مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1956 إلى آخر يناير سنة 1957) - صـ 215

(25)
جلسة 15 من ديسمبر سنة 1956

برياسة السيد/ السيد علي السيد - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل - المستشارين.

القضية رقم 1519 لسنة 2 القضائية

( أ ) موظف - فصله بالتطبيق للمادة 107/ 6 من قانون نظام موظفي الدولة - للحكومة في سبيل تسيير المرافق العامة على وجه يحقق الصالح العام حرية فصل غير الصالح لذلك - سلطتها في الفصل من الملاءمات المتروكة لها بلا معقب عليها ما دام قرارها خلا من عيب إساءة استعمال السلطة - عبء إثبات هذا العيب يقع على الموظف المفصول.
(ب) قرار إداري - الأصل أن الإدارة غير ملزمة بتسبيبه - قيامها بتسبيبه - خضوع الأسباب لرقابة القضاء الإداري.
(جـ) قرار إداري - عيب إساءة استعمال السلطة المبرر لإلغائه أو التعويض عنه - وجوب أن يشوب الغاية منه، بأن تتنكب الإدارة وجه المصلحة العامة التي يجب أن يتغياها القرار.
(د) مسئولية - مسئولية الحكومة عن قراراتها الإدارية - أركانها - الخطأ والضرر وعلاقة السببية.
(هـ) مسئولية - الأصل أن تقوم مسئولية الحكومة على أساس الخطأ - عدم قيامها على أساس تبعة المخاطر إلا بنص استثنائي - دليل ذلك.
(و) مسئولية - سرد لبعض النصوص التشريعية التي أخذت استثناء بفكرة المخاطر وتحمل التبعة.
1- إن خدمة الموظف قد لا تنتهي بجزاء تأديبي صادر بقرار من مجلس تأديب أو بقرار تأديبي صادر من السلطة الرياسية المختصة، وإنما قد تنتهي بالفصل بمرسوم أو أمر جمهوري أو بقرار من مجلس الوزراء بالتطبيق لحكم الفقرة السادسة من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة؛ ومرد ذلك إلى أصل طبعي هو وجوب هيمنة الإدارة على تسيير المرافق العامة على وجه يحقق الصالح العام، ولما كان الموظفون هم عمال هذه المرافق فلزم أن تكون للحكومة الحرية في اختيار من ترى فيهم الصلاحية لهذا الغرض، وفصل من تراه منهم أصبح غير صالح لذلك، وهذا من الملاءمات المتروكة لتقديرها بلا معقب عليها ما دام خلا من عيب إساءة استعمال السلطة فلم تستهدف سوى المصلحة العامة. ويقع عبء إثبات سوء استعمال السلطة على الموظف المفصول.
2- إنه وإن كانت الإدارة غير ملزمة بتسبيب قرارها إلا أنها إذا ما ذكرت أسباباً لقرارها، فإنها تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، وأثر ذلك في النتيجة التي انتهى إليها القرار.
3- إن عيب إساءة استعمال السلطة المبرر لإلغاء القرار الإداري أو التعويض عنه يجب أن يشوب الغاية منه ذاتها، بأن تكون الإدارة قد تنكبت وجه المصلحة العامة التي يجب أن يتغياها القرار وأصدرته بباعث لا يمت لتلك المصلحة، فإذا كان الثابت من المذكرة المقدمة من الوزير إلى مجلس الوزراء لفصل المدعي أن الباعث على هذا الفصل هو الرغبة في رفع شأن المصلحة الحكومية التي يرأسها على ما قدرته الإدارة من تزويد هذه المصلحة بعناصر جديدة قادرة على النهوض بها إلى المستوى المرجو منها، وليس من شك في أن هذه الغاية التي تغياها القرار المطعون فيه تمت للمصلحة للعامة، فإنه يكون قد صدر صحيحاً مبرءاً من عيب إساءة استعمال السلطة، مما لا وجه معه لمساءلة الحكومة بتعويض عنه.
4- إن أساس مسئولية الحكومة عن القرارات الإدارية الصادرة منها هو وجود خطأ من جانبها؛ بأن يكون القرار الإداري غير مشروع؛ أي يشوبه عيب أو أكثر من العيوب المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون رقم 9 لسنة 1949 وفي المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955، وأن يترتب عليه ضرر، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر. فإذا كان القرار مشروعاً؛ بأن كان سليماً مطابقاً للقانون، فلا تسأل الإدارة عنه مهما بلغ الضرر الذي يترتب عليه؛ لانتفاء ركن الخطأ، فلا مندوحة - والحالة هذه - من أن يتحمل الناس نشاط الإدارة المشروع، أي المطابق للقانون.
