مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1956 إلى آخر يناير سنة 1957) - صـ 161

(19)
جلسة 8 من ديسمبر سنة 1956

برياسة السيد/ السيد علي السيد - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل - المستشارين.

القضية رقم 1378 لسنة 2 القضائية

( أ ) عمد ومشايخ - انتخابهم - قرار لجنة الشياخات باختيار العمدة أو الشيخ - لوزير الداخلية رفض اعتماد القرار لو تمت العملية على وجه يخالف القانون - له هذه السلطة أيضاً، ولو تمت العملية مطابقة للقانون، لأسباب موضوعية يقدر أهميتها أو خطورتها فيما لو ولي المنتخب هذا المنصب - إعادة الأمر إلى اللجنة في الحالتين لدعوة الناخبين مرة أخرى - تعيين من يحوز أغلبية أصوات الناخبين.
(ب) عمد ومشايخ - قرار وزير الداخلية بعدم اعتماد قرار لجنة الشياخات باختيار العمدة أو الشيخ - وجوب قيامه على سبب يبرره - للقضاء الإداري مراقبة صحة قيام الحالة الواقعية أو القانونية المسوغة للرفض - للوزير حرية تقدير أهمية الحالة المذكورة وخطورة الأثر الذي قد ينجم عنها بما لا معقب عليه ما دام قراره قد خلا من شائبة إساءة استعمال السلطة - أساس ذلك - مثال.
(ج) عمد ومشايخ - انتخابهم - سرية الانتخاب وحرية الناخب في الاختيار قد يتأثران إذا وجد بين أعضاء لجنة الشياخات من يمت للمرشح بقرابة قد لا تؤمن معها حيدته.
(د) لجنة الشياخات - عدم تنحي أحد أعضاء اللجنة رغم قيام الحرج أو المانع - لوزير الداخلية تقدير أهمية هذا الظرف أو خطورته على سرية الانتخابات وحريتها عند النظر في اعتماد قرار اللجنة.
1- إن القانون رقم 141 لسنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ نص في الفقرة الأولى من المادة 11 منه على أن "يرفع قرار لجنة الشياخات باختيار العمدة أو الشيخ إلى وزير الداخلية لاعتماده، وله ألا يوافق على القرار فيعيده إلى اللجنة مشفوعاً بملاحظاته، وعلى اللجنة في هذه الحالة دعوة الناخبين مرة أخرى لانتخاب العمدة. ويعين من يحوز أغلبية أصوات الناخبين". ومفاد هذا النص أن وزير الداخلية، وهو المختص باعتماد قرار لجنة الشياخات باختيار العمدة أو الشيخ، يملك سلطة عدم الموافقة على هذا القرار، وفي هذه الحالة يرده إلى اللجنة مشفوعاً بملاحظاته لإعادة انتخاب العمدة. وقد أطلق الشارع سلطة الوزير عند النظر في اعتماد قرار لجنة الشياخات الأول، فلم يقيدها بأسباب معينة؛ ومن ثم له أن يعترض عليه إما لأسباب قانونية أو لأسباب موضوعية يقدر هو أهميتها أو خطورتها. ولما كان وزير الداخلية هو الرئيس الإداري الأعلى المشرف على الهيئات المحلية المنوط بها القيام بالإجراءات المرسومة في القانون لانتخاب العمدة أو الشيخ، فإن له بهذه الصفة سلطة مراقبة سلامة هذه الإجراءات والتحقق من مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، فيرفض اعتماد قرار لجنة الشياخات باختيار العمدة أو الشيخ إذا تمت العملية على وجه يخالف القانون، كما له إلى جانب هذا - بوصف كونه الوزير المسئول عن شئون الأمن في البلاد - ألا يعتمد قرار اللجنة، حتى لو تمت العملية مطابقة للقانون، لأسباب موضوعية يقدر أهميتها أو خطورتها فيما لو ولي المنتخب هذا المنصب، سواء أكان ذلك لعدم تجاوبه مع القائمين على شئون الأمن أم لأنه لا يستطيع القيام بأعبائه بجدارة أم لغير ذلك من الأسباب التي مردها إلى الحرص على رعاية المصلحة العامة، فإذا لم يعتمد القرار لمثل هذا أو ذاك من الأسباب، أعاده إلى اللجنة مشفوعاً بملاحظاته، وعليها في هذه الحالة دعوى الناخبين مرة أخرى لانتخاب العمدة، ويعين من يحوز أغلبية أصوات الناخبين.
