مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1956 إلى آخر يناير سنة 1957) - صـ 305

(35)
جلسة 5 من يناير سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل - المستشارين.

القضية رقم 784 لسنة 2 القضائية

( أ ) عمال الجيش البريطاني - اللجنة المشكلة لإعادة توزيعهم على وزارات الحكومة ومصالحها - تحديدها أجورهم على إسناد عمل لكل منهم يتفق وحرفته الأصلية - الحالات التي يعهد فيها إلى العامل بعمل حرفة غير حرفته الأصلية في الجيش البريطاني - كيفية تحديد الأجر في هذه الحالات.
(ب) عمال الجيش البريطاني - المناط في تحديد الأجر هو بنوع العمل في القرار الصادر بتعيينه - لا عبرة بالعمل الإضافي أو التبعي أو العرضي أو الذي يقوم به تطوعاً.
(جـ) عمال الجيش البريطاني - الأوضاع التي اقتضت ضرورة إيجاد عمل لجميع هؤلاء العمال - تكليف بعض العمال القيام بأعمال لا تتصل بحرفهم الأصلية، أو تغاير تلك التي عينوا لأدائها، تقدير أجورهم يرتبط بالوظيفة التي عينوا فيها أصلاً والتي لها اعتماد مخصص في الميزانية لا بنوع العمل الذي قد تضطر الإدارة إلى تشغيل العامل فيه دون اعتماد مقابل - التزام حدود الميزانية وأوضاعها قاعدة لا تملك الإدارة الإخلال بها.
1 - عقب إعلان إلغاء معاهدة سنة 1936 قرر مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 18 من نوفمبر سنة 1951 تشكيل لجنة في وزارة المالية تمثل فيها جميع الوزارات لإعادة توزيع عمال الجيش البريطاني الذين تركوا خدمته بمنطقة قناة السويس على وزارات الحكومة ومصالحها، كما قرر في 2 من ديسمبر سنة 1951 تخويل هذه اللجنة الحق في إعادة النظر في الأجور التي تحدد لهؤلاء العمال. وقد وضعت اللجنة تقريرها الذي ضمنته القواعد التنظيمية التي ارتأتها في شأن تقدير أجور الكتبة والمخزنجية والعمال على اختلاف حرفهم والتي وافق عليها وزير المالية وقرر تطبيقها على جميع عمال الجيش البريطاني الذين الحقوا بخدمة الحكومة توحيداً للمعاملة بينهم، وأبلغ ذلك إلى الجهات المختصة بالكتاب رقم 234 - 9/ 77 المؤرخ 19 من مارس سنة 1952 لتنفيذه اعتباراً من أول إبريل سنة 1952. وقد جاء بهذا الكتاب "أما العمال الذين ليس لهم عمل يتفق مع حرفهم سواء في الجهات الملحقين بها الآن أو بالجهات الأخرى فهؤلاء يكلفون القيام بأعمال يستطيعون القيام بها وتقرب من حرفهم الأصلية بقدر المستطاع، وفي هذه الحالة تقدر أجورهم حسب الأعمال التي يقومن بها فعلاً لأن الأجر يقدر على قدر العمل لا على أساس حرفة العامل نفسه"، كما ورد في أصل تقرير اللجنة "أما العمال الذين لا توجد لهم أعمال حكومية تتفق وحرفهم الأصلية فهؤلاء يكلفون أعمالاً تقرب من حرفهم بقدر المستطاع، أو أية أعمال أخرى بحسب مقتضيات الأحوال. ويمنحون إذن أجوراً تتفق والأعمال المكلفين بها أو القائمين بها فعلاً". ويظهر من أعمال لجنة إعادة توزيع عمال الجيش البريطاني وبالأخص من تقرير رئيسها المؤرخ 19 من مارس سنة 1952 أنها قامت بحصر العمال المذكورين وإحصاء حرفهم المختلفة في الجيش، وعدد المشتغلين بكل حرفة منها وتقدير أجورهم بحسب هذه الحرف، وأنها رتبتهم وحددت أجورهم على أساس إسناد عمل إلى كل منهم يتفق وحرفته الأصلية، فإذا لم يوجد هذا العمل سواء في الجهة التي ألحقوا بها من بادئ الأمر أو في جهة أخرى يمكن نقلهم إليها أو لم توجد أعمال كافية لاستيعابهم جميعاً نيط بهم العمل الذي يثبت - بعد الاختبار - أنهم يحسنون القيام به بمراعاة أن يكون قريباً من حرفهم الأصلية قدر المستطاع حتى يسهل عليهم أداؤه ويتسنى للحكومة الانتفاع بهم. وما دام العامل قد عهد إليه بعمل حرفة غير حرفته الأصلية في الجيش البريطاني فإنه لا يستحق أجر هذه الحرفة، بل تكون العبرة في تحديد أجره بالعمل الذي عين لأدائه في الجهة التي ألحق بها.