5- إن القول بإقامة مسئولية الحكومة على أساس تبعة المخاطر، لا يمكن الأخذ به كأصل عام؛ إذ مقتضاه أن تقوم المسئولية على ركنين فقط، هما الضرر وعلاقة السببية بين نشاط الإدارة في ذاته وبين الضرر حتى ولو كان هذا النشاط غير منطو على خطأ، ولكن نصوص القانون المدني ونصوص قانون مجلس الدولة المصري قاطعة في الدلالة على أنها عالجت المسئولية على أساس قيام الخطأ، بل حددت نصوص القانون الأخير أوجه الخطأ في القرار الإداري، بأن يكون معيباً بعيب عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها أو إساءة استعمال السلطة، فلا يمكن - والحالة هذه - ترتيب المسئولية على أساس تبعة المخاطر كأصل عام، بل يلزم لذلك نص تشريعي خاص. وقد قالت المذكرة الإيضاحية للقانون المدني في هذا الخصوص "أما المسئولية على أساس تبعة المخاطر المستحدثة فلا يوجد بشأنها سوى تشريعات خاصة تناولت تنظيم مسائل بلغت من النضوج ما يؤهلها لهذا الضرب من التنظيم".
6- أخذ التشريع المصري - على سبيل الاستثناء وبقوانين خاصة - ببعض التطبيقات لفكرة المخاطر وتحمل التبعة كالقانون الخاص بإصابات العمال رقم 64 لسنة 1936، والقانون رقم 89 لسنة 1950 - الذي حل محله - الذي يقضي بأن لكل عامل يصاب أثناء العمل وفي أثناء تأديته الحق في الحصول من صاحب العمل على تعويض مقدر في القانون بحسب جسامة الإصابة، والقانون رقم 117 لسنة 1950 بشأن التعويض عن أمراض المهنة على أساس قدره القانون، والقانون المؤقت رقم 88 لسنة 1943 بشأن التعويض عن التلف الذي يصيب المباني والمصانع والمعامل والآلات الثابتة بسبب الحرب. وفي مجال القانون العام أخذ المشرع بهذه الفكرة على سبيل الاستثناء بنصوص خاصة في بعض القوانين، كما فعل في المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 في شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي، وهو قانون مؤقت؛ إذ قرر تعويضاً على أساس قدره هو "أن تضم إلى مدة خدمة الموظف المدة الباقية لبلوغه سن الإحالة إلى المعاش بحيث لا تجاوز سنتين وأن يصرف له الفرق بين المرتب والمعاش عن هذه المدة على أقساط شهرية، فإن لم يكن مستحقاً لمعاش صرف له ما يعادل مرتبه عن المدة المضافة على أقساط شهرية" وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون "ونظراً إلى أن هذا الفصل لا يعتبر في ذاته عقوبة تأديبية وإنما قصد به تطهير الأداة الحكومية، فقد رؤى ألا يحرم الموظف المفصول من حقه في المعاش أو المكافأة، وأن تسوي حالته على أساس آخر مرتب حصل عليه، وأن يعطي - كتعويض جزافي عن فصله - بعض المزايا المالية، كأن تضم إلى مدة خدمته المدة الباقية له لبلوغه سن الإحالة إلى المعاش بحيث لا تجاوز سنتين كما يصرف له الفرق بين المرتب والمعاش عن هذه المدة على أقساط شهرية فإن لم يكن مستحقاً لمعاش صرف له ما يعادل مرتبه عن المدة المضافة على أقساط شهرية تعويضاً له عن هذا الفصل المفاجئ وروعي في تحديد المدة منحه الفرصة الكافية للبحث عن عمل آخر". وغني عن البيان أن تلك النصوص التشريعية الخاصة قد وردت على سبيل الاستثناء من الأصول العامة فلا يجوز التوسع في تطبيقها، كما لا يجوز - من باب أولى - اعتبار فكرة المخاطر التي أخذت بها تلك النصوص، على سبيل الاستثناء، بمثابة أصل عام مقرر.