2- إن قرار وزير الداخلية بعدم اعتماد قرار لجنة الشياخات باختيار العمدة أو الشيخ، كأي قرار إداري آخر، يجب أن يقوم على سبب يبرره، فلا يرفض الوزير اعتماد قرار اللجنة إلا إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ رفضه يضمنها ملاحظاته عند إعادة القرار إلى اللجنة، وللقضاء الإداري أن يراقب صحة قيام هذه الحالة، إلا أن للوزير حرية تقدير أهمية الحالة المذكورة وخطورة الأثر الذي قد ينجم عنها بما لا معقب عليه في هذا التقدير ما دام قراره قد خلا من شائبة إساءة استعمال السلطة؛ ذلك أن رقابة القضاء الإداري للقرار الصادر من جهة الإدارة تقف عند حد التحقق من وجود سبب صحيح لهذا القرار، أما أهمية هذا السبب أو خطورته متى قام فمن ملاءمات الإدارة التي تخضع لسلطتها المطلقة في التقدير ما دامت لا تنطوي على إساءة استعمال السلطة.
فإذا كان الثابت أن وزير الداخلية قد رفض الموافقة على قرار لجنة الشياخات استناداً إلى وجهين (أولهما) أن قرابة أحد أعضاء لجنة الشياخات المرشح تنتفي معها السرية المشترطة بالفقرة الثانية من المادة العاشرة من القانون والمادة الخامسة عشرة من القرار الوزاري المنفذ له؛ إذ أن الثابت أن عضو اللجنة عن المركز يمت للمنتخب بصلة القرابة القريبة وأنه كان يقوم بأعمال السكرتارية، ومن المحقق أنه سمع الناخبين عند الإدلاء بأصواتهم شفهياً، وأن عدم توفر السرية على النحو المتقدم من شأنه أن يعرض الناخبين لكثير من الحرج ويجعلهم غير آمنين على بقاء رأيهم سرياً. (وثانيهما) أنه سبق اتهامه في قضيتين، الأولى - قضى فيها بتغريمه 500 قرش مع إيقاف التنفيذ لضرب، والثانية - قضى فيها بتغريمه 200 قرش لإهانة ضابط بوليس، وهي أحكام وإن كانت لا تمنع في ترشيحه إلا أن لها دلالتها على مبلغ اجترائه على رجال الحفظ ولا تبشر بإمكان تحقيق التعاون بينهم فيما لو أسندت إليه وظيفة العمدية - إذا كان هذا هو الثابت من الأوراق، فإن الأسباب المتقدمة التي استند إليها وزير الداخلية في قراره برفض الموافقة على قرار لجنة الشياخات هي أسباب قويمة تقوم على استخلاص سائغ من وقائع صحيحة لها أصل ثابت في عيون الأوراق، وقد أعمل في هذه الرخصة وفي وزن ملاءمة عدم اعتماد تعيين المدعي عمدة سلطته التقديرية التي لا معقب عليها في الحدود التي خوله إياها القانون مبتغياً بذلك وجه المصلحة العامة. ومن ثم فإن قراره يكون قد صدر سليماً مطابقاً للقانون.
3- إن سرية الانتخاب وحرية الناخب في اختيار العمدة قد يتأثران إذا ما وجد من بين أعضاء لجنة الشياخات المنوط بها مباشرة عملية الانتخاب من يمت إلى المرشح بصلة من القرابة قد لا تؤمن معها حيدته أو تهيبه، وقد يكون من الأوفق أن يتنحى هذا العضو دفعاً لأي مظنة في حرية الانتخاب وسريته، إذا كان القانون في تنظيمه لتشكيل اللجنة قد جعله من الاتساع بحيث يشمل أعضاء احتياطيين، فيسر إمكان حلول عضو آخر مكان العضو الذي يتغيب أو يقوم به المانع أو الحرج.
4- يبين من الإطلاع على نص المادتين 12 و14 من قانون العمد والمشايخ أن ثمة دائماً عضواً احتياطياً يمكن أن يحل في لجنة الشياخات محل عضو المركز الذي تتبعه القرية إذا ما غاب أو قام به حرج أو مانع يقتضي تنحيه عن الاشتراك في عملية انتخاب العمدة حرصاً على سريتها وحريتها، وليس من شك في أن لوزير الداخلية أن يقدر أهمية هذا الظرف أو خطورته عند النظر في اعتماد قرار اللجنة على الأقل باعتباره من الأسباب الواقعية أو الموضوعية التي أطلق الشارع سلطته في تقديرها، مما لا معقب عليه في هذا التقدير ما دام خلا من إساءة استعمال السلطة.


إجراءات الطعن

في 19 من إبريل ستة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد برقم 1378 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية الأولى لشئون القصر ورياسة مجلس الوزراء ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 19 من فبراير سنة 1956 في الدعوى رقم 34 لسنة 3 القضائية المقامة من الحاج مصطفى محمد نصير ضد وزارة الداخلية ومديرية الدقهلية، القاضي: "بإلغاء القرار الصادر من وزارة الداخلية بتاريخ 7/ 5/ 1953 بعدم اعتماد تعيين المدعي عمدة لبلدة محلة دمنة مركز المنصورة مديرية الدقهلية، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنة الحكم بـ "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وإلزام رافعها المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الداخلية في 2 من يوليه سنة 1956 وإلى المطعون عليه في 8 منه. وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 10 نوفمبر سنة 1956. وأبلغ الطرفان في 18 من سبتمبر سنة 1956 بميعاد هذه الجلسة. وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي منهما مذكرة بملاحظاته.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 1740 لسنة 7 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري (الدائرة الرابعة) بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 28 من يونيه سنة 1953 قال فيها إنه على أثر خلو عمدية ناحية محلة دمنة مركز المنصورة بمديرية الدقهلية بوفاة شاغلها المرحوم أحمد محمد نصير شقيق المدعي في 15 من فبراير سنة 1952 اتخذت الإجراءات القانونية لتعيين العمدة الجديد ثم اجتمعت لجنة الشياخات بديوان المديرية في 11 من فبراير سنة 1953 لإجراء عملية الانتخاب، وقد كان المدعي مرشحاً للعمدية فلما انتهت اللجنة من فرز أصوات الناخبين تبين أنه نال أغلبية مطلقة فقررت اللجنة تعيينه وأبطلت انتخاب منافسه؛ لما اتضح لها من أنه ناخب لا مرشح، ثم أرسلت النتيجة إلى وزارة الداخلية لاعتماد هذا التعيين. إلا أن الأوراق ظلت بالوزارة من 12 من فبراير سنة 1953 حتى 18 من مايو سنة 1953 إذ صدر قرار وزير الداخلية بإعادة الانتخاب استناداً إلى سببين: أولهما - أن عضو لجنة الشياخات عن مركز المنصورة يمت بصلة قرابة إلى المرشح وقد كان يقوم بأعمال سكرتيرية اللجنة الأمر الذي تنتفي معه سرية الانتخاب، والثاني - أن هذا المرشح سبق الحكم عليه بغرامة قدرها مائتا قرش. في حين أن صلة القرابة المدعى بها لا دليل عليها، فضلاً عن أن القريب المزعوم لم يقم بأعمال سكرتيرية اللجنة كما يشهد بذلك محضرها بل تولاها غيره، وأنه لا دليل على أن المذكور أو سواه من أعضاء اللجنة برح مكانه أثناء انعقادها واتصل بالناخبين للتأثير عليهم، أما الغرامات السابق الحكم بها على المدعي فإنها لم توقع عليه من أجل جرائم ماسة بالنزاهة أو الشرف مما يسقط الحق في الترشيح للعمدية. وإذا كان القانون قد خول وزير الداخلية الحق في رفض اعتماد تعيين المرشح حائز الأغلبية في منصب العمدية، فإنه قيد هذه الرخصة بضرورة وجود أسباب خطيرة تبرر العدول عن اختيار هذا المرشح، وبوجوب عدم إساءة استعمالها. ولما كانت إجراءات الانتخاب قد تمت صحيحة في جميع مراحلها فإن قرار وزير الداخلية بعدم اعتماد نتيجتها وبإعادة الانتخاب تحت تأثير بواعث من الضغينة والحقد في نفس منافس المدعي وشقيقه الذي أوحى بها إلى أولي الأمر يكون منطوياً على تعسف في استعمال السلطة. وخلص المدعي من هذا إلى طلب الحكم "بإبطال القرار واعتماده عمدة لبلدة محلة دمنة، مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقد ردت الحكومة على هذه الدعوى بأن وزارة الداخلية لم تصدق على قرار لجنة شياخات مديرية الدقهلية بتعيين المدعي عمدة لناحية محلة دمنة مركز المنصورة لسببين: (الأول) أنه تبين من تحقيق الشكاوي المقدمة في شأن هذه العمدية أن صلة قرابة قوية