أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 21 - صـ 532

جلسة 6 من أبريل سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمد أبو الفضل حفني، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم أحمد الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، ومصطفى محمود الأسيوطي، ومحمد ماهر حسن.

(128)
الطعن رقم 1947 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج، د، هـ، و) إجراءات المحاكمة. حكم. "وصف الحكم". "دعوى جنائية". "نظرها والحكم فيها". محكمة الجنايات. "الإجراءات أمامها". "نظرها الدعوى والحكم فيها". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "سلطة محكمة النقض". استيلاء على مال للدولة بغير حق. إخفاء أشياء متحصلة من جناية. "ارتباط".
( أ ) الحكم الصادر في دعوى نظرت في حضرة أحد المتهمين وبعد استيفاء دفاعه. حكم حضوري. ولو استمرت المرافعة لغيره من المتهمين. ولو لم يحضر أثناء نظرها بالنسبة لهؤلاء المتهمين.
(ب) حضور الخصم أو غيابه واعتبار الحكم حضورياً أو غيابياً. أمر واقع.
(ج) حضور الخصم جلسة المحاكمة وسماع البينة في حضرته. وكونه أتم دفاعه أو كان في وسعه إتمامه. الحكم الصادر قبله. يكون حضورياً. بصرف النظر عن موقف غيره من المتهمين.
(د) تمام المرافعة. العبرة فيه. بالواقع بالنسبة لكل متهم.
(هـ) جواز تجزئة الدعوى الموجهة بإجراء واحد إلى عدة دعاوى. تنفرد كل منها بمتهم. بالنسبة لما وجه إليه من اتهام. استقلال جريمة المتهم بالاستيلاء على المال بغير وجه حق عن جريمة المتهم بإخفاء هذا المال.
(و) طلب وقف نظر الطعن لتحري وصف حكم الجنايات المطعون فيه. لا محل له أمام النقض. تحري هذا الوصف من القانون الذي تبينه محكمة النقض وتفصل أحكامه دون انتظار قضاء لسواها.
(ز، ح، ط) اختصاص. "الاختصاص المحلي". دفوع. "الدفع بعدم الاختصاص". استيلاء على مال للدولة بغير حق. جريمة. "أركانها". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(ز) اختصاص المحكمة الجنائية. تعيينه. بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة أو الذي يقيم به المتهم أو يقبض عليه فيه. لا أفضلية بين هذه الأماكن في إيجاب الاختصاص. المادة 217 إجراءات.
(ح) تمام جريمة الاستيلاء على المال بغير وجه حق في دائرة محكمة ما. اختصاصها بنظر الدعوى عنها. تحقق الاستيلاء على المال بغير حق بانتزاعه خلسة أو حيلة أو عنوة. اتصال الجاني بعد ذلك بالمال أثر من آثاره.
(ط) شروط التمسك بالدفع بعدم الاختصاص لأول مرة أمام النقض؟
(ى، ك، ل، م) اختلاس أموال أميرية. رشوة. جريمة "أركانها". موظفون عموميون. عقوبة. "تطبيقها". فاعل أصلي. اشتراك. إثبات. "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ى) انطباق أحكام الرشوة والاختلاس عند تحققها. على جميع فئات العاملين في الحكومة والجهات التابعة لها فعلاً أو الملحقة بها حكماً. مهما تنوعت أشكالها. وأياً كانت درجة الموظف أو من في حكمه أو نوع عمله.
(ك) المناط في قيام صفة الموظف. بالموطن الذي انصرف إليه مراد الشارع فحسب.
(ل) الغرامة المنصوص عليها في المادة 118 عقوبات. طبيعتها: من الغرامات النسبية التي أشارت إليها المادة 44 عقوبات. تضامن المتهمين في الالتزام بها. فاعلين كانوا أو شركاء. ما لم ينص الحكم على خلاف ذلك.
(م) ضبط الأشياء المختلسة. لا يمنع الحكم بالغرامة النسبية.
(ن، س، ع) إثبات. "اعتراف". إكراه. دفوع. "الدفع ببطلان الاعتراف". بطلان. اعتراف. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(ن) الاعتراف. ماهيته. حق المحكمة في الأخذ بالاعتراف الصادر من أي دور من أدوار التحقيق. متى اطمأنت إليه.
(س) إثارة بطلان الاعتراف لأول مرة أمام النقض. غير مقبولة.
(ع) متى لا تعد عبارة الدفاع. دفعاً ببطلان الاعتراف أو إشارة إلى الإكراه المبطل له؟
1 - إذا كان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن جميع المتهمين عدا المتهم الأول - الذي لم يطعن - حضروا جلسة 16 من أبريل سنة 1969 وقد نظرت المحكمة الدعوى في حضورهم واستمعت لدفاع الطاعنين وبعد أن استوفيا دفاعهما وانتهيا إلى طلب البراءة، أمرت المحكمة باستمرار المرافعة لليوم التالي، وفي هذه الجلسة حضر جميع المتهمين عدا الطاعنين والمتهم الأول، وتولى الدفاع عن الحاضرين تفنيد التهم المسندة إليهم، ثم أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه، فإن هذا الحكم يكون حضورياً بالنسبة للطاعنين.
2 - من البداهة ذاتها أن حضور الخصم أمام المحكمة أمر واقع وغيابه كذلك، واعتبار الحكم حضورياً أو غيابياً فرع من هذا الأصل.
3 - يعتبر الحكم الصادر من محكمة الجنايات في جناية، حضورياً بالنسبة إلى الخصم الذي يمثل في جلسة المحاكمة وتسمع البينة في حضرته ويتم دفاعه أو يسعه أن يتمه بصرف النظر عن موقف غيره من الخصوم.
4 - إن العبرة في تمام المرافعة بالنسبة لمتهم، هي بواقع حالها وما انتهت إليه، أعلن هذا الواقع في صورة قرار أو لم يعلن، أجلت الدعوى بالنسبة إلى غيره من الخصوم لإتمام دفاعه أو لم تؤجل، ما دامت المحكمة لم تحتفظ له بإبداء دفاع جديد، ولم تأمر بإعادة الدعوى إلى المرافعة لسماعه. وإذ كان ما تقدم، وكان الواقع أن القضية قد سمعت بيناتها بحضور الطاعنين واستوفى الدفاع عنهما مرافعته، فإن الإجراء بالنسبة إليهما يكون حضورياً، ولا يزيل هذا الوصف أن يكون سواهما من المتهمين لم يستوفوا بعد دفاعهم، أو أن يتخلف الطاعنان في الجلسة التالية التي أجلت إليها الدعوى في مواجهتهما لسماع دفاع غيرهما من المتهمين، فإن ذلك من جانبهما تفريط في واجب السهر على دعواهما لا يلومان فيه إلا نفسيهما، ولا يخولهما النعي على المحكمة بشيء، لأن المحكمة أولتهما كل ما يوجب القانون عليها أن توليه حماية لحق الدفاع.
5 - إن الدعوى الموجهة بإجراء واحد قد تنحل في الواقع إلى عدة دعاوى، تنفرد كل منها بمتهم بعينه بالنسبة لتهمة أو تهم محددة تجري محاكمته عنها، لا سيما أن ما أسند إلى الطاعنين والمتهم الأول من استيلاء بدون وجه حق على مال شركة من شركات القطاع العام، مستقل عما اتهم به غيرهم من المتهمين من إخفاء لهذا المال.
6 - لا محل لما طلبه الدفاع عن الطاعنين من وقف نظر الطعن انتظاراً لما عسى أن يكون لمحكمة الجنايات من رأي في وصف الحكم الصادر منها، لأن تحري هذا الوصف من القانون الذي تبينه المحكمة وتفصل حكمه ولا يصح أن تنتظر فيه قضاء لسواها.
7 - إن الاختصاص بحسب المادة 217 من قانون الإجراءات الجنائية، يتعين بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة، أو الذي يقيم فيه المتهم، أو الذي يقبض عليه فيه، وهذه الأماكن الثلاثة قسائم متساوية في إيجاب اختصاص المحكمة بنظر الدعوى ولا تفاضل بينها.
8 - الاستيلاء على مال الدولة يتم بانتزاع المال خلسة أو حيلة أو عنوة، أما اتصال الجاني أو الجناة بعد ذلك بالمال المستولي عليه، فهو امتداد لهذا الفعل وأثر من آثاره. وإذ كان ذلك، وكان الاستيلاء قد تم في دائرة محكمة معينة، فإنها تختص بنظر الدعوى عن هذا الفعل.
9 - لئن كان اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى من جهة مكان وقوع الجريمة متعلقاً بالنظام العام، إلا أن الدفع بعدمه أمام محكمة النقض، مشروط بأن يكون مستنداً إلى وقائع أثبتها الحكم المطعون فيه ولا يقتضي تحقيقاً موضوعياً وكانت الواقعة كما بينها الحكم تثبت الاختصاص إلى المحكمة التي أصدرته ولا تنفيه طبقاً للمناط المتقدم، فإن الدفع بعدم الاختصاص يكون غير سديد.
10 - رأى الشارع اعتبار العاملين بالشركات التي تساهم الدولة أو إحدى الهيئات العامة في مالها بنصيب بأية صفة كانت في حكم الموظفين العموميين في تطبيق جريمتي الرشوة والاختلاس فأورد نصاً مستحدثاً في باب الرشوة هو المادة 111 وأوجب بالمادة 119 من قانون العقوبات سريانه على جرائم الباب الرابع من الكتاب الثاني المتضمن المادة 113 التي طبقها الحكم المطعون فيه، وهو بذلك إنما دل على اتجاهه إلى التوسع في تحديد مدلول الموظف العام في جريمة الاستيلاء بدون وجه حق، وأراد معاقبة جميع فئات العاملين في الحكومة والجهات التابعة لها فعلاً والملحقة بها حكماً، مهما تنوعت أشكالها، وأياً كانت درجة الموظف أو من في حكمه وأياً كان نوع العمل المكلف به، وقد اعتبر البند السادس في هذه المادة المضافة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 في حكم الموظفين العموميين، أعضاء مجالس إدارة ومديري ومستخدمي المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت، إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في مالها بنصيب ما بأيه صفة كانت.
11 - لا محل للاستدلال بانحسار صفة الموظف العام عن موظفي الشركات في موطن الحماية التي أسبغها المشرع على الموظفين العموميين في المادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية في شأن رفع الدعوى الجنائية، إذ المناط في قيام هذه الصفة، الموطن الذي انصرف إليه مراد الشارع ولا يمتد إلى غيره، ولا قياس في هذا الصدد.
12 - من المقرر أن الغرامة التي نصت عليها المادة 118 من قانون العقوبات، وإن كان الشارع قد ربط لها حداً أدنى لا يقل عن خمسمائة جنيه، إلا أنها من الغرامات النسبية التي أشارت إليها المادة 44 من القانون سالف الذكر، وبالتالي يكون المتهمون أياً كانت صفاتهم متضامنين في الالتزام بها، ما لم ينص في الحكم على خلافه، ذلك بأن المشرع في المادة 118 من قانون العقوبات ألزم بها الجاني بصفة عامة دون تخصيص، وجاءت عبارة المادة 44 مطلقة شاملة للفاعلين أو الشركات دون تقييد بأن يكون من حكم بها عليه موظفاً أو من في حكمه لما كان ذلك، فإن ما يقوله الطاعن الثاني عن عدم انعطاف حكم الغرامة النسبية عليه لكونه غير موظف، شريكاً لا فاعلاً، لا يتفق وصحيح القانون.
13 - إن ضبط الأشياء المختلسة (إطارات) لا شأن له بالغرامة النسبية الواجب القضاء بها.
14 - من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ولها في سبيل ذلك أن تأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق، متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للواقع وإن عدل عنه في مراحل أخرى.
15 - إذا كان الحكم قد أورد مؤدى الاعترافات التي عول عليها في الإدانة، وقال بصدورها عن طواعية واختيار، فإنه لا يقبل من الطاعن أن يثير أمام محكمة النقض لأول مرة بطلان الاعتراف.
16 - متى تبين من الرجوع إلى محاضر جلسات المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن الثاني لم يدفع ببطلان الاعتراف الصادر منه ولم يقل أنه كان وليد إكراه، وكل ما قاله هذا الدفاع عنه في هذا الصدد هو أن الاعترافات الموجودة في الدعوى "اعترافات غير سليمة" دون أن يبين وجه ما ينعاه على هذه الاعترافات مما يشكك في سلامتها، فإنه لا يمكن القول بأن هذه العبارة المرسلة التي ساقها، تشكل دفعاً ببطلان الاعتراف أو تشير إلى الإكراه المبطل له، وكل ما يمكن أن تنصرف إليه، هو التشكيك في الدليل المستمد من الاعتراف، توصلاً إلى عدم تعويل المحكمة عليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1 -...: 2 - (الطاعن) 3 -... (الطاعن) 4 -... 5 -... 6 -... 7 -... 8 -... 9 -... بأنهم في يوم 27 سبتمبر سنة 1965 بدائرة مركز كوم حمادة محافظة البحيرة: المتهمان الأول والثاني: بصفتهما مستخدمين عموميين بشركة المباني الريفية استوليا بغير حق على إطارات السيارة المبينة وصفاً وقيمة بالمحضر والمملوكة للشركة التي يعملان بها. المتهم الثالث: اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهمين الأول والثاني في ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بأن اتفق معهما على إحضار السيارة إلى القاهرة ثم ساعدهما في حمل الإطارات وبيعها. المتهمون من الرابع إلى التاسع: أخفوا الإطارات المبينة الوصف والقيمة بالمحضر والمملوكة لشركة المباني مع علمهم بأنها متحصلة من جناية استيلاء على أموال الدولة بدون وجه حق. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقاً للمواد 40/ 2 و3 و41 و44 مكرر و111/ 6 و113/ 1 و118 و119 من قانون العقوبات فقرر بذلك، ومحكمة جنايات دمنهور قضت عملاً بمواد الاتهام بالنسبة للمتهمين الأول والثاني والثالث والمواد 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى المتهمين من الرابع إلى التاسع غيابياً للأول وحضورياً للباقين (أولاً) بمعاقبة كل من...... و...... بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنين وعزلهما من وظيفتهما وتغريمهما والمتهم الثالث متضامنين بمبلغ خمسمائة جنيه (ثانياً)...... بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنين (ثالثاً) براءة كل من....... و....... و....... و....... و....... و....... مما أسند إليهم. فطعن المحكوم عليهما الأول والثاني في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن نيابة دمنهور الكلية قد أفادت بكتابها المؤرخ 18 من مارس سنة 1970 أنها اعتبرت الحكم المطعون فيه الصادر من محكمة الجنايات قبل الطاعنين حكماً غيابياً وأنها اتخذت إجراءات إعادة المحاكمة، وبناء عليه طلب الدفاع عن الطاعنين إلى هذه المحكمة وقف نظر الطعن إلى ما بعد الحكم من محكمة جنايات دمنهور من نتيجة السير في إعادة الإجراءات. لما كان ذلك، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن جميع المتهمين عدا المتهم الأول الذي لم يطعن حضروا جلسة 16 من أبريل سنة 1969 وقد نظرت المحكمة الدعوى في حضورهم واستمعت لدفاع الطاعنين وبعد أن استوفيا دفاعهما وانتهيا إلى طلب البراءة أمرت المحكمة باستمرار المرافعة لليوم التالي. وفي هذه الجلسة حضر جميع المتهمين عدا الطاعنين والمتهم الأول وتولى الدفاع عن الحاضرين تفنيد التهم المسندة إليهم ثم أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون حضورياً بالنسبة للطاعنين ذلك بأن من البداهة ذاتها أن حضور الخصم أمام المحكمة أمر واقع وغيابه كذلك واعتبار الحكم حضورياً أو غيابياً فرع من هذا الأصل، ويعتبر الحكم من محكمة الجنايات في جناية حضورياً بالنسبة إلى الخصم الذي يمثل في جلسة المحاكمة وتسمع البينة في حضرته ويتم دفاعه أو يسعه أن يتمه بصرف النظر عن موقف غيره من الخصوم كما أن العبرة في تمام المرافعة هي بواقع حالها وما انتهت إليه أعلن هذا الواقع في صورة قرار أو لم يعلن، أجلت الدعوى بالنسبة إلى غيره من الخصوم لإتمام دفاعه أو لم تؤجل ما دامت المحكمة لم تحتفظ له في إبداء دفاع جديد، ولم تأمر بإعادة الدعوى إلى المرافعة لسماعه، وإذ كان الواقع أن القضية قد سمعت بيناتها بحضور الطاعنين واستوفى الدفاع عنهما مرافعته، فإن الإجراء بالنسبة إليهما يكون حضورياً، ولا يزيل هذا الوصف أن يكون سواهما من المتهمين لم يستوفوا بعد دفاعهم، أو أن يتخلف الطاعنان في الجلسة التالية التي أجلت إليها الدعوى في مواجهتهما لسماع دفاع غيرهما من المتهمين، فإن ذلك من جانبهما تفريط في واجب السهر على دعواهما لا يلومان فيه إلا نفسيهما، ولا يخولهما النعي على المحكمة بشيء، لأن المحكمة أولتهما كل ما يوجب القانون عليها أن توليه حماية لحق الدفاع، لهذا ولأن الدعوى الموجهة بإجراء واحد قد تنحل في الواقع إلى عدة دعاوى تنفرد كل منها بمتهم بعينه بالنسبة لتهمة أو تهم محددة تجري محاكمته عنها لا سيما أن ما أسند للطاعنين والمتهم الأول من استيلاء بدون وجه حق على مال شركة من شركات القطاع العام مستقل عما اتهم به غيرهم من المتهمين من إخفاء لهذا المال. لما كان ذلك، فإن الطعن يكون جائزاً ولا محل لما طلبه الدفاع عن الطاعنين من وقف نظر الطعن انتظاراً لما عسى أن يكون لمحكمة الجنايات من رأي في وصف الحكم الصادر منها لأن تحري هذا الوصف من القانون الذي تبينه هذه المحكمة وتفصل حكمه ولا يصح أن تنتظر فيه قضاء لسواها. ومن حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
ومن حيث إنه عن الطعن المقدم من الطاعن الأول فإن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الاستيلاء بغير حق على إطارات السيارة المملوكة للشركة التي يعمل بها قد شابه قصور في التسبيب ذلك بأنه عول في إدانته على اعتراف الطاعن الثاني دون أن يورد هذا الاعتراف أو يرد على ما تمسك به الدفاع عن الطاعن الثاني من بطلانه لأنه كان وليد الإكراه الواقع عليه فضلاً عن تناقض الحكم حين أخذ الطاعن الأول باعترافات المتهمين الأول والثالث وأهدرها بالنسبة لباقي المتهمين مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الرجوع إلى محاضر جلسات المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن الثاني لم يدفع ببطلان الاعتراف الصادر منه ولم يقل أنه كان وليد إكراه، وكل ما قاله الدفاع عنه في هذا الصدد هو أن الاعترافات الموجودة في الدعوى اعترافات غير سليمة دون أن يبين وجه ما ينعاه على هذه الاعترافات مما يشكك في سلامتها ولا يمكن القول بأن هذه العبارة المرسلة التي ساقها تشكل دفعاً ببطلان الاعتراف أو تشير إلى الإكراه المبطل له وكل ما يمكن أن تنصرف إليه هو التشكيك في الدليل المستمد من الاعتراف توصلاً إلى عدم تعويل المحكمة عليه. ولما كان الحكم قد أورد مؤدى هذه الاعترافات التي عول عليها في الإدانة وقال بصدورها عن طواعية واختيار وكان لا يقبل من الطاعن أن يثير أمام محكمة النقض لأول مرة بطلان الاعتراف وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها في سبيل ذلك أن تأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للواقع وإن عدل عنه في مراحل أخرى. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن الأول في طعنه يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إنه عن الطعن المقدم من الطاعن الثاني فإن هذا الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الاشتراك بطريق الاتفاق والمساعدة مع الطاعن الأول وآخر في ارتكاب جريمة الاستيلاء سالفة الذكر قد خالف القانون وشابه قصور وتناقض في التسبيب وبني على الإخلال بحق الدفاع، ذلك لعدم اختصاص المحكمة التي أصدرته إذ أن الاستيلاء على إطارات السيارة حدث بدائرة محافظة القاهرة مما ينعقد به اختصاص محكمة جنايات القاهرة بنظر الدعوى طبقاً للمادة 217 من قانون الإجراءات الجنائية، وكان لزاماً على المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها بغير دفع يبديه المتهم لتعلقه بالنظام العام، هذا إلى أن الحكم المطعون فيه اعتبر أن الواقعة المسندة إلى المتهمين جناية باعتبار أن الطاعن الأول والمتهم الأول من فئة الموظفين العموميين مع أن هذا الوصف لا يقوم بهما إذ هما مجرد مستخدمين بشركة المباني الريفية التابعة لمؤسسة استصلاح الأراضي وبالتالي فإن التكييف الصحيح للفعل الجنائي المسند إليهما لا يجاوز الجنحة، كما أن الحكم المطعون فيه قد ساءل الطاعن الثاني عن الغرامة النسبية بالتضامن مع المتهمين الأول والثاني مع أن هذه الغرامة لا يصح القضاء بها إلا على الموظفين العموميين وليس الطاعن الثاني منهم فضلاً عن أن الإطارات قد ردت إلى الشركة المجني عليها مما يجعل الجريمة في مرحلة الشروع، هذا إلى عدم سلامة الاعترافات المعزوة إلى الطاعن الثاني وإن جسم الجريمة لم يحدد، كما لم يثبت أن الإطارات المضبوطة ملك الشركة المجني عليها وقد أطرح الحكم المطعون فيه هذا الدفاع بما لا يسوغه إذ أخذ باعترافات في حق الطاعنين دون غيرهما من المتهمين، ولم يعرض لما أثبته الضابط في محضره من محو بعض أرقام إطارات السيارة كما ضرب صفحاً عن وجود نظير لها في الأسواق، كل هذا يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الاستيلاء على مال الدولة يتم بانتزاع المال خلسة أو حيلة، أو عنوة، وهذا الفعل وقع في دائرة محكمة جنايات دمنهور التي أصدرت الحكم، أما اتصال الجاني أو الجناة بعد ذلك بالمال المستولى عليه فهو امتداد لهذا الفعل وأثر من آثاره، ومن جهة أخرى فإن الاختصاص بحسب المادة 217 من قانون الإجراءات الجنائية يتعين بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة أو الذي يقيم فيه المتهم أو الذي يقبض عليه فيه وهذه الأماكن الثلاثة قسائم متساوية في إيجاب اختصاص المحكمة بنظر الدعوى لا تفاضل بينها، ولا يدعي الطاعن الثاني أن الاختصاص منتف عن المحكمة من كل وجه من هذه الوجوه، كما أن اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى من جهة مكان وقوع الجريمة وإن كان متعلقاً بالنظام العام إلا أن الدفع بعدمه لأول مرة أمام محكمة النقض مشروط بأن يكون مستنداً إلى وقائع أثبتها الحكم المطعون فيه وألا يقتضي تحقيقاً موضوعياً والواقعة كما بينتها تثبت الاختصاص للمحكمة التي أصدرته ولا تنفيه طبقاً للمناط المتقدم ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الوجه لا يكون سديداً، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بين أن السيارة والإطارات مملوكة لشركة المباني الريفية التابعة لمؤسسة الإصلاح الزراعي وأن المتهمين الأولين يعملان سائقين بالشركة المذكورة. ولما كان الشارع قد رأى اعتبار العاملين بالشركات التي تساهم الدولة أو إحدى الهيئات العامة في مالها بنصيب بأية صفة كانت في حكم الموظفين العموميين في تطبيق جريمتي الرشوة والاختلاس فأورد نصاً مستحدثاً في باب الرشوة هو المادة 111 وأوجب بالمادة 119 من قانون العقوبات سريانه على جرائم الباب الرابع من الكتاب الثاني المتضمن المادة 113 التي طبقها الحكم المطعون فيه وهو بذلك إنما دل على اتجاهه إلى التوسع في تحديد مدلول الموظف العام في جريمة الاستيلاء بدون وجه حق وأراد معاقبة جميع فئات العاملين في الحكومة والجهات التابعة لها فعلاً أو الملحقة بها حكماً مهما تنوعت أشكالها وأياً كانت درجة الموظف أو من في حكمه وأياً كان نوع العمل المكلف به. لما كان ذلك، وكان البند السادس في هذه المادة المضافة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 قد اعتبر في حكم الموظفين العموميين أعضاء مجالس إدارة ومديري ومستخدمي المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت فمن ثم فإن المتهم الأول والطاعن الأول يكونان في حكم الموظفين العموميين ويكون الفعل الذي قارفاه جناية استيلاء على أموال إحدى الهيئات العامة بدون وجه حق وهي الجناية التي ساء لهما الحكم عنها وبالتالي فإن الاشتراك في هذه الجريمة يكون جناية أيضاً، ولا محل للاستدلال بانحسار صفة الموظف العام عن موظفي الشركات في موطن الحماية التي أسبغها المشرع على الموظفين العموميين في المادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية في شأن رفع الدعوى الجنائية، إذ المناط في قيام هذه الصفة الموطن الذي انصرف إليه مراد الشارع ولا يمتد إلى غيره ولا قياس عليه في هذا الصدد، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الغرامة التي نصت عليها المادة 118 من قانون العقوبات وإن كان الشارع قد ربط لها حداً أدنى لا يقل عن خمسمائة جنيه، إلا أنها من الغرامات النسبية التي أشارت إليها المادة 44 من القانون سالف الذكر وبالتالي يكون المتهمون أياً كانت صفاتهم متضامنين في الالتزام بها ما لم ينص في الحكم على خلافه، ذلك بأن المشرع في المادة 118 من قانون العقوبات ألزم بها الجاني بصفة عامة دون تخصيص وجاءت عبارة المادة 44 مطلقة شاملة للفاعلين أو الشركاء دون تقييد بأن يكون من حكم بها عليه موظفاً أو من في حكمه. لما كان ذلك، فإن ما يقوله الطاعن الثاني عن عدم انعطاف حكم الغرامة النسبية عليه لكونه غير موظف شريكاً لا فاعلاً لا يتفق وصحيح القانون. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن الثاني بصدد صحة الاعترافات وتجزئتها قد سبق الرد عليه وكانت محكمة الموضوع قد حددت الإطارات المختلسة بأنها ثمانية إطارات فضلاً عن الإطار الاحتياطي كما استظهرت أن هذه الإطارات ملك للشركة المجني عليها وعولت في ذلك على اعترافات المتهم الأول والطاعن الثاني وأقوال محمد عبد العزيز البسيوني الضابط بمباحث مديرية التحرير. لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ في قضائها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها ولم تعول عليها كما وأن ضبط الإطارات المختلسة لا شأن له بالغرامة النسبية الواجب القضاء بها. لما كان ذلك، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.