إجراءات الطعن

في 29 من مايو سنة 1956 أودع رئيس هيئة المفوضين طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 4 من إبريل سنة 1956 في الدعوى رقم 3596 لسنة 7 ق المرفوعة من السيد/ أحمد راسم ضد رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية ووزير الإرشاد القومي، القاضي: "برفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات". وطلب رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن الحكم "بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب التعويض، والقضاء بتعويض المدعي تعويضاً معقولاً عن القرار الصادر بإحالته إلى المعاش، وإلزام الحكومة بالمصروفات المناسبة". وقد أعلن الطعن للحكومة في 12 و15 و31 من يوليه سنة 1956 وللمدعي في 4 من أغسطس سنة 1956، وعين لنظر الدعوى جلسة 13 من أكتوبر سنة 1956، وفيها سمعت المحكمة ملاحظات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 3596 لسنة 7 ق أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت سكرتاريتها في 15 أغسطس سنة 1953 ضد رئيس مجلس الوزراء وآخرين طالباً الحكم "(أولاً) بإلغاء المرسوم الصادر في 2 من يوليه سنة 1956 فيما قضى به من إحالة الطالب إلى المعاش اعتباراً من 24 من يونيه سنة 1953 والقضاء بإعادة الطالب إلى الخدمة مع صرف الفرق بين مرتبه ومعاشه عن المدة التي قضاها خارج الخدمة حتى تاريخ تنفيذ الحكم. (ثانياً) إلزام المدعى عليهم بصفتهم متضامين بأن يدفعوا إلى المدعي مبلغاً وقدره 5000 ج كتعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي حاقت به من جراء الإحالة إلى المعاش للأسباب الواردة بمذكرة المدعى عليه الثالث المرفوعة إلى مجلس الوزراء. (ثالثاً) إلزامهم بصفتهم متضامنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن هذه الدعوى مع حفظ كافة الحقوق الأخرى". وقال المدعي في بيان ذلك إنه التحق بخدمة الحكومة في 11 من أغسطس سنة 1921 وتقلب في مختلف المناصب بين وزارة المالية ومجلس الشيوخ ووزارة الخارجية إلى أن عين في سنة 1929 مديراً مساعداً لمكتب رئيس مجلس الوزراء فسكرتيراً مساعداً لمجلس الوزراء، واستمر في منصبه هذا إلى سنة 1933 حيث عين وكيلاً لمحافظة مصر فمحافظاً للسويس في سنة 1938 فمفتشاً بوزارة الداخلية في سنة 1943 فمديراً لإدارة المطبوعات في سنة 1944. ولما خلا منصب مدير عام مصلحة السياحة في سنة 1948، اختير له لما توافر له من صفات ومؤهلات؛ فقد كان إدارياً حازماً متضلعاً في اللغات الأجنبية له صلة بالمجتمع الأوربي مصدر السواح ومعرفة به، فضلاً عن إلمامه الواسع بالشئون المالية. وقد عمل المدعي على النهوض بهذه المصلحة التي لم يزد عدد موظفيها في ذلك الحين عن 23 موظفاً نصفهم إداريون وغالبية الباقين تنقصهم الثقافة السياحية والخبرة والمران واتساع الأفق والإلمام اللازم لأمثالهم بالثقافة العامة ومعرفة شئون الأمم، فظفر في السنة المالية 1950/ 1951 بتخصيص ميزانية المصلحة وزيادة عدد الموظفين إلى 82 ولو أنه لم يؤخذ رأيه في تعيينهم، مما دعاه إلى الاحتجاج على ذلك المرة تلو المرة. وكان من مشروعات المدعي إنشاء البوليس السياحي، وتشجيع إقامة الفنادق الحديثة لمواجهة احتياجات السواح، وتبسيط الإجراءات الجمركية مع السواح، والقيام بدعاية قوية للسياحة في الداخل والخارج، وغير ذلك من الأعمال التي تسعى من ورائها إلى تقوية