مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1956 إلى آخر يناير سنة 1957) - صـ 363

(42)
جلسة 19 من يناير سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل - المستشارين.

القضية رقم 1096 لسنة 2 القضائية

( أ ) تسبيب - قيام الحكم على أسباب منتزعة من أصول تخالف الثابت بالأوراق - إلغاؤه - مثال.
(ب) معادلات دراسية - القانون رقم 371 لسنة 1953 - كيفية إجراء التسوية عند تعدد مؤهلات الموظف الواحد واختلاف المزايا التي يرتبها كل مؤهل.
(جـ) معادلات دراسية - القانون رقم 371 لسنة 1953 - عدم تضمنه أي نص يجيز المساس بالمرتبات الفعلية لأرباب التسويات الذين يفيدون من أحكامه.
(د) موظف - نقله من سلك إلى آخر - لا إلزام على الإدارة في ذلك عند انعدام النص.
(هـ) معادلات دراسية - الموظف الذي تسوي حالته تطبيقاً لقانون المعادلات - وضعه على درجة شخصية في ذات السلك المعين فيه - منحه درجة أصلية فيما بعد بشروط خاصة.
1 - إذا كان الثابت أن الحكم المطعون فيه قد وصف استئناف الحكومة للحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات المالية والتجارة والزراعة والتموين بأنه طعن في قرار صادر من اللجنة القضائية، ونسب إلى هذا القرار أنه استند إلى قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 8 من أكتوبر سنة 1950 وأول يوليه و2 و9 من ديسمبر سنة 1951، مع أن المحكمة لم تطبق سوى قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953، وانتهى من هذا إلى القضاء بإلغاء قرار اللجنة القضائية الذي افترض وجوده، مجاوزاً بذلك الواقع فيما ذهب إليه؛ إذ أن الطعن إنما أنصب على حكم صادر من المحكمة الإدارية لا على قرار من لجنة قضائية، وهو حكم لم يشر قط إلى أي من قرارات مجلس الوزراء التي ذكر الحكم المطعون فيه أنه استند إليها - إذا كان الثابت هو ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد قام على أسباب منتزعة من أصول تخالف الثابت في الأوراق مما يوجب إلغاؤه.
2 - إن القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية، وإن خلا من تقرير قاعدة عامة لتسوية حالة الموظفين الحاصلين على أكثر من مؤهل من المؤهلات المحددة في الجدول المرافق له، إلا أن الأصل فيه أن حكمه - وقد جاء مطلقاً في تقدير هذه المؤهلات وقاضياً بتسوية حالة كل موظف على أساس المؤهل الحاصل عليه - ينطبق دائماً متى كان هذا المؤهل وارداً في الجدول المذكور، فإذا تعددت مؤهلات الموظف الواحد وكانت المزايا التي يتيحها له مؤهله الأعلى ترجح ما دونها من المزايا التي ترتبها له مؤهلاته الأخرى، كان المؤهل الأعلى هو الذي يعتد به، أما إذا كان لكل مؤهل مزاياه فلا سند لحرمان الموظف من الجمع بينها متى كانت كل مزية منها سائغة في ذاتها على حدة، كما لا وجه لإسقاط مزية تعلق حقه بها فعلاً وكان من شأنها أن تؤثر في مركزه القانون الذي يقرره له مؤهله الأعلى؛ إذ أن نيل الموظف لمؤهل لم يكن حائزاً له أو لمؤهل أعلى مما كان حاصلاً عليه لا يجوز أن ينهض سبباً للانحدار بحالته مادياً أو معنوياً، ولو بصفة مؤقتة، إلى أدنى مما كانت عليه قبل حصوله على هذا المؤهل.
