أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 695

جلسة 5 من يونيه سنة 1977

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: أحمد فؤاد جنينه، ويعيش محمد رشدي، ومحمد وهبه، وأحمد علي موسى.

(146)
الطعن رقم 216 لسنة 47 القضائية

(1) ضرب. "أفضى إلى موت". جريمة. "أركانها". باعث.
تعمد الجاني كتم فم وأنف المجني عليها. لمنعها من الاستغاثة. أثناء مواقعته لها. وفاتها باسفكسيا كتم النفس. تتوافر به جناية الضرب المفضي إلى الموت.
الباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركناً فيها.
(2) إثبات أو "اعتراف". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات. موضوعي.
(3) إثبات. "بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة للدعوى". "سلطتها في تقدير الدليل".
حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى دون التقيد بدليل معين. اشتراط أن يكون كل دليل قاطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى. غير لازم. أساس ذلك؟
(4) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تتبع المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي. غير لازم.
1- لما كان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه حصل واقعة الدعوى بما مفاده أن الطاعن التقى بالمجني عليها بساحة المولد وصحبها إلى مكان بعيد عن جمهور المحتفلين وبعد أن راودها عن نفسها خلعت ملابسها وأخذ يرتكب الفحشاء معها احتكاكاً من خارج قبلها ثم ما لبث أن جمحت به الشهوة وابتغى إتيانها إيلاجاً وما أن هم بذلك حتى استغاثت وقاومته ولكنه جثم بيديه على فمها وأنفها ليحول دون استغاثتها ومقاومتها وتمكن بذلك من بلوغ غايته وترتب على ذلك تمزق بكارتها ومهبلها ونجم عن ضغطه على فمها وأنفها وفاتها باسفكسيا كتم النفس – ثم خلص الحكم من ذلك إلى أن ما وقع من الطاعن بضغطه بيديه على فم وأنف المجني عليها فعل عمدي لم يقصد منه قتل المجني عليها ولكنه أدى لوفاتها وكان ما أثبته الحكم فيما تقدم تتوافر به أركان جناية الضرب المفضي إلى الموت ما دام قد ثبت تعمده الفعل ذاته وهو كتم فم وأنف المجني عليها ومساسه بسلامتها، ولا يقدح في ذلك أن يكون الحكم قد أشار إلى أن قيام الطاعن بكتم فم وأنف المجني عليها كان بقصد منعها من الاسترسال في الاستغاثة ذلك لأن الباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصر من عناصرها.
2- الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ومتى خلصت إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف فإن مفاد ذلك أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
3- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تركن في سبيل تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وترتيب الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما تستخلصه من مجموع الأدلة والعناصر المطروحة عليها دون أن تتقيد في هذا التصوير بدليل بعينه أو بأقوال شهود بذواتهم أو بالأدلة المباشرة إذ أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبىء كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
4- إن المحكمة ليست ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال، إذ أن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التي يوردها الحكم وفى عدم إيرادها لهذا الدفاع ما يدل على أنها أطرحته اطمئناناً منها للأدلة التي عولت عليها في الإدانة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل........ عمداً من غير سبق إصرار ولا ترصد بأن قام بالضغط على منطقة الأنف والفم بأصابعه وكتم نفسها قاصداً من ذلك قتلها فأحدث بها الأعراض الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها وقد تقدمت تلك الجناية جناية أخرى هي أنه في ذات المكان والزمان سالفى الذكر واقع المجني عليها سالفة الذكر بغير رضاها بأن اصطحبها إلى مكان مهجور لمعرفتها له بحكم صلة الجيرة ثم باغتها وطرحها على الأرض مستغلاً في ذلك فارق السن وبنيانه الجسماني ثم أنزل عنها ملابسها الداخلية وأمسك بها بعد فشل مقاومتها فأحدث بها بعض السجحات وجثم فوقها وأولج قضيبه في فرجها وأمنى بها الأمر المنطبق على نص المادة 268/ 1 من قانون العقوبات. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام فقرر ذلك. ومحكمة جنايات الزقازيق قضت حضورياً عملاً بالمادتين 236/ 1 و268/ 1 – 2 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 32 من القانون المذكور بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة مدة خمس عشرة سنة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض. وبتاريخ 22 من ديسمبر سنة 1975 قضى بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات الزقازيق لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. ومحكمة جنايات الزقازيق قضت في الدعوى من جديد حضورياً عملاً بالمادتين 236/ 1 و268/ 1 – 2 من قانون العقوبات وتطبيق المادة 32 من القانون المذكور بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة مدة خمس عشرة سنة، فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية)... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي الضرب المفضي إلى الموت وهتك العرض بالقوة قد انطوى على خطأ في تطبيق القانون وشابه فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب ذلك بأن المستفاد من تحصيل الحكم لواقعة الدعوى أن الطاعن وضع يده على فم المجني عليها إبان إتيانه لها بقصد منعها من الاسترسال في الاستغاثة فتوفيت باسفكسيا الخنق بما ينتفي معه قصد الإيذاء وبالتالي لا يوفر هذا الفعل في حقه سوى جريمة القتل الخطأ ورغم ذلك دانه الحكم عن جريمة الضرب المفضي إلى الموت، كما استند الحكم ضمن – ما عول عليه – في إدانة الطاعن على اعترافه في التحقيقات رغم دفاعه بأنه كان وليد إكراه وإقامته الدليل على أنه كان تلقيناً من ضابط المباحث بما ثبت من تقرير المعامل من خلو قميصه من أية حيوانات منوية مع تضمن الاعتراف أنه مسح منيه به، هذا إلى أن الحكم المطعون فيه عزا إصابات الطاعن - التي نشأت من التعذيب – أي مقاومة المجني عليها رغم أن ذلك لا يتفق وما سجله الحكم من فارق السن والبنيان الجسماني بين الطاعن والمجني عليها وفضلاً عن ذلك فقد استند الحكم – فيما استند إليه في التدليل على ثبوت الاتهام في حق الطاعن – إلى ما أثبته تقرير المعامل من وجود تلوثات منوية ودماء بسروال المجني عليها وبالمسحة المأخوذة من مهبلها في حين أن كل ذلك لا ينهض دليلاً قبل الطاعن بعد أن ثبت خلو قميصه من الحيوانات المنوية، كما لم يعرض الحكم لما ساقه المدافع عن الطاعن من دفاع في هذا الشأن إيراداً ورداً – وأن كل ذلك مما يعيب الحكم المطعون فيه ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال ضابط مباحث منيا القمح ومن اعتراف الطاعن بتحقيقات النيابة ومن تقرير الصفة التشريحية للمجني عليها ومن نتيجة الكشف الطبي على الطاعن ومن تقرير المعامل - وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها – لما كان ذلك وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه حصل واقعة الدعوى بما مفاده أن الطاعن التقى بالمجني عليها بساحة المولد وصحبها إلى مكان بعيد عن جمهور المحتفلين وبعد أن راودها عن نفسها خلعت ملابسها وأخذ يرتكب الفحشاء معها احتكاكاً من خارج قبلها ثم ما لبث أن جمحت به الشهوة وابتغى إتيانها إيلاجاً وما أن هم بذلك حتى استغاثت وقاومته ولكنه جثم بيديه على فمها وأنفها ليحول دون استغاثتها ومقاومتها وتمكن بذلك من بلوغ غايته وترتب على ذلك تمزق بكارتها ومهبلها ونجم عن ضغطه على فمها وأنفها وفاتها باسفكسيا كتم النفس – ثم خلص الحكم من ذلك إلى أن ما وقع من الطاعن بضغطه بيديه على فم وأنف المجني عليها فعل عمدي لم يقصد منه قتل المجني عليها ولكنه أدى لوفاتها وكان ما أثبته الحكم فيما تقدم تتوافر به أركانها جناية الضرب المفضي إلى الموت ما دام قد ثبت تعمده الفعل ذاته وهو كتم فم وأنف المجني عليها ومساسه بسلامتها، ولا يقدح في ذلك أن يكون الحكم قد أشار إلى أن قيام الطاعن بكتم فم وأنف المجني عليها كان بقصد منعها من الاسترسال في الاستغاثة ذلك لأن الباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها وفضلاً عن ذلك فإنه لا مصلحة للطاعن في نعيه بشأن جريمة الضرب المفضي إلى الموت التي أسندها الحكم إليه ذلك بأنه اعتبر الجريمتين المسندتين إليه – وهما الضرب المفضي إلى الموت وهتك العرض بالقوة لفتاة لم تبلغ السادسة عشرة من عمرها – مرتبطتين ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة في حكم المادة 32/ 2 عقوبات واعتبرها كلها جريمة واحدة وأوقع عليه العقوبة المقررة لأشد الجريمتين وهى هتك العرض بالقوة – ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان اعتراف الطاعن لصدوره تحت الإكراه ورد عليه بقوله "وحيث إنه عن الدفع ببطلان الاعتراف لصدوره عن إكراه فإنه مردود بما ورد على لسان المتهم في التحقيقات من أن اعترافه الذي أدلى به تفصيلاً صدر منه طواعية واختياراً معللاً إصاباته التي لاحظها المحقق بأنها نشأت من مقاومة المجني عليها له وقت ارتكاب الفحشاء واحتكاكه بالأرض وجاء التقرير الطبي مصداقاً لذلك". لما كان ذلك، وكان الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ومتى خلصت إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف فإن مفاد ذلك أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر مؤدى اعتراف الطاعن في التحقيقات وخلص إلى سلامة الدليل المستمد من هذا الاعتراف لما ارتآه من مطابقته للواقع، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً – أما ما يثيره الطاعن بشأن تعويل الحكم في إدانته على ما أثبته تقرير المعامل من وجود تلوثات دموية ومنوية بسروال المجني عليها وبالمسحة المأخوذة من مهبلها في الوقت الذي خلا فيه قميصه من تلك التلوثات ومن أنه لم يعرض لدفاع الطاعن في هذا الشأن إيراداً ورداً فإنه لما كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تركن في سبيل تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وترتيب الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما نستخلصه من مجموع الأدلة والعناصر المطروحة عليها دون أن تتقيد في هذا التصوير بدليل بعينه أو بأقوال شهود بذواتهم أو بالأدلة المباشرة إذ أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبىء كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكان من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال, إذ أن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التي يوردها الحكم وفي عدم إيرادها لهذا الدفاع ما يدل على أنها أطرحته اطمئناناً منها للأدلة التي عولت عليها في الإدانة لما كان ذلك، كان الحكم المطعون فيه قد أورد الأدلة التي استخلص منها الصورة التي اعتنقتها المحكمة لواقعة الدعوى عن شهادة ضابط المباحث واعتراف المتهم بتحقيقات النيابة وما جاء بتقرير الصفة التشريحية والكشف الطبي على المتهم وتقرير التحليل وهى الأدلة التي اطمأنت إليها المحكمة واعتمدت عليها في تكوين عقيدتها بما يكفي لتبرير اقتناعها بالإدانة وينأى بحكمها عن قالة القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص ينحل إلى جدول موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى أو استنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.