هذه المصلحة ورفع شأنها. إلا أن الظروف لم تكن مواتية لنؤتي مشروعات المدعي ثمرتها؛ فقد صادف تولى المدعي عمله قيام حرب فلسطين وكان هذا كفيلاً بإحجام السياح عن زيارة البلاد، وتلا ذلك سلسلة من القلاقل أخصها عدم الاستقرار والخلاف الناشب في القنال في أكتوبر سنة 1951، ثم حريق القاهرة في 26 من يناير 1952. وقد كان هذا كله كفيلاً بصرف السياح عن الحضور إلى مصر وركود إنتاج هذه المصلحة. وفي أول يوليه سنة 1953 رفع السيد وزير الإرشاد القومي مذكرة إلى مجلس الوزراء جاء فيها، "أنه نظراً لما لمصلحة السياحة من أهمية خاصة بالنسبة للأعباء الملقاة على عاتقها، وحيث إنه تبين لوزارة أن هذه المصلحة لم تؤد رسالتها كما يجب في السنوات الأخيرة، فقد رأت الوزارة العمل على تدعيمها وتزويدها بعناصر جديدة، من ذوي الكفايات لإدارة شئونها، وفي سبيل تحقيق ذلك يطلب الوزير من المجلس الموافقة على إحالة المدعي إلى المعاش، ابتداء من 24/ 6/ 1953 مع ضم المدة الباقية له لبلوغه سن الإحالة إلى المعاش قانوناً في 28 من يونيه سنة 1955 إلى مدة خدمته الدائمة المحسوبة في المعاش". وقد وافق مجلس الوزراء على ذلك بجلسته المنعقدة في أول يوليه سنة 1953، وصدر في اليوم التالي مرسوم بإحالته إلى المعاش اعتباراً من 24 من يونيه سنة 1953. ويستطرد المدعي إلى أنه لما كان هذا المرسوم جاء مجحفاً به، جاحداً لكفايته، ماساً بكرامته؛ ما دام قد انبنى على الأسباب المبينة في تلك المذكرة، فمن أجل ذلك أقام المدعي دعواه. وقد دفعتها الحكومة بأن لمجلس الوزراء الحق قانوناً في إحالة أي موظف إلى المعاش ما دام رائدة في ذلك الصالح العام، وأن من سلطة الوزير ومجلس الوزراء تقدير ما إذا كان الموظف المنوط به عمل معين قادراً على أدائه أو غير قادر، وأن للمجلس أن يتخلص ممن يرى أنهم غير صالحين للعمل ولو لم يصدر منهم ما يستحق المؤاخذة التأديبية؛ ومن ثم فليس في إحالة المدعي إلى المعاش أية مخالفة للقوانين، هذا إلى أن المدعي لم يقدم أي دليل على أن الجهة الإدارية قد انحرفت أو أساءت استعمال سلطتها حين أصدرت قرارها. وخلصت الحكومة من ذلك إلى أن الدعوى لا تقوم على أساس من القانون؛ ومن ثم يتعين الحكم برفضها. وقد قضت المحكمة بجلسة 4 من إبريل سنة 1956 برفض الدعوى؛ وأقامت قضاءها على "أن من حق مجلس الوزراء طبقاً لأحكام القوانين واللوائح عزل الموظفين، وأن قرار الفصل المطعون فيه قد صدر من السلطة صاحبة الاختصاص؛ ومن ثم تصبح سلطة المحكمة مقصورة على ما إذا كان مجلس الوزراء لم يستهدف بقراره تحقيق مصلحة عامة. وأنه يبين من المذكرة المرفوعة إلى مجلس الوزراء بإحالة المدعى إلى المعاش أن ذلك كان لتحقيق مصلحة عامة، وأن على المدعى أن يسوق الدليل على أن الحكومة لم تصدر القرار المطعون فيه إلا بدافع خاص منبت الصلة بالمصلحة العامة مما يتوافر معه وصفه بسوء استعمال السلطة، وقد عجز المدعي عن إقامة هذا الدليل، بل إنه على العكس لم ينكر أن المصلحة لم تؤد رسالتها على الوجه الأكمل وإن كان يعزو ذلك إلى أسباب خارجة عن إرادته، وأن المحكمة لم تستطع أن تستنبط من ملف خدمته على أن القرار مشوب بسوء استعمال السلطة؛ ومن ثم يكون القرار سليماً خالياً من عيوب البطلان فتنهار بذلك دعوى الإلغاء كما تنهار دعوى التعويض أيضاً؛ إذ لا محل للتعويض إلا إذا كان القرار المطعون في باطلاً".