ وذلك لاتحاد الحكمة من هذا الشرط في كل من الاتفاقيتين.
2- إن الجنسية بوصفها رابطة سياسية وقانونية بين فرد ودولة لم تعرف في مصر بمعناها هذا إلا منذ 19 من يناير سنة 1869، تاريخ صدور قانون الجنسية العثمانية، وقت أن كانت مصر تابعة للدولة العثمانية، وكان المصريون يعتبرون عثمانيين من الوجهة الدولية. ثم كان أن انفصلت مصر عن تركيا بدخولها الحرب ضد هذه الأخيرة في 5 من نوفمبر سنة 1914. وفي 18 من ديسمبر سنة 1914 أعلنت بريطانيا الحماية على مصر، فلما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها عقدت في 10 من أغسطس سنة 1920 بين تركيا والحلفاء معاهدة سيفر التي اعتبرت تاريخ انفصال مصر عن تركيا هو تاريخ إعلان الحماية البريطانية، ثم أعلن بعد ذلك أن مصر أصبحت دولة حرة مستقلة ذات سيادة بتصريح 28 من فبراير سنة 1922، واعترفت الدول - بما فيها تركيا - بهذا الاستقلال بمعاهدة لوزان المبرمة في 24 من يوليه سنة 1923 التي أرجعت تاريخ انفصال مصر عن تركيا إلى 5 من نوفمبر سنة 1914 بدلاً من تاريخ إعلان الحماية. وقد كان مقتضى هذا أن يصدر قانون بتنظيم الجنسية المصرية عند انفصال مصر عن الإمبراطورية العثمانية، بيد أن هذا القانون لم يصدر، حتى لقد ذهب البعض إلى القول باستمرار سريان أحكام قانون الجنسية العثماني باعتباره قانوناً مصرياً، وأخذت بذلك المحاكم المختلطة. فلما صدر الدستور المصري في 19 من إبريل سنة 1923 نص في مادته الثانية على أن الجنسية المصرية يحددها القانون، ولما كان هذا القانون لم يصدر وقتذاك فقد درج أولو الأمر على وضع ضوابط لتمييز المصريين عن غيرهم في التمتع بالحقوق وتحمل التكاليف، غير أنهم لم يلجئوا إلى تقرير ضابط عام تستخلص منه جنسية خاصة بالمصريين، بل حددوا من هو المصري في كل مناسبة اقتضت ذلك بتشريع، وذلك بالقدر اللازم لتحقيق أغراض هذا التشريع في المناسبة التي صدر من أجلها. ومن ثم أختلف معنى لفظ "مصري" بحسب مقام استعماله، وكانت نتيجة هذا أن أطلق على المصري في ذلك العهد اصطلاح "رعية محلية" ولم تكن هذه الرعوية المحلية جنسية تلحق الأشخاص في الخارج؛ إذ لم يكن يعتد بها من الوجهة الدولية، بل كانت وصفاً يستعمل لترتيب حقوق والتزامات بين المحكومين والحكام داخل البلاد كشغل الوظائف العامة والانتخاب والقرعة العسكرية. ففيما يتعلق بحق التوظف تحدد معنى المصري بالمادة 19 من الأمر العالي الصادر في 4 من ديسمبر سنة 1892 والمادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1893 بشأن الشروط اللازمة للتوظيف في المحاكم الأهلية والمادة العاشرة من دكريتو 24 من يونيه سنة 1901 بالتصديق على لائحة المستخدمين الملكيين في مصالح الحكومة، وفيما يختص بحق الانتخاب للهيئات النيابية تحدد معنى المصري الذي له هذا الحق طبقاً لقانون الانتخاب الصادر في أول مايو سنة 1883 والقانون رقم 30 لسنة 1913 والقانون رقم 11 لسنة 1923 المعدل بالقانون رقم 4 لسنة 1924 بالرجوع في هذا التحديد إلى الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900، وفيما يتعلق بأداء الخدمة العسكرية نص قانون القرعة العسكرية الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1902 المعدل بالقانون رقم 3 لسنة 1922 على أنها تفرض على الأشخاص الذين عينهم، يضاف إلى ذلك ما جاء من نصوص أخرى بالقوانين العامة التي تناولت بيان اختصاص المحاكم الأهلية والمختلطة بالنسبة إلى الأشخاص القاطنين في مصر. ويبين من مقارنة هذه التشريعات جميعاً عدم وحدة نظام الرعوية، أن لفظ "مصري" الوارد بكل منها لا ينصرف مدلوله إلى الأشخاص ذواتهم في جميع الأحوال، فمن يعتبر مصرياً في نظر قانون القرعة العسكرية قد لا يعتبر كذلك في نظر قوانين الانتخاب أو قوانين التوظف. وهكذا كان هذا اللفظ غير مستقر المعنى؛ إذ كان مدلوله يضيق تارة حتى لا يشمل غير أهالي البلد الأصليين، ويتسع تارة أخرى حتى يصبح مرادفاً للفظ "عثماني". ولما كانت التشريعات المذكورة إنما وضعت لبيان من هم المصريون تبعاً للأغراض الخاصة التي استلزمت وضعها، فإنه لم يكن لها أن تتعرض للمسائل المتصلة بكيفية اكتساب الجنسية وفقدها أو تغييرها وتأثير ذلك في حقوق الأفراد وأحوالهم، كما لم يكن ليترتب عليها لأحد مركز قانوني في هذه الجنسية؛ وبذلك لم توجد ثمة قوانين خاصة بتنظيم الجنسية المصرية، حتى أن المشرع نص في المادة 93 من قانون الانتخاب رقم 11 لسنة 1923 المعدل بالقانون رقم 4 لسنة 1924 على أنه "للعمل بهذا القانون وإلى أن يصدر قانون بشأن الجنسية المصرية يعتبر مصرياً كل من ورد ذكره في المادتين الأولى والثانية من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900 بشأن من يعتبرون من المصريين عند العمل بقانون الانتخاب الصادر سنة 1883". وقد ردد المشرع هذا النص في المرسوم الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1925 بقانون الانتخاب.
3- ظلت الجنسية المصرية غير محددة المعالم من الوجهة الدولية إلى أن صدر التشريع الذي ينظمها. ولما كانت القوانين المختلفة السابقة على ذلك والتي استهدفت بيان صفة الرعوية المحلية لم تعالج الجنسية المصرية مباشرة بتنظيم أسسها، بل اكتفت ببيان الشروط التي استلزمها تطبيقها لتحقيق الغاية المقصودة منها، وهي شروط كانت تختلف باختلاف الغرض من هذه القوانين، فلا حجة إذاً في الاستناد إلى القوانين المذكورة ولا إلى تطبيقها في حق شخص معين للقول بثبوت الجنسية المصرية له نتيجة لذلك؛ ومن ثم فإن إلحاق شخص بإحدى وظائف الحكومة المصرية بناء على شهادة عرفية بأنه من رعايا الحكومة لإقامته في القطر المصري موقعة في 10 من أغسطس سنة 1915 من أثنين من الموظفين لا ولاية لهما في تحقيق الجنسية أو إثباتها، أو تسليمه جواز سفر من السلطة المصرية في 6 من سبتمبر سنة 1916 باعتباره مولوداً في لبنان ومقيماً بمصر ومستخدماً بالحكومة المصرية، أو صدور كتاب من نظارة الحربية في 25 من نوفمبر سنة 1915 بأنه لم يعامل حتى ذلك التاريخ بالقرعة وأنه لا مانع من استخدامه، وآخر في 21 من مارس سنة 1916 بإعفائه من الخدمة العسكرية لكونه عين كاتباً تحت الاختبار بمصلحة الأملاك الأميرية - كل أولئك لا يصلح بذاته سنداً قانونياً لإضفاء الجنسية المصرية في ذلك الحين على من تهيأت له مثل هذه الظروف، كما لا يعد اعترافا مقيداً للحكومة في شأن هذه الجنسية.
4- إن إثبات الجنسية استناداً إلى الحالة الظاهرة ليست له حجية قطعية؛ إذ يجوز دائماً إقامة الدليل على عكس ما تشهد به تلك الحالة.
5- إن بطاقة الانتخاب بذاتها ليست معدة لإثبات الجنسية المصرية، وكذلك استعمال الحق الدستوري المخول بمقتضاها ليس دليلاً قاطعاً في ثبوت الجنسية المذكورة لحاملها.
6- إن الفقرة الثانية من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 تتناول من يعتبر في تاريخ نشر ذلك المرسوم بقانون مصرياً بحسب حكم المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900، وتجعل الرعوية المصرية في حكم هذا الأمر العالي جنسية مصرية بالإحالة التي تضمنتها إلى مادته الأولى التي أصبحت جزءاً من قانون الجنسية من الناحية التشريعية. وهذا الأمر العالي هو الذي اختارته لجنة شئون الخارجية بمجلس النواب في تقريرها المقدم للمجلس في 9 من مايو سنة 1928 من بين القوانين المتعددة التي تعرضت للرعوية المحلية، واتخذته أساساً لتحديد الآباء المصريين اعتداداً بالواقع. وقد اقتصرت اللجنة في ذلك على مادته الأولى وأسقطت كل اعتبار للقوانين الأخرى. وتنص المادة المذكورة على أنه عند إجراء العمل بقانون الانتخاب الصادر في أول مايو سنة 1883 يعتبر حتماً من المصريين الأشخاص الآتي بيانهم: 1 - المتوطنون في القطر المصري قبل أول يناير سنة 1848 وكانوا محافظين على إقامتهم فيه. 2 - الرعايا العثمانيون المولودون في القطر المصري من أبوين مقيمين فيه متى كان هؤلاء الرعايا قد حافظوا على موطنهم فيه. 3 - الرعايا العثمانيون المولودون والمقيمون في القطر المصري الذين يقبلون المعاملة بمقتضى قانون القرعة العسكرية، سواء بأدائهم الخدمة أو بدفع البدلية. 4 - الأطفال المولودون في مصر من أبوين مجهولين.
ويستثنى من الأحكام المذكورة الذين يكونون من رعايا الدول الأجنبية أو تحت حمايتها.