3 - إن قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953 إنما قصد تقويم المؤهلات الدراسية التي حددها بتقدير المرتب والدرجة اللذين قررهما لكل منها، ولم يتضمن أي نص يجيز المساس بالمرتبات الفعلية التي يتقاضاها أرباب التسويات الذين يفيدون من أحكامه أو انتقاص هذه المرتبات إذا ما جاوزت التقدير المقرر لمؤهلاتهم سواء في حالة الحصول على مؤهل واحد أو حالة الحصول على أكثر من مؤهل، وهو أمر لا يجوز إلا بنص صريح في القانون؛ ذلك أن الموظف يكسب مركزاً قانونياً ويترتب له حق ذاتي في المرتب الذي وصل إليه، ولا يؤثر في هذا المركز أو الحق تسوية أريد بها تحسين حالته؛ لأنها لا تعتبر تعييناً جديداً منبت الصلة بخدمته الماضية وما بلغه من مرتب لاسيما إذا كانت الزيادة في المرتب التي نالها وهو في الوضع السابق على هذا التحسين ناتجة من قاعدة قانونية أخرى سليمة هي دورية العلاوة. وقد حرص المشرع - كما جاء في المذكرة الإيضاحية لقانون المعادلات الدراسية عندما رأى أن يقرن تنفيذ هذا القانون بإجراء من شأنه تخفيف بعض أعباء الخزانة العامة - على أن يبقى في المادة الخامسة من القانون على الزيادة في المرتب التي استحقت للموظفين الذين طبقت عليهم قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 8 من أكتوبر سنة 1950 وفي أول يوليه و2 و9 من ديسمبر سنة 1951 مع تنظيم طريقة خصم هذه الزيادة من إعانة غلاء المعيشة دون المساس بأصل المرتب. وإذا كان جدول تقدير الشهادات الدراسية المرافق للقانون المذكور قد نص في البنود 1 و3 و53 منه - فيما يتعلق بدبلوم الفنون والصنائع أو دبلوم الفنون والصناعات قديم سنة 1910 إلى 1932 وبدبلوم الفنون التطبيقية نظام جديد "حديث" وبشهادة مدرسة المساحة - على منح الحاصل على أي من هذه المؤهلات 10ج في الدرجة السابعة من بدء التعيين على أن يمنح الدرجة السادسة بعد ثلاث سنوات بماهية 10.5 ج أو بالمرتب الحاصل عليه أيهما أكبر - فإن هذا النص إنما ورد لعلة خاصة لا تتعارض مع التفسير السابق وذلك بالنسبة إلى المؤهلات المقدر لها مرتب عشرة جنيهات في الدرجة السابعة عند بدء التعيين ثم عشرة جنيهات ونصف في الدرجة السادسة بعد ثلاث سنوات؛ إذ قدر المشرع أن مرتب حملة هذه المؤهلات كثيراً ما يزيد بالعلاوات خلال السنوات الثلاث على ما هو مقرر لها في الجدول المرافق للقانون، فلم يشأ حرمانهم من هذه الزيادة نتيجة للتقدير المتوالي لمؤهلاتهم؛ ومن ثم أورد هذا النص دفعاً لكل تأويل وتأييداً للمبدأ الأصلي.
4 - لا إلزام على الإدارة فيما تترخص فيه من نقل الموظف من سلك إلى آخر ما دام لا يوجد نص قانوني يحتم هذا النقل.
5 - إن الموظف الذي تسوي حالته بالتطبيق لقانون المعادلات الدراسية إنما يوضع في درجة شخصية في ذات السلك المعين فيه على أن يمنح فيما بعد درجة أصلية بمراعاة شروط خاصة وفي حدود نسبة معينة من الخلوات وتبعاً لأوضاع مالية مقررة.


إجراءات الطعن

في 5 من إبريل سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد تحت رقم 1096 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة "ب") بجلسة 6 من فبراير سنة 1956 في الدعوى رقم 1478 لسنة 2 القضائية (استئناف) المقامة من وزارة الزراعة ضد شبل عباس دياب، القاضي: "بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون، وألزمت الحكومة المصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الاستئناف المرفوع من الوزارة، وتأييد حكم المحكمة الإدارية المستأنف، مع إلزام الوزارة بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الزراعة في 2 من يوليه سنة 1956 وإلى المطعون لصالحه في 12 منه، وعين لنظره جلسة 17 من نوفمبر سنة 1956 أمام هذه المحكمة. وأبلغ الطرفان في 18 و23 من سبتمبر سنة 1956 بميعاد