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم قد أخطأ في الإسناد؛ ذلك أنه نسب إلى المدعي أنه لم ينكر أن مصلحة السياحة لم تؤد رسالتها على الوجه الأكمل وإن كان يعزو ذلك إلى أسباب خارجة عن إرادته، وهذا الإسناد إذا أخذ مع سياق الحكم يفهم منه أن المحكمة كونت عقيدتها على أساس أن المدعي مقر بإخفاقه في النهوض بمصلحة السياحة لتؤدي رسالتها على الوجه الأكمل، في حين أن الثابت في صحيفة الدعوى وفي مذكرة المدعي أنه يقرر أنه لا تعوزه التجارب ولا المؤهلات ولا الماضي ولا الكفاية للقيام بأعباء منصبه على خير وجه. وأنه فعل كل ما يمكن لمخلوق عمله للنهوض بالسياحة المصرية إلى المستوى المطلوب على الرغم من ألوان الروتين والتعقيد الحكومي وعلى الرغم من ضيق الاعتمادات المخصصة للمصلحة ومن أن عاديات الزمان والسياسة والآفات السماوية والأزمات العالمية تضافرت كلها على هدم السياحة في مصر، ثم بسط صفحات مجهوده الشخصي، وانتهى إلى أنه مجهود يفخر به، وأنه لا يمكن بأي حال إسناد عند إنتاج المصلحة إليه، ولم تدحض الحكومة دفاعه واكتفت بالتحدي بعجز المدعي عن إقامة الدليل على الانحراف في استعمال السلطة واعتصمت بسلطة مجلس الوزراء في فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي. على أنه ولئن كان صحيحاً أن المسئولية الملقاة على عاتق الحكومة تقضي بأن يكون لها وحدها الحق في اختيار الموظفين ممن ترى فيهم الصلاحية لمعاونتها، إلا أنه مما لا يتعارض مع هذا المبدأ أن يكون مع ذلك للموظف المفصول حق اقتضاء التعويض المناسب من الدولة إذا ما تعذر عليه إقامة الدليل على الانحراف في استعمال السلطة توصلاً لإلغاء قرار فصله وقام الدليل من الأوراق على أنه فصل في وقت غير لائق أو بطريقة تعسفية أو بغير مبرر شرعي؛ ذلك أن الدولة إذا رغبت في أن تضحي بالموظف العمومي القابل للعزل بإحالته إلى المعاش قبل بلوغه السن المقررة للتقاعد استعمالاً لحقها في حدود القانون والصالح العام فإنه ينبغي عليها أن تتحمل في الوقت ذاته مخاطر هذا التصرف فتعوض الموظف تعويضاً معقولاً. وغنى عن البيان أن ضم المدة الباقية لبلوغه المعاش إلى مدة خدمته المحسوبة في المعاش لا يكفي للتعويض المعقول عن فصله. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب في طلب التعويض فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن خدمة الموظف قد لا تنتهي بجزاء تأدبي صادر بقرار من مجلس تأديب أو بقرار تأدبي صادر من السلطة الرياسية المختصة، وإنما قد تنتهي بالفصل بمرسوم أو أمر جمهوري أو بقرار من مجلس الوزراء بالتطبيق لحكم الفقرة السادسة من المادة 107 من القانون 210 لسنة 1951 بشأن موظفي الدولة؛ ومرد ذلك إلى أصل طبعي هو وجوب هيمنة الإدارة على تسيير المرافق العامة على وجه يحقق الصالح العام، ولما كان الموظفون هم عمال هذه المرافق فلزم أن تكون للحكومة الحرية في اختيار من ترى فيهم الصلاحية لهذا الغرض وفصل من تراه منهم أصبح غير صالح لذلك، وهذا من الملائمات المتروكة لتقديرها بلا معقب عليها، ما دام خلا من عيب إساءة استعمال السلطة، فلم تستهدف سوى المصلحة العامة. ويقع عبء إثبات سوء استعمال السلطة على الموظف المفصول.
ومن حيث إنه ولئن كانت الإدارة غير ملزمة بتسيب قرارها، إلا أنها إذا ما ذكرت أسباباً لقرارها فإنها تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، وأثر ذلك في النتيجة التي انتهى إليها القرار.
