أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 21 - صـ 547

جلسة 6 من أبريل سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمد أبو الفضل حفني، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم أحمد الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، ومصطفى محمود الأسيوطي، ومحمد ماهر محمد حسن.

(130)
الطعن رقم 214 لسنة 40 القضائية

(أ، ب، ج، د) مواد مخدرة. جريمة. "أركانها". قصد جنائي. "القصد الخاص". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". اتفاقات دولية.
( أ ) عدم تحقق جريمة جلب المخدر. إلا إذا كان المخدر يفيض عن حاجة الشخص واستعماله الشخصي. أساس ذلك؟
(ب) ماهية الجلب في معنى المواد 1، 2، 3، 33/ 1، 42 من القانون 182 لسنة 1960؟
(ج) تضمن التشريعات المصرية في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها. حظر جلب المخدرات. على توال في تشديد العقوبة.
(د) حظر المشرع جلب الجواهر المخدرة. مقصود به. بسط رقابته على عمليات التجارة الدولية في شأنها.
1 - جلب المخدر معناه استيراده، وهو معنى لا يتحقق إلا إذا كان الشيء المجلوب يفيض عن حاجة الشخص واستعماله الشخصي، ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس، يدل على منحى التشريع نفسه وسياسته في التدرج بالعقوبة على قدر جسامة الفعل ووضع كلمة الجلب في مقابل كلمة التصدير في ذات النص، فضلاً عن نصوص الاتفاقات الدولية التي انضمت إليها مصر قياماً منها بواجبها نحو المجتمع الدولي في القضاء على تداول المواد المخدرة وانتشارها، ولا يعقل أن مجرد تجاوز الخط الجمركي بالمخدر يسبغ على فعل الحيازة أو الإحراز معنى زائد عن طبيعته، إلا أن يكون تهريباً لا جلباً كما تقدم إذ الجلب أمر مستقل بذاته، ولكن تجاوز الخط الجمركي بالسلعة الواجبة المنع، أو موضوع الرسم شرط لتحققه. وإذ كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد أطلق القول باعتبار الفعل جلباً ولو تحقق فيه قصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يتعين معه نقضه والإحالة لقصوره عن استظهار هذا القصد الذي تدل عليه شواهد الحال.
2 - إن الجلب الذي عناه المشرع في المواد 1، 2، 3، 33/ 1، 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966، استهدف مواجهة عمليات التجارة الدولية في المواد المخدرة والقضاء على تهريبها وفاء بالتزام دولي عام، قننته الاتفاقات الدولية المختلفة ومنها اتفاقية الأفيون الدولية والبروتوكول الملحق بها والتي تم التوقيع عليها بجنيف في 19 من فبراير سنة 1925 وبدئ في تنفيذها في سبتمبر سنة 1925 وانضمت إليها مصر في 16 من مارس سنة 1926، وتعتبر هذه الاتفاقية الأصل التاريخي الذي استمد منه المشرع أحكام الاتجار في المخدرات واستعمالها.
3 - إنه على أثر توقيع مصر لاتفاقية الأفيون الدولية ووضعها موضع التنفيذ صدر القانون رقم 21 في 14/ 4/ 1928 وحظر في المادة الثالثة منه على أي شخص أن يجلب إلى القطر المصري أو يصدر منه أي جوهر مخدر، إلا بترخيص خاص من مصلحة الصحة العمومية، وحدد في المادة الرابعة منه الأشخاص الذين يمكن أن يحصلوا على رخص الجلب، وهم أصحاب الصيدليات والمعامل وتجار المخدرات المرخص لهم ومصالح الحكومة والوكلاء أو الوسطاء للمتحصلات الطبية الأقرباذينية والأطباء، ثم صدر بعد هذا القانون المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 في 25/ 12/ 1952 ثم القانون رقم 180 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966، وتضمنت كلها النص على ذات الحظر في شأن الجلب، على توال في تشديد العقوبة حالاً بعد حال.
4 - يبين من نصوص القوانين أرقام 21 لسنة 1928 و351 لسنة 1952 و160 لسنة 1960 المعدل، في صريح عبارتها وواضح دلالتها أن المشرع أراد من حظر الجلب أن يبسط رقابته على عمليات التجارة الدولية في الجواهر المخدرة، فحظر جلبها وتصديرها، وفرض قيوداً إدارية لتنظيم التعامل فيها وتحديد الأشخاص الذين يسمح لهم بهذا الاستثناء.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 21 من أكتوبر سنة 1968 بدائرة قسم النزهة محافظة القاهرة: جلب إلى الجمهورية العربية جوهراً مخدراً (حشيشاً) قبل الحصول على الترخيص المبين في القانون. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الإحالة. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1 و2 و3 و33/ 1 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند 12 من الجدول رقم/ 1 الملحق به مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه خمسة آلاف جنيه ومصادرة الجوهر المخدر المضبوط. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة جلب جواهر مخدرة دون ترخيص قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور في التسبيب ذلك بأن جريمة جلب جواهر مخدرة المعاقب عليها بمقتضى القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 الذي دين الطاعن بمقتضاه لا يكفي فيها ثبوت قصد التعاطي بل تفترض توافر قصد الاتجار الأمر المتخلف لدى الطاعن ولم تتفطن المحكمة إلى ما تمسك به الطاعن من دفاع جوهري في هذا الشأن مما يعيب حكمها بما يوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه عرض لما أثاره الدفاع من أن المخدر المضبوط أحضره الطاعن معه من الخارج لا على وجه الجلب بل بقصد استعماله الشخصي ورد عليه بقوله "وحيث إن جلب المواد المخدرة لا يعدو أن يكون حيازة مصحوبة بالنقل عبر الحدود إلى داخل الجمهورية وهو يمتد في حكم القانون رقم 182 لسنة 1960 إلى كل واقعة يتحقق بها نقل الجواهر المخدرة على خلاف الأحكام المنظمة لجلبها المنصوص عليها في الفصل الثاني من القانون المذكور في المواد من 3 إلى 6 وهو ما تحقق وقوعه من المتهم لإقراره بإحضار كمية الحشيش المضبوط معه من عمان إلى حيث عثر عليها أثناء اتخاذ الإجراءات الجمركية بمطار القاهرة دون ترخيص كتابي من الجهة الإدارية المختصة وبالمخالفة لما تقضي به المواد المذكورة. فيكون جلبه المخدر قد وقع على وجه مخالف للقانون بغض النظر عن حقيقة قصده منه أو باعثه عليه". وهذا الذي أورده الحكم المطعون فيه ينطوي على الخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الجلب الذي عناه المشرع في المواد 1، 2، 3، 33/ 1، 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 استهدف مواجهة عمليات التجارة الدولية في المواد المخدرة والقضاء على تهريبها وفاء بالتزام دولي عام قننته الاتفاقات الدولية المختلفة ومنها اتفاقية الأفيون الدولية والبروتوكول الملحق بها والتي تم التوقيع عليها بجنيف في 19 من فبراير سنة 1925 وبدئ في تنفيذها في سبتمبر سنة 1925 وانضمت إليها مصر في 16 من مارس سنة 1926. وتعتبر هذه الاتفاقية الأصل التاريخي الذي استمد منه المشرع أحكام الاتجار في المخدرات واستعمالها، وقد أوضحت الاتفاقية أن من بين أغراضها "إجراء مراقبة وملاحظة على التجارة الدولية" ونص في المادة 13 منها في باب مراقبة التجارة الدولية ما نصه "يجب على كل دولة من الدول المتعاقدة أن تشترط الحصول على رخصة جلب خاصة عن كل طلب لأي مادة من المواد التي تطبق عليها نصوص هذه الاتفاقية ويذكر في هذه الرخصة المقدار المطلوب جلبه واسم وعنوان الجالب وكذلك اسم وعنوان المصدر ويذكر في رخصة الجلب المدة التي يجب أن يتم فيها الجلب ويمكن أن يباح الجلب على جملة دفعات". وعلى أثر توقيع تلك الاتفاقية ووضعها موضع التنفيذ صدر القانون رقم 21 في 14/ 4/ 1928 وحظر في المادة الثالثة منه على أي شخص أن يجلب إلى القطر المصري أو يصدر منه أي جوهر مخدر إلا بترخيص خاص من مصلحة الصحة العمومية، وحدد في المادة الرابعة منه الأشخاص الذين يمكن أن يحصلوا على رخص الجلب وهم أصحاب الصيدليات والمعامل وتجار المخدرات المرخص لهم ومصالح الحكومة والوكلاء أو الوسطاء للمتحصلات الطبية الأقرباذينيه والأطباء، ثم صدر بعد هذا القانون المرسوم بقانون رقم 351 سنة 1952 في 25/ 12/ 1925 ثم القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 وتضمنت كلها النص على ذات الحظر في شأن الجلب على توال في تشديد العقوبة حالاً بعد حال. ويبين من نصوص مواد هذه القوانين في صريح عبارتها وواضح دلالتها أن المشرع أراد من حظر الجلب أن يبسط رقابته على عمليات التجارة الدولية في الجواهر المخدرة فحظر جلبها وتصديرها وفرض قيوداً إدارية لتنظيم التعامل فيها وتحديد الأشخاص الذين يسمح لهم بهذا الاستثناء. فجلب المخدر معناه إذن استيراده وهو معنى لا يتحقق إلا إذا كان الشيء المجلوب يفيض عن حاجة الشخص واستعماله الشخصي ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس، يدل على ذلك منحى التشريع نفسه وسياسته في التدرج بالعقوبة على قدر جسامة الفعل ووضع كلمة الجلب في مقابل كلمة التصدير في ذات النص فضلاً عن نصوص الاتفاقات الدولية التي انضمت إليها مصر قياماً منها بواجبها نحو المجتمع الدولي في القضاء على تداول المواد المخدرة وانتشارها، ولا يعقل أن مجرد تجاوز الخط الجمركي بالمخدر يسبغ على فعل الحيازة أو الإحراز معنى زائداً عن طبيعته إلا أن يكون تهريباً لا جلباً كما تقدم إذ الجلب أمر مستقل بذاته، ولكن تجاوز الخط الجمركي بالسلعة الواجبة المنع، أو موضوع الرسم شرط لتحققه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه أطلق القول باعتبار الفعل جلباً، ولو تحقق فيه قصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يتعين معه نقضه والإحالة لقصوره عن استظهار هذا القصد الذي تدل عليه شواهد الحال، فضلاً عن أن تقدير العقوبة في حدود النص المنطبق لمحكمة الموضوع دون محكمة النقض.