2 - إن المناط في تقدير الأجر الذي يستحقه العامل هو بنوع العمل المسند إليه أصلاً في القرار الصادر بتعيينه، وهو القرار الذي يحدد مركزه القانوني والآثار المترتبة، لا بالعمل الإضافي أو التبعي ولا بالعمل الذي يقوم به عرضاً أو تطوعاً.
3 - نتجت عن الوضع الاستثنائي والظروف الخاصة لعمال الجيش البريطاني صعوبات منها كثرة عدد العمال في بعض الحرف عن حاجة العمل الحكومي، ووجود حرف ليست الحكومة في حاجة إلى استخدام أربابها، وعدم وجود أعمال كافية لتشغيل العمال في حرفهم الأصلية، وعدم إمكان استيعاب أرباب هذه الحرف بحملتهم، الأمر الذي أدى إلى تكليف بعض العمال القيام بأعمال لا تتصل بحرفهم الأصلية، أو تغاير تلك التي عينوا لأدائها. ولما كانت هذه الأوضاع قد اقتضتها ضرورة إيجاد عمل لهؤلاء العمال جميعاً على أن يخصم بأجورهم بعد استنفاد الاعتمادات المخصصة للأجور في ميزانية الدولة على بند 13(مساعدات مصلحة الضمان الاجتماعي بميزانية وزارة الشئون الاجتماعية) مع وقف التعيينات من الخارج في وظائف الخدمة السائرة وعمال اليومية في مختلف الوزارات والمصالح وشغل الوظائف الخالية والتي تخلو مستقبلا بإلحاقهم بها إلى أن تستنفد، فإن تقدير أجورهم يرتبط بالوظيفة التي عينوا فيها أصلاً والتي لها اعتماد مخصص في الميزانية، لا بنوع العمل الذي قد تضطر الوزارة أو المصلحة إلى تشغيل العامل فيه ولا يوجد له اعتماد مالي مقرر أو لا يسمح الاعتماد المدرج بتعيينه فيه؛ ذلك أن التزام حدود الميزانية واحترام أوضاعها قاعدة لا تملك الإدارة الخروج عليها ولا يسوغ الإخلال بها.


إجراءات الطعن

في 10 من مارس سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد تحت رقم 784 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال العمومية والحربية بجلسة 9 من يناير سنة 1956 في الدعوى رقم 2796 لسنة 2 القضائية المقامة من حافظ مرسي عبد السند ضد وزارة الأشغال العمومية، القاضي: "بأحقية المدعي في تسوية حالته على أساس مهنة عامل كتابي غير حاصل على مؤهلات دراسية اعتباراً من أول إبريل سنة 1952 بالتطبيق لكتاب لجنة إعادة توزيع عمال الجيش البريطاني رقم ف 234 - 9/ 77 المؤرخ 19 من مارس سنة 1952، وما يترتب على ذلك من آثار". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي أستند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى، وإلزام المدعي المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 16 من يونيه سنة 1956 وإلى وزارة الأشغال في 24 منه، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 8 من ديسمبر سنة 1956. وقد قدم المطعون عليه في 26 من يوليه سنة 1956 وبعد انقضاء الميعاد المقرر مذكرة بملاحظاته انتهى فيها إلى طلب رفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه الصادر لصالحه. وفي 6 من نوفمبر سنة 1956 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة التي حددت لنظر الطعن، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوى الشأن، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه رفع إلى اللجنة القضائية لوزارة المالية والاقتصاد، التظلم رقم 4946 لسنة 1 القضائية بعريضة أودعها