أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 21 - صـ 522

جلسة 5 من أبريل سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين عزام، وعضوية السادة المستشارين: سعد الدين عطية، وأنور خلف، ومحمود عطيفه، والدكتور محمد محمد حسنين.

(126)
الطعن رقم 209 لسنة 40 القضائية

(أ، ب، ج، د، هـ، و) ضرب أفضى إلى موت. إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهود". "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". رابطة السببية. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
( أ ) تطابق أقوال الشهود مع مضمون الدليل الفني. غير لازم. شرط ذلك؟
(ب) تقدير توافر علاقة السببية بين الإصابات والوفاة في جريمة الضرب المفضي إلى الموت. أمر موضوعي. مثال لتسبيب غير معيب.
(ج) عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي المختلفة. شرط ذلك؟
(د) عدم التزام المحكمة بالرد صراحة على الدفاع الموضوعي. كفاية الرد الضمني.
(هـ) تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله وكذلك تناقض رواية شهود الإثبات في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم. شرط ذلك؟
(و) وزن أقوال الشهود. موضوعي.
1 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملائمة والتوفيق. ولما كان البين من مجموع ما أورده الحكم المطعون فيه أنه قد أثبت أن إصابة المجني عليه التي أودت بحياته قد حدثت نتيجة اعتداء الطاعن عليه بالركل بالقدم واستظهر قول المجني عليه وشهود الإثبات بما يتفق وصحة هذا الإسناد ونقل عن تقرير الصفة التشريحية أن الوفاة نتجت عن هذه الإصابة وجواز أن تكون قد حدثت إصابة أخرى بمنطقة الخصيتين دون أن تترك أثراً يدل عليها وتسبب عنها الألم الذي كان يشكو منه المجني عليه أو أن يكون ذلك الألم نتيجة تأثير عصبي من نفس الإصابة التي وقعت على جدار البطن والتي أدت إلى حصول تمزق الأمعاء، فإن في ذلك جميعاً ما يكفي لدحض دعوى التناقض بين الدليلين القولي والفني ويكون ما أثاره الطاعن في هذا الصدد غير سديد.
2 - من المقرر أن قيام رابطة السببية بين الإصابات والوفاة في جريمة الضرب المفضي إلى الموت من الأمور الموضوعية التي تخضع لتقدير قاضي الموضوع، ومتى فصل في شأنها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه، ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه.
3 - لا تلتزم المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة ما دامت قد أوردت في حكمها ما يدل على أنها واجهت عناصر الدعوى وألمت بها على وجه يفصح عن أنها فطنت إليها ووازنت بينها.
4 - لا تلتزم المحكمة بالرد على الدفاع الموضوعي رداً صريحاً بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت التي عولت عليها.
5 - من المقرر أن تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله أو تناقض رواية شهود الإثبات في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته ما دام الثابت منه أنه استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، وما دام أنه لم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته.
6 - وزن أقوال الشهود متروك لتقدير محكمة الموضوع. ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 12/ 7/ 1967 بدائرة قسم مصر القديمة محافظة القاهرة: ضرب حسين نصار بسيوني عمداً بأن ركله بقدمه في بطنه فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يكن يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة سبع سنوات. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض....إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه فساد في الاستدلال، ذلك بأنه عول في قضائه على دليلين متناقضين دون أن يرفع هذا التناقض إذ استند إلى أقوال الشهود وتقرير الصفة التشريحية مع أن أقوال الشهود على النحو الذي حصله الحكم تفيد أنهم نقلوا عن المجني عليه أن الطاعن ضربه في خصيته في حين أن تقرير الصفة التشريحية قاطع الدلالة في أن المجني عليه أصيب بتمزق في الأمعاء وهو موضع مغاير لما شهد به الشهود وتكون المحكمة قد فهمت واقعة الدعوى على نحو يخالف المستفاد من أوراقها، كما ينعي على الحكم المطعون فيه القصور والإخلال بحق الدفاع ذلك أن المدافع عن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع بانتفاء رابطة السببية بين وفاة المجني عليه والإصابة المسندة إليه بمقولة إن الوفاة نتجت عن جراحة أجريت، إلا أن الحكم لم يعرض لهذا الدفاع بالرد أو المناقشة، كما عول على أقوال شهود الإثبات على الرغم من تناقضها في تفصيلات الواقعة مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه بين واقعة الدعوى بقوله: "إنه في يوم الحادث حوالي الساعة 5 م كان المجني عليه في طريقه إلى عمله فقابله المتهم وطالبه بالوفاء بمبلغ الجنيه الذي ضمن سداده من مدينه الأصيل وحدثت بينهما مشادة كلامية ثم تماسك بالأيدي وفي أثناء ذلك ركل المتهم المجني عليه بقدمه التي يلبس بها حذاء ركلة قوية في أسفل بطنه أحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أفضت إلى موته" واستند في ثبوت الواقعة على هذه الصورة إلى أدلة استمدها من أقوال سالمه حسن صالح وعبد المحسن خليفة عبد النبي وصديق محمد سلامه وأقوال المجني عليه بمحضر جمع الاستدلالات قبل وفاته وتقرير الصفة التشريحية. ثم استظهر الحكم أدلة الثبوت فحصل أقوال الشهود بما مؤداه أن المجني عليه أنبأهم بأن الطاعن ركله بقدمه في خصيته وحصل أقوال المجني عليه بما يطابق ذلك، ثم نقل عن تقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليه أن إصاباته عبارة عن "تمزق إصابي بالأمعاء الدقيقة حدث من إصابة رضية وقعت على مقدم جدار البطن ويجوز حصولها من مثل الضرب بشدة بقبضة اليد أو الركل بالقدم في وقت يتفق وتاريخ الحادث وقد أدت هذه الإصابة إلى الوفاة مما أحدثته من تمزق بالأمعاء والتهاب بريتوني مضاعف وأنه لم توجد بالمجني عليه أية آثار إصابية بمنطقة الخصيتين ومن الممكن أن تكون قد وقعت إصابة أخرى بهذا الوضع لم تترك أي أثر يدل عليها وتسبب عنها الألم الذي كان يشكو منه المجني عليه. كما أن هذا الألم قد يكون أيضاً من تأثير عصبي من نفس الإصابة التي وقعت على مقدم جدار البطن والتي أدت إلى حصول تمزق الأمعاء" لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملائمة والتوفيق. ولما كان البين من مجموع ما أورده الحكم المطعون فيه أنه قد أثبت أن إصابة المجني عليه التي أودت بحياته قد حدثت نتيجة اعتداء الطاعن عليه بالركل بالقدم واستظهر قول المجني عليه وشهود الإثبات بما يتفق وصحة هذا الإسناد ونقل عن تقرير الصفة التشريحية أن الوفاة نتجت عن هذه الإصابة وجواز أن تكون قد حدثت إصابة أخرى بمنطقة الخصيتين دون أن تترك أثراً يدل عليها وتسبب عنها الألم الذي كان يشكو منه المجني عليه أو أن يكون ذلك الألم نتيجة تأثير عصبي من نفس الإصابة التي وقعت على جدار البطن والتي أدت إلى حصول تمزق الأمعاء، فإن في ذلك جميعاً ما يكفي لدحض دعوى التناقض بين الدليلين القولي والفني ويكون ما أثاره الطاعن في هذا الخصوص غير سديد.
وحيث إنه يتضح من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. ولما كان من المقرر أن قيام رابطة السببية بين الإصابات والوفاة في جريمة الضرب المفضي إلى الموت من الأمور الموضوعية البحتة التي تخضع لتقدير قاضي الموضوع ومتى فصل في شأنها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه كما هو الشأن في الدعوى المطروحة. هذا ولا تلتزم المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة ما دامت قد أوردت في حكمها ما يدل على أنها واجهت عناصر الدعوى وألمت بها على وجه يفصح عن أنها فطنت إليها ووازنت بينها، وأنها لا تلتزم بالرد على الدفاع الموضوعي رداً صريحاً بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت التي عولت عليها. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أورد من بين الأدلة التي استند إليها في قضائه ما خلص إليه بتقرير الصفة التشريحية من أن وفاة المجني عليه إنما كانت نتيجة مباشرة لتمزق الأمعاء الدقيقة الذي حدث من إصابة رضية وقعت على مقدم جدار البطن فإن في ذلك ما ينفي أي احتمال لتداخل عامل خارجي آخر في إحداث الوفاة مثل إجراء جراحة للمجني عليه كما يدعي الطاعن ويكفي بالتالي لحمل قضائه بغير حاجة لتحقيق ذلك الدفاع إذ أن ما أورده الحكم على تلك الصورة قاطع الدلالة على أن المحكمة واجهت عناصر الدعوى وألمت بها إلماماً تاماً ثم جاء قضاؤها بالإدانة متضمناً إطراح ذلك الدفاع مما أوردته من أدلة الثبوت ومن ثم فإن ما نعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه في هذا الصدد يكون غير سديد. وكان الحكم المطعون فيه قد حصل أقوال شهود الإثبات بما مؤداه أنهم سمعوا من المجني عليه أن الطاعن ركله بقدمه في خصيتيه كما حصل أقوال المجني عليه في محضر جمع الاستدلالات بما يطابق هذه الواقعة وعلى أساس ما استخلصه من تلك الأقوال في جوهرها بني الحكم يقينه حين دان الطاعن بالجريمة المسندة إليه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله أو تناقض رواية شهود الإثبات في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته ما دام الثابت منه أنه استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه وما دام أنه لم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته وكان وزن أقوال الشهود متروك لتقدير محكمة الموضوع ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.