هذه الجلسة. وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أيهما مذكرة بملاحظاته. ثم أجل نظر الطعن لجلسة 22 من ديسمبر سنة 1956 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبلين بمحضر الجلسة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المطعون لصالحه رفع تظلماً إلى اللجنة القضائية لوزارة الزراعة قيد تحت رقم 705 لسنة 2 القضائية وأحيل بعد ذلك إلى المحكمة الإدارية لوزارات المالية والتجارة والزراعة والتموين قال فيه عنه حصل على دبلوم الزراعة المتوسطة في سنة 1938، ثم عين بوزارة الزراعة اعتباراً من 16 من ديسمبر سنة 1938 في وظيفة من الدرجة الثامنة، وحصل أثناء وجوده في الخدمة على دبلوم الدراسات التكميلية الزراعية العالية في سنة 1951. وقد قامت الوزارة بتسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية بأن منحته الدرجة السادسة براتب شهري قدره 500 م و10 ج وهو الراتب المخصص لبدء التعيين في هذه الدرجة، مع أن مرتبه وقتذاك كان قد بلغ 12 ج شهرياً، وكان يتعين منحه هذا المرتب؛ إذ لا يقبل عقلاً أن يكون المؤهل العالي سبباً في تخفيض المرتب الذي حصل عليه الموظف بالفعل. وخلص من هذا إلى طلب: (1) تسوية حالته على أساس منحه الدرجة السادسة الفنية اعتباراً من 10 من يوليه سنة 1951 تاريخ حصوله على دبلوم الدراسات التكميلية الزراعية العالمية بالمرتب الذي وصل إليه في هذا التاريخ، مع منحه ما يستحقه من علاوات الترقية والعلاوات الدورية. وذلك بالتطبيق لأحكام القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية. (2) نقله إلى الكادر الفني العالي حيث قررت وزارة التربية والتعليم أن هذا المؤهل هو من المؤهلات الفنية العالية. وقد دفعت وزارة الزراعة الدعوى بأنه لا يتسنى تطبيق قانون المعادلات الدراسية على حالة المدعي إلا بالنسبة إلى مؤهله الأخير؛ إذ لا يجوز الجمع بين تسويتين للموظف الواحد في حالة حصوله على شهادات مختلفة مقرر لكل منها تسوية خاصة، بل تجرى التسوية وفقاً لأكبر مؤهل حصل عليه. وقد سويت حالة المذكور طبقاً للقانون المشار إليه بمنحه ماهية شهرية قدرها 500 م و10 ج في الدرجة السادسة الشخصية من تاريخ اعتماد مؤهله الأخير ولم يمنح الماهية التي وصل إليها لعدم وجود نص بهذا المعنى في قانون المعادلات الدراسية خلافاً لما جاء بهذا القانون بالنسبة إلى مؤهلات أخرى. أما نقله من الكادر الفني المتوسط إلى الكادر الفني العالي فلا سند له من القانون رقم 371 لسنة 1953 بناء على ما نصت عليه مادته السادسة ومذكرته التفسيرية حيث إن حالته سويت على أساس اعتباره في الدرجة السادسة الشخصية (متوسط). وبجلسة 14 من أغسطس سنة 1954 قضت المحكمة الإدارية لوزارات المالية والتجارة والزراعة والتموين في هذا الدعوى "بأحقية المدعي في أن تسوي حالته على أساس منحه الدرجة السادسة بمرتب شهري قدره عشرة جنيهات وخمسمائة مليم أو بمرتبه أيهما أكبر وذلك من تاريخ حصوله على دبلوم الدراسات التكميلية الزراعية بالتطبيق لأحكام القانون رقم 371 لسنة 1953 على أن يراعي في اتخاذ تاريخ آخر علاوة دورية حصل عليها قبل وضعه في هذه الدرجة أساساً لمنحة العلاوة الدورية المقبلة، ورفض ماعدا ذلك من الطلبات". وأقامت المحكمة قضاءها على أن قانون المعادلات الدراسية لم يتضمن نصاً خاصاً بتسوية حالة الموظف الذي يكون حاصلاً على مؤهلين مقرر لكل منهما تسوية خاصة بالجدول الملحق به. وأن إعمال القاعدة التي ذهب إليها ديوان الموظفين بعدم جواز الجمع بين تسويتين للموظف الواحد في حالة حصوله على شهادات مختلفة اقتصاراً على أعلاهما تقديراً يفضي إلى نتيجة غير معقولة وهي الإضرار بالموظف بسبب حصوله على المؤهل الأعلى. ولما كان قانون المعادلات الدراسية قد جاء مطلقاً فإنه يتعين تفسيره على إطلاقه وإجراء التسوية الأكثر سخاء للموظف الحاصل على أكثر من مؤهل. وعلى ذلك يتعين تسوية حالة المدعي وفقاً لما هو مقرر لدبلوم الزراعة المتوسطة، ويدرج مرتبه على هذا الأساس حتى تاريخ حصوله على دبلوم الدراسات التكميلية العليا فيمنح الدرجة السادسة بالمرتب الذي بلغه بالتسوية الأولى. ولا وجه للاحتجاج بإغفال قانون المعادلات للنص على هذا الحل فيما يتعلق بمؤهل المدعي خلافاً لما فعل بالنسبة إلى مؤهلات أخرى؛ إذ أن هذه المؤهلات الأخيرة تتميز بوضع خاص اقتضى هذا النص. أما ما يطلبه المدعي من نقله إلى الكادر الفني العالي فلا إلزام على الوزارة بالاستجابة إليه؛ إذ هي تترخص في هذا النقل، كما أن التسوية طبقاً لقواعد المعادلات تتم على أساس منح الموظف درجة سادسة شخصية في ذات الكادر الذي يشغله، ولا توجد في قانون التوظف قاعدة توجب تسوية حالة المدعي على كادر معين؛ ومن ثم يكون ما يطلبه من نقله إلى الكادر الفني العالي على غير أساس سليم من القانون. وقد أعلن هذا الحكم إلى وزارة الزراعة في 9 من فبراير سنة 1955 فاستأنفته أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعتها سكرتيرية المحكمة في 10 من مارس سنة 1955 طالبة "الحكم بقبول هذا الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء حكم المحكمة الإدارية الصادر لصالح المستأنف ضده في الدعوى المقدمة منه والمقيدة تحت رقم 705 سنة 2 القضائية، مع إلزامه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة". واستندت في أسباب هذا الاستئناف إلى الفقرة الرابعة من كتاب ديوان الموظفين رقم 82 لسنة 1953 الصادر في 23 من نوفمبر سنة 1953 التي تقضي بعدم جواز الجمع بين تسويتين لموظف واحد في حالة ما إذا كان حاصلاً على شهادات مختلفة، وإلى أن حالة المستأنف عليه قد سويت على أساس أكبر شهادة حصل عليها وهي دبلوم الدراسات التكميلية الزراعية، والماهية المقررة لهذا الدبلوم طبقاً لقانون المعادلات الدراسية هي 500 م و10 ج شهرياً في الدرجة السادسة. وليس ثمة نص يقضي بمنح الموظف هذا المرتب أو مرتبه الحاصل عليه فعلاً أيهما أكبر، كما هو الحال بالنسبة إلى بعض الدبلومات الأخرى التي قرر القانون لحملتها هذه الميزة. وفي 2 من إبريل سنة 1955 أودع المستأنف عليه سكرتيرية محكمة القضاء الإداري مذكرة انتهى فيها إلى التمسك بحكم المحكمة الإدارية فيما قضي به لصالحه. أما فيما يختص برفض نقله إلى الكادر الفني العالي فإنه لا زال مصراً على هذا الطلب؛ لكون وزارة التربية والتعليم حين قررت الدراسات التكميلية الزراعية إنما وضعت في برنامجها المنهج المطابق لما يدرس في كلية الزراعة والمعاهد الزراعية العالية؛ ولأنه هو ومعظم زملائه من الحاصلين على مؤهله يؤدون للحكومة ذات العمل الذي يقوم به خريجو كليات الزراعة. وبجلسة 6 من فبراير سنة 1956 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة "ب") في هذا الاستئناف الذي قيد تحت رقم 1478 لسنة 2 القضائية "بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون، وألزمت الحكومة المصروفات". وأسست قضاءها على أنه لا يفيد من أحكام القانون رقم 371 لسنة 1953 إلا الموظف الدائم المعين على درجة دائمة داخل الهيئة طبقاً للتفسير الوارد في القانون رقم 151 لسنة 1955. ولما كان المطعون عليه غير مستوف لهذه الشروط؛ لأنه موظف مؤقت غير دائم أي غير مثبت، فإن قانون المعادلات الدراسية لا ينطبق على حالته. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 5 من إبريل سنة 1956، وبني طعنه على سببين: أولهما بطلان الحكم، والثاني مخالفة القانون. أما بطلان الحكم المطعون فيه؛ فمرده إلى أنه نص في منطوقه على إلغاء قرار اللجنة القضائية بينما الدعوى المطروحة على المحكمة تتعلق بطعن في حكم صادر من محكمة إدارية. كما أنه صور الدعوى على أنها مستندة إلى قرارات مجلس الوزراء الصادر في 8 من أكتوبر سنة 1950 وأول يوليه و2 و9 من ديسمبر سنة 1951، في حين أن هذه القرارات لم يرد لها ذكر إطلاقاً أمام المحكمة الإدارية أو في حكمها أو في أقوال ذوي الشأن، ولم تشر المحكمة إلى النقطة القانونية التي كانت مثار المنازعة أمام المحكمة الإدارية والتي فصلت فيها بحكمها المستأنف، كما أنها لم تعرض للأسانيد القانونية التي قامت عليها الدعوى أمام المحكمة المذكورة، ولم تبحث أسباب الحكم المستأنف ولا الأوجه التي بني عليها الاستئناف. وأما مخالفة القانون فمرجعها إلى أن المطعون لصالحه، وقد توافرت فيه شروط الإفادة من قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953، كان يتعين تطبيق أحكام هذا القانون في حقه، الأمر الذي لم يكن قط محل منازعة من جانب الوزارة التي لم تختلف معه إلا في كيفية إجراء التسوية. وبمطالعة القانون المشار إليه يبن أنه إنما استهدف إنصاف طوائف الموظفين الذين تسري عليهم أحكامه بما يحقق فائدتهم، ولم يجز المساس بالمرتبات الفعلية التي يتقاضاها أصحاب التسويات. وإذا كان المشرع قد نص على الاعتداد بالمرتب الفعلي في أحوال عينها على سبيل الحصر فما ذلك إلا لأن الموظف غالباً ما يكون قد حصل خلال السنوات الثلاث على علاوة زاد بها مرتبه على 500 م و10 ج التي لا يستحقها حسب قانون المعادلات إلا بانقضاء المدة المذكورة. فكان من المتعين أن ينص على عبارة "أو بماهياتهم أيها أكبر" حتى لا يضار الموظف من التقدير المقرر لمؤهله في قانون المعادلات الدراسية، مما يعتبر تأكيداً للمبدأ السالف بيانه. أما تمسك المدعي في مذكرته المودعة سكرتيرية المحكمة في 2 من إبريل سنة 1955 بطلب نقله إلى الكادر الفني العالي الذي سبق أن رفضته المحكمة الإدارية فلا يعد بمثابة استئناف مقابل مقبول شكلاً؛ إذ لم يرفع بعريضة موقعة من محام مقبول للمرافعة أمام محكمة القضاء الإداري ولم يؤد عنه الرسم القانوني عند تقديمه؛ ومن ثم يتعين إغفال هذا الطلب. وانتهى السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة من هذا إلى طلب "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الاستئناف المرفوع من الوزارة، وتأييد حكم المحكمة الإدارية المستأنف، مع إلزام الوزارة بالمصروفات".
ومن حيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه وصف استئناف الحكومة للحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات المالية والتجارة والزراعة والتموين بأنه طعن في قرار صادر من اللجنة القضائية، ونسب إلى هذا القرار أنه استند إلى قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 8 من أكتوبر سنة 1950 وأول يوليه و2 و9 من ديسمبر سنة 1951 مع أن المحكمة لم تطبق سوى قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953، وانتهى من هذا إلى القضاء بإلغاء قرار اللجنة القضائية الذي افترض وجوده مجاوزاً بذلك الواقع فيما ذهب إليه، إذ أن الطعن إنما انصب على حكم صادر من المحكمة الإدارية لا على قرار من لجنة قضائية، وهو حكم لم يشر قط إلى أي من قرارات مجلس الوزراء التي ذكر الحكم المطعون فيه أنه استند إليها؛ ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد قام على أسباب منتزعة من أصول تخالف الثابت في الأوراق مما يوجب إلغاؤه، وذلك يقطع النظر عن إغفاله التعرض للنقطة القانونية التي كانت مثابر النزاع أمام المحكمة الإدارية وللأسانيد التي بنت عليها الوزارة استئنافها اكتفاء منه بتقرير عدم استحقاق المدعي أصلاً للإفادة من أحكام القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية بمقولة إنه موظف مؤقت غير دائم أي غير مثبت ولا يستقطع منه احتياطي المعاش.
ومن حيث إنه لما كان الثابت من ملف خدمة المطعون لصالحه أنه حصل على دبلوم الدراسة المتوسطة في الزراعة في سنة 1938 وعين بوزارة الزراعة في وظيفة من الدرجة الثامنة الفنية اعتباراً من 27 من يونيه سنة 1943، وأرجعت أقدميته في هذه الدرجة إلى 16 من ديسمبر سنة 1938، ثم منح الدرجة السابعة من أول مايو سنة 1946، وتقرر الخصم بماهيته على ربط وظيفة من الدرجة السابعة الفنية الدائمة (1 - 1 - أ كيمياء) بالكادر العادي اعتباراً من أول مارس سنة 1948، ثم حصل على دبلوم الدراسات التكميلية الزراعية في 10 من يوليه سنة 1951 وهو التاريخ الذي رقي فيه إلى الدرجة السادسة الشخصية بالتطبيق لأحكام القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية، ولما كان معيناً بصفة دائمة على ربط وظيفة دائمة بحسب وصفها الوارد في الميزانية في سلك الدرجات الداخلة في الهيئة فإنه تكون قد توافرت فيه - وفقاً لما سبق أن قضت به هذه المحكمة [(1)] - شروط الإفادة من أحكام القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية مفسراً بالقانون رقم 151 لسنة 1955 والقانون رقم 78 لسنة 1956؛ ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه - إذ قضي بعدم انطباق أحكام قانون المعادلات الدراسية المشار إليه على حالة المدعي بحجة عدم استيفائه للشروط المتطلبة في هذا القانون لكونه موظفاً مؤقتاً غير دائم أي غير مثبت - يكون قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه.
ومن حيث إنه يتضح من الأوراق أن أحقية المطعون لصالحه في الإفادة من قواعد قانون المعادلات الدراسية لم تكن في وقت ما محل نزاع من جانب الوزارة، وإنما ثار الخلاف في كيفية تسوية حالته وفقاً لأحكام هذا القانون؛ إذ تتمسك الوزارة بمنحة المرتب المقرر في القانون المشار إليه لمؤهله الأخير وهو 500 م و10 ج شهرياً في الدرجة السادسة الشخصية من تاريخ اعتماد هذا المؤهل دون نظر إلى المرتب الذي وصل إليه فعلاً وإن جاوز هذا القدر، بينما يطالب هو بتسوية حالته على أساس آخر مرتب كان يتقاضاه قبل وضعه في الدرجة السادسة باعتباره المرتب الأكبر من المرتب المقرر بمقتضى قانون المعادلات الدراسية.
ومن حيث إن القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية، وإن خلا من تقرير قاعدة عامة لتسوية حالة الموظفين الحاصلين على أكثر من مؤهل من المؤهلات المحددة في الجدول المرافق له، إلا أن الأصل فيه أن حكمه - وقد جاء مطلقاً في تقدير هذه المؤهلات وقاضياً بتسوية حالة كل موظف على أساس المؤهل الحاصل عليه - ينطبق دائما متى كان هذا المؤهل وارداً في الجدول المذكور. فإذا تعددت مؤهلات الموظف الواحد وكانت المزايا التي يتيحها له مؤهله الأعلى ترجح ما دونها من المزايا التي ترتبها له مؤهلاته الأخرى، كان المؤهل الأعلى هو الذي يعتد به، أما إذا كان لكل مؤهل مزاياه فلا سند لحرمان الموظف من الجمع بينها متى كانت كل مزية منها سائغة في ذاتها على حدة، كما لا وجه لإسقاط مزية تعلق حقه بها فعلاً وكان من شأنها أن تؤثر في مركزه القانوني الذي يقرره له مؤهله الأعلى؛ إذ أن نيل الموظف لمؤهل لم يكن حائزاً له أو لمؤهل أعلى مما كان حاصلاً عليه لا يجوز أن ينهض سبباً للانحدار بحالته مادياً أو معنوياً، ولو بصفة مؤقتة، إلى أدنى مما كانت عليه قبل حصوله على هذا المؤهل.
ومن حيث إن قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953 إنما قصد تقويم المؤهلات الدراسية التي حددها بتقدير المرتب والدرجة اللذين قررهما لكل منهما، ولم يتضمن أي نص يجيز المساس بالمرتبات الفعلية التي يتقاضاه أرباب التسويات الذين يفيدون من أحكامه أو انتقاص هذه المرتبات إذا ما جاوزت التقدير المقرر لمؤهلاتهم سواء في حالة الحصول على مؤهل واحد أو حالة الحصول على أكثر من مؤهل، وهو أمر لا يجوز إلا بنص صريح في القانون؛ ذلك أن الموظف يكسب مركزاً قانونياً ويترتب له حق ذاتي في المرتب الذي وصل إليه، ولا يؤثر في هذا المركز أو ألحق تسوية أريد بها تحسين حالته، لأنها لا تعتبر تعييناً جديداً منبت الصلة بخدمته الماضية وما بلغه من مرتب لاسيما إذا كانت الزيادة في المرتب التي نالها وهو في الوضع السابق على هذا التحسين ناتجة من قاعدة قانونية أخرى سليمة هي دورية العلاوة. وقد حرص المشرع - كما جاء في المذكرة الإيضاحية لقانون المعادلات الدراسية عندما رأى أن يقرن تنفيذ هذا القانون بإجراء من شأنه تخفيف بعض أعباء الخزانة العامة - على أن يبقى في المادة الخامسة من القانون على الزيادة في المرتب التي استحقت للموظفين الذين طبقت عليهم قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 8 من أكتوبر سنة 1950 وفي أول يوليه و2 و9 من ديسمبر سنة 1951 مع تنظيم طريقة خصم هذه الزيادة من إعانة غلاء المعيشة دون المساس بأصل المرتب. وإذا كان جدول تقدير الشهادات الدراسية المرافق للقانون المذكور قد نص في البنود (1)، (3)، (53) منه فيما يتعلق بدبلوم الفنون والصنائع أو دبلوم الفنون والصناعات قديم سنة 1910 إلى 1932 وبدبلوم الفنون التطبيقية نظام جديد "حديث" وبشهادة مدرسة المساحة على منح الحاصل على أي من هذه المؤهلات 10 ج في الدرجة السابعة من بدء التعيين على أن يمنح الدرجة السادسة بعد ثلاث سنوات بماهية 10.5 ج أو بالمرتب الحاصل عليه أيهما أكبر، فإن هذا النص إنما ورد لعلة خاصة لا تتعارض مع التفسير السابق، وذلك بالنسبة إلى المؤهلات المقدر لها مرتب عشرة جنيهات في الدرجة السابعة عند بدء التعيين ثم عشرة جنيهات ونصف في الدرجة السادسة بعد ثلاث سنوات؛ إذ قدر المشرع أن مرتب حملة هذه المؤهلات كثيراً ما يزيد بالعلاوات خلال السنوات الثلاث على ما هو مقرر لها في الجدول المرافق للقانون، فلم يشأ حرمانهم من هذه الزيادة نتيجة للتقدير المتوالي لمؤهلاتهم، ومن ثم أورد هذا النص دفعاً لكل تأويل وتأييد للمبدأ الأصلي.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بطلب المدعي نقله إلى الكادر الفني العالي فإن المحكمة الإداري سبق أن رفضت بحق هذا الطلب للأسباب التي استندت إليها، وهي أسباب صحيحة؛ إذ لا إلزام على الإدارة فيما تترخص فيه من نقل الموظف من سلك إلى آخر ما دام لا يوجد نص قانوني يحتم هذا النقل وما دام الموظف الذي تسوي حالته بالتطبيق لقانون المعادلات الدراسية إنما يوضع في درجة شخصية في ذات السلك المعين فيه على أن يمنح فيما بعد درجة أصلية بمراعاة شروط خاصة وفي حدود نسبة معينة من الخلوات وتبعاً لأوضاع مالية مقررة، وذلك بقطع النظر عن أن المدعي لم يضمن عريضة طعنه أمام محكمة القضاء الإداري في هذا الشق من حكم المحكمة الإدارية، ما دام قد أصر في مذكرته المودعة سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 2 من إبريل سنة 1955 على أنه ما زال متمسكاً بطلب نقله إلى الكادر الفني العالي.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون حكم المحكمة الإدارية قد صادق الصواب، ويكون حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين القضاء بإلغائه وبتسوية حالة المدعي وفقاً لما قضي به حكم المحكمة الإدارية بالتطبيق لأحكام القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية ورفض ما عدا ذلك من الطلبات مع إلزام الحكومة بالمصروفات المناسبة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباستحقاق المدعي تسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية على الوجه المبين بأسباب هذا الحكم، وألزمت الحكومة بالمصروفات المناسبة، ورفضت ما عدا ذلك.


[(1)] راجع الحكم الصادر في القضية رقم 250 لسنة 2 القضائية والمنشور بمجموعة السنة الأولى بند 79 صفحة 676.