ومن حيث إن الأسباب التي بنى عليها قرار فصل المدعي تتحصل فيما ورد بالمذكرة المقدمة من السيد وزير الإرشاد القومي إلى مجلس الوزراء من أنه "نظراً لما لمصلحة السياحة من أهمية خاصة بالنسبة للأعباء الملقاة على عاتقها، وحيث إنه تبين لنا أن هذه المصلحة لم تؤد رسالتها كما يجب في السنوات الأخيرة فقد رأت الوزارة العمل على تدعيمها وتزويدها بعناصر جديدة من ذوي الكفايات لإدارة شئونها وفي سبيل تحقيق ذلك رأينا أن نتقدم لهيئة المجلس الموقر بطلب إحالة حضرة أحمد راسم مدير عام مصلحة السياحة إلى المعاش...".
ومن حيث إن المدعى يدفع بأن القرار مشوب بعيب إساءة استعمال السلطة بمقولة إنه كان طوال مدة خدمته مثال النشاط والكفاية الممتازة، فضلاً عن أنه لم يدخر وسعاً في تقرير المبادئ والأسس التي يجب أن تسير عليها المصلحة لتؤدي رسالتها، وأن عجزه عن تنفيذ مشروعاته لا يرجع إلى عدم كفايته وإنما يرجع إلى وقوف الحكومة في سبيله وعدم اعتماد المال اللازم لمواجهة هذه المشروعات. ولكن هذه الأسباب - إن صحت - ليست من شأنها أن تصم القرار بعيب إساءة استعمال السلطة؛ إذ أن عيب إساءة استعمال السلطة المبرر لإلغاء القرار أو التعويض عنه يجب أن يشوب الغاية منه ذاتها بأن تكون الإدارة قد تنكبت وجه المصلحة العامة التي يجب أن يتغياها القرار وأصدرته بباعث لا يمت لتلك المصلحة. والظاهر من المذكرة المقدمة من وزير الإرشاد القومي إلى مجلس الوزراء أن الباعث على فصل المدعي هو الرغبة في رفع شأن مصلحة السياحة على ما قدرته الإدارة من تزويد المصلحة بعناصر جديدة قادرة على النهوض بها إلى المستوى المرجو منها، وليس من شك في أن الغاية التي تغياها القرار المطعون فيه تمت للمصلحة العامة، فيكون قد صدر صحيحاً مبرءاً من عيب إساءة استعمال السلطة، مما لا وجه معه لمساءلة الحكومة بتعويض عنه؛ إذ أساس هذه المسئولية قيام خطأ من جانبها؛ بأن يكون القرار الإداري غير مشروع؛ بأن يشوبه عيب أو أكثر من العيوب المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون رقم 9 لسنة 1949 وفي المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955، وأن يترتب عليه ضرر، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر. فإذا كان القرار مشروعاً؛ بأن كان سليماً مطابقاً للقانون، فلا تسأل الإدارة عنه مهما بلغ الضرر الذي يترتب عليه؛ لانتفاء ركن الخطأ؛ فلا مندوحة - والحال هذه - من أن يتحمل الناس نشاط الإدارة المشروع، أي المطابق للقانون. ومن ثم لا وجه لما ذهب إليه الطعن من أنه "ولئن كان صحيحاً أن المسئولية الملقاة على عاتق الحكومة تقضي بأن يكون لها وحدها الحق في اختيار الموظفين ممن ترى فيهم الصلاحية لمعاونتها، إلا أنه لا يتعارض مع هذا المبدأ أن يكون للموظف المفصول حق اقتضاء التعويض المناسب من الدولة إذا ما تعذر عليه إقامة الدليل على الانحراف في استعمال السلطة توصلاً لإلغاء قرار فصله، وقام الدليل من الأوراق على أنه فصل في وقت غير لائق، أو بطريقة تعسفية، أو بغير مبرر شرعي؛ ذلك أن الدولة إذا رغبت في أن تضحي بالموظف العمومي القابل للعزل بإحالته إلى المعاش قبل بلوغه السن المقررة للتقاعد استعمالاً لحقها في حدود القانون والصالح العام فإنه ينبغي عليها أن تتحمل في الوقت ذاته مخاطر هذا التصرف فتعوض الموظف تعويضاً معقولاً..." - لا وجه لذلك؛ لأنه لا يقيم المسئولية على ركنين فقط هما الضرر وعلاقة السببية بين نشاط الإدارة في ذاته وبين الضرر حتى لو كان هذا النشاط غير منطو على خطأ، أي أنه يقيمها على أساس تبعة