سكرتيرية اللجنة في 28 من سبتمبر سنة 1953 ذكر فيها أنه كان يعمل بالجيش البريطاني في وظيفة "ترزي أفرنجي" بأجر يومي قدره 700 م، وعقب إلغاء معاهدة سنة 1936 ترك العمل بالجيش المذكور والحق بمصلحة المساحة بأجر يومي قدره 300 م عدا غلاء المعيشة، خفض بعد ستة أشهر إلى 140 م مع أنه يقوم بأعمال كتابية وفنية بقلم المسطحات، ومع أن مدير عام المصلحة أصدر قراراً بمنح الحاصلين على شهادة الدراسة الثانوية (القسم العام) والكفاءة وشهادة إتمام الدراسة الابتدائية ومن لا مؤهلات لهم أجراً يومياً قدره 280 م. ولما كان يستحق هذا الأجر فإنه يطلب تقريره له مع صرف الفرق إليه من بدء تخفيض أجره. وقد ردت مصلحة المساحة المصرية على هذا التظلم بأن المتظلم هو أحد عمال القنال المقيدين بمكتب العمل بمهنة "ترزي" وأنه حول إليها فألحقته بخدمتها اعتباراً من تاريخ قيده في 30 من أكتوبر سنة 1951 ومنحته بصفة مؤقتة أجراً يومياً قدره 300 م وهو الأجر المقرر للمهنة المقيد بها إلى أن يحدد أجره الحقيقي بعد امتحانه. إلا أنه عندما أرسل إلى سلاح المهمات مع زملائه الترزية لاختباره في هذه المهنة وجد أنه لا يصلح إلا لوظيفة "مساعد ترزي" المقرر لها أجر يومي قدره 150 م، فأدرجت المصلحة اسمه ضمن عمال القنال المشتغلين بهذه المهنة وأرسلت ملفه مع ملفاتهم إلى وزارة الحربية والبحرية للاشتغال بسلاح الأسلحة والمهمات بمهنته، بيد أن الوزارة لم تقبله وأعادته لعدم الحاجة إليه. ولما كانت المصلحة في غير حاجة إلى عمله كمساعد ترزي فقد ألحقته قياساً بتفتيش المساحة بالجيزة ومنحته اعتباراً من أول مارس سنة 1953 أجراً يومياً قدره 140م بخلاف إعانة غلاء المعيشة، وهو الأجر المقرر لهذه الوظيفة طبقاً لتعليمات لجنة إعادة توزيع عمال الجيش البريطاني بالقنال التي تقضي بأن العمال الذين لا توجد لهم حرف بالمصالح الملحقين بها يكلفون القيام بأعمال تقرب من حرفهم الأصلية بقدر المستطاع ويمنحون أجراً على قدر العمل الذي يكلفون به لا على أساس حرفة العامل نفسه. ولما لم يقم هذا القياس بعمله على وجه مرضي، ووجد التفتيش أنه ملم بقليل من القراءة والكتابة فقد استبقاه للعمل "كساع" بدلاً من تشغيله بالغيط، وناط به القيام بعملية تسلم وتسليم المكاتبات بين المكاتب وأنه لا صحة لما يدعيه من أنه يقوم بأعمال كتابية. أما مطالبته بأجر قدره 280 م يومياً فلا سند فيها من القانون؛ "لأن هذا الأجر لا يمنح إلا للكتبة والمخزنجية من عمال القنال الحاصلين على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية دون سواهم في حين أنه لا يحمل أي مؤهل دراسي. وقد عقب المتظلم على رد المصلحة بمذكرة قرر فيها أنه يقوم فعلاً بعمل كاتب بقلم المسطحات من بدء تعيينه وأن الأجر المقدر لهذا العمل هو ستة جنيهات شهرياً بخلاف علاوة غلاء المعيشة بحد أدنى قدره 12ج شهرياً وذلك طبقاً لكتاب لجنة إعادة توزيع عمال القنال رقم 234 - 9/ 77 المؤرخ 19 من مارس سنة 1952، وطلب تسوية حالته على هذا الأساس اعتباراً من أول إبريل سنة 1952، مع صرف الفروق المستحقة له. وقد أحيل هذا التظلم بحالته إلى المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال العمومية والحربية طبقاً لأحكام القانون رقم 147 لسنة 1954 وقيد بها تحت رقم 2796 لسنة 2 القضائية. وبجلسة 9 من يناير سنة 1956 قضت المحكمة المذكورة "بأحقية المدعي في تسوية حالته على أساس مهنة عامل كتابي غير حاصل على مؤهلات دراسية اعتباراً من أول إبريل سنة 1952 بالتطبيق لكتاب لجنة إعادة توزيع عمال الجيش البريطاني رقم ف 234 - 9/ 77 المؤرخ 19 من مارس سنة 1952، وما يترتب على ذلك من آثار". وأقامت قضاءها على أن كادر عمال القنال الذي وضعته لجنة توزيع هؤلاء العمال على المصالح الحكومية يقضي بأن الأجور المقدرة فيه تمنح للعمال الذين يقومون فعلاً بأعمال الحرف التي قدرت لها هذه الأجور أما العمال الذين لا توجد لهم أعمال حكومية تتفق وحرفهم الأصلية فيكلفون القيام بأعمال تقرب من حرفهم بقدر المستطاع أو بأية أعمال أخرى بحسب مقتضيات الأحوال ويمنحون أجوراً تتفق والأعمال التي كلفوا بها فعلاً؛ لأن الأجر يقدر على قدر العمل لا على أساس حرفة العامل نفسه. وأنه يبين من ملف خدمة المدعى أنه وإن كان معيناً في مهنة قياس إلا أنه يزاول عملاً كتابياً بمكتب المسطحات كما يقوم بتسلم وتسليم المكاتبات الواردة للمكتب من مكاتب التغييرات وكذا بنقل مسطح القطع الكاملة من استمارة 300 إلى استمارة التغيير، وأنه لذلك يتعين تقديره أجره على أساس الأجر المقرر للكتبة غير الحاصلين على مؤهلات دراسية لكونه لا يحمل أي مؤهل دراسي، وهو ستة جنيهات شهرياً بخلاف إعانة غلاء المعيشة بحد أدنى قدره 12ج بما في ذلك الإعانة المذكورة طبقاً لأحكام كادر عمال القنال. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 10 من مارس سنة 1956 بني فيها أسباب طعنه، على أن القاعدة الواردة في كادر عمال القنال التي طبقها الحكم المطعون فيه، إنما تعني العمال الذين كانوا كتاباً في الجيش البريطاني، وليس من بينهم المدعي الذي كان يعمل ترزياً باعترافه. فإذا لوحظ أنه يشترط لمنح الأجور المقدرة في الكادر المشار إليه للمهن المختلفة، أن يكون العامل قائماً بالفعل بالمهنة المقدر لها الأجر، وأن المدعي ليس كاتباً وإنما هو عامل كتابي، فإنه يخرج كلية عن نطاق تطبيق القاعدة سالفة الذكر. هذا إلى أن مجرد قيام المذكور أحياناً بتسلم وتسليم المكاتبات مما يدخل في أعمال وظيفته كساع لا يكفي لإضفاء صفة الموظف الكتابي عليه. ومن ثم يكون استخلاص المحكمة للنتيجة التي بنت عليها حكمها هو استخلاص غير سائغ لعدم وجود سند يقوم عليه في الأوراق. ولما كان الأجر المقرر لوظيفة "ساع" المنتدب للقيام بأعمالها هو ذات الأجر المقرر لمهنة "قياس" وهو الأجر الذي يتقاضاه فإن المصلحة تكون قد طبقت القانون في شأنه تطبيقاً سليماً. ويكون طلبه تسوية حالته على خلاف ذلك في غير محله متعينٍاً رفضه، ويجب إلغاء الحكم الذي قضى بهذه التسوية لمخالفته للقانون. وخلص السيد رئيس هيئة المفوضين من هذا إلى طلب "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى، وإلزام المدعي المصروفات". وقد أودع المطعون عليه سكرتيرية المحكمة في 26 من يوليه سنة 1956 مذكرة بملاحظاته ردد فيها أسانيد الحكم المطعون فيه، وطلب في ختامها رفض الطعن وتأييد هذا الحكم، ثم أعقبها بمذكرة أخرى أودعها في 12 من ديسمبر سنة 1956 وانتهى فيها إلى التصميم على طلباته.
ومن حيث إنه عقب إعلان إلغاء معاهدة سنة 1936 قرر مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 18 من نوفمبر سنة 1951 تشكيل لجنة في وزارة المالية تمثل فيها جميع الوزارات لإعادة توزيع عمال الجيش البريطاني الذين تركوا خدمته بمنطقة قناة السويس على وزارات الحكومة ومصالحها. كما قرر في 2 من ديسمبر سنة 1951 تخويل هذه اللجنة الحق في إعادة النظر في الأجور التي تحدد لهؤلاء العمال. وقد وضعت اللجنة تقريرها الذي ضمنته القواعد التنظيمية التي ارتأتها في شأن تقدير أجور الكتبة والمخزنجية والعمال على اختلاف حرفهم والتي وافق عليها وزير المالية وقرر تطبيقها على جميع عمال الجيش البريطاني الذين ألحقوا بخدمة الحكومة توحيداً للمعاملة بينهم، وأبلغ ذلك إلى الجهات المختصة بالكتاب رقم 234 - 9/ 77 المؤرخ 19 من مارس سنة 1952 لتنفيذه اعتباراً من أول إبريل سنة 1952. وقد جاء بهذا الكتاب "أما العمال الذين ليس لهم عمل يتفق مع حرفهم سواء في الجهات الملحقين بها الآن أو بالجهات الأخرى فهؤلاء يكلفون القيام بأعمال يستطيعون القيام بها وتقرب من حرفهم الأصلية بقدر المستطاع، وفي هذه الحالة تقدر أجورهم حسب الأعمال التي يقومون بها فعلاً؛ لأن الأجر يقدر على قدر العمل لا على أساس حرفة العامل نفسه". كما ورد في أصل تقرير اللجنة "أما العمال الذين لا توجد لهم أعمال حكومية تتفق وحرفهم الأصلية فهؤلاء يكلفون أعمالاً تقرب من حرفهم بقدر المستطاع أو أية أعمال أخرى بحسب مقتضيات الأحوال. ويمنحون إذن أجوراً تتفق والأعمال المكلفين بها أو القائمين بها فعلاً".
ومن حيث إنه يظهر من أعمال لجنة إعادة توزيع عمال الجيش البريطاني وبالأخص من تقرير رئيسها المؤرخ 19 من مارس سنة 1952 أنها قامت بحصر العمال المذكورين وإحصاء حرفهم المختلفة في الجيش وعدد المشتغلين بكل حرفة منها وتقدير أجورهم بحسب هذه الحرف وأنها رتبتهم وحددت أجورهم على أساس إسناد عمل إلى كل منهم يتفق وحرفته الأصلية، فإذا لم يوجد هذا العمل سواء في الجهة التي الحقوا بها من بادئ الأمر أو في جهة أخرى يمكن نقلهم إليها أو لم توجد أعمال كافية لاستيعابهم جميعاً نيط بهم العمل الذي يثبت بعد الاختبار أنهم يحسنون القيام به بمراعاة أن يكون قريباً من حرفهم الأصلية قدر المستطاع حتى يسهل عليهم أداؤه ويتسنى للحكومة الانتفاع بهم. وما دام العامل قد عهد إليه بعمل حرفة غير حرفته الأصلية في الجيش البريطاني فإنه لا يستحق أجر هذه الحرفة، بل تكون العبرة في تحديد أجره بالعمل الذي عين لأدائه في الجهة التي الحق بها.
ومن حيث إن المناط في تقدير الأجر الذي يستحقه العامل هو بنوع العمل المسند إليه أصلاً في القرار الصادر بتعيينه وهو القرار الذي يحدد مركزه القانوني ولآثار المترتبة عليه، لا بالعمل الإضافي أو التبعي ولا بالعمل الذي يقوم به عرضاً أو تطوعاً.
ومن حيث إنه قد نتجت عن الوضع الاستثنائي والظروف الخاصة لعمال الجيش البريطاني صعوبات منها، كما ورد في تقرير لجنة توزيع هؤلاء العمال، كثرة عدد العمال في بعض الحرف عن حاجة العمل الحكومي، ووجود حرف ليست الحكومة في حاجة إلى استخدام أربابها، وعدم وجود أعمال كافية لتشغيل العمال في حرفهم الأصلية، وعدم إمكان استيعاب أرباب هذه الحرف بجملتهم، الأمر الذي أدى إلى تكليف بعض العمال القيام بأعمال لا تتصل بحرفهم الأصلية، أو تغاير تلك التي عينوا لأدائها. ولما كانت هذه الأوضاع قد اقتضتها ضرورة إيجاد عمل لهؤلاء العمال جميعاً على أن يخصم بأجورهم بعد استنفاد الاعتمادات المخصصة للأجور في ميزانية الدولة على بند 13 (مساعدات مصلحة الضمان الاجتماعي بميزانية وزارة الشئون الاجتماعية) مع وقف التعيينات من الخارج في وظائف الخدمة السائرة وعمال اليومية في مختلف الوزارات والمصالح وشغل الوظائف الخالية والتي تخلو مستقبلاً بإلحاقهم بها إلى أن تستنفد، فإن تقدير أجورهم يرتبط بالوظيفة التي عينوا فيها أصلاً والتي لها اعتماد مخصص في الميزانية، لا بنوع العمل الذي قد تضطر الوزارة أو المصلحة إلى تشغيل العامل فيه ولا يوجد له اعتماد مالي مقرر أو لا يسمح الاعتماد المدرج بتعيينه فيه؛ ذلك أن التزام حدود الميزانية واحترام أوضاعها قاعدة لا تملك الإدارة الخروج عليها ولا يسوغ الإخلال بها.
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة من الأوراق أن المطعون عليه كان يعمل في وظيفة "ترزي" بمعسكر الجيش البريطاني في فايد، وأنه ترك خدمة الجيش المذكور في 28 من أكتوبر سنة 1951 حيث حول من مكتب العمل إلى مصلحة المساحة اعتباراً من 7 مايو سنة 1952 بوظيفة "ترزي" بالأجر المقرر لها بصفة مؤقتة، وبعد اختباره في هذه المهنة ثبت أنه لا يصلح إلا لوظيفة "مساعد ترزي" التي أجرها 150 م يومياً، وقد حول إلى وزارة الحربية للعمل في هذه المهنة فأعادته إلى مصلحة المساحة لعدم حاجتها إليه. ولما كانت هذه الأخيرة في غير حاجته إلى مهنته فقد ألحقته بتفتيش الجيزة في وظيفة "قياس إحصاء" باليومية ومنحته الأجر المقرر لها وهو 140 م يومياً، ونظراً إلى إخفاقه في عمل الغيط كلف أن يعمل كساع بقلم المسطحات في تسلم وتسليم المكاتبات واستمارات التغيير الواردة للقلم والمحولة منه إلى الأقلام الأخرى. أما ما ذكره مفتش المساحة بالجيزة في كتابه إلى مدير المساحة التفصيلية المؤرخ 4 من سبتمبر سنة 1955 الذي أحال إليه به طلب المدعي الذي التمس فيه التوصية بتحسين حالته، من أن المذكور الذي وصف بأنه "قياس اليومية" يشتغل بمكتب المسطحات "في بعض الأعمال الكتابية" فظاهر من سياق هذا الكتاب أنه مجرد تزكية وتعزيز للالتماس الذي تقدم به المدعي بما لا يجعله كاتباً بالفعل ولا يرتب له حقاً في الأجر المقرر للكاتب؛ يؤيد ذلك ما جاء بكتاب المفتش المذكور المؤرخ 10 من ديسمبر سنة 1955 من وصفه المدعي بأنه "قياس اليومية من عمال القنال الملحقين بالتفتيش" وأنه "يشتغل بمكتب المسطحات في استلام وتسليم المكاتبات الواردة للمكتب من مكتب التغييرات" - وهذا عمل ساع لا كاتب - وإن كان يقوم بنقل مسطح بعض القطع من استمارة إلى أخرى. ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه - إذ اعتبر المذكور كاتباًَ وقضى بتسوية حالته على أساس مهنة عامل كتابي - قد أخطأ في فهم الواقع واستخلص من هذا الخطأ نتيجة غير سائغة ولا مطابقة للقانون. ولما كان المدعي وهو لا يحمل مؤهلاً دراسياً يتقاضى الأجر المقرر لقياس بالجدول رقم (2) الخاص بالعمال العاديين (2 - جـ) والملحق بكادر عمال القنال، وهو ذات الأجر المقرر لوظيفة "ساع" الواردة بالكادر المشار إليه (140/ 300 م) فإن القانون يكون قد طبق في حقه تطبيقاًَ صحيحاً، ويكون الحكم المطعون فيه قد وقع مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.