تربط بين المدعي وبين عضو لجنة الشياخات عن مركز المنصورة وهي صلة تنتفي معها السرية المشترطة بالفقرة الثانية من المادة العاشرة من القانون رقم 141 لسنة 1947. و(الثاني) أن المدعي سبق أن اتهم في القضيتين رقمي 1137 لسنة 1947 و746 لسنة 1950 جنح المنصورة وموضوع الأولى ضرب وقضى فيها بتغريمه خمسين قرشاً والثانية إهانة كونستابل وقضى فيها بتغريمه خمسمائة قرش مع وقف التنفيذ. كما اتهم أيضاً في القضية رقم 3671 لسنة 1951 جنح المنصورة لإهانته بالقول والإشارة ضابط نقطة محلة دمنة وقضى فيها بتغريمه مائتي قرش، ولم تكن هذه السابقة الأخيرة محل نظر اللجنة عند تعيينه. أما عن السبب الأول فإنه ولئن كانت قرابة عضو لجنة الشياخات للمدعي لا تنهض مانعاً عن عضوية اللجنة المذكورة عند طرح موضوع العمدية الخاصة بقريبه لانعدام هذا الحظر بنص صريح في القانون، إلا أن هذه القرابة من شأنها انتفاء السرية المتطلبة بالفقرة الثانية من المادة العاشرة من قانون العمد والمشايخ والمادة 15 من القرار الوزاري المنفذ له؛ إذ أن العضو المذكور كان يقوم بأعمال السكرتارية، ومن المحقق أنه سمع الناخبين جميعاً وهم يدلون بأصواتهم، وانعدام السرية على هذا النحو من شأنه أن يوقع الناخبين في حرج شديد ويؤثر على حريتهم في اختيار أفضل المرشحين. وأما عن السبب الثاني فإنه وإن كانت الأحكام الصادرة ضد المدعي لا تمنع قانوناً من ترشيحه إلا أنه لا شبهة في دلالتها على اجترائه على رجال الحفظ وهو أمر لا يرجى معه تحقيق التعاون المنشود بينه وبينهم الذي يقتضيه صالح العمل وصالح الأهلين معاً. ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون قد صدر من وزارة الداخلية في حدود سلطتها المخولة لها بالقانون وقام على أسباب صحيحة مستخلصة من أصول ثابتة في الأوراق، وهي أسباب سائغة ومقبولة ومؤدية حتماً إلى النتيجة التي انتهى إليها. وطلبت الحكومة "رفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وبجلسة 12 من أكتوبر سنة 1955 قررت محكمة القضاء الإداري إحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة الإدارية للاختصاص؛ وذلك بالتطبيق لأحكام القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة. وقد قيدت هذه الدعوى تحت رقم 34 لسنة 3 القضائية بالمحكمة الإدارية لشئون القصر ورياسة مجلس الوزراء ووزارات الداخلية والخارجية والعدل. وبجلسة 19 من فبراير سنة 1956 قضت فيها المحكمة المذكورة "بإلغاء القرار الصادر من وزارة الداخلية بتاريخ 7 من مايو سنة 1953 بعدم اعتماد تعيين المدعي عمدة لبلدة محلة دمنة مركز المنصورة مديرية الدقهلية، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأسست قضاءها على أنه ليس في نصوص قانون العمد والمشايخ رقم 141 لسنة 1947 ما يحظر وجود صلة قرابة بين المرشح للعمدية وأحد أعضاء لجنة الشياخات، كما أنه ليس من شأن هذه الصلة الإخلال بالسرية الواجب توافرها أثناء إشراف اللجنة على عملية الانتخاب طالما لم يثبت أن هذه السرية قد أخل بها فعلاً على نحو ما بسبب وجود القرابة المشار إليها. أما سبق إدانة المدعي في تهمتي إهانة رجال الحفظ فليس دليلاً على اجترائه بما لا يرجى معه تحقيق التعاون المنشود بينه وبينهم. ومن المقرر أن الحق المخول لوزير الداخلية بمقتضى المادة 11 من القانون رقم 141 لسنة 1947 في الاعتراض على قرار لجنة الشياخات باختيار العمدة إنما قصد به أن يكون للوزير الإشراف على عملية الانتخاب وسلامتها من جهة، ومن جهة أخرى سلطة عدم الموافقة على تعيين عمدة تمت إجراءات انتخابه سليمة، وذلك لتفادي ما عسى أن ينحرف إليه الناخبون من سوء الاختيار، على أن تكون رعاية الأمن العام رائدة في استعمال هذا الحق الذي يستند في أساسه إلى مسئولية وزير الداخلية عن شئون الأمن العام في الدولة. على أن سلطة الوزير هذه ليست مطلقة؛ إذ يجب أن يقوم قراره على وقائع صحيحة، وأن يكون تقديره لهذه الوقائع تقديراً سليماً. ولما كانت عملية انتخاب المدعي قد تمت إجراءاتها سليمة وفقاً للقانون، وكان سبق صدور أحكام عليه لا يؤثر في مصلحة الأمن العام، فإن القرار المطعون فيه الصادر بعدم اعتماد تعيينه عمدة للناحية وبإعادة عرض موضوع العمدية على لجنة الشياخات للنظر في تعيين العمدة من جديد يكون قد جاء مشوباً بعيب الانحراف بالسلطة حقيقاً بالإلغاء. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 19 من إبريل سنة 1956 طلب فيها "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وإلزام رافعها بالمصروفات". وبني طعنه على أنه يستخلص من مجموع نصوص قانون العمد والمشايخ أن لوزير الداخلية فضلاً عن سلطته في مراقبة سير عملية انتخاب العمدة طبقاً للإجراءات المرسومة، سلطة أخرى يستمدها من صفة كونه الوزير المسئول عن الأمن في البلاد تخوله حق رفض تعيين العمدة مهما كانت إجراءات انتخابه سليمة إذا ما قدر خطورة النتائج التي سوف تترتب على تعيين شخص غير متجاوب مع رجال الأمن، وقدر في الوقت ذاته أن في وجود قرابة بينه وبين أحد أعضاء لجنة الشياخات ما قد يعكر صفو الأمن في البلد. ولاسيما بعد أن ثار الشك في أنه قد صار على علم بمن ناصروه ومن أحجموا عن انتخابه مما قد يولد في نفسه الرضا أو الحقد على أهالي البلدة بحسب موقف كل منهم إزاءه. فإذا رفض وزير الداخلية التصديق على تعيين المدعي لهذه الأسباب، يحدوه في ذلك الصالح العام وحده، فإن قراره يكون سليماً مطابقاً للقانون. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون وقامت به حالة من حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا. وقد أودع المطعون عليه سكرتيرية المحكمة في 19 من نوفمبر سنة 1956 مذكرة بملاحظاته ردد فيها دفاعه السابق واختتمها بطلب تأييد الحكم المطعون، مع إلزام وزارة الداخلية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن القانون رقم 141 لسنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ نص في الفقرة الأولى من المادة 11 على أن "يرفع قرار لجنة الشياخات باختيار العمدة أو الشيخ إلى وزير الداخلية لاعتماده، وله ألا يوافق على القرار فيعيده إلى اللجنة مشفوعاً بملاحظاته، وعلى اللجنة في هذه الحالة دعوة الناخبين مرة أخرى لانتخاب العمدة. ويعين من يجوز أغلبية أصوات الناخبين".
ومفاد هذا النص أن وزير الداخلية - وهو المختص باعتماد قرار لجنة الشياخات باختيار العمدة أو الشيخ - يملك سلطة عدم الموافقة على هذا القرار، وفي هذه الحالة يرده إلى اللجنة مشفوعاً بملاحظاته لإعادة انتخاب العمدة. وقد أطلق الشارع سلطة الوزير عند النظر في اعتماد قرار لجنة الشياخات الأول فلم يقيدها بأسباب معينة؛ ومن ثم له أن يعترض عليه إما لأسباب قانونية أو لأسباب موضوعية يقدر هو أهميتها أو خطورتها. ولما كان وزير الداخلية هو الرئيس الإداري الأعلى المشرف على الهيئات المحلية المنوط بها القيام بالإجراءات المرسومة في القانون لانتخاب العمدة أو الشيخ، فإن له بهذه الصفة سلطة مراقبة سلامة هذه الإجراءات والتحقق من مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، فيرفض اعتماد قرار لجنة الشياخات باختيار العمدة أو الشيخ، إذا تمت العملية على وجه يخالف القانون، كما له إلى جانب هذا - بوصف كونه الوزير المسئول عن شئون الأمن في البلاد - ألا يعتمد قرار اللجنة، حتى لو تمت العملية مطابقة للقانون، لأسباب موضوعية يقدر أهميتها أو خطورتها فيما لو ولي المنتخب هذا المنصب سواء أكان ذلك لعدم تجاوبه مع القائمين على شئون الأمن أم لأنه لا يستطيع القيام بأعبائه بجدارة، أم لغير ذلك من الأسباب التي مردها إلى الحرص على رعاية المصلحة العامة، فإذا لم يعتمد القرار لمثل هذا أو ذاك من الأسباب، أعاده إلى اللجنة مشفوعاً بملاحظاته، وعليها في هذه الحالة دعوة الناخبين مرة أخرى لانتخاب العمدة، ويعين من يحوز أغلبية أصوات الناخبين.
ومن حيث إن قرار وزير الداخلية بعدم اعتماد قرار لجنة الشياخات باختيار العمدة أو الشيخ، كأي قرار إداري آخر، يجب أن يقوم على سبب يبرره، فلا يرفض الوزير اعتماد قرار اللجنة إلا إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ رفضه يضمنها ملاحظاته عند إعادة القرار إلى اللجنة، وللقضاء الإداري أن يراقب صحة قيام هذه الحالة، إلا أن للوزير حرية تقدير أهمية الحالة المذكورة وخطورة الأثر الذي قد ينجم عنها بما لا معقب عليه في هذا التقدير ما دام قراره قد خلا من شائبة إساءة استعمال السلطة؛ ذلك أن رقابة القضاء الإداري للقرار الصادر من جهة الإدارة تقف عند حد التحقق من وجود سبب صحيح لهذا القرار، أما أهمية هذا السبب أو خطورته متى قام فمن ملاءمات الإدارة التي تخضع لسلطتها المطلقة في التقدير ما دامت لا تنطوي على إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إن المادة العاشرة من القانون رقم 141 لسنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ نصت على وجوب أن يجرى أخذ أصوات الناخبين بطريقة سرية وفقاً للأوضاع التي تحدد بقرار من وزير الداخلية. وقد حرصت المادة 15 من القرار الوزاري الصادر من وزير الداخلية في 26 من نوفمبر سنة 1947 بتنفيذ هذا القانون على تحديد الأوضاع التي تضمن حرية الانتخاب وسريته، فنصت في فقرتها الرابعة على أن "ويدخل الناخبون أمام اللجنة الواحد بعد الآخر، وبعد تحقق عضو اللجنة عن المركز التابعة له القرية هو ومن معه من الأعضاء من أن اسم الناخب وارد في الكشف يتسلم الناخب من يد الرئيس ورقة وقلما وينتحي خلف ستر ليدون بالورقة اسم من يختاره للعمدية ثم يثنيها مرتين ويناولها للرئيس الذي يضعها في الصندوق"، كما نصت في فقرتها الخامسة على أن "ولكل ناخب يرغب في إعطاء صوته شفاها أن يسر إلى الرئيس باسم من يختاره على مسمع ممن يجاوره من الأعضاء، ويتولى الرئيس تدوين الاسم ويوقع تحته بإمضائه إثباتاً لذلك".
ومن حيث إن سرية الانتخاب وحرية الناخب في اختيار العمدة قد يتأثران إذا ما وجد من بين أعضاء لجنة الشياخات المنوط بها مباشرة عملية الانتخاب من يمت إلى المرشح بصلة من القرابة قد لا تؤمن معها حيدته أو تهبه وقد يكون من الأوفق أن يتنحى هذا العضو دفعاً لأي مظنة في حرية الانتخاب وسريته إذا كان القانون في تنظيمه لتشكيل اللجنة قد جعله من الاتساع بحيث يشمل أعضاء احتياطيين فيسر إمكان حلول عضو آخر مكان العضو الذي يتغيب أو يقوم به المانع أو الحرج. فقد نصت المادة 12 من قانون العمد والمشايخ على أن "تكون في كل مديرية لجنة تسمى لجنة الشياخات وتختص بالنظر في مسائل العمد والمشايخ وما يتعلق بهم وفقاً لأحكام هذا القانون وتشكل من... أربعة من الأعيان من بين المنتخبين لهذا الغرض يختارون بالدور يكون أحدهم عند التعيين من المركز الذي تتبعه القرية المعروضة مسائلها على اللجنة... وإذا غاب عضو المركز الذي تتبعه القرية حل محله العضو الآخر الذي يمثل نفس المركز - وإذا غاب الاثنين أجل المدير مسائل هذا المركز إلى الجلسة التالية، فإذا غابا عنها أيضاً جاز للمدير أن يندب من يمثل هذا المركز من الأعضاء الأعيان عن المراكز المتاخمة". كما نصت المادة 14 من هذا القانون على أن "ينتخب عن كل مركز في النصف الأول من شهر ديسمبر في الميعاد والمكان اللذين يحددهما المدير وبالطريقة المبينة بعد، اثنان من أعيان أو عمد المركز لعضوية لجنة الشياخات وتكون مدة عضويتهما سنتين". ومؤدي هذا أن ثمة دائماً عضواً احتياطياً يمكن أن يحل في لجنة الشياخات محل عضو المركز الذي تتبعه القرية إذا ما غاب أو قام به حرج أو مانع يقتضي تنحيه عن الاشتراك في عملية انتخاب العمدة حرصاً على سريتها وحريتها. وليس من شك في أن لوزير الداخلية أن يقدر أهمية هذا الظرف أو خطورته عند النظر في اعتماد قرار اللجنة على الأقل باعتباره من الأسباب الواقعية أو الموضوعية التي أطلق الشارع سلطته في تقديرها كما سلف القول مما لا معقب عليه في هذا التقدير مادام خلا من إساءة استعمال السلطة. وقد جاء بملاحظاته في كتابه إلى مدير الدقهلية المؤرخ 7 من مايو سنة 1953 أنه "تبين من تحقيق الشكاوي المقدمة في شأن تلك العمدية أنه وإن كانت قرابة عضو لجنة الشياخات عن مركز المنصورة للمنتخب المذكور لا تعتبر مانعاً عن عضويته للجنة المذكورة عند نظر العمدية الخاصة بقريبه؛ وذلك لعدم النص على مثل هذا الحظر بالقانون، إلا أن هذه القرابة ولا شك تنتفي معها السرية المشترطة بالفقرة الثانية في المادة العاشرة من القانون، والمادة الخامسة عشرة من القرار الوزاري المنفذ له؛ إذ أن الثابت أن عضو اللجنة عن المركز يمت للمنتخب بصلة القرابة القريبة وأنه كان يقوم بأعمال السكرتارية، ومن المحقق أنه سمع الناخبين عند الإدلاء بأصواتهم شفها، وأن عدم توفر السرية على النحو المتقدم من شأنه أن يعرض الناخبين لكثير من الحرج ويجعلهم غير آمنين على بقاء رأيهم سرياً.."، كما جاء في كتابه من الأسباب الأخرى لرفض اعتماد القرار "حيث إنه فضلاً عن ذلك فإن المنتخب المذكور سبق اتهامه في القضيتين رقمي 1137 سنة 1947 و746 سنة 1950 جنح المنصورة الأولى ضرب وقضي فيها بتغريمه 50 قرشاً والثانية إهانة كونستابل وقضي فيها بتغريمه 500 قرش مع إيقاف التنفيذ. كما اتهم في القضية رقم 3671 جنح المنصورة سنة 1951 لإهانته بالإشارة والقول ضابط نقطة محلة دمنة وحكم عليه فيها بتغريمه 200 قرش، وأن هذه السابقة لم تكن محل نظر اللجنة عند تعيينه. وحيث إنه وإن كانت هذه الأحكام لا تمنع من ترشيحه إلا أن لها دلالتها على مبلغ اجترائه على رجال الحفظ ولا تبشر بإمكان تحقيق التعاون بينهم فيما لو أسندت إليه وظيفة العمدية".
ومن حيث إن الأسباب المتقدمة التي استند إليها وزير الداخلية في قراره برفض الموافقة على قرار لجنة الشياخات هي أسباب قويمة تقوم على استخلاص سائغ من وقائع صحيحة لها أصل ثابت في عيون الأوراق، وقد أعمل - في هذه الرخصة وفي وزن ملاءمة عدم اعتماد تعيين المدعي عمدة - سلطته التقديرية التي لا معقب عليها في الحدود التي خوله إياها القانون مبتغياً بذلك وجه المصلحة العامة. ومن ثم فإن قراره يكون قد صدر سليماً مطابقاً للقانون، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء هذا القرار قد بني على خطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.