مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1956 إلى آخر يناير سنة 1957) - صـ 315

(36)
جلسة 5 من يناير سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل - المستشارين.

القضية رقم 1134 لسنة 2 القضائية

( أ ) - قرار تأديبي - سببه - إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو إتيانه عملاً محرماً عليه - زواج مأذون بمقتضى عقد عرفي - فصله تأسيساً على أنه أخل بواجبات وظيفته وسلوكه الوظيفي - فقدان قرار الفصل لركن السبب - دليل ذلك.
(ب) عقد الزواج - اشتراط الرسمية لسماع الدعوى - المناط في عدم سماع الدعوى هو إنكار الزوجية - بقاء الزواج على وضعه الشرعي عقداً قائماً على إيجاب وقبول يتم صحيحاً متى استوفى شرائطه دون حاجة لإثباته بالكتابة، وعلى المحاكم سماع دعوى الزوجية إذا لم يجحدها أحد الزوجين.
1 - إن سبب القرار التأديبي بوجه عام هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو إتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه، فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين والقواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء في حدود القانون، أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته التي يجب أن يقوم بها بنفسه إذا كان ذلك منوطاً به وأن يؤديها بدقة وأمانة، إنما يرتكب ذنباً إدارياً يسوغ تأديبه، فتتجه إرادة الإدارة لتوقيع جزاء عليه بحسب الأشكال والأوضاع المقررة قانوناً وفي حدود النصاب المقرر؛ ومن ثم إذا ثبت أن فصل المأذون (المدعي) قد أسس على أنه ارتكب ذنباً إدارياً هو تزوجه بعقد عرفي، فإن قرار الفصل يكون فاقداً لركن من أركانه هو ركن السبب؛ ذلك أن هذا الفعل لا يعتبر إخلالاً من المدعي بواجبات وظيفته أو سلوكه الوظيفي؛ إذ أنه لم يكن يباشر عند زواجه عمله الرسمي كمأذون، وإنما كان مثله في ذلك كمثل أي فرد عادي لا حرج عليه في أن يتزوج زواجاً عرفياً دون أن يوثقه متحملاً في ذلك ما قد يترتب على إجرائه على هذا النحو من نتائج عند الإنكار، وقد يكون لما ورد بأسباب القرار التأديبي وجه لو أن المقدم للمحاكمة التأديبية المأذون الذي أجرى العقد دون أن يوثقه رسمياً، أو لو أن المدعي باشر بصفته مأذوناً عقداً عرفياً دون أن يوثقه رسمياً.
2 - إنه وإن كانت المادة 99 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 المشتمل على لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والإجراءات المتعلقة بها قد نصت في فقرتها الرابعة على أنه "لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية أو الإقرار بها إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية في الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931"، إلا أنه لا يستفاد من هذا النص حظر الزواج العرفي أو اعتباره غير قائم شرعاً؛ إذ الزواج ما زال على وضعه الشرعي عقداً قائماً على إيجاب وقبول، وهو يتم صحيحاً شرعاً متى استوفى شرائطه القانونية دون ما حاجة إلى إثباته كتابة، وعلى المحاكم سماع دعوى الزوجية إذا لم يجحدها أحد الزوجين؛ إذ المناط في عدم سماع الدعوى هو إنكار الزوجية.


إجراءات الطعن

في 11 من إبريل سنة 1956 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية الأولى لشئون القصر الجمهوري ووزارة العدل بجلسة 12 من فبراير سنة 1956 في الدعوى رقم 593 لسنة 2 ق المرفوعة من محمود محمد يوسف ضد وزارة العدل، القاضي: "بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر من السيد وزير العدل بتاريخ 18 من نوفمبر سنة 1953 بالتصديق على قرار لجنة المأذونين الصادر بجلسة 11 من أكتوبر سنة 1953 والمتضمن فصل المدعي من وظيفته بمأذونية البراهمة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة بالمصروفات ومبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب رئيس المفوضين للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وإلزام رافعها المصروفات". وقد أعلن الطعن إلى المطعون عليه في 12 من يوليه سنة 1956 وإلى وزارة العدل في 10 من يوليه سنة 1956 وعين لنظره جلسة 10 من نوفمبر سنة 1956 وفيها سمعت المحكمة الإيضاحات على الوجه المبين بالمحضر وأرجئ إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المطعون عليه أقام دعواه بصحيفة مودعة سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 20 من ديسمبر سنة 1953 طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من السيد وزير العدل في 18 من نوفمبر سنة 1953 المتضمن فصل المدعي من وظيفة مأذونية ناحية البراهمة مركز قنا، وقال بياناً لدعواه إن الشريعة الإسلامية تبيح الزواج بالإيجاب والقبول وترتب عليه آثاره ولو كان شفاهة فخليق بزواج المدعي أن يكون صحيحاً إذ ثبت العقد كتابة وحرره مأذون وكان والد الزوجة هو وكيلها، أما القول بأن الزوجة قاصر فهو قول غير صحيح؛ لأنها عرضت على الدكتور يوسف بطرس مفتش صحة قفط فقدر سنها بما يزيد على ستة عشر عاماً وقد فقدت هذه الشهادة بوفاة المودعة لديه، فضلاً عن أن النيابة وهي صاحبة الولاية في الاتهام الجنائي قد حفظت الشكوى. وبمناسبة صدور القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن نظام مجلس الدولة أحيلت الدعوى إلى المحكمة الإدارية للاختصاص. وفي 12 من فبراير سنة 1956 أصدرت المحكمة الإدارية حكمها "بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر من السيد وزير العدل بتاريخ 18 من نوفمبر سنة 1953 بالتصديق على قرار لجنة المأذونين الصادر بجلسة 11 من أكتوبر سنة 1953 والمتضمن فصل المدعي من وظيفته بمأذونية البراهمة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة"؛ وأسست قضاءها على "أن ما يؤخذ على المدعي من أنه تزوج من قاصر فهذا مردود بأنه استحضر شهادة تسنين سميرة فارس من طبيب حكومي وجاء بهذه الشهادة أن سنها يزيد عن 16 سنة وقد أقر المأذون بدوي عبد المنعم الذي رفض إجراء العقد أن المطعون ووالد الزوجة أحضرا له شهادة تسنين من طبيب وأن سبب امتناعه عن إجراء العقد لم يكن بسبب أن سنها أقل من 16 سنة وإنما كان سببه يرجع إلى أن لها ما لا يزيد على مائتي جنيه ولم تصرح محكمة الأحوال الشخصية بالزواج؛ ومن ثم فإن استخراج شهادة تسنين للمدعية واقعة صحيحة شهد بها نفس المأذون الذي رفض إجراء العقد، وإذا كان قد ثبت من كشف الطبيب الشرعي أن سميرة فارس أقل من 16 سنة عند إجراء العقد فإن المسئولية تقع على الطبيب الذي قدر سن الزوجة".
ومن حيث إن مبنى الطعن أن المطعون عليه - وهو المنوط به تنفيذ القانون رقم 78 لسنة 1931 - قد ضرب لأهل منطقته أسوأ الأمثال وخان الثقة التي أودعت فيد فأصبح وجود مثله في وظيفة المأذون خطراً مهدداً لكيان الأسرة، فضلاً عن أنه قد احتبس طفلة لم تبلغ حسب الثابت من التقرير الطبي الثالثة عشرة من عمرها، وظروف الموضوع وملابساته كلها تنطبق بسوء نيته وبأنه على بينة من أمرها، فقد كان مفروضاً فيه أن يتحرى الأمر وهو بصدد ضبطه لغيره فمن باب أولى إذا تعلق الأمر بشخصه فلذلك كان الجرم أفدح، لا يشفع له تلك الشهادة المزعومة التي لم يعثر لها على أثر في الأوراق بل إن زواجه سراً فيه الدليل الكافي على علمه بخطورة ما يرتكب، ومن ثم يكون القرار الصادر بفصل المطعون جزاءً له على فعله في محله قائماً على سببه وكان يتعين رفض طعنه. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن المدعي اتفق مع من يدعي فارس عبد الرحمن على أن يتزوج من ابنته، وعين موعد عقد الزواج، واستدعى مأذون الناحية لمباشرة العقد، وقدمت إليه شهادة طبية بأن سن الزوجة ست عشرة سنة. وقد امتنع المأذون عن إجراء العقد متعللاً في ذلك بأن للزوجة - وهي قاصر - استحقاقاً في وقف وأنه يتعين الحصول على موافقة محكمة الأحوال الشخصية على إجراء ذلك العقد على الرغم من أن والدها - وهو وليها الشرعي - على قيد الحياة. فاضطر المدعي إلى استدعاء مأذون آخر لإتمام العقد، وقد رأى ذلك المأذون أن يعقد العقد دون أن يوثقه رسمياً إلى أن يتحرى عما إذا كان ترخيص الأحوال الشخصية واجباً أم غير واجب. وقد توفى ذلك المأذون بعد إجراء العقد بفترة وجيزة وكان قد تسلم الشهادة الطبية بتقدير سن الزوجة. وقد قدمت شكوى إلى النيابة بأن المدعي تزوج ممن يقل سنها عن ستة عشر عاماً، كما قدمت شكوى أخرى إلى الجهة الإدارية المختصة. وقد اتفق الشهود أمام النيابة وأمام القاضي الشرعي الذي تولى تحقيق الشكوى إدارياً على صحة الوقائع السالف ذكرها. وقد قرر الشيخ بدوي علي عبد المنعم - وهو المأذون الذي رفض إجراء العقد - في التحقيق أنه قدمت له شهادة طبية بتقدير سن الزوجة وأنه أطلع عليها وقد جاء بها أن الزوجة بلغت ستة عشرة سنة، كما قرر أنه لم يمتنع عن إجراء العقد إلا بسبب عدم وجود ترخيص من المحكمة الحسبية ولو لا ذلك لما تأخر عن إجراء العقد. أما النيابة فقد حفظت التحقيق، وأما التحقيق الإداري فقد انتهى إلى إدانة المدعي فقدم إلى لجنة تأديب المأذونين لمحاكمته على المخالفات الآتية: أولاً - تزوج زواجاً عرفياً. ثانياً - تزوج من صغيرة لم تبلغ السن القانونية. ثالثاً - الزوجة قاصر ولها مال يزيد على مائتي جنيه. وقد قررت لجنة التأديب في 11 من أكتوبر سنة 1953 فصل المطعون من وظيفته، وصدق السيد وزير العدل على هذا القرار في 18 من نوفمبر سنة 1953. وقد أقامت اللجنة قرارها على "أنه ثبت من أوراق التحقيق أن المأذون المذكور تزوج زواجاً عرفياً بمن تدعى سميرة فارس عبد الرحمن ودخل بها ولا زالت تعاشره، وثبت من تقرير الطبيب الشرعي الذي قام بالكشف عليها أن سنها في 25 من إبريل سنة 1953 اثنا عشر عاماً وأقل من ثلاثة عشر عاماً، فهي - والحالة هذه - لم تبلغ سن الزواج وقت العقد عليها. وهذه المخالفة من المأذون الذي فرض فيه القانون المحافظة على تطبيقه، والامتناع عن مباشرة زواج من لم تبلغ السن القانون، وفضلاً عن إجراء العقد عرفياً وعدم قيده بالدفاتر الرسمية التي عهد إليه قيد العقود بها، مخالفة جسيمة يجب أن يعاقب عليها بأقصى عقوبة. وتعلله بأن المأذون الذي بدائرته محل إقامة الزوجة لم يقبل إثبات العقد بحجة أن لها ما لا يزيد على مائتي جنيه، وأنه قدم له شهادة بسن الزوجة، لا يعفيه من هذه المسئولية الجسيمة؛ لأنه عجز عن إثبات أن هناك شهادة بتسنين الزوجة، فضلاً عن إجراء العقد عرفياً".
ومن حيث إن القرار التأديبي - كأي قرار إداري آخر - يجب أن يقوم على سبب يبرره، فلا تتدخل الإدارة لتوقيع الجزاء إلا إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخله، وللقضاء الإداري أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وصحة تكيفها القانوني [(1)].
ومن حيث إن رقابة القضاء الإداري لصحة الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب تجد حدها الطبعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار في هذا الشأن مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً. فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة، أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها، أو كان تكييف الوقائع - على فرض وجودها مادياً - لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون، كان القرار فاقداً لركن من أركانه هو ركن السب ووقع مخالفاً للقانون. أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً، فقد قام القرار على سببه وكان مطابقاً للقانون [(1)].
ومن حيث إن سبب القرار التأديبي بوجه عام هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو إتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه، فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء في حدود القانون، أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته التي يجب أن يقوم بها بنفسه إذا كان ذلك منوطاً به وأن يؤديها بدقة وأمانة، إنما يرتكب ذنباً إدارياً يسوغ تأديبه فتتجه إرادة الإدارة لتوقيع جزاء عليه بحسب الأشكال والأوضاع المقررة قانوناً وفي حدود النصاب المقرر.
ومن حيث إن القرار التأديبي المطعون فيه قام على سببين، الأول: زواج المدعي زواجاً عرفياً وعدم قيده بالدفاتر التي عهد إليه قيد العقود بها. والثاني: زواجه من صغيرة لم تبلغ السن القانونية.
ومن حيث إنه بالنسبة للسبب الأول فإنه يلاحظ بادئ ذي بدء أن إجراءات الزواج بدأت في اتجاه توثيقه بالإشهاد الرسمي؛ فقد دعى المأذون المختص وهو غير المدعي لمباشرة العقد وكاد المأذون أن يتمه لولا شبهة قامت لديه في وجوب الحصول على موافقة المجلس الحسبي على الزواج؛ ومن ثم امتنع عن إتمامه فدعى مأذون آخر لإتمام العقد. وقد رؤى وقتذاك - نظراً لاجتماع المدعوين لحضور القران وما في فضهم من حرج بحكم ظروف التقاليد والبيئة - أن يتم الزواج عرفياً على أن يوثق رسمياً بعد التحقق من ضرورة الحصول على موافقة المجلس الحسبي على الزواج أو عدم لزومها. ومفاد ذلك أن المدعي لم يكن لديه بادئ الأمر نية عقد زواج عرفي، بل الشواهد تقطع في أنه بدأ في اتجاه توثيقه بالإشهاد الرسمي وإنما ألجئ إلى إتمامه عرفياً على أن يصادق عليه ذوو الشأن رسمياً فيما بعد بسبب امتناع المأذون الأول عن إجرائه بمراعاة الظروف المشار إليها على ما سلف البيان، وإنه ولئن كانت المادة 99 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 المشتمل على لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والإجراءات المتعلقة بها قد نصت في فقرتها الرابعة على أنه "لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية أو الإقرار بها إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية في الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931" إلا أنه لا يستفاد من هذا النص حظر الزواج العرفي أو اعتباره غير قائم شرعاً؛ إذ الزواج ما زال على وضعه الشرعي عقداً قائماً على إيجاب وقبول وهو يتم صحيحاً شرعاً متى استوفى شرائطه القانونية دون ما حاجة إلى إثباته كتابة، وعلى المحاكم سماع دعوى الزوجية إذا لم يجحدها أحد الزوجين؛ إذ المناط في عدم سماع الدعوى هو إنكار الزوجية. وما دام الأمر كذلك فليس فيما أقدم عليه المدعي من الزواج العرفي مخالفة للقوانين واللوائح، وليس فيه مخالفة لأحكام الشرع أو النظام العام، كما لا يعتبر ذلك إخلالاً من المدعي بواجبات وظيفته أو سلوكه الوظيفي حتى يصدق على تصرفه ما ورد بأسباب القرار التأديبي من أن "هذه المخالفة من المأذون الذي فرض عليه القانون المحافظة على تطبيقه والامتناع عن مباشرة زواج من لم تبلغ السن القانوني فضلاً عن إجراء العقد عرفياً وعدم قيده بالدفاتر الرسمية التي عهد إليه قيد العقود بها مخالفة جسمية يجب أن يعاقب عليها بأقصى عقوبة..."؛ ذلك أن المدعي لم يكن يباشر عند زواجه عمله الرسمي كمأذون، وإنما كان مثله في ذلك كمثل أي فرد عادي لا حرج عليه في أن يتزوج زواجاً عرفياً دون أن يوثقه متحملاً في ذلك ما قد يترتب على إجرائه على هذا النحو من نتائج عند الإنكار. وقد يكون لما ورد بأسباب القرار التأديبي السابق بيانها وجه لو أن المقدم للمحاكمة التأديبية المأذون الذي أجرى العقد دون أن يوثقه رسمياً، أو لو أن المدعي باشر بصفته مأذوناً عقد زواج عرفي دون أن يوثقه رسمياً.
ومن حيث إنه بالنسبة للسبب الثاني، وهو زواج المدعي بمن لم تبلغ السن القانونية وعجزه عن إثبات أن هناك شهادة بتقدير سن الزوجة، فإن الثابت من الأوراق أنه قدمت للمأذون الأول - الذي امتنع عن إجراء العقد - شهادة طبية بتقدير سن الزوجة، بل لقد قرر ذلك المأذون في التحقيقات أنه لولا عدم وجود ترخيص من المحكمة الحسبية لما تأخر عن إتمام العقد، وأنه امتنع عن إجراء العقد للسبب المذكور، وهو عدم وجود ترخيص من المحكمة الحسبية لاعتقاده أن الترخيص لازم في مثل هذا العقد. وإنه ولئن تبين بعد ذلك أن سن الزوجة كانت عند الزواج أقل من السن القانونية إلا أنه لم يقم دليل يقطع بأن المدعي كان يعلم حقيقة هذه السن وقتذاك ولذلك انتهت النيابة من تحقيقها إلى الحفظ.
ومن حيث إنه يبين مما سبق إيضاحه أن القرار المطعون فيه لم يستخلص استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجه مادياً أو قانوناً؛ ومن ثم يكون القرار قد قدر فاقداً لركن من أركانه وهو ركن السبب، ويكون الطعن، والحالة، هذه قد قام على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً.


[(1)] سبق تقرير هذا المبدأ بالطعن رقم 159 لسنة 1 القضائية (راجع السنة الأولى من هذه المجموعة - صفحة 41 - بند 7).