ومن ثم فإن والد المطعون لصالحه - إذ كان غير متوطن في القطر المصري قبل أول يناير سنة 1848، ولا مولود به من أبوين مقيمين فيه بل مولود بلبنان، كما أنه ليس من الرعايا العثمانيين المولودين بالقطر المصري والمقيمين فيه، أي الذين جمعوا بين شرطي الميلاد والإقامة اللذين يغنيان عن توطن آبائهم في مصر، وإن عومل بمقتضى قانون القرعة العسكرية، وليس مولوداً في مصر من أبوين مجهولين - فإن هذه المادة لا تصدق في أي من فقراتها على حالته، وبالتالي فإنه يخرج من عداد طائفة الأشخاص الداخلين في الجنسية المصرية بحكم الفقرة الثانية من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929، وهم الذين ينطبق عليهم نص المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900 سالفة الذكر، وإنما يشمله فقط حكم الفقرة الثالثة الخاص بالرعايا العثمانيين الذين لم تتوافر لهم صفة الرعوية المحلية وفقاً للمادة الأولى من الأمر العالي المشار إليه، ولكنهم كانوا يقيمون عادة في القطر المصري في 5 من نوفمبر سنة 1914 وحافظوا على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 في 10 من مارس سنة 1929. وظاهر من مقارنة الفقرتين الثانية والثالثة آنفتي الذكر أن الأشخاص المذكورين في الأولى منهما هم عثمانيون في الأصل ولكنهم استوفوا شروطاً وأوصافاً معينة جعلتهم في نظر الشارع مصريين صميمين. وقد كان في وسعه أن يقصر الجنسية الأصلية عليهم، بيد أن بسط هذه الجنسية على طائفة أخرى من العثمانيين لم يتطلب فيهم سوى ثبوت الإقامة في القطر المصري والمحافظة عليها خلال الفترة التي حددها، مع أن الأصل أن الإقامة وحدها لا تكفي عادة لاكتساب الجنسية.
7- إنه ولئن كان المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 بشأن الجنسية المصرية قد سبقه المرسوم بقانون الصادر في 26 من مايو سنة 1926، إلا أن هذا الأخير ظل معطلاً عملاً؛ لكون الظروف السياسية التي قارنت صدوره وتلته جعلت من العسير على الإدارة وضعه موضع التنفيذ الفعلي حتى على الرغم من صدور القانون رقم 2 لسنة 1926 الذي قضى باعتبار معظم المراسيم بقوانين الصادرة في غيبة البرلمان ومنها هذا المرسوم بقانون في حكم الصحيحة. وقد ألغي هذا المرسوم بقانون بالمادة 25 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 الذي يستشف من أعماله التحضيرية أنه هو التشريع الوحيد المنظم للجنسية المصرية. وإذا كان المرسوم بقانون الصادر في سنة 1926 قد نص في مادته الثانية على أن "يعتبر قد دخل الجنسية المصرية منذ 5 من نوفمبر سنة 1914 وبحكم القانون الرعايا العثمانيون الذين كانوا يقيمون عادة في القطر المصري في ذلك التاريخ وحافظوا على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر هذا القانون"، إلا أن لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ عندما صاغت الفقرة الثالثة من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 - وهي المقابلة للمادة الثانية المذكورة - عدلت فيها بأن حذفت منها عبارة "يعتبر قد دخل الجنسية المصرية منذ 5 من نوفمبر سنة 1914" مستبعدة بذلك ارتداد هذه الجنسية إلى ذلك التاريخ، كما مدت شرط الإقامة إلى 10 من مارس سنة 1929 تاريخ نشر هذا القانون. ومقتضى هذا هو عدم إمكان أفراد هذه الفئة التحدي باكتسابهم الجنسية المصرية منذ 5 من نوفمبر سنة 1914؛ إذ مهما يكن من أمر في شأن الخلاف على قيام مرسوم سنة 1926 قانوناً أو اعتباره كأن لم يكن أصلاً، فإن من المقرر أن مسائل الجنسية هي من صميم الأمور الداخلة في كيان الدولة، وأن تنظيمها يتعلق بسيادتها لاتصالها بالنظام العام من جهة ولكونها من عناصر الحالة الشخصية من جهة أخرى، ومن ثم فإن للمشرع مطلق الحرية بمقتضى القانون العام في تنظيم الجنسية وتقديرها على الوجه الملائم الذي يتفق وصالح الجماعة. ولا محل للاحتجاج بوجود حق مكتسب أو ترتب مركز ذاتي للفرد قبل الدولة في اكتساب جنسيتها على وجه معين متى كان المشرع قد رأى تعديل ذلك بتشريع جديد؛ ذلك أن الأخذ بفكرة الحق المكتسب في هذه الحالة يفضي إلى تعطيل شرط امتداد الإقامة التي أوجبت الفقرة الثالثة من المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1929 المحافظة عليها حتى 10 من مارس سنة 1929؛ إذ لو صح اكتساب الحق في الجنسية فعلاً في سنة 1926 لما أثر على الحق عدم المحافظة على الإقامة بعد ذلك، ولصار تطلب امتداد هذه الإقامة لغواً وهو ما ينزه عنه الشارع.
8- إن المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 وإن كان قد سوي بين الطوائف التي ذكرها في الفقرات الثلاث من مادته الأولى من حيث اعتبارهم داخلين في الجنسية المصرية بحكم القانون إلا أنه نص في مادته الثامنة عشرة على أنه ليس لدخول الجنسية المصرية أي تأثير في الماضي ما لم ينص على غير ذلك. ولما كان الرعايا العثمانيون المشار إليهم في الفقرة الثالثة من المادة الأولى ليسوا من القدم والأصالة كأولئك المذكورين في الفقرة الثانية من تلك المادة، فإن المشرع لم يشأ أن يعين لدخولهم الجنسية المصرية تاريخاً بعد أن حذف النص القديم الذي كان يفيد إرجاع هذا التاريخ إلى 5 من نوفمبر سنة 1914. وكان قد أفرد لهم المادة الثانية من المرسوم بقانون الصادر في سنة 1926 باعتبارهم فئة ذات وضع خاص، ثم أسبغ عليهم في سنة 1929 الجنسية المصرية بافتراض قانوني يقدر بقدره، مشترطاً استمرار إقامتهم إلى التاريخ الذي عينه. ولما كان الشرط المذكور لا يتوافر إلا بتحقق الإقامة في ذلك التاريخ، فإن الجنسية المرهونة بهذا الشرط لا تكتسب إلا بتحققه ومن تاريخ هذا التحقق.
9- إن المادة السادسة من القانون رقم 130 لسنة 1949 التي تحكم وضع المطعون لصالحه تستلزم أن يكون المرشح المصري للتوظف بشركة قناة السويس مولوداً لأب يعد مصرياً بالتطبيق للمواد من 1 إلى 5 والمادة 6 (فقرة 1 و2) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929. ومفاد هذه المادة - في ضوء المناقشات والأعمال التحضيرية التي سبقتها والغاية التي استهدفتها - أن الشارع إنما أراد بلفظ "مولود" في هذا المقام أن يكون دخول الوالد في الجنسية المصرية سابقاً على ولادة ابنه المرشح، أي أن تكون الجنسية المصرية التي لحقت الأب - بالتطبيق للمواد التي عينها - قد ثبتت له وقامت به فعلاً وقت ولادة الابن الذي تلقاها عنه بحق الدم، وهذا هو التعبير ذاته الذي استعمله الشارع في المادة السادسة من المرسوم بقانون سالف الذكر والذي عول فيه على وقت الولادة لا على مجرد قيامها، آخذاً في ذلك، من بين المذاهب المتعددة التي تعتد بوقت الحمل أو بالأصلح من وقتي الحمل والولادة أو بالفترة بين الحمل والولادة أو بوقت الولادة، بهذا المذهب الأخير بقطع النظر عن التغير الحاصل في جنسية الوالد قبل الولادة أو بعدها.