المخاطر، وهو ما لا يمكن الأخذ به كأصل عام؛ ذلك أن نصوص القانون المدني ونصوص قانون مجلس الدولة المصري قاطعة في الدلالة على أنها عالجت المسئولية على أساس قيام الخطأ، بل حددت نصوص القانون الأخير أوجه الخطأ في القرار الإداري، بأن يكون معيباً بعيب عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل ومخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها أو إساءة استعمال السلطة، فلا يمكن - والحالة هذه - ترتيب المسئولية على أساس تبعة المخاطر كأصل عام، بل يلزم لذلك نص تشريعي خاص، وقد قالت المذكرة الإيضاحية للقانون المدني في هذا الخصوص "... أما المسئولية على أساس تبعة المخاطر المستحدثة فلا يوجد من بشأنها سوى تشريعات خاصة تناولت تنظيم مسائل بلغت من النضوج ما يؤهلها لهذا الضرب من التنظيم..." وقد أخذ التشريع المصري على سبيل الاستثناء، وبقوانين خاصة، ببعض التطبيقات لفكرة المخاطر وتحمل التبعة كالقانون الخاص بإصابات العمال رقم 64 لسنة 1936، والقانون رقم 89 لسنة 1950 الذي حل محله الذي يقضي بأن لكل عامل يصاب أثناء العمل وفي أثناء تأديته الحق في الحصول من صاحب العمل على تعويض مقدر في القانون بحسب جسامة الإصابة، والقانون رقم 117 لسنة 1950 بشأن التعويض عن أمراض المهنة على أساس قدرة القانون، والقانون المؤقت رقم 88 لسنة 1943 بشأن التعويض عن التلف الذي يصيب المباني والمصانع والمعامل والآلات الثابتة بسبب الحرب. وفي مجال القانون العام أخذ المشرع بهذه الفكرة على سبيل الاستثناء بنصوص خاصة في بعض القوانين، كما فعل المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 في شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي، وهو قانون مؤقت؛ إذ قرر تعويضاً على أساس قدره، هو "أن تضم إلى مدة خدمة الموظف المدة الباقية لبلوغه سن الإحالة إلى المعاش بحيث لا تجاوز سنتين وأن يصرف له الفرق بين المرتب والمعاش عن هذه المدة على أقساط شهرية، فإن لم يكن مستحقاً لمعاش صرف له ما يعادل مرتبه عن المدة المضافة على أقساط شهرية...". وقد جاء في المذكر الإيضاحية لهذا المرسوم بقانون "ونظراً إلى أن هذا الفصل لا يعتبر في ذاته عقوبة تأديبية وإنما قصد به تطهير الأداة الحكومية، فقد رؤى ألا يحرم الموظف المفصول من حقه في المعاش أو المكافأة، وأن تسوى حالته على أساس آخر مرتب حصل عليه، وأن يعطى كتعويض جزافي عن فصله بعض المزايا المالية؛ كأن تضم إلى مدة خدمته المدة الباقية له لبلوغه سن الإحالة إلى المعاش بحيث لا تجاوز سنتين كما يصرف له الفرق بين المرتب والمعاش عن هذه المدة على أقساط شهرية فإن لم يكن مستحقاً لمعاش صرف له ما يعادل مرتبه عن المدة المضافة على أقساط شهرية تعويضاً لهم عن الفصل المفاجئ، وروعي في تحديد المدة منحهم الفرصة الكافية للبحث عن عمل آخر...". وغنى عن البيان أن تلك النصوص التشريعية الخاصة قد وردت على سبيل الاستثناء من الأصول العامة، فلا يجوز التوسع في تطبيقها، كما لا يجوز من باب أولى اعتبار فكرة المخاطر التي أخذت بها تلك النصوص - على سبيل الاستثناء - بمثابة أصل عام مقرر.
ومن حيث إنه يبين من كل ما تقدم أن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض دعوى المدعي استناداً إلى أن القرار الصادر بفصله قد صدر سليماً خالياً من عيوب البطلان مما لا وجه معه للحكم بإلغاء القرار أو بالتعويض عنه، يكون قد صادف الحق في قضائه، ويكون الطعن - والحالة هذه - غير قائم على أساس سليم من القانون خليقاً بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً