مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1956 إلى آخر يناير سنة 1957) - صـ 139

(17)
جلسة 8 من ديسمبر سنة 1956

برياسة السيد/ السيد علي السيد - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل - المستشارين.

القضية رقم 1259 لسنة 2 القضائية

( أ ) ميعاد الستين يوماً - بدؤه - علم صاحب الشأن بالقرار المطعون فيه قد يقوم مقام الإعلان أو النشر - وجوب أن يكون العلم بمؤدي القرار ومحتوياته يقينياً وأن يثبت ذلك من تاريخ معلوم يمكن حساب الميعاد منه.
(ب) مأذون - تعيينه - قيامه أساساً على رغبة أهالي الجهة عن طريق الانتخاب ولو كان أحد المرشحين هو وحده الحاصل على المؤهل المنصوص عليه باللائحة دون سائرهم.
(ج) مأذون - كيفية إجراء الانتخاب عند تزاحم حملة المؤهل مع غيرهم ممن لا يحملونه - إجراء الانتخاب بين جميع المرشحين مرة واحدة لا على دفعتين.
1- إن علم صاحب الشأن بالقرار المطعون فيه قد يقوم مقام الإعلان أو النشر، وفي هذه الحالة يجب أن يكون علماً يقينياً بمؤدي القرار ومحتوياته، وأن يثبت ذلك في تاريخ معلوم يمكن حساب الميعاد منه. فإذا كان الثابت من الأوراق أن المدعي تظلم من القرار المطعون فيه إلى وزير العدل في 29 من مايو سنة 1954، ثم قدم ملتمساً بعد ذلك في 15 من يوليه 1954 يطلب فيه إفادته عما تم في تظلمه، فتأشر على ملتمسة في التاريخ نفسه بأن "شكوى الطالب كتب عنها مذكرة بتاريخ 6 من يوليه سنة 1954 بتقرير حفظها ويفهم الشاكي بذلك"، ثم أشر مرة أخرى بأنه "فهم عند حضوره" دون بيان تاريخ ذلك حتى يبدأ منه تاريخ رفع الدعوى - إذا كان الثابت هو ما تقدم، فإنه يتعين حساب ميعاد رفع الدعوى على مقتضى حكم المادة 12 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الذي تمت الواقعة في ظله، وذلك بأن ترفع الدعوى خلال الستين يوماً التالية لانقضاء أربعة أشهر من تاريخ التظلم.
2- يؤخذ من نصوص المواد 1 و2 و3 و4 و8 و10 من لائحة المأذونين الصادرة في 7 من فبراير سنة 1915 أن تعيين المأذون يقوم أساساً على رغبة أهالي الجهة المراد التعيين فيها بحسب نتيجة الانتخاب بين المرشحين لهذه الوظيفة، سواء أكان المرشح من ذوي المؤهلات أم من غير الحاصلين عليها والذين أدوا الامتحان المنصوص عليه في المادة التاسعة من اللائحة، ولا يغني عن وجوب تعرف رغبة الأهالي بطريق الانتخاب أن يكون أحد المرشحين هو وحده الحاصل على المؤهل دون سائرهم؛ إذ النصوص المشار إليها قاطعة في الدلالة على أن انتخاب الأهالي هو الأساس للتعيين في هذه الوظيفة.
3- درجت وزارة العدل - فيما يتعلق بانتخاب المأذونين إذا ما تزاحم حملة المؤهل مع غيرهم ممن لا يحملونه وأدوا الامتحان المنصوص عليه في المادة التاسعة من اللائحة - على إجراء الانتخاب بين جميع المرشحين مرة واحدة، وهذا ما يؤخذ أيضاً من منشورها رقم 5 لسنة 1951 والكتاب الدوري رقم 47 الصادر في 30 من يوليه سنة 1934 واستقرت على ذلك في التطبيق، ولم تأخذ بفكرة إجراء الانتخاب على مرتين أولاهما بين ذوي المؤهلات فإن لم يفز أحد منهم فيه أجرى مرة أخرى بينهم جميعاً، وهذا الذي درجت عليه الوزارة هو الفهم السليم الذي يتفق مع روح لائحة المأذونين ومراميها ويتسق مع حسن سير المرفق العام؛ إذ يجب عند فهم مراد اللائحة تنزيهها عن العبث وتكرار الإجراءات بدون مقتض وحمل هذا المراد على السنن الذي يتفق وحسن سير المرافق العامة على نمط يتوافر فيه السرعة والتبسيط، حتى لا يتعطل سير تلك المرافق بضياع الوقت عبثاً وتكرار إجراءات لا داعي لها. ومن ثم فإن المادة الرابعة من اللائحة إذ نصت على أنه "إذا لم يوجد في جهة من يكون حائزاً لإحدى الشهادات المتقدمة جاز انتخاب غيره ممن لا يكون حائزاً لشهادة...." وإذ وردت بعد النصوص التي تقرر وجوب الانتخاب وتنظيمه فإنما تقرر مبدأ تفضيل من يحمل مؤهلاً على غيره عند التساوي في نتيجة الانتخاب بعد إجرائه بينهم جميعاً؛ إذ يجب عندئذ على السلطة الإدارية المختصة قبل إصدار قرارها بالتعيين أن تنتخب - أي تختار على وجه التفضيل - صاحب المؤهل على غيره، وهذا هو المقصود من تلك المادة وهو بلا شك يتفق مع روح اللائحة في ضوء المصلحة العامة.


إجراءات الطعن

في 14 من إبريل سنة 1956 أودع رئيس هيئة المفوضين طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لمصالح الحكومة بالإسكندرية بجلسة 14 من فبراير سنة 1956 في الدعوى رقم 1277 لسنة 2 ق المرفوعة من فؤاد محمد إسماعيل ضد وزارة العدل، القاضي: "بإلغاء القرار الصادر من وزير العدل بتاريخ 25 من إبريل سنة 1954 بالتصديق على قرار لجنة المأذونين بتعيين الشيخ محمد كمال محمد عبده بوظيفة مأذون شرعي لمأذونية الباب الجديد شرقي، وبأحقية المدعي في التعيين بهذه الوظيفة اعتباراً من التاريخ المذكور، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات وبمبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء أصلياً بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد المقرر قانوناً، واحتياطياً برفضها موضوعاً، وإلزام رافعها في الحالين بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 10 من يوليه سنة 1956، وللمدعي في 12 من يوليه سنة 1956، وللخصم الثالث في 29 من أغسطس سنة 1956، وعين لنظر الطعن جلسة 10 من نوفمبر سنة 1956 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من الأوراق، في أن المدعي أقام الدعوى رقم 513 لسنة 9 ق أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة في 27 من نوفمبر سنة 1954 قال فيها إنه في سنة 1952 خلت مأذونية الباب الجديد شرقي التابعة لقسم كرموز بالإسكندرية بوفاة شاغلها، وقد تقدم للتعيين في هذه الوظيفة محمد كمال محمد عبده وآخرون وجميعهم غير حائزين لأحد المؤهلات المنصوص عليها في المادة الثالثة من لائحة المأذونين، كما تقدم للنقل إليها المدعي وآخرون. ولما كان المدعي هو وحده الذي يحمل إجازة القضاء الشرعي من بين هؤلاء المرشحين فقد كان يتعين - عملاً بأحكام المواد 3 و4 و5 و9، من لائحة المأذونين - أن ينقل المدعي إلى هذه الوظيفة، إلا أن محكمة الإسكندرية الكلية الشرعية طلبت إلى الجهة المختصة إجراء الانتخاب لهذه الوظيفة على أن يتقدم للانتخاب جميع المرشحين، فلم يتقدم سوى الشيخ محمد كمال محمد عبده - الذي لا يحمل أي مؤهل علمي - فانتخب ورشحته لجنة المأذونين وحده للتعيين. وفي 25 من إبريل سنة 1954 صدق وزير العدل على قرار لجنة المأذونين بتعيين المرشح المذكور في الوظيفة الشاغر. وقد تظلم المدعي إلى وزير العدل من القرار المذكور في 30 من مايو سنة 1954؛ إذ أنه يرى أنه أحق بالنقل إلى هذه الوظيفة لأنه يحمل مؤهلاً علمياً بغنية عن التقدم للانتخاب مع من لا يحمل مؤهلاً؛ ومن ثم يكون القرار باطلاً، ولما لم يرد إليه رد في المدة المقررة فقد أقام هذه الدعوى. وفي 11 من يوليه سنة 1955 أحال السيد رئيس محكمة القضاء الإداري هذه الدعوى إلى المحكمة الإدارية لوزارة العدل عملاً بأحكام المادة 73 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بتنظيم مجلس الدولة، وبجلسة 21 من سبتمبر سنة 1955 أحالت المحكمة الإدارية المذكورة الدعوى إلى المحكمة الإدارية للمصالح العامة بالإسكندرية لاختصاصها. وقد دفعت الحكومة أولاً بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، وقالت في بيان ذلك إنه في 25 من إبريل سنة 1954 صدق وزير العدل على تعيين الشيخ محمد كمال محمد عبده مأذوناً لناحية الباب الجديد شرقي بالإسكندرية، وقد تظلم المدعي من هذا القرار في 29 من مايو سنة 1954، وبعد أن فحص التظلم تقرر حفظه في 6 من يوليه سنة 1954. وفي 15 من يوليه سنة 1954 قدم المدعي عريضة إلى رئيس التفتيش الشرعي يلتمس فيها إفادته عما تم في شأن تظلمه، فأشر نائب التفتيش الشرعي في التاريخ نفسه بأنه تقرر حفظ الشكوى، فأشر عليها فضيلة رئيس التفتيش الشرعي في التاريخ نفسه أيضاً بتفهيم المتظلم بذلك، ثم أشر بجوار ذلك على نفس العريضة بما يأتي "فهم عند حضوره". ولما كان المدعي لم يرفع دعواه إلا في 26 من نوفمبر سنة 1954 فإنها تكون قد رفعت بعد الميعاد. وفي الموضوع قالت الحكومة إن المدعي لم يشترك في الانتخاب الذي أجري بين المرشحين للمأذونية، إذ كان قد سبق أن تنازل عن الترشيح. ولما كانت المادة الثانية من لائحة المأذونين توجب انتخاب أهل جهة المأذونية للمرشح؛ فمن ثم تكون الدعوى على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضها. وفي 14 من فبراير سنة 1956 حكمت المحكمة "بإلغاء القرار الصادر من السيد وزير العدل بتاريخ 25 من إبريل سنة 1954 بالتصديق على قرار لجنة الماذونين بتعيين الشيخ محمد كمال محمد عبده بوظيفة مأذون شرعي لمأذونية الباب الجديد شرقي، وبأحقية المدعي في التعيين بهذه الوظيفة اعتباراً من التاريخ المذكور، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات...."، وقد أقامت المحكمة قضاءها أولاً بالنسبة للدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد على "أن التأشير على الشكوى المقدمة من المدعي بتاريخ 15 من يوليه سنة 1954 بأنه قد أفهم بحفظ شكواه ليس بذاته دليلاً ينهض قبل المدعي على علمه برفض التظلم المقدم منه في شأن القرار محل الطعن؛ ومن ثم لا يقال بأن ميعاد الطعن يسري في شأنه اعتباراً من 15 من يوليه سنة 1954؛ إذ توقيع المدعي بعلمه بمصير شكواه أو تظلمه فإن ذلك - لو صح حقيقة - قد لا يكون العلم اليقيني للمدعي بمشتملات القرار محل الطعن. ومن ثم يكون الدفع في غير محله متعيناً رفضه". وبالنسبة لموضوع الدعوى على أنها لا ترى في إقرار المدعي بتنازله عن الترشيح ما يفيد تنازله عن حقه في التعيين بهذه المأذونية بما يمنعه من إعادة المطالبة بهذا الحق، وإنما ترى فيه تنحياً عن التقدم للترشيح في الانتخابات التي أجريت لشغل وظيفة المأذونية استناداً إلى أن إجراءها غير جائز لأنه من حملة المؤهلات الدراسية، وهذه المؤهلات - في نظره - تمنعه من مثل هذه الانتخابات، وأن المستفاد من نصوص لائحة المأذونين "أنه وإن كان الأصل أن يكون شغل المأذونية بالانتخاب بمعرفة أهالي الجهة، وأن يشترط فيمن ينتخب أن يكون حائزاً على شهادة دراسية مما أشير إليه بالمادة الثالثة من اللائحة، غير أن المادة الرابعة قد قطعت في أنه لا محل لإجراء انتخاب لشغل وظيفة المأذونية إلا إذا لم يكن بين المرشحين من هو حائز على شهادة دراسية مما أشير إليه بالمادة الثالثة. وظاهر بمفهوم المخالفة لهذا النص أنه حيث يوجد بين المرشحين من هو حاصل على مؤهل دراسي مما أشير إليه بالمادة الثالثة، فلا محل لإجراء الانتخاب لانتفاء الحال الموجب لذلك" وأن "المستفاد من الأوراق أن المدعي كان وحده بين سائر المرشحين للنقل أو التعيين بهذه المأذونية الحاصل على مؤهل دراسي، ومن ثم فقد وجب أن يجرى تعيينه بهذه المأذونية عملاً بأحكام اللائحة؛ إذ لا دليل في الأوراق على أن أيا من الشروط اللازمة لهذا التعيين غير متوافرة في شخصه..".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن رفض المدعي الاشتراك في الترشيح لا يفقده حق الطعن في القرار باعتباره واحداً ممن استوفوا شروط الترشيح للمأذونية، فمن مصلحته، إذا نظر إلى صفته هذه، إلغاء القرار. إلا أن طعنه - حتى يكون مقبولاً منه - يجب أن يتم في الميعاد المقرر قانوناً وهو ما فوته المدعي؛ ذلك أنه أفهم في 15 من يوليه سنة 1954 برفض تظلمه فكان لزاماً عليه بالتطبيق لنص المادة 12 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة الذي رفعت في ظله الدعوى أن يرفع الدعوى خلال ستين يوماً من ذلك التاريخ، وإذ أقام المدعي دعواه في 23 من نوفمبر سنة 1954، فإن دعواه تكون غير مقبولة. وفي الموضوع يقوم الطعن على أنه يبين من استعراض أحكام المواد الأربعة الأولى من لائحة المأذونين أن طريقة تعيين المأذون تعتمد أساساً على الانتخاب، فإذا كانت إجراءات الترشيح طبقاً للأوضاع المقررة بعد تعرف رغبة الأهالي، ترخصت الوزارة في الأمر بما تراه محققاً للصالح العام، وهو ما التزمته الوزارة في صدد هذه المأذونية، مما كان يتعين معه على المحكمة رفض طعن المدعي. غير أن المحكمة لم تكتف بإلغاء القرار موضوعاً - بعد أن قبلت الطعن شكلاً - بل تعددت ذلك إلى الأمر بتعيين المدعي مأذوناً للناحية، فأحلت بذلك نفسها محل جهة الإدارة في أمر هو بطبيعته من صميم اختصاصها، لا تملك إجبارها عليه أو الحلول محلها في مباشرته، وبذلك جاء حكمها مخالفا للقانون.
عن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد:
من حيث إن هذا الدفع على أن المدعي، "أفهم بحفظ شكواه" على ما تأشر به على ملتمسه في 15 من يوليه سنة 1954، ومن ثم كان يتعين عليه أن يقيم دعواه خلال ستين يوماً من ذلك التاريخ، وإذ لم ترفع الدعوى بإيداع صحيفتها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري إلا في 27 من نوفمبر سنة 1954 فإنها تكون قد رفعت بعد الميعاد.
ومن حيث إن المادة 12 من القانون رقم 9 لسنة 1949، وهو الذي تمت الواقعة في ظله، تنص على أن "ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوماً تسري من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به، وينقطع سريان هذا الميعاد في حالة التظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئيسية، ويعتبر في حكم قرار بالرفض فوات وقت يزيد على أربعة أشهر دون أن تجيب السلطات الإدارية المختصة على الطلب المقدم إليها، ويكون ميعاد رفع الدعوى في هذه الحالة الأخيرة ستين يوماً من تاريخ انقضاء الأربعة الأشهر المذكورة".
ومن حيث إن علم صاحب الشأن بالقرار المطعون فيه قد يقوم مقام الإعلان أو النشر، وفي هذه الحالة يجب أن يكون علماً يقينياً بمؤدي القرار ومحتوياته، وأن يثبت ذلك في تاريخ معلوم يمكن حساب الميعاد منه.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي تظلم من القرار المطعون فيه إلى وزير العدل في 29 من مايو سنة 1954، ثم قدم ملتمساً بعد ذلك في 15 من يوليه سنة 1954 يطلب فيه إفادته عما تم في تظلمه، فتأشر على ملتمسه في التاريخ نفسه بأن "شكوى الطالب كتب عنها مذكرة بتاريخ 6 من يوليه سنة 1954 بتقرير حفظها ويفهم الشاكي بذلك"، ثم أشر مرة أخرى بأنه "فهم عند حضوره" دون بيان تاريخ ذلك حتى يبدأ منه تاريخ رفع الدعوى، ومن قم يتعين حساب ميعاد رفع الدعوى على مقتضى حكم المادة 12 من القانون رقم 9 لسنة 1949، وذلك بأن ترفع الدعوى خلال الستين يوماً التالية لانقضاء أربعة أشهر من تاريخ التظلم. وإذ كان الثابت أن المدعي تظلم إلى وزير العدل في 29 من مايو سنة 1954 ثم أودع صحيفة دعواه سكرتارية محكمة القضاء الإداري في 27 من نوفمبر سنة 1954 فإن الدعوى تكون قد رفعت في الميعاد، ومن ثم يكون الدفع على غير أساس سليم متعيناً رفضه.
عن الموضوع:
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاع الشكلية.
ومن حيث إنه يبين من الإطلاع على الأوراق أنه في إبريل سنة 1952 طلبت محكمة الإسكندرية الابتدائية الشرعية إلى محافظة الإسكندرية إجراء الانتخاب بين المرشحين لمأذونية الباب الجديد شرقي وهم 1 - الشيخ محمد كمال محمد عبده 2 - الشيخ فوزي عبد الرحمن 3 - الشيخ محمد حسان 4 - الشيخ فؤاد محمد إسماعيل 5 - الشيخ محمد محمد وهيب 6 - الشيخ محمد أبو الخير أبو ريدة، وقد عين لإجراء الانتخاب يوم 4 من إبريل سنة 1953. وفي 18 من أغسطس سنة 1952 أرسل المدعي إلى محافظة الإسكندرية مذكرة يقول فيها "قد رشحت نفسي للنقل إلى هذه المأذونية، وقد تمسكت الإدارة بعملية الانتخاب فتنازلت عن دخول هذه الانتخابات نظراً لأني لا أحتاج في نقلي إليها ما دام فيه انتخاب لأني مؤهلاً علمياً، لذلك تنازلت عن دخول هذه الانتخابات". وقد أجريت الانتخابات في الموعد المعين وأسفرت عن حصول الشيخ محمد كمال محمد عبده على 37 صوتاً وعدم حصول أحد من المرشحين الآخرين على أصوات، وقد عرض الأمر بعد ذلك على اللجنة المنصوص عليها في المادة الثامنة من اللائحة فقررت بجلسة 3 من نوفمبر سنة 1953 تعيين الشيخ محمد كمال محمد عبده مأذوناً لمأذونية الباب الجديد، وكان المذكور قد نجح في الامتحان الذي أداه في 6 من إبريل سنة 1952. وفي 25 من إبريل سنة 1954 صدق وزير العدل على هذا التعيين. وفي 29 من مايو سنة 1954 تظلم المدعي إلى وزير العدل من قراره الصادر بالتصديق على تعيين الشيخ محمد كمال محمد عبده مأذوناً لمأذونية الباب الجديد. وفي 15 من يوليه سنة 1954 أرسل المدعي إلى إدارة التفتيش الشرعي طالباً إفادته عما تم في تظلمه حتى يتمكن من المطالبة بحقه بالطريق القانوني، وقد تأشر على كتاب المدعي في التاريخ نفسه بأن "شكوى الطالب كتب عنها مذكرة بتاريخ 6 من يوليه سنة 1954 بتقرير حفظها ويفهم الشاكي بذلك"، ثم تأشر مرة أخرى بأنه "فهم عند حضوره" دون بيان تاريخ ذلك.