إجراءات الطعن

في يوم 20 من مارس سنة 1956 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بجلسة 24 من يناير سنة 1956 في الدعوى رقم 413 لسنة 6 القضائية المقامة من حبيب بولس غانم ضد (1) وزارة التجارة والصناعة (2) وزارة الداخلية (إدارة الجوازات والجنسية). (3) شركة قنال السويس (المنحلة)، القاضي: "برفض الدفع بعدم الاختصاص وباختصاص المحكمة بنظر الدعوى، وفي الموضوع برفضها، وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي أستند إليها في عريضة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار المطعون فيه، وبإلزام الحكومة المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الداخلية في 27 من يونيه سنة 1956 وإلى وزارة التجارة والصناعة في أول يوليه سنة 1956 وإلى شركة قنال السويس المنحلة في 3 من يوليه سنة 1956، وإلى المطعون لصالحه في 9 منه، وعين لنظر الطعن جلسة 13 من أكتوبر سنة 1956 أمام هذه المحكمة. وأبلغ ذوو الشأن في 11 و25 من سبتمبر سنة 1956 بميعاد هذه الجلسة، وقد أودع المطعون لصالحه سكرتيرية المحكمة في 24 من سبتمبر سنة 1956 مذكرة بأقواله انتهى فيها إلى طلب الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار محل الطعن، وإلزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". ولم تقدم جهة الإدارة مذكرة ما بملاحظاتها في الميعاد القانوني. وبالجلسة سمعت المحكمة إيضاحات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم مع الترخيص في تقديم مذكرات تكميلية.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد أستوفي أوضاعه الشكلية.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من أوراق الطعن، في أن المدعي أقام الدعوى رقم 413 لسنة 6 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتارية المحكمة في 10 من يناير سنة 1952 ضد كل من وزارة التجارة والصناعة ووزارة الداخلية (إدارة الجوازات والجنسية) وشركة قناة السويس المؤممة، طالباً فيها الحكم بإلغاء القرار الإداري الصادر من وزارة التجارة والصناعة (الإدارة العامة للشركات) المتضمن عدم اعتباره مولوداً لأب مصري تسري عليه أحكام المادة السادسة من اتفاقية 7 من مارس سنة 1949 المبرمة بين الحكومة المصرية وشركة قناة السويس، وإبطال كافة ما يترتب على هذا القرار من نتائج وإجراءات واعتباره كأن لم يكن، مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وحفظ كافة الحقوق الأخرى. وقال بياناً لدعواه إنه في شهر سبتمبر سنة 1947 جاز امتحاناً عقدته إدارة شركة قناة السويس المنحلة التي أخطرته بعد ذلك بخطاب التعيين المؤرخ 24 من يناير سنة 1949 رقم 488/ 5004 الذي ذكرت فيه أنه عين بخدمتها على أساس النظام المطبق مع خضوعه لكافة لوائح الشركة السارية في ذلك الوقت دون أن تطلب منه إثبات جنسية والده لمعاملته في ذلك التاريخ بالاتفاقية رقم 73 لسنة 1937. وقد قبل هذا التعيين في أول فبراير سنة 1949 بخطاب مسجل أرسله إلى إدارة الشركة، وتم تعيينه وإلحاقه بخدمة الشركة قبل 7 من مارس سنة 1949 تاريخ الاتفاقية الجديدة التي عقدتها الحكومة مع الشركة وقبل 25 من أغسطس سنة 1949 تاريخ نشر هذه الاتفاقية بالجريدة الرسمية، ومن ثم وجبت معاملته بأحكام اللوائح والقواعد المعمول بها في الشركة في ذلك التاريخ دون نظر إلى ما يجد من اتفاقات. وفي أول يوليه سنة 1950 قررت إدارة الشركة تثبته في وظيفته دون اعتراض من وزارة التجارة والصناعة أو من الإدارة العامة للشركات، إلا أنه تلقى في 28 من سبتمبر سنة 1951 خطاباً من الشركة رقم 3111 محرراً في 20 منه تخبره فيه بأن الإدارة العامة للشركات أبلغتها أنه أتضح لها أنه غير مولود لأب مصري الجنسية وبذلك لا يعتبر من المصريين الذين تسري عليهم أحكام المادة السادسة من اتفاقية 7 من مارس سنة 1949، فإذا كانت لديه وثائق وعناصر أخرى من شأنها أن تحمل الإدارة العامة للشركات على العدول عن قرارها فعليه أن يتقدم بها إلى الإدارة المذكورة وإلا فإن الشركة ستضطر إلى الاستغناء عن خدمته. واستطر المدعي قائلاً إن تعيينه تم في يناير سنة 1949 أي قبل عقد الاتفاقية المشار إليها، كما أن ترشيحه للوظيفة التي عين فيها سابق على ذلك بمدة طويلة، ولذا فإن له حقوقاً مكتسبة قبل الشركة في أن يستمر بخدمتها وأن يعامل بأحكام اتفاقية سنة 1937. وقد تقدم بتظلم بهذا المعنى إلى السيد وزير التجارة والصناعة في 11 من أكتوبر سنة 1951 سجل بإدارة الشركات تحت رقم 6684 ذكر فيه أنه مصري الجنسية وأنه مولود لأب مصري، بيد أن هذا التظلم لم يؤبه له الأمر الذي ألجأه إلى رفع دعواه مؤسساً إياها على الأسانيد الآتية:
- إن المادة السادسة من القانون رقم 130 لسنة 1949 بإبرام اتفاقية 7 من مارس سنة 1949 توجب أن يكون المرشح المصري مولوداًَ لأب مصري بالتطبيق للمواد من 1 إلى 5 والمادة 6 (فقرة 1 و2) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 أو النصوص المعادلة من أي تشريع بهذا الشأن. فتقدير الجنسية طبقاً لهذا النص ينظر فيه إلى شخصية المرشح لوظيفة بالشركة، أما المدعي فلم يكن مرشحاً لوظيفته وقت العمل بهذا القانون بل كان معيناً فيها بالفعل وخاضعاً لأحكام اتفاقية أخرى.
- إن المدعي مصري الجنسية ومولود لأب مصري طبقاً لحكم المادة السادسة آنفة الذكر التي لم تستثن أية فقرة من فقرات المادة الأولى من قانون الجنسية الصادر في سنة 1929، والثابت أن أباه مصري الجنسية طبقاً للفقرة الثالثة من المادة الأولى المشار إليها.
- إن والد المدعي مصري معترف بمصريته من الحكومة منذ سنة 1915 كما هو ثابت من ملف خدمته حيث التحق بوظائف الحكومة من تلك السنة.
- إنه ما كان للحكومة المصرية أن تعين والد المدعي موظفاً لديها في سنة 1915 إلا إذا كان مصري الجنسية؛ ذلك أن القانون المالي والأمر العالي الصادر في 24 من يونيه سنة 1901 كانا ينصان على عدم جواز قبول غير المصريين في وظائف الحكومة، كما حرصا على تعريف من هو المصري على هدى ما ورد في المادة الثانية من دكريتو 29 من يونيه سنة 1900.
- إن الحكومة المصرية أقرت لوالد المدعي بجنسيته المصرية عندما التحق بخدمتها في أغسطس سنة 1915 بعد أن ثبتت لها إقامته في القطر المصري مدة تزيد على خمسة عشر عاماً.
- إن جنسية والد المدعي المصرية ثبتت بشهادة رسمية من اثنين من كبار الموظفين في 10 من أغسطس سنة 1915، وقد قبلت الحكومة المصرية هذا الإثبات ووافقت على توظيفه على أساسه.
- إن والد المدعي عومل بقواعد القرعة العسكرية، وصدر قرار وزير الحربية بإعفائه من الخدمة العسكرية بسبب توظفه بمصلحة الأملاك الأميرية.
- إن وزارة الداخلية منحت والد المدعي في 6 من سبتمبر سنة 1916 جواز سفر مصري تحت رقم 208 وذلك بمناسبة سفره إلى فرنسا لتأدية الامتحان بكلية الحقوق بها.
- إن والد المدعي أدرج بجدول انتخاب المجالس النيابية منذ إعلان الدستور. وقد باشر حقه الدستوري في الانتخاب، وندب في مارس سنة 1942 رئيساً لإحدى لجان الانتخاب بمديرية أسوان وذلك طبقاً للقانون رقم 11 لسنة 1923 الذي تحيل المادة 93 منه إلى المادة 2 من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900.
- إن وزارة العدل اختارت والد المدعي لتمصير المحاكم المختلطة في سنة 1943 اعترافاً بوطنيته وغيرته على مصلحة بلده.
- إن والد المدعي كان معترفاً بمصريته قبل صدور قانون 26 من مايو سنة 1926 الذي أعتبر جميع الرعايا العثمانيين المقيمين عادة بالقطر المصري والمحافظين على الإقامة فيه داخلين في الجنسية المصرية منذ 5 من نوفمبر سنة 1914 بحكم القانون، كما أنه مصري الجنسية أيضاً طبقاً للفقرة 3 من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 التي يجرى حكمها بأثر رجعي يعود إلى 5 من نوفمبر سنة 1914.
- إن المدعي يكون تبعاً لذلك مصري الجنسية طبقاً للمادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 التي تنص على أن دخول الجنسية المصرية بمقتضى الأحكام السالفة يشمل الزوجة والأولاد القصر بحكم القانون. ولما كان مولوداً في سنة 1925 فإنه يكون قد ولد مصرياً لأب مصري. وقد اعترفت له الحكومة بذلك في شهادة إثبات الجنسية الصادرة له من وزارة الداخلية في 23 من إبريل سنة 1949. كما أنه عوامل بقانون القرعة العسكرية باعتباره مصرياً ودفع البدل النقدي وعوفي من الخدمة العسكرية.
وتأسيساً على ما تقدم فإن المدعي يعتبر مصرياً مولوداً لأب مصري قبل ولادته وتكون شروط المادة السادسة من القانون رقم 130 لسنة 1949 متوافرة فيه، على خلاف ما ذهبت إليه الإدارة العامة للشركات بوزارة التجارة والصناعة من تأويل مناف لأحكام الدستور المصري الذي ينص على المساواة بين المصريين جميعاً في الحقوق والواجبات.
وفي 6 من نوفمبر سنة 1952 قدم المدعي طلباً بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مؤقتاً حتى يفصل في موضوع الدعوى.
وقد دفعت الحكومة بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى مستندة في ذلك إلى أن وزارة التجارة والصناعة لم تصدر أمراً إدارياً نهائياً مما يجوز الطعن فيه وطلب وقف تنفيذه؛ إذ أن ما صدر في شأن المدعي لا يعدو أن يكون مجرد رأى أبداه مدير إدارة الشركات بوصفه عضواًَ في اللجنة المختصة بفحص حالات المرشحين لشغل وظائف شركة قناة السويس، يضاف إلى ذلك أن المدعي يهدف إلى طلب الحكم له بالجنسية المصرية الأمر الذي يخرج عن اختصاص المحكمة. وبجلسة 7 من ديسمبر سنة 1952 قضت المحكمة برفض الدفع بعدم الاختصاص وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه؛ وأسست قضاءها على أن القرار المطعون فيه هو قرار إداري مستوف كافة عناصره ومحدث أثراً قانونياً في جنسية والد المدعي وبالتالي في شأن التحاق هذا الأخير بإحدى وظائف شركة القناة بوصفة مصرياً مولوداً لأب مصري، وأنها مختصة بنظر كافة مسائل الجنسية متى أثيرت بصفة تبعية لنزاع مطروح عليها، وكذا بالفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية الصادرة في شأن مسائل الجنسية.