ومن حيث إنه يبين من الإطلاع على لائحة المأذونين الصادر في 7 من فبراير سنة 1915 أنه نص في المادة الأولى منها على أن "يكون لكل جهة مأذون أو أكثر بناء على طلب الأهالي وبعد موافقة وزارة الحقانية". وفي المادة الثانية على أن "ينتخب المأذون بمعرفة أهالي الجهة المراد التعيين فيها ويقدم محضر الانتخاب إلى المحكمة الشرعية التابع لها"، ونصت المادة الثالثة على أنه "يشترط فيمن ينتخب لوظيفة المأذونين أن يكون حائزاً للشروط الآتية: 1 - أن يكون مصري الجنسية 2 - أن يكون سنة إحدى وعشرين سنة على الأقل 3 - أن يكون حائزاً على الأقل لشهادة الأهلية أو الشهادة الثانوية من الجامع الأزهر أو من أحد المعاهد الإسلامية الأخرى أو شهادة القسم الأول من مدرسة القضاء الشرعي". ونصت المادة الرابعة على أنه "إذا لم يوجد في جهة من يكون حائزاً لإحدى الشهادات المتقدمة جاز انتخاب غيره ممن لا يكون حاملاً لشهادة بشرط أن يحسن الإجابة في الامتحان المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة التاسعة". كما نصت المادة الثامنة على أن "تشكل في كل محكمة ابتدائية لجنة لامتحان وتعيين المأذونين من رئيس المحكمة أو نائبه وقاضيين من قضاتها"، والمادة العاشرة على أنه "بعد استيفاء جميع الإجراءات تصدر اللجنة قراراً بتعيين المأذون ولا يكون القرار نافذاً إلا بعد تصديق الحقانية عليه".
ومن حيث إنه يؤخذ من هذه النصوص أن تعيين المأذون يقوم أساساً على رغبة أهالي الجهة المراد التعيين فيها بحسب نتيجة الانتخاب بين المرشحين لهذه الوظيفة، سواء أكان المرشح من ذوي المؤهلات أم من غير الحاصلين عليها والذين أدوا الامتحان المنصوص عليه في المادة التاسعة من اللائحة، ولا يغني عن وجوب تعرف رغبة الأهالي بطريق الانتخاب أن يكون أحد المرشحين هو وحده الحاصل على المؤهل دون سائرهم؛ إذ النصوص المشار إليها قاطعة في الدلالة على أن انتخاب الأهالي هو الأساس للتعيين في هذه الوظيفة.
ومن حيث إنه ما دام التعيين معقوداً برغبة الأهالي على مقتضى نتيجة الانتخاب الذي يتم في هذا الشأن سواء أكان المرشحون جميعاً يحملون المؤهل أم لا يحملونه جميعاً وأدوا الامتحان أم يحمله أحدهم أو بعضهم ولا يحمله الباقون الذين أدوا الامتحان، فلا يبقى بعد ذلك إلا تقصي مرمى اللائحة وفهم روحها في كيفية إجراء الانتخاب إذا ما تزاحم حملة المؤهل مع غيرهم ممن لا يحملونه وأدوا الامتحان وهل يجرى الانتخاب مرتين أولاهما بين ذوي المؤهلات فإن لم يفز أحد منهم فيه أجري مرة أخرى بينهم جميعاً.
ومن حيث إنه يجب عند فهم مراد اللائحة تنزيهها عن العبث وتكرار الإجراءات بدون مقتض وحمل هذا المراد على السنن الذي يتفق وحسن سير المرافق العامة على نمط يتوافر فيه السرعة والتبسيط حتى لا يتعطل سير تلك المرافق بضياع الوقت عبثاً وتكرار إجراءات لا داعي لها، وعلى هذا الفهم السليم الذي يتفق مع روح اللائحة ومراميها ويتسق مع حسن سير المرفق العام، درجت وزارة العدل في إجراء الانتخاب بين جميع المرشحين مرة واحدة كما يؤخذ من منشورها رقم 5 لسنة 1951 والكتاب الدوري رقم 47 في 30 من يوليه سنة 1934 واستقرت على ذلك في التطبيق.
ومن حيث إن المادة الرابعة من اللائحة إذ نصت على أنه "إذا لم يوجد في جهة من يكون حائزاً لإحدى الشهادات المتقدمة جاز انتخاب غيره ممن لا يكون حائزاً لشهادة....."، وقد وردت بعد النصوص التي تقرر وجوب الانتخاب وتنظيمه، إنما تقرر مبدأ تفضيل من يحمل مؤهلاً على غيره عند التساوي في نتيجة الانتخاب بعد إجرائه بينهم جميعاً؛ إذ يجب عندئذ على السلطة الإدارية المختصة قبل إصدار قرارها بالتعيين أن تنتخب، أي تختار على وجه التفضيل، صاحب المؤهل على غيره، وهذا هو المقصود من تلك المادة، وهو بلا شك يتفق مع روح اللائحة في ضوء المصلحة العامة.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الحكم المطعون إذ ذهب غير هذا المذهب يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله فيتعين إلغاؤه والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه برفض الدفع بعدم قبول الدعوى، وبقبولها، وبرفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بمصروفاتها.