وقد ردت الحكومة في موضوع الدعوى بأن الاتفاق المبرم مع شركة القناة في سنة 1937 والذي أقره البرلمان بالقانون رقم 73 لسنة 1937 إنما استهدف به التمهيد لتمصير الشركة باستخدام العناصر المصرية الصميمة فيها، وقد التزمت بمقتضاه الشركة بتعيين شبان مصريي المولد في سلك مستخدميها بمصر تدريجياً. وهذا التمصير يتطلب أن يكون الموظف المعين مصرياً منذ ولادته أي أن يكون قد اكتسب مصريته بحكم الدم عن طريق الميلاد. على أن مما لا جدال فيه أن المدعي إنما يخضع لأحكام الاتفاقية المبرمة بين الحكومة والشركة في سنة 1949 التي وضعت نسباً كبيرة لتعيين المصريين الأصلاء ونصت على حساب التعيينات التي أجريت ابتداء من أول يناير سنة 1949 في النسب الخاصة بالمصريين وهو معين بعد هذا التاريخ. ولو صح في الجدل أنه يخضع لاتفاقية سنة 1937 فإن هذه الاتفاقية لم تكن تجيز تعيين المتمصرين في النسب المخصصة للمصريين الأصلاء؛ وآية ذلك المكاتبات المتبادلة بصدد هذه الاتفاقية بين الحكومة والشركة والتي تشير إلى تعيين شبان مصريي الولادة في سلك مستخدمي الشركة في مصر بصفة تدريجية بحيث تصل نسبتهم إلى حد معين. بيد أن الشركة خالفت نصوص هذه الاتفاقية، وقد أثبتت وزير التجارة والصناعة هذه المخالفة في أثناء المفاوضات التي سبقت إبرام اتفاقية سنة 1949 فرد عليه ممثل الشركة بأن الشركة ستعمل من الآن فصاعداً على توظيف مصريين أصليين؛ لأنه في سنة 1936 لم تكن العناصر المصرية الأصلية متوفرة، مما يدل على أن التطبيق كان يقع مخالفاً للقانون. على أن ما نصت عليه المادة السادسة من اتفاقية سنة 1949 من وجوب أن يكون المرشح مصري المولد ليس من حقيقته شرطاً مستحدثاً بل هو عين ما قضت به اتفاقية سنة 1937. أما المقصود بمصري المولد فيفسر بالرجوع إلى ما قبل صدور قانون الجنسية؛ ذلك أن مصر انفصلت عن تركيا في 5 من نوفمبر سنة 1914، ومنذ هذا التاريخ صارت للمصريين جنسية مستقلة عن الجنسية العثمانية هي الجنسية المصرية بعد أن كانوا يعتبرون من الوجهة القانونية عثمانيين، وإن كانت قد صدرت في مناسبات معينة بضعة تشريعات تناولت الكلام عن المصريين، منها الأمر العالي الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1893 بشأن الشروط اللازمة للتوظف في المحاكم الأهلية، والأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900 بشأن من يعتبرون من المصريين عند العمل بقانون الانتخاب الصادر في أول مايو سنة 1883 والخاص بمجلس شورى القوانين، وديكريتو 23 من يونيه سنة 1901 الخاص بلائحة المستخدمين الملكيين في مصالح الحكومة، وديكريتو 4 من نوفمبر سنة 1904 الخاص بالقرعة العسكرية. إلا أن هذه القوانين إنما كانت تحدد من هو المصري الجنسية للغرض المقصود منها؛ إذ لم تكن مصر وقتذاك دولة من الوجهة الدولية بل كانت الجنسية السارية عليها هي الجنسية العثمانية، ومن ثم كان يطلق على المصري اصطلاح "رعية محلية"، فلما صدر الدستور في سنة 1923 نص على أن الجنسية المصرية يحددها القانون. ثم صدر المرسوم بقانون الخاص بالجنسية في سنة 1926 ولم يعمل به، وأعقبه القانون رقم 19 لسنة 1929 بشأن الجنسية المصرية الذي عمل به اعتباراً من 10 من مارس سنة 1929. وقد تناولت مادته الأولى في فقراتها الثلاث بيان من يعتبر داخلاً في الجنسية المصرية بحكم القانون. وتنصرف الفقرة الثانية من هذه المادة طبقاً لدكريتو سنة 1900 إلى أهل البلاد الأصليين أياً كانت حالتهم سواء أكانوا منحدرين من أصل مصري أم كانوا بلا جنسية ما داموا متوطنين في مصر قبل يناير سنة 1848 ومحافظين على إقامتهم فيها، وكذا إلى رعايا الدولة العلية المولودين والمقيمين في القطر المصري من أبوين مقيمين فيه متى حافظ هؤلاء الرعايا على إقامتهم فيه، وإلى رعايا الدولة العلية المولودين والمقيمين في القطر المصري الذين يقبلون المعاملة بقانون القرعة العسكرية سواء بأدائهم الخدمة العسكرية أو بدفع البدل، وأخيراً إلى من يولدون في القطر المصري من أبوين مجهولين. أما الفقرة الثالثة من المادة المذكورة فقد خالف المشرع فيها القواعد العامة للجنسية التي لا تسمح بجعل الإقامة وحدها طريقاً لكسب جنسية الدولة بحكم القانون، وإنما وضع هذه الفقرة ليحكم حالات موجودة بإدخالها في عموم المصريين بالقانون. فالجنسية المصرية الأصلية هي التي أشارت إليها الفقرة الثانية سالفة الذكر، أما عدا ما ورد في هذه الفقرة فجنسية مكتسبة. ولما كانت الطوائف العثمانية المنصوص عليها في الفقرة الثالثة قد اكتسبت الجنسية المصرية بمقتضى هذه الفقرة وقد كان وقد كان لها من قبل صفة مستقلة تماماً عن صفة المصريين فإنه لا يمكن إرجاع جنسيتها المصرية إلى ما قبل 10 من مارس سنة 1929؛ يؤيد هذا أن المشرع حذف من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 عبارة يعتبر قد دخل الجنسية المصرية منذ 5 نوفمبر سنة 1914 التي سبق أن وردت بمرسوم سنة 1926 ومد شرط الإقامة إلى 10 من مارس سنة 1929. ويستنتج من تعمد حذف العبارة المتقدمة أن المشرع قصد أن تكون الإقامة لغاية 10 من مارس سنة 1929 شرطاً لكسب الجنسية وأن يكون هذا النص منشئاً للجنسية المصرية لا مقرراً لها. أما مرسوم سنة 1926 فقد ولد ميتاً، وقد نصت المادة 25 من مرسوم سنة 1929 على إلغائه باعتباره كأن لم يكن، هذا إلى أنه لا يمكن التمسك بفكرة الحق المكتسب في الجنسية التي تقوم على رابطة بين الفرد والدولة تستقل هذه الأخيرة بحرية تقديرها على الوجه الملائم. ومن ثم فلا وجه للاستناد إلى حكم ورد في مرسوم سنة 1926 وانعدم أثره بمقتضى مرسوم سنة 1929 الذي أصبح هو القانون الوحيد المنظم للجنسية المصرية. ولما كان المدعي مولوداً في 25 من أغسطس سنة 1925 أي قبل 10 من مارس سنة 1929 وقبل اتصاف والده بالجنسية المصرية، فإنه لا يكون مولوداً لأب مصري، ولا تتوافر فيه بالتالي الشروط المنصوص عليها في المادة السادسة من الاتفاق المبرم بين الحكومة المصرية وشركة قناة السويس في سنة 1949. وخلصت الحكومة من هذا إلى طلب الحكم برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات وبمقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 24 من يناير سنة 1956 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) في هذه الدعوى "برفض الدفع بعدم الاختصاص، وباختصاص المحكمة بنظر الدعوى، وفي الموضوع برفضها، وألزمت المدعي بالمصروفات"؛ وأقامت قضاءها على أن الحكومة قد حرصت في اتفاقية سنة 1949 على تحديد المقصود من مصري المولد السابق ورودها في اتفاقية سنة 1937 بأنه هو المصري المولود لأب مصري يكون قد أكتسب الجنسية المصرية وقت ولادة الابن بالتطبيق للمواد من الأولى إلى الخامسة والمادة السادسة في فقرتها الأولى والثانية من القانون رقم 19 لسنة 1929. وهذا لا يعدو أن يكون ترديداً لشرط "مصري المولد" الوارد في اتفاقية سنة 1937، والقصد منه إنما هو تمصير الشركة بإفساح مجال التوظف فيها أمام المصريين الأصلاء لا المتمصرين، أي أمام من تحققت لهم الجنسية المصرية بالدم وقت الولادة. وعلى الرغم من اتحاد هذا القصد في الاتفاقيتين فإن اتفاقية سنة 1949 هي التي تحكم حالة المدعي الذي يشغل إحدى الوظائف المخصصة للمصريين؛ وذلك لانسحاب أثرها على تعيينات المصريين التي تمت منذ أول يناير سنة 1949 في حين أنه معين بعد هذا التاريخ. أما ما يذهب إليه المدعي من أن الجنسية المصرية ثانية لوالده منذ دخوله خدمة الحكومة في سنة 1915 بناء على القوانين التي استند إليها فمردود بأن تلك القوانين إنما كانت قوانين أهلية تقرر حقوقاً أو تكاليف خاصة بالعثمانيين أو بالرعايا المحليين الذين تتوافر فيهم شروط معينة دون أن يكون لها تأثير في ثبوت الجنسية المصرية مهما بلغت مدة الاستيطان؛ لأنه في ذلك العهد لم تكن الرعوية المحلية جنسية تلحق الأشخاص في الخارج بل كانت وصفاً يستعمل في الداخل لتحديد علاقة أهل البلاد بالسلطات الحكومية. ولما كان والد المدعي لا يدخل في إحدى الحالات التي نصت عليها المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900، وهي التي أحالت إليها الفقرة الثانية من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929، فإنه لا يفيد من الرعوية المصرية منذ سنة 1915؛ إذ الثابت أنه مولود في إحدى قرى لبنان فهو ليس من المولودين في القطر المصري، وبذلك يعوزه الشرط الأساسي في حكم هذه الفقرة بصرف النظر عن إقامته. ولا يجدي في ثبوت الجنسية المصرية له تسليمه جواز سفر مصري في سنة 1915 أو استناده إلى المادة 22 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 الخاصة باعتبار كل من يسكن الأراضي المصرية مصرياً ومعاملته بهذه الصفة إلى أن تثبت جنسيته على الوجه الصحيح؛ لقيام الجنسية فيها على قرينة افتراضية تسقط بثبوت العكس. أما قانون سنة 1926 فلم يوضع موضع التنفيذ من وقت صدوره إلى أن ألغي بقانون سنة 1929؛ ومن ثم فلا يسوغ التمسك بأحكامه أو ترتيب أثر قانوني عليها ولاسيما ما تعارض منها مع نصوص هذا القانون الأخير الذي هو الوحيد المنظم للجنسية المصرية الواجب التطبيق دون غيره والذي لا يتضمن في الفقرة الثالثة من مادته الأولى أي أثر رجعي للجنسية المكتسبة التي نصت عليها هذه الفقرة بخلاف الجنسية الأصلية التي نصت عليها الفقرة الثانية من هذه المادة والتي يتمتع بها الشخص منذ ولادته سواء كان أساسها جنسية الوالدين المصرية أو محل الميلاد الذي أحاطت به ظروف أخرى تكفل القانون ببيانها باعتبار أنه كان مصرياً دائماً وأن حكم القانون بالنسبة إليه إنما هو كاشف لهذه الجنسية المصرية الصميمة. أما الأشخاص المذكورون في الفقرة الثالثة سالفة الذكر، فإن اعتبارهم مصريين راجع إلى إقامتهم وحدها، وقد تحفظ المشرع في منحهم الجنسية المصرية فلم يحدد لدخولهم فيها تاريخاً كما فعل في قانون سنة 1926 الذي ألغاه، الأمر الذي يقطع في الدلالة على أنه أنشأ لهم حقاً مستحدثاً من وقت صدوره بشرط توفر الإقامة حتى 10 من مارس سنة 1929 دون أي أثر رجعي بالتطبيق لحكم المادة 18 منه. ولما كان المدعي قد ولد في سنة 1925 فإنه يكون غير مولود لأب مصري، ولا تتوافر فيه شروط المادة السادسة من الاتفاقية الصادر بها القانون رقم 130 لسنة 1949، ولا يسوغ تعيينه في الوظائف المخصصة للمصريين في حكم هذه المادة؛ وبهذا يكون القرار المطعون فيه قد صدر على أساس سليم من القانون. وانتهى من هذا إلى أن الدعوى حقيقية بالرفض.
وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 20 من مارس سنة 1956 طلب فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار المطعون فيه، وإلزام الحكومة المصروفات"؛ واستند في أسباب طعنه إلى أن الحكم المطعون فيه لم يصب فيما انتهى إليه من اعتبار المرسوم بقانون الصادر في سنة 1926 قد ألغي بجميع آثاره، واعتبار أحكام المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 منشئة للجنسية المصرية بالنسبة للأشخاص المنصوص عليهم في الفقرة الثالثة من المادة الأولى من هذا المرسوم؛ ذلك أن المرسوم بقانون الصادر في 26 من مايو سنة 1926 في فترة تعطيل البرلمان قد صدر القانون رقم 2 لسنة 1926 باعتماد صحته، ومن ثم فإنه يعتبر من الناحية الدستورية قائماً وصحيحاً ونافذاً. وإذا كان المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 قد ألغاه فإن ذلك لا يحول دون اعتباره من قوانين الدولة في الفترة التي مضت بين صدوره وإلغائه. كما أن الإلغاء في هذه الحالة لا يكون إلا من تاريخ العمل بالقانون الذي قضى بالإلغاء. هذا إلى أن عدم تنفيذ المرسوم بقانون الصادر في سنة 1926 من الناحية العملية ليس حجة من الناحية القانونية للقول بأن أحكامه التي تتعارض مع المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 تعتبر كأن لم تكن أصلاً. ولما كانت المادة الثانية من المرسوم بقانون الصادر في سنة 1926 ترجع جنسية من نصت عليهم إلى 5 من نوفمبر سنة 1914 فإن والد المدعي يعتبر مصرياً وقت ولادة المدعي بالتطبيق لحكم هذه المادة. على أن المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 لم تتضمن أية تفرقة بين أفراد الطوائف الثلاث الذين شملهم حكمها في اعتبارهم داخلين في الجنسية المصرية بحكم القانون؛ فأفراد الطائفة الثالثة شأنهم هو شأن أفراد الطائفتين الأولى والثانية في هذا الصدد؛ إذ أدرج المشروع الطوائف الثلاث في مادة واحدة وعاملهم معاملة قانونية واحدة بإضفاء الجنسية المصرية عليهم جميعاً بحكم القانون، ومن خصائص الجنسية الأصلية أنها تفرض بقوة القانون وترجع إلى الماضي. ولما كان أفراد الطائفة الثالثة التي ينتمي إليها والد المدعي هم من ذوي الجنسية الأصلية فإن المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 يعد كاشفاً لهذه الجنسية في الفقرة الثالثة من مادته الأولى لا منشئاً لها، ويكون والد المدعي مصري الجنسية وقت ولادة المدعي بالتطبيق لحكم هذه الفقرة. ومن ثم فقد تحقق على الحالين في هذا الأخير الشرط الذي فرضته المادة السادسة من اتفاقية سنة 1949 التي أقرها القانون رقم 130 لسنة 1949 فيمن يعين في الوظائف المخصصة للمصريين في شركة قناة السويس. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون، وتكون قد قامت به الحالة الأولى من أحوال الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا المنصوص عليها في المادة 15 من قانون مجلس الدولة.
وقد أودع المطعون لصالحه سكرتيرية المحكمة في 24 من سبتمبر سنة 1956 مذكرة بملاحظاته طلب فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار محل الطعن، وإلزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة"، وقد أورد في هذه المذكرة دفاعه السابق وأضاف إليه أنه لا ضير في أن تكون القوانين التي عومل بها والده قبل صدور قانون سنة 1926 قوانين أهلية؛ إذ أن الأمر يتعلق بتحديد علاقته نهائياً مع السلطات الحكومية منذ سنة 1915 أي بعد انفصال الجنسية المصرية عن الجنسية العثمانية وتمتع مصر بشخصية سياسية واجتماعية أبرزت للوطن المصري وضعاً مستقلاً وأوجدت للمصري صفة خاصة. ومن مظاهر هذا الاستقلال أن الحكومة المصرية أخذت تصدر جوازات سفر مصرية لرعاياها كالذي حصل عليه والد المطعون لصالحه في سنة 1915. أما قانون سنة 1926 فقد صدر بصورة دستورية سليمة. ومن المبادئ المقررة أن القوانين تصبح نافذة ومعمولاً بها من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية وتظل كذلك إلى أن تلغى بقانون لاحق. وقد استمد قانون سنة 1929 أكثر أحكامه من نصوص قانون سنة 1926 كما أشار إليه في ديباجته، بل وقضى بإلغائه بنص صريح. بيد أنه لم يرد في نص الإلغاء ما يفيد انسحابه على الماضي واعتبار القانون الملغي كأن لم يكن. هذا إلى أن قانون سنة 1929 قد اعتمد في أحد نصوصه حكماً ترتب على نفاذ قانون سنة 1926 فيما يتعلق بحق الاختيار. وقد قضت المحاكم فعلاً بتطبيق قانون سنة 1926 على المسائل التي تقع تحت حكمه، كما طبقته الإدارة في بعض الحالات. وقد لحقت والد المطعون لصالحه الجنسية المفروضة بمقتضى هذا القانون بصفة حتمية بمجرد صدوره فأفاد فعلاً من أحكامه بحكم مركزه القانوني وحالته الخاصة الظاهرة وأرجعت جنسيته المصرية المقر له بها إلى 5 من نوفمبر سنة 1914. وبعد أن استعرض المطعون لصالحه آراء بعض فقهاء القانون الدولي الخاص ذكر أنه يتمسك بأن قانون سنة 1929 الذي لم يحدد تاريخاً لبدء دخول من عنتهم الفقرة الثالثة من مادته الأولى في الجنسية المصرية لا يحول دون ثبوت حقوق والده المكتسبة في هذه الجنسية منذ سنة 1915، وأن إسقاط عبارة "منذ 5 من نوفمبر سنة 1915" الواردة في قانون سنة 1926 لم يكن الغرض منه حرمان من قصدتهم الفقرة الثالثة سالفة الذكر من جنسية اكتسبوها فعلاً أو الحيلولة دون إرجاع هذه الجنسية إلى تاريخ اكتسابها القانوني أو الفعلي. وإذا كان والده قد أكتسب جنسيته بحق الإقليم فإن المشرع المصري قد أخذ في قانون سنة 1929 بكل من الولادة والإقليم كأساس لاكتساب الجنسية الأصلية. وهذه الجنسية التي أكتسبها والده لا تستند إلى مجرد قرائن قوامها الافتراض، بل إلى مركز قانوني ثابت من دلائل شتى تؤيده حالة ظاهرة مقرونة باعترافات متكررة من جانب الحكومة المصرية على طول السنين. وقد قدم مذكرة تكميلية بعد ذلك أضاف فيها أن الجنسية التي قررها قانون سنة 1929 في الفقرة الثالثة من مادته الأولى هي جنسية أصيلة لا منشأة، شأنها شأن جنسية باقي الطوائف التي ذكرتها الفقرتان الأولى والثانية من هذه المادة، وأن من خصائص هذه الجنسية أنها ترجع إلى الماضي، أي إلى تاريخ انفصال الجنسية المصرية الصميمة عن الجنسية العثمانية في 5 من نوفمبر سنة 1914. وفي 30 من أكتوبر سنة 1956 قدمت هيئة إدارة قناة السويس مذكرة بملاحظاتها وتتحصل في أن ما يستند إليه المدعي من ظروف خاصة بوالده للتدليل بها علة ثبوت الجنسية المصرية لهذا الأخير قبل سنة 1929 لا يعدو أن يكون أوامر وقوانين لم يقصد بها إسباغ صفة الجنسية على من تتوافر فيهم شروطها، بل مجرد إثبات توافر شروط معينة لاستعمال حق أو الالتزام بتكليف من التكاليف العامة، وأن والد المدعي لا يعتبر رعية محلية طبقاً للأمر العالي الصادر في سنة 1900 بشأن حق الانتخاب؛ لعدم توافر شروطه فيه، وأن الحالة القانونية التي تحكمها كل من المادة الثانية من مرسوم سنة 1926 والفقرة الثالثة من المادة الأولى من مرسوم سنة 1929 واحدة ويندرج تحتها ذات الأشخاص دون تغيير، بعد حذف النص على الرجعية إلى سنة 1914 وإضافة شرط جديد هو استمرار الإقامة حتى 10 من مارس سنة 1929. على أن مرسوم سنة 1926 إنما ولد ميتاً فلم ينفذ قط، بل أعتبر ملغي من تاريخ صدوره. على أن الجنسية باعتبارها متعلقة بالنظام العام من ناحية، وبوصفها عنصراً من عناصر الحالة الشخصية من ناحية أخرى يمكن تعديل شروطها بالقانون دون أن يحتج على ذلك بالحقوق المكتسبة أو المراكز الذاتية. وقد جاء نص الفقرة الثالثة من المادة الأولى من مرسوم سنة 1929 منشئاً للجنسية المصرية من تاريخ استكمال شرط الإقامة الذي تطلبه في 10 من مارس سنة 1929. ومن ثم يكون المدعي وقد ولد في سنة 1925 مولوداً لأب غير مصري. وخلصت الهيئة من هذا إلى طلب الحكم برفض الطعن، وبإلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن النزاع ينحصر فيما إذا كان المطعون لصالحه يعد مصري المولد بحسب الاتفاقية المبرمة في سنة 1937 بين الحكومة المصرية وشركة قناة السويس (المؤممة)، أو يعتبر مولوداً لأب يعد مصرياً بالتطبيق للمواد من 1 إلى 5 والمادة 6 (فقرة 1 و2) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 بحسب الاتفاق المعقود بين الحكومة والشركة في سنة 1949، وبالتالي ما إذا كان يجوز تبعاً للوصف الذي سيلحق به أن يشغل إحدى وظائف الشركة المقرر تخصيصها للمصريين أم لا.
ومن حيث إنه يبين من الوثائق والأوراق أنه في 31 من يوليه سنة 1937 صدر القانون رقم 73 بالموافقة على الاتفاقية المبرمة مع شركة قنال السويس البحرية وهي المفصلة في المكاتبات المتبادلة بين الحكومة المصرية والشركة. وقد جاء في كتاب الشركة المؤرخ 27/ 30 من إبريل سنة 1936 أن مجلس إدارتها "قد قرر أن يفسح مجالاً كبيراً في سلك موظفي الشركة للشبيبة المصرية. وبناء على ذلك ستعمل منذ الآن الترتيبات اللازمة لتعيين شبان مصريي الولادة في سلك مستخدمي الشركة في مصر بصفة تدريجية بحيث تصل نسبتهم في سنة 1958 إلى 25 % من مجموع هؤلاء المستخدمين...". وتأيد هذا في رد رئيس مجلس الوزراء المؤرخ 4 من مايو سنة 1936 الذي ورد فيه. "أتشرف بإبلاغكم أني تسلمت خطابكم المؤرخ 27/ 30 إبريل سنة 1936 وبه تفضلتم بإخطاري أن مجلس إدارة شركة قناة السويس البحرية رغبة منه في توثيق الروابط التي تربطه بمصر قد قبل بناء على الرغبة التي أبدتها الحكومة المصرية أن يعين تدريجياً في سلك مستخدميها في مصر شباناً مصريي المولد بحيث تصل نسبتهم في سنة 1958 إلى 25% من مجموع مستخدمي الشركة..."، بيد أن الشركة لم تقم بتنفيذ ما قضت به نصوص هذه الاتفاقية فيما يتعلق بتعيين الشبان مصريي المولد في نسبة وظائفها التي تقرر تخصيصها للمصريين؛ إذ شغلت هذه الوظائف بمتمصرين. وقد سجل وزير التجارة والصناعة هذه المخالفة في بيانه بجلسة 28 من يناير سنة 1949 بمدينة الإسماعيلية أثناء المفاوضات التي جرت بين الحكومة والشركة قبل إبرام اتفاق سنة 1949؛ إذ جاء على لسانه: "أن عدد الموظفين المصريي المولد الذين يعملون بالشركة لا يبلغ أكثر من 70 موظفاً، ويجب على الشركة أن تقوم بتعيين موظفين مصريي المولد". وقد تضمن رد ممثل الشركة على ذلك: "أنه من الآن فصاعداً ستعمل الشركة على توظيف مصريين أصليين طبقاً لما ذكره الوزير؛ لأنه في سنة 1936 لم تكن العناصر المصرية الأصلية متوفرة"، كما أشار تقرير لجنتي المالية والتجارة والصناعة بمجلس الشيوخ الخاص باتفاق سنة 1949 عند عرض مشروع القانون رقم 130 لسنة 1949 إلى عدد موظفي الشركة الفنيين والإداريين والبحرين، وإلى أن: "من يعدون مصريين بينهم في الواقع متمصرون..." وأنه إنما: "قصد فيما يتعلق بالموظفين أن يكون التمصير حقيقياً ومجدياً لا صورياً عديم القيمة في المستقبل، ففتح أمام المصريين باب وظائف الشركة كلها صغيرها وكبيرها وفي كل قسم من أقسامها...". وفي 15 من أغسطس سنة 1949 صدر القانون رقم 130 بالموافقة على الاتفاق المبرم مع شركة قنال السويس البحرية، ونص في مادته السادسة على أنه: "يجب أن يكون المرشح المصري مولوداً لأب يعد مصرياً بالتطبيق للمواد من 1 إلى 5 والمادة 6 (فقرة 1 و2) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 أو النصوص المعادلة من أي تشريع جديد في هذا الشأن". كما نص في الفقرة "د" من مادته الثانية الخاصة "بالموظفين والمستخدمين" على أنه "علاوة على ذلك، ومع احتساب تعيينات المصريين التي أجريت ابتداء من أول يناير سنة 1949، تؤكد الشركة نيتها في أن ترفع إلى 16 مجموع تعيينات المصريين عن سنة 1949 في كل من الدرجتين الرابعة والخامسة".
ومن حيث إنه يتضح من استظهار النصوص المتقدمة في ضوء البواعث الدافعة إليها والأغراض التي تستهدفها أن الشارع كان حريصاً من بادئ الأمر على تمصير شركة قناة السويس تمهيداً لأيلولتها إلى الحكومة بعد إذ شارف عقد التزامها الانتهاء، وأن الاتفاق تم في سنة 1937 على شغل بعض مراكز الشركة تدريجياً بعناصر مصرية المولد أي التي ثبتت لها الجنسية المصرية بطريق الدم بولادتها لأب يتمتع بهذه الجنسية عند الولادة، فلما عمدت الشركة إلى اختيار عناصر متمصرة رأت الحكومة سداً لذرائع التأويل أن تحدد مدلول عبارة "مصري المولد" بما نصت عليه في المادة السادسة من القانون رقم 130 لسنة 1949 من أنه هو المولود لأب يعد مصرياً بالتطبيق للمواد من 1 إلى 5 والمادة 6 (فقرات 1 و2) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929. وإذ كان القصد من هذا النص هو تمصير الشركة بإفساح مجال التوظف فيها للمصريين الصميمين الأصلاء لا المتمصرين، وإشراك هؤلاء المصريين بنسب معينة متصاعدة في إدارة المرفق الذي تقوم عليه إلى أن يؤول برمته إلى الأيدي المصرية، فإن ما ورد في المادة السادسة من اتفاق سنة 1949 لا يخرج في جوهره عن معنى ما تضمنته اتفاقية سنة 1937 في هذا الشأن، ولا يعدو أن يكون ترديداً له على نحو من الدقة والتحديد اقتضاهما موقف الشركة منعاً من أي خلاف في التأويل؛ وذلك لاتحاد الحكمة من هذا الشرط في كل من الاتفاقيتين. وفضلاً عن ذلك فلما كان الثابت أن المطعون لصالحه قد عين في الشركة باعتباره مصرياً في إحدى الوظائف الداخلة في النسبة المخصصة للمصريين، وأن هذا التعيين قد تم في تاريخ لاحق لأول يناير سنة 1949 وهو التاريخ الذي اعتدت به الفقرة "د" من المادة الثانية من القانون رقم 130 لسنة 1949 في حساب تعيينات المصريين، فإن ترشيحه للتعيين قبل هذا التاريخ، وهو إجراء تمهيدي لا يقوم مقام التعيين، لا يغير من واقع الأمر وهو أن الواقعة القانونية المنشئة لمركزه القانوني في الشركة إنما تحققت بعد التاريخ المعتبر قانوناً في حساب تعيينات المصريين وفي النسبة المقررة لهذه التعيينات، ومن ثم كان خاضعاً لما اشترطه القانون المذكور لذلك، ووجبت معاملته وفق أحكامه.
ومن حيث إنه لما كان توافر الشرط المتطلب في المطعون لصالحه بمقتضى المادة السادسة من القانون رقم 130 لسنة 1949 لتعيينه في النسبة المخصصة للمصريين في الشركة يتوقف على تحديد التاريخ الذي يعتبر أن والده قد اكتسب فيه الجنسية المصرية.
ومن حيث إن الجنسية بوصفها رابطة سياسية وقانونية بين فرد ودولة لم تعرف في مصر بمعناها هذا إلا منذ 19 من يناير سنة 1869 تاريخ صدور قانون الجنسية العثمانية وقت أن كانت مصر تابعة للدولة العثمانية وكان المصريون يعتبرون عثمانيين من الوجهة الدولية. ثم كان أن انفصلت مصر عن تركيا بدخولها الحرب ضد هذه الأخيرة في 5 من نوفمبر سنة 1914. وفي 18 من ديسمبر سنة 1914 أعلنت بريطانيا الحماية على مصر. فلما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها عقدت في 10 من أغسطس سنة 1920 بين تركيا والحلفاء معاهدة سيفر التي اعتبرت تاريخ انفصال مصر عن تركيا هو تاريخ إعلان الحماية البريطانية، ثم أعلن بعد ذلك أن مصر أصبحت دولة حرة مستقلة ذات سيادة بتصريح 28 من فبراير سنة 1922، واعترفت الدول بما فيها تركيا بهذا الاستقلال بمعاهدة لوزان المبرمة في 24 من يوليه سنة 1923 التي أرجعت تاريخ انفصال مصر عن تركيا إلى 5 من نوفمبر سنة 1914 بدلاً من تاريخ إعلان الحماية. وقد كان مقتضى هذا أن يصدر قانون بتنظيم الجنسية المصرية عند انفصال مصر عن الإمبراطورية العثمانية، بيد أن هذا القانون لم يصدر، حتى لقد ذهب البعض إلى القول باستمرار سريان أحكام قانون الجنسية العثماني باعتباره قانوناً مصرياً، وأخذت بذلك المحاكم المختلطة. فلما صدر الدستور المصري في 19 من أبريل سنة 1923 نص في مادته الثانية على أن الجنسية المصرية يحددها القانون. ولما كان هذا القانون لم يصدر وقتذاك فقد درج أولو الأمر على وضع ضوابط لتمييز المصريين عن غيرهم في التمتع بالحقوق وتحمل التكاليف، غير أنهم لم يلجأوا إلى تقرير ضابط عام تستخلص منه جنسية خاصة بالمصريين، بل حددوا من هو المصري في كل مناسبة اقتضت ذلك بتشريع وذلك بالقدر اللازم لتحقيق أغراض هذا التشريع في المناسبة التي صدر من أجلها. ومن ثم اختلف معنى لفظ "مصري" بحسب مقام استعماله، وكانت نتيجة هذا أن أطلق على المصري في ذلك العهد اصطلاح "رعية محلية" ولم تكن هذه الرعوية المحلية جنسية تلحق الأشخاص في الخارج؛ إذ لم يكن يعتد بها من الوجهة الدولية، بل كانت وصفاً يستعمل لترتيب حقوق والتزامات بين المحكومين والحكام داخل البلاد كشغل الوظائف العامة والانتخاب والقرعة العسكرية. ففيما يتعلق بحق التوظف تحدد معنى المصري بالمادة 19 من الأمر العالي الصادر في 4 من ديسمبر سنة 1892 والمادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1893 بشأن الشروط اللازمة للتوظف في المحاكم الأهلية والمادة العاشرة من دكريتو 24 من يونيه سنة 1901 بالتصديق على لائحة المستخدمين الملكيين في مصالح الحكومة. وفيما يختص بحق الانتخاب للهيئات النيابية تحدد معنى المصري الذي له هذا الحق طبقاً لقانون الانتخاب الصادر في أول مايو سنة 1883 والقانون رقم 30 لسنة 1913 والقانون رقم 11 لسنة 1923 المعدل بالقانون رقم 4 لسنة 1924 بالرجوع في هذا التحديد إلى الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900. وفيما يتعلق بأداء الخدمة العسكرية نص قانون القرعة العسكرية الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1902 المعدل بالقانون رقم 3 لسنة 1922 على أنها تفرض على الأشخاص الذين عينهم. يضاف إلى ذلك ما جاء من نصوص أخرى بالقوانين العامة التي تناولت بيان اختصاص المحاكم الأهلية والمختلطة بالنسبة إلى الأشخاص القاطنين في مصر. ويبين من مقارنة هذه التشريعات جميعاً عدم وحدة نظام الرعوية، وأن لفظ "مصري" الوارد بكل منها لا ينصرف مدلوله إلى الأشخاص ذواتهم في جميع الأحوال، فمن يعتبر مصرياً في نظر قانون القرعة العسكرية قد لا يعتبر كذلك في نظر قوانين الانتخاب أو قوانين التوظف. وهكذا كان هذا اللفظ غير مستقر المعنى؛ إذ كان مدلوله يضيق تارة حتى لا يشمل غير أهالي البلد الأصليين، ويتسع تارة أخرى حتى يصبح مرادفاً للفظ "عثماني". ولما كانت التشريعات المذكورة إنما وضعت لبيان من هم المصريون تبعاً للأغراض الخاصة التي استلزمت وضعها فإنه لم يكن لها أن تتعرض للمسائل المتصلة بكيفية اكتساب الجنسية وفقدها أو تغييرها وتأثير ذلك في حقوق الأفراد وأحوالهم، كما لم يكن ليترتب عليها لأحد مركز قانوني في هذه الجنسية؛ وبذلك لم توجد ثمة قوانين خاصة بتنظيم الجنسية المصرية، حتى أن المشرع نص في المادة 93 من قانون الانتخاب رقم 11 لسنة 1923 المعدل بالقانون رقم 4 لسنة 1924 على أنه "للعمل بهذا القانون وإلى أن يصدر قانون بشأن الجنسية المصرية يعتبر مصرياً كل من ورد ذكره في المادتين الأولى والثانية من الأمر العالي الصادر في 29 يونيه سنة 1900 بشأن من يعتبرون من المصريين عند العمل بقانون الانتخاب الصادر سنة 1883". وقد ردد المشرع هذا النص في المرسوم الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1925 بقانون الانتخاب.
ومن حيث إنه لما كانت الجنسية المصرية قد ظلت غير محددة المعالم من الوجهة الدولية إلى أن أصدر التشريع الذي ينظمها، ولما كانت القوانين المختلفة السابقة على ذلك والتي استهدفت بيان صفة الرعوية المحلية لم تعالج الجنسية المصرية مباشرة بتنظيم أسسها، بل اكتفت ببيان الشروط التي استلزمها تطبيقها لتحقيق الغاية المقصودة منها، وهي شروط كانت تختلف باختلاف الغرض من هذه القوانين، فلا حجة إذا في الاستناد إلى القوانين المذكورة ولا إلى تطبيقها في حق شخص معين للقول بثبوت الجنسية المصرية له نتيجة لذلك. ومن ثم فإن إلحاق والد المطعون لصالحه بإحدى وظائف الحكومة المصرية بناء على شهادة عرفية بأنه من رعايا الحكومة المحلية لإقامته في القطر المصري موقعه في 10 من أغسطس سنة 1915 من اثنين من موظفي مصلحة تنظيم مصر لا ولاية لهما في تحقيق الجنسية أو إثباتها، ولا تسليمه جواز سفر من السلطة المصرية في 6 من سبتمبر سنة 1916 باعتباره مولوداً في لبنان ومقيماً بمصر ومستخدماً بالحكومة المصرية، ولا صدور كتاب من نظارة الحربية في 25 من نوفمبر سنة 1915 بأنه لم يعامل حتى ذلك التاريخ بالقرعة وأنه لا مانع من استخدامه، وآخر في 18/ 21 من مارس سنة 1916 بإعفائه من الخدمة العسكرية لكونه عين كاتباً تحت الاختبار بمصلحة الأملاك الأميرية، كل أولئك لا يصلح بذاته سنداً قانونياً لإضفاء الجنسية المصرية في ذلك الحين على من تهيأت له مثل هذه الظروف، كما لا يعد اعترافاً مقيداً للحكومة في شأن هذه الجنسية.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بإدراج اسم والد المطعون لصالحه بجدول انتخاب المجالس النيابية وتسليمه شهادة في 23 من فبراير سنة 1942 بقيده في هذا الجدول تحت رقم 47 حرف "ب" بتاريخ ديسمبر سنة 1931 كما يتضح من حافظة مستنداته، وكذا ندبه في شهر مارس سنة 1942 للاشتراك في لجان الانتخاب كما يقرر فإن أول ما يسترعى النظر هو أن هذا القيد والاشتراك إنما تما في تاريخ لاحق الصدور المرسوم بقانون الخاص بالجنسية المصرية رقم 19 لسنة 1929 وهو القانون الذي أدخله في الجنسية المصرية بحكم الفقرة الثالثة من مادته الأولى، أي بعد الاعتراف له بالجنسية المصرية نتيجة لهذا القانون وكأثر من آثاره كما تؤيد ذلك شهادة الجنسية الصادرة له بهذا المعنى من وزارة الداخلية في 27 من فبراير سنة 1941. ومن ثم تنهار حجته في الاستناد إلى هذه القرينة للتدليل على قيام حالة ظاهرة تشهد بمصريته؛ إذ أن هذه الحالة لا تسعفه إلا إذا توافرت عناصرها في تاريخ سابق على صدور القانون الذي منحه الجنسية المصرية وهي ليست كذلك، أما بعد صدوره فلا حاجة به إليها وقد أصبح مصرياً بحكم هذا القانون. على أن إثبات الجنسية استناداً إلى الحالة الظاهرة ليست له حجية قطعية؛ إذ يجوز دائماً إقامة الدليل على عكس ما تشهد به تلك الحالة. كما أن بطاقة الانتخاب في ذاتها ليست معدة لإثبات الجنسية المصرية وكذلك استعمال الحق الدستوري المخول بمقتضاها ليس دليلاً قاطعاً في ثبوت الجنسية المذكورة لحاملها.
ومن حيث إنه ثابت من شهادة جنسية والد المطعون لصالحه أنه اعتبر داخلاً في الجنسية المصرية بحكم القانون طبقاً لنص الفقرة الثالثة من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 وذلك استناداً إلى حق الإقليم بسبب إقامته عادة في القطر المصري في 5 من نوفمبر سنة 1914 ولمحافظته على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر هذا المرسوم بقانون. كما أنه يبين من الأوراق أن المذكور مولود ببلدة بيكاسين التابعة لمنصرفة جبل لبنان في 16 من نوفمبر 1892؛ ومن ثم فإن تطبيق الفقرة الثالثة سالفة الذكر في حقه يكون هو التطبيق القانوني الصحيح. أما الفقرة الثانية فلا تصدق على حالته لكونها تتناول من يعتبر في تاريخ نشر المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 مصرياً بحسب حكم المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900، وتجعل الرعوية المصرية في حكم هذا الأمر العالي جنسية مصرية بالإحالة التي تضمنتها إلى مادته الأولى التي أصبحت جزءاً من قانون الجنسية من الناحية التشريعية. وهذا الأمر العالي هو الذي اختارته لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب في تقريرها المقدم للمجلس في 9 من مايو سنة 1928 من بين القوانين المتعددة التي تعرضت للرعوية المحلية، واتخذته أساساً لتحديد الآباء المصريين اعتداداً بالواقع. وقد اقتصرت اللجنة في ذلك على مادته الأولى وأسقطت كل اعتبار للقوانين الأخرى. وتنص المادة المذكورة على أنه عند إجراء العمل بقانون الانتخاب الصادر في أول مايو سنة 1883 يعتبر حتماً من المصريين الأشخاص الآتي بيانهم:
1- المتوطنون في القطر المصري قبل أول يناير سنة 1848 وكانوا محافظين على إقامتهم فيه.
2- الرعايا العثمانيون المولودون في القطر المصري من أبوين مقيمين فيه متى كان هؤلاء الرعايا قد حافظوا على موطنهم فيه.
3- الرعايا العثمانيون المولودون والمقيمون في القطر المصري الذين يقبلون المعاملة بمقتضى قانون القرعة العسكرية، سواء بأدائهم الخدمة أو بدفع البدلية.
4- الأطفال المولودون في مصر من أبوين مجهولين.
ويستثنى من الأحكام المذكورة الذين يكونون من رعايا الدول الأجنبية أو تحت حمايتها.
وإذ كان والد المطعون لصالحه غير متوطن في القطر المصري قبل أول يناير سنة 1848، ولا مولود به من أبوين مقيمين فيه بل مولود بلبنان. كما أنه ليس من الرعايا العثمانيين المولودين بالقطر المصري والمقيمين فيه أي الذين جمعوا بين شرطي الميلاد والإقامة اللذين يغنيان عن توطن آبائهم في مصر - وإن عومل بمقتضى قانون القرعة العسكرية - وليس مولوداً في مصر من أبوين مجهولين، فإن هذه المادة لا تصدق في أي من فقراتها على حالته، وبالتالي فإنه يخرج من عداد طائفة الأشخاص الداخلين في الجنسية المصرية بحكم الفقرة الثانية من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929، وهم الذين ينطبق عليهم نص المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900 سالفة الذكر، وإنما يشمله فقط حكم الفقرة الثالثة الخاص بالرعايا العثمانيين الذين لم تتوافر لهم صفة الرعوية المحلية وفقاً للمادة الأولى من الأمر العالي المشار إليه، ولكنهم كانوا يقيمون عادة في القطر المصري في 5 من نوفمبر سنة 1914 وحافظوا على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 في 10 من مارس سنة 1929، وظاهر من مقارنة الفقرتين الثانية والثالثة آنفتي الذكر أن الأشخاص المذكورين في الأولى منهما هم عثمانيون في الأصل ولكنهم استوفوا شروطاً وأوصافاً معينة جعلتهم في نظر الشارع مصريين صميمين. وقد كان في وسعه أن يقصر الجنسية الأصلية عليهم، بيد أنه بسط هذه الجنسية على طائفة أخرى من العثمانيين لم يتطلب فيهم سوى ثبوت الإقامة في القطر المصري والمحافظة عليها خلال الفترة التي حددها، مع أن الأصل أن الإقامة وحدها لا تكفي عادة لاكتساب الجنسية.
ومن حيث إنه ولئن كان المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 بشأن الجنسية المصرية قد سبقه المرسوم بقانون الصادر في 26 من مايو سنة 1926، إلا أن هذا الأخير ظل معطلاً عملاً لكون الظروف السياسية التي قارنت صدوره وتلته جعلت من العسير على الإدارة وضعه موضع التنفيذ الفعلي حتى على الرغم من صدور القانون رقم 2 لسنة 1926 الذي قضى باعتبار معظم المراسيم بقوانين الصادرة في غيبة البرلمان ومنها هذا المرسوم بقانون في حكم الصحيحة. وقد ألغي هذا المرسوم بقانون بالمادة 25 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 الذي يستشف من أعماله التحضيرية أنه هو التشريع الوحيد المنظم للجنسية المصرية. وإذا كان المرسوم بقانون الصادر في سنة 1926 قد نص في مادته الثانية على أن "يعتبر قد دخل الجنسية المصرية منذ 5 نوفمبر سنة 1914 وبحكم القانون الرعايا العثمانيون الذين كانوا يقيمون عادة في القطر المصري في ذلك التاريخ وحافظوا على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر هذا القانون" إلا أن لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ عندما صاغت الفقرة الثالثة من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 وهي المقابلة للمادة الثانية المذكورة عدلت فيها بأن حذفت منها عبارة "يعتبر قد دخل الجنسية المصرية منذ 5 نوفمبر سنة 1914" مستبعدة بذلك ارتداد هذه الجنسية إلى ذلك التاريخ، كما مدت شروط الإقامة إلى 10 من مارس سنة 1929 تاريخ نشر هذا القانون. ومقتضى هذا هو عدم إمكان أفراد هذه الفئة التحدي باكتسابهم الجنسية المصرية منذ 5 من نوفمبر سنة 1914؛ إذ مهما يكن من أمر في شأن الخلاف على قيام مرسوم سنة 1926 قانوناً أو اعتباره كأن لم يكن أصلاً، فإن من المقرر أن مسائل الجنسية هي من صميم الأمور الداخلة في كيان الدولة وأن تنظيمها يتعلق بسيادتها؛ لاتصالها بالنظام العام من جهة، ولكونها من عناصر الحالة الشخصية من جهة أخرى، ومن ثم فإن للمشرع مطلق الحرية بمقتضى القانون العام في تنظيم الجنسية وتقديرها على الوجه الملائم الذي يتفق وصالح الجماعة. ولا محل للاحتجاج بوجود حق مكتسب أو ترتب مركز ذاتي للفرد قبل الدولة في اكتساب جنسيتها على وجه معين متى كان المشرع قد رأى تعديل ذلك بتشريع جديد؛ ذلك أن الأخذ بفكرة الحق المكتسب في هذه الحالة يفضي إلى تعطيل شرط امتداد الإقامة التي أوجبت الفقرة الثالثة من المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1929 المحافظة عليها حتى 10 من مارس سنة 1929؛ إذ لو صح اكتساب الحق في الجنسية فعلاً في سنة 1926 لما أثر على الحق عدم المحافظة على الإقامة بعد ذلك، ولصار تطلب امتداد هذه الإقامة لغوا، وهو ما ينزه عنه الشارع.
ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 وإن كان قد سوى بين الطوائف التي ذكرها في الفقرات الثلاث من مادته الأولى من حيث اعتبارهم داخلين في الجنسية المصرية بحكم القانون إلا أنه نص في مادته الثامنة عشرة على أنه ليس لدخول الجنسية المصرية أي تأثير في الماضي ما لم ينص على غير ذلك. ولما كان الرعايا العثمانيون المشار إليهم في الفقرة الثالثة من المادة الأولى ليسوا من القدم والأصالة كأولئك المذكورين في الفقرة الثانية من تلك المادة فإن المشرع لم يشأ أن يعين لدخولهم الجنسية المصرية تاريخاً بعد أن حذف النص القديم الذي كان يفيد إرجاع هذا التاريخ إلى 5 من نوفمبر سنة 1914. وكان قد أفرد لهم المادة الثانية من المرسوم بقانون الصادر في سنة 1926 باعتبارهم فئة ذات وضع خاص، ثم أسبغ عليهم في سنة 1929 الجنسية المصرية بافتراض قانوني يقدر بقدره، مشترطاً استمرار إقامتهم إلى التاريخ الذي عينه. ولما كان الشرط المذكور لا يتوافر إلا بتحقق الإقامة في ذلك التاريخ فإن الجنسية المرهونة بهذا الشرط لا تكتسب إلا بتحققه ومن تاريخ هذا التحقق.
ومن حيث إن المادة السادسة من القانون رقم 130 لسنة 1949 التي تحكم وضع المطعون لصالحه تستلزم أن يكون المرشح المصري مولوداً لأب يعد مصرياً بالتطبيق للمواد من 1 إلى 5 والمادة 6 (فقرة 1 و2) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929. ومفاد هذه المادة - في ضوء المناقشات والأعمال التحضيرية التي سبقتها، والغاية التي استهدفتها - أن الشارع إنما أراد بلفظ "مولود" في هذا المقام أن يكون دخول الوالد في الجنسية المصرية سابقاً على ولادة أبنه المرشح، أي أن تكون الجنسية المصرية التي لحقت الأب بالتطبيق للمواد التي عينها قد ثبتت له وقامت به فعلاً وقت ولادة الابن الذي تلقاها عنه بحق الدم، وهذا هو التعبير ذاته الذي استعمله الشارع في المادة السادسة من المرسوم بقانون سالف الذكر والذي عول فيه على وقت الولادة لا على مجرد قيامها آخذاً في ذلك من بين المذاهب المتعددة التي تعتد بوقت الحمل أو بالأصلح من وقتي الحمل والولادة أو الفترة بين الحمل والولادة أو بوقت الولادة بهذا المذهب الأخير بقطع النظر عن التغير الحاصل في جنسية الوالد قبل الولادة أو بعدها. وإذ كان شرط الولادة لأب يعد مصريا وقت الولادة متخلفاً في المطعون لصالحه الذي ولد في قرية بكاسين بلبنان في 25 من أغسطس سنة 1925، وهو الشرط الذي استلزمته المادة السادسة من اتفاقية شركة قناة السويس المبرمة في سنة 1949 والتي صدر بإقرارها القانون رقم 130 لسنة 1949 فيمن يعين في الوظائف المخصصة للمصريين، وكان قد صدر قرار من مجلس الوزراء في 21 من يوليه سنة 1953 بالموافقة على مذكرة لوزارة التجارة والصناعة باستبقاء تسعة موظفين في الشركة من بينهم المطعون لصالحه على أن يحسبوا خارج النسب التي حددتها اتفاقية 7 من مارس سنة 1949 للموظفين المصريين، فإن هذا القرار يكون صحيحاً مطابقاً للقانون، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى وبإلزام المدعي بالمصروفات، قد صادف الصواب. ومن ثم فإن الطعن يكون على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

949 للموظفين المصريين، فإن هذا القرار يكون صحيحاً مطابقاً للقانون، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى وبإلزام المدعي بالمصروفات، قد صادف الصواب. ومن ثم فإن